عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر النَّخَعي لمّا ولاّه على مصر وأعمالها - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام

إضافة رد
كاتب الموضوع موالية صاحب البيعة مشاركات 1 الزيارات 2057 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

موالية صاحب البيعة
الصورة الرمزية موالية صاحب البيعة
نائب المدير العام
رقم العضوية : 4341
الإنتساب : Apr 2009
الدولة : جبل عامل
المشاركات : 3,037
بمعدل : 0.52 يوميا
النقاط : 10
المستوى : موالية صاحب البيعة is on a distinguished road

موالية صاحب البيعة غير متواجد حالياً عرض البوم صور موالية صاحب البيعة



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر النَّخَعي لمّا ولاّه على مصر وأعمالها
قديم بتاريخ : 06-Jul-2010 الساعة : 11:41 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر النَّخَعي لمّا ولاّه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر محمّد بن أبي بكر (رحمه الله)
القسم الأول :
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ؛ فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا[1] عِنْدَ الْجَمَحَاتِ[2] فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ. ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ؛ وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ.

فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ[3] عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإْنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ.

وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ[4] مِنْهُمُ الزَّلَلُ[5] وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ،يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ[6] أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ.

وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ[7] فَإِنَّهْ لاَيَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ[8] وَلاَ غِنَىً بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ، وَلاَ تَبْجَحَنَّ[9] بِعُقُوبَةٍ، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ[10] وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً[11] وَلاَ تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ[12] آمُرُ إِدْغَالٌ[13] فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ[14] لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ[15].

وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً[16] أَوْ مَخِيلَةً[17] فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدرِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ[18] إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ[19] وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ[20] ويَفِيءُ[21] إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ[22] عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ!

إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ[23] اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ.

أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً[24] مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ[25] حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً[26] حَتَّى يَنْزعَ[27] أو يَتُوبَ.

وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ.

وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ[28] وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ.

وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلإِِْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالإِِْلْحَافِ[29] وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الإْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ[30] الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ للأََعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ[31] لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ.

وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ[32] عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ[33] النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ، يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.

أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ[34] وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ[35] وَتَغَابَ[36] عَنْ كلِّ مَا لاَ يَضِحُ[37] لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِيَ[38] غَاشّ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.

وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ[39] وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ[40] وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الأمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ[41] بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ[42] شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ.

شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ للأْشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآَثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً[43] فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاْثَمَةِ[44] وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ[45] وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ[46]. وَأَوْزَارِهِمْ[47] وَاثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى إِثْمِهِ، أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً[48] فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لأِوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ. وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ[49] عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ[50]. بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الإْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْو[51] مِنَ الْعِزَّةِ[52].

وَلاَ يَكُونَنَّ الْـمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإْحْسَانِ،تَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإْسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَالٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ[53]، فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجَتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّن حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً[54] طَوِيلاً، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ[55].

وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الألْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ،لاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا.

وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ[56] الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْضٍ، وَلاَ غِنَىً بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ، ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ؛ وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ[57] وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً.

فَالْجُنُودُ، بِإِذْنِ اللهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الأَمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ. ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا أصْلَحهُمْ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ[58].

ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ[59] وَيَجْمَعُونَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الأمُورِ وَعَوَامِّهَا.

وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ[60] وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ[61] بِأَيْدِيهِمْ ممّا لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ[62] وَمَعُونَتُهُمْ. وَفِي اللهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ، وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ. وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللهُ مِنْ ذلِكَ إِلاَّ بِالاهْتَِمامِ وَالاسْتِعَانَةِ بِاللهِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ.

فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لله وَلِرَسُولِهِ ولإمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْج جَيْباً[63]، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً[64] مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَس وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى[65] الأقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِالضَّعْفُ.

ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالأحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ[66] وَشُعَبٌ[67] مِنَ الْعُرْفِ[68].

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ[69] فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً[70] تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ.

وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ.

وَلْيَكُنْ آثَرُ[71] رُؤوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ[72] فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ[73] مِنْ جِدَتِهِ[74] بِمَا يَسَعُهُمُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِي[75] يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ.

وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ، وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ[76] عَلَى وُلاَةِ أُمُورِهِمْ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِمُدَّتِهِمْ.

فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلى ذَوُوالْبَلاَءِ[77] مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ[78]، إِنْ شَاءَ اللهُ.

ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِئ[79] إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِئ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظيِماً.

وَارْدُدْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ[80] وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الأمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ سبحانه لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}، فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ: الأخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ[81] وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ: الأخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.

ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ[82] وَلاَ يَتَمادَى[83] فِي الزَّلَّةِ[84] وَلاَ يَحْصَرُ[85] مِنَ الْفَيْءِ[86]، ؟ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ[87] عَلَى طَمَعٍ، فَهْمٍ دُونَ أَقصَاهُ[88] وْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ[89] وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً[90] بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ[91] عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ[92] وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وأُولئِكَ قَلِيلٌ.

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ[93] قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ[94] مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ. فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً، فَإِنَّ هذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الأشْرَارِ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا.

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً[95] وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً[96] وأَثَرَةً[97]، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ[98] وَتوَخَّ[99] مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، فِي الإسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ[100]، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاَُْمُورِ نَظَراً.

ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأرْزَاقَ[101] فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ[102].

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ[103] مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ[104] عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ.

وَتَحَفَّظْ مِنَ الأعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ.

وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لأنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.

وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ[105] الْخَرَاجِ، لأنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.

فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً[106] أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ[107] أَوْ بَالَّةٍ[108] أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ[109] اغْتَمَرَهَا[110] باً غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ[111] خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ[112] بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ[113] فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ[114] بِمَا ذَخَرْت[115] عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ[116] لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوّدتهُم مِنْ عَدلِكَ عَلَيْهِمْ فِي رِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأرْضِ مِنْ إِعْوَازِ[117] أَهْلِهَا، وإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ[118] وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.

____________________


[1] يزعها: يكفها.

[2] الجَمَحات: منازعات النفس إلى شهواتها ومآربها.

[3] شُحّ بنَفْسِك: ابخل بنفسك عن الوقوع في غيرالحل، فليس الحرص على النفس إيفاءها كل ما تحب، بل من الحرص أن تحمل على ما تكره.

[4] يَفْرُط: يسبق.

[5] الزلل: الخطأ.

[6] استكفاك: طلب منك كفاية أمرهم والقيام بتدبير مصالحهم.

[7] أراد بحرب الله: مخالفة شريعته بالظلم والجور.

[8] لا يدي لك بنقمته: أي ليس لك يد أن تدفع نقمته، أي لا طاقة لك بها.

[9] بجح به: كفرح لفظاً ومعنى.

[10] البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.

[11] المندوحة: المتسع، أي المخلص.

[12] مؤمّر كمعظم ـ أي: مسلّط.

[13] الاِدغال: إدخال الفساد.

[14] منهكة: مضعفة، وتقول: نهكه، أي أضعفه... وتقول: نهكه السلطان من باب فهم، أي: بالغ في عقوبته.

[15] الغَير ـ بكسر ففتح ـ : حادثات الدهر بتبدل الدول.

[16] الأبّهة ـ بضم الهمزة وتشديد الباء مفتوحة ـ : العظمة والكبرياء.

[17] المَخِيلة ـ بفتح فكسر ـ : الخيلاء والعجب.

[18] يُطامن الشيء: يخفض منه.

[19] الطِّماح ـ ككتاب ـ : النشوز والجماح.

[20] الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ : الحدة.

[21] يفيء: يرجع.

[22] عَزَب: غاب.

[23] المساماة: المباراة في السمو، أي العلو.

[24] من لك فيه هوى: أي لك إليه ميل خاص.

[25] أدحض: أبطل.

[26] كان حرباً: أي محارباً.

[27] ينزع ـ كيضرب ـ أي: يقلع عن ظلمه.

[28] يجحِف برضى الخاصة: يذهب برضاهم.

[29] الاِلحاف: الالحاح والشدة في السؤال.

[30] جِماع الشيء ـ بالكسر ـ : جمعه، أي جماعة الاسلام.

[31] الصِّغو ـ بالكسر والفتح ـ : الميل.

[32] أشنؤهم: أبغضهم.

[33] الاَطلب للمعائب: الأشد طلباً لها.

[34] أطلق عقدة كل حقد: احلل عقد الاَحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم.

[35] الوِتْر ـ بالكسر ـ : العداوة.

[36] تَغَابَ: تغافَلْ.

[37] يَضِح: يظهر، والماضي: و َضَحَ. وفي بعض النسخ: يَصِحُّ

[38] الساعي: هو النمام بمعائب الناس.

[39] الفضل ـ هنا ـ : الاِحسان بالبذل.

[40] يَعِدُك الفقر: يخوفك منه لو بذلت.

[41] الشّرَه ـ بالتحريك ـ : اشد الحرص.

[42] غرائز: طبائع متفرقة.

[43] بِطانة الرجل ـ بالكسر ـ : خاصته، وهو من بِطانة الثوب خلاف ظهارته.

[44] الأثمة: جمع آثم، وهو فاعل الإثم، أي الذنب.

[45] الظّلَمَة: جمع ظالم.

[46] الآصار: جمع إصر بالكسر، وهو الذنب والاِثم.

[47] الاَوزار: جمع وِزْر، وهو الذنب والاِثم أيضاً.

[48] الإلف ـ بالكسر ـ : الألفة والمحبة.

[49] رُضْهُم: أي عوّدهم على ألا يطروك، أي يزيدوا في مدحك.

[50] لا يَبْجَحُوك: أي يفرحوك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تكن فعلته.

[51] الزَّهْو ـ بالفتح ـ : العُجْب.

[52] تدني: أي تقرب. والعزة ـ هنا ـ : الكِبْر.

[53] قِبَلَهُمْ ـ بكسر ففتح ـ أي: عندهم.

[54] النَّصَب ـ بالتحريك ـ : التعب.

[55] ساء بلاؤك عنده: البلاء ـ هنا ـ الصنع مطلقاً حسناً أوسيئاً.

[56] المنافثة: المجالسة [المحادثة].

[57] سهمه: نصيبه من الحق.

[58] يكون من وراء حاجتهم: أي يكون محيطاً بجميع حاجاتهم دافعاً لها.

[59] المعاقد: العقود في البيع والشراء، وما شابههما مما هو شأن القضاة.

[60] المرافّق: أي المنافع التي يجتمعون لاَجلها.

[61] الترفق: أي التكسب بأيديهم ما لا يبلغه كسب غيرهم من سائر الطبقات.

[62] رِفْدهم: مساعدتهم وصلتهم.

[63] جيب القميص: طوقه؛ ويقال: تقي الجيب، أي: طاهر الصدر والقلب.

[64] الحِلم ـ هنا ـ : العقل.

[65] ينبو عليهم: يتجافى عنهم ويبعد.

[66] جماع من الكرم: مجموع منه.

[67] شُعَب ـ بضم ففتح ـ : جمع شعبة.

[68] العُرف: المعروف.

[69] تفاقم الاَمر: عظم، أي لا تعدّ شيئاً قويتهم به غاية في العظم زائداً عما يستحقون، فكل شيء قويتهم به واجب عليك اتيانه، وهم مستحقون لنيله.

[70] لا تحقرَنّ لطفاً: أي لا تعد شيئاً من تلطفك معهم حقيراً فتتركه لحقارته، بل كل تلطف ـ وإن قل ـ فله موقع من قلوبهم.

[71] آثر: أي أفضل وأعلى منزلة.

[72] وَاسَاهُمْ: ساعدهم بمعونته لهم.

[73] أفضل عليهم: أي أفاض.

[74] الجِدَة ـ بكسر ففتح ـ : الغنى.

[75] خلوف أهليهم: جمع خَلْف ـ بفتح وسكون ـ وهو من يبقى في الحي من النساء والعَجَزَة بعد سفر الرجال.

[76] حِيطة ـ بكسر الحاء ـ : من مصادر حاطه، بمعنى حفظه وصانه.

[77] ذوو البلاء: أهل الاَعمال العظيمة.

[78] يحرض الناكل: يحث المتأخر القاعد.

[79] بلاء امرئ: صنيعه الذي أبلاه.

[80] ما يُضْلِعُك من الخطوب: ما يؤودك ويثقلك ويكاد يُمِيلك من الاَمور الجسام.

[81] مُحْكَم الكتاب: نصّه الصريح.

[82] تمحّكه الخصوم: تجعله ما حقاً لجوجاً، يقال: مَحَك الرجل ـ كمنَعَ ـ إذا لجّ في الخصومة، وأصرّ على رأيه.

[83] يتمادى: يستمر ويسترسل.

[84] الزَلّة ـ بالفتح ـ : السقطة في الخطأ.

[85] لا يَحْصر: لا يعيا في المنطق.

[86] الفيء: الرجوع إلى الحق.

[87] لا تشرف نفسه: لا تطّلع. والاشراف على الشيء: الاطّلاع عليه من فوق.

[88] أدنى فهم وأقصاه: أقربه وأبعده.

[89] الشبهات: ما لا يتضح الحكم فيه بالنصّ، وفيها ينبغي الوقوف على القضاء حتى يرد الحادثة إلى أصل صحيح.

[90] التبرّم: الملل والضجر.

[91] أصرمهم: أقطعهم للخصومة وأمضاهم.

[92] لا يزدهيه إطراء: لا يستخفّه زيادة الثناء عليه.

[93] تعاهده: تتبعه بالاستكشاف والتعرف.

[94] افسح له في البذل: أي أوْسِع له في العطاء بما يكفيه.

[95] اسْتَعْمِلْهُمْ اختباراً: وَلِّهم الاَعمال بالامتحان.

[96] محاباة: أي اختصاصاً وميلاً منك لمعاونتهم.

[97] أثَرَة ـ بالتحريك ـ أي: استبداداً بلا مشورة.

[98] فإنهما جماع من شُعَب الجور والخيانة: أي يجمعان فروع الجور والخيانة.

[99] توخَّ: أي اطلب وتحرَّ أهل التجربة.

[100] القَدَم ـ بالتحريك ـ : واحدة الأقدام، أي الخطوة السابقة، وأهلها هم الاَولون.

[101] أسبغ عليه الرزق: أكمله وأوسع له فيه.

[102] ثلموا أمانتك: نقصوا في أدائها أو خانوا.

[103] العيون: الرقباء.

[104] حَدْوَة: أي سَوق لهم وحثّ.

[105] في بعض النسخ: بالجيم والحاء والخاء.

[106] إذا شكوا ثِقَلاً أوعلّة: يريد المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته.

[107] إنقِطاع شِرْبٍ ـ بالكسر ـ أي: ماء في بلاد تسقى بالأنهار.

[108] إنقطاع بالّة: أي ما يبلّ الاَرض من ندى ومطر فيما تسقى بالمطر.

[109] إحالة أرض ـ بسكر همزة إحالة ـ أي: تحويلها البذور إلى فساد بالتعفن.

[110] اغتمرها: أي عمّها من الغرق فغلبت عليها الرطوبة حتى صار البذر فيها غمقاً ـ ككتف ـ أي له رائحة خمة وفساد.

[111] أجحف العطش: أي أتلفها وذهب بمادة الغذاء من الاَرض فلم ينبت.

[112] التبجح: السرور بما يرى من حسن عمله في العدل.

[113] استفاضة العدل: انتشاره.

[114] معتمداً فضل قوتهم: أي متخذاً زيادة قوتهم عماداً لك تستند اليه عند الحاجة.

[115] ذَخَرت: وفّرْت.

[116] الاِجْمام: الترفيه والاراحة.

[117] الاِعْواز: الفقر والحاجة.

[118] إشراف أنفسهم على الجمع: لتطلّع أنفسهم إلى جمع المال، ادخاراً لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا.



آخر تعديل بواسطة موالية صاحب البيعة ، 06-Jul-2010 الساعة 11:45 AM. سبب آخر: تعديل على العنوان


موالية صاحب البيعة
الصورة الرمزية موالية صاحب البيعة
نائب المدير العام
رقم العضوية : 4341
الإنتساب : Apr 2009
الدولة : جبل عامل
المشاركات : 3,037
بمعدل : 0.52 يوميا
النقاط : 10
المستوى : موالية صاحب البيعة is on a distinguished road

موالية صاحب البيعة غير متواجد حالياً عرض البوم صور موالية صاحب البيعة



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : موالية صاحب البيعة المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-Jul-2010 الساعة : 12:19 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


القسم الثاني :


ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الأخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ[119] الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلإٍ[120] وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ الْغَفْلَةُ[121] عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوابِ عَنْكَ، وفِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ[122] وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ[123] وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفسِهِ فِي الأمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بَقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ.

ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ[124] وَاسْتِنَامَتِكَ[125] وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ[126] بِتَصَنُّعِهِمْ[127] وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، لَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاْمَانَةِ شَيْءٌ، وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وَلُوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لأحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالأمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لله وَلِمَنْ وَلِيتَ أَمْرَهُ.

وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ[128] عَنْه أُلْزِمْتَهُ.

ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ[129] وَالْمُتَرَفِّقِ[130] بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ[131]، وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَباعِدِ وَالْمَطَارِحِ[132] فِي بَرِّ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا[133] وَلاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ[134] لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ[135] وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ وَفِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ.

وَاعْلَمْ ـ مَعَ ذلِكَ ـ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً[136] فَاحِشاً، وَشُحّاً[137] قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً[138] لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وَذلِكَ بَاب وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ مَنَعَ مِنْهُ.

وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ[139] فَمَنْ قَارَفَ[140] حُكْرَةً[141] بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ[142] وَعَاقِبْ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ[143] ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِين وَالْـمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى[144] وَالزَّمْنَى[145] فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً[146] وَمُعْتَرّاً[147]، وَاحْفَظْ لله مَا اسْتَحْفَظَكَ[148] مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاج بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسماً مِنْ غَلاَّتِ[149] صَوَافِي[150] الاْسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فإِنَّ للأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي للأدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلاَ يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ[151] فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بتضييعكَ التَّافِهَ[152] لإحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.

فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ[153] عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ[154] وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ[155] وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لأولئِكَ ثِقَتَكَ[156] مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُ بَالإعْذَارِ إِلَى اللهِ تَعَالَى[157] يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيهِ.

وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ[158] مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ.

وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ[159] مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ[160] وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ[161] وَشُرَطِكَ[162] حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ[163] فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ[164] «لَنْ تُقَدَّسَ[165] أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ». ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ[166] مِنْهُمْ وَالْعِيَّ[167]، وَنَحِّ[168] عَنْكَ الضِّيقَ[169] وَالاْنَفَ[170] يَبْسُطِ اللهُ ع رَحْمَتِهِ[171]، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً[172] إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ[173].

ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا، مِنْهَا: إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا[174] عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا: إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ عِنْدَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ مِمَّا تَحْرَجُ[175] بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ.

وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ، وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ تعالى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ[176] تِلْكَ الأقْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لله إِذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ.

وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ لله بِهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللهَ مِن بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ كَاملاً غَيْرَ مَثْلُومٍ[177] وَلاَ مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ.

وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً[178] فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى اليَمنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً».

وَأَمَّا بَعْدُ، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأمُورِ، وَالاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دوُنَهُ فَيَصْغُرُ عِندَهُمْ الْكَبِيرُ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ[179] تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْن: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ[180] فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ، أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ؟! أَوْ مُبْتَلَىً بِالْمَنعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا[181] مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا عَلَيْكَ، مِنْ شَكَاةِ[182] مَظْلِمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصافٍ فِي مُعَامَلَةٍ.

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ [فِي مُعَامَلَة]، فَاحْسِمْ[183] مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأحْوَالِ، وَلاَ تُقْطِعَنَّ[184] لأحَدٍ مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ[185] قَطِيعةً، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ[186] عُقْدَةٍ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْبٍ[187] أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذلِكَ[188] لَهُمْ دُونَكَ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ.

وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ[189] ذلِكَ مَحْمُودَةٌ.

وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً[190] فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ[191] وَاعْدِلْ[192] عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ [رِيَاضَةً[193] مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَج إِعْذَاراً[194] تَبْلُغُ فِيه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.

وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّ كَ لله فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً[195] لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ[196] فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ.

وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً[197] فَحُطْ عَهْدَكَ[198] بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّة[199] أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ عزّوجلّ شَيْءٌ النَّاسُ أَشدُّ عَلَيْهِ اجْتَِماعاً، مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشْتِيتِ آرَائِهِمْ، مِنَ تَعْظيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ[200]؛ فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ[201] وَلاَ تَخْتِلَنَّ[202] عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئ عَلَى اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ.

وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ[203] بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً[204] يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ[205] ويَسْتَفِيضُونَ[206] إِلَى جِوَارِهِ، فَلاَ إِدْغَالَ[207] وَلاَ مُدَالَسَةَ[208] وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ، وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تَجُوزُ فِيهِ الْعِلَلُ[209] وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ[210] مر بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهِ فِيهِ طَلِبَةٌ[211] لا تَسْتَقِبلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَلاَ آخِرَتَكَ.

إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا. وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ؛ فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ. وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لأِنَّ فِيهِ قَوَدَ[212] حر الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ[213] بِعُقُوبَةٍ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ[214] فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ[215] نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ.

وَإِيَّاكَ وَالاْعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الإطْرَاءِ[216] فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِـيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْـمُحْسِنِينَ.

وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ[217] فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ[218] عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ؛ قَالَ اللهُ سبحانه: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.

[و] إيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالأمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ[219] أَوِ الْوَهْنَ[220] عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَلٍ مَوْقِعَهُ.

وَإيَّاكَ وَالاِسْتِئْثَارَ[221] بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ[222] وَالتَّغَابِيَ[223] عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلَيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ. امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ[224] وَسَوْرَةَ[225] حَدِّكَ[226] وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ[227] لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ[228] وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاخْتِيَارَ، وَلَنْ تَحْكُمَ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ.

وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ: مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا أَو فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عهْدِي هذَا، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ، لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا، [فَلَنْ يَعْصِمَ مِنَ السُّوءِ وَلاَ يُوَفِّقَ لِلْخَيْرِ إلاَّ اللهُ تَعَالى.

وَقَدْ كَانَ فِيمَا عَهِدَ إليَّ رَسُولُهُ فِي وَصَايَاهُ: «تَحضيضاً عَلَى الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، فَبِذَلِكَ أَخْتِمُ لَكَ مَا عَهِدَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ العَظِيمِ].

ومن هذا العهد وهو آخره:

وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فيهِ رِضَاهُ مِنَ الإقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ، وَجَمِيلِ الأثَرِ فِي الْبَلاَدِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ[229] وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ، وإِنَّا إِلَيْهِ رَاغِبُونَ. وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ كثيراً.
______________________________

[119] لا تُبْطِره: أي لا تطغيه.

[120] ملأ: جماعة من الناس تملأ البصر.

[121] لا تُقصر به الغفلة: أي لا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك، ولا في إصدار الاَجوبة عنه على وجه الصواب.

[122] عَقْداً اعْتَقَدَه لك: أي معاملة عقدها لمصلحتك.

[123] لا يعجز عن إطلاق ما عُقِد عليك: إذا وقعت مع أحد في عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد.

[124] الفِراسة ـ بالكسر ـ : قوة الظن وحسن النظر في الاَمور.

[125] الاستنامة: السكون والثقة.

[126] يتعرفون لفراسات الولاة: أي يتوسلون اليها لتعرفهم.

[127] بتصنعهم: بتكلفهم إجادة الصنعة.

[128] تغابيت: أي تغافلت.

[129] المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان.

[130] المترفّق: المكتسب.

[131] المَرَافِق: ما ينتفع به من الاَدوات والآنية.

[132] المطارح: الاَماكن البعيدة.

[133] لا يلتئم الناس لمواضعها: أي لا يمكن التئام الناس واجتماعهم في مواضع تلك المرافق من تلك الاَمكنة.

[134] انهم سِلْم: أي أن التجار والصناع مسالمون.

[135] البائقة: الداهية.

[136] الضيق: عسر المعاملة.

[137] الشحّ: البخل.

[138] الاحتكار: حبس المطعوم ونحوه عن الناس، لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.

[139] المبتاع ـ هنا ـ : المشتري.

[140] قارف: أي خالط.

[141] الحُكْرَة ـ بالضم ـ : الاحتكار.

[142] نَكّل: أي أوقع به النكال والعذاب، عقوبة له.

[143] في غير إسراف: أي من غير أن تجاوز حد العدل.

[144] البؤسى ـ بضم أوله ـ : شدة الفقر.

[145] الزَّمْنَى ـ بفتح أو له ـ : جمع زمين وهو المصاب بالزَّمانة ـ بفتح الزاي ـ أي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.

[146] القانع: السائل.

[147] المُعْترّ ـ بتشديد الراء ـ : المتعرض للعطاء بلا سؤال.

[148] اسْتَحْفَظَك: طلب منك حفظه.

[149] غَلاّت: ثمرات.

[150] صوافي الاسلام: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة.

[151] بَطَر: طغيان بالنعمة.

[152] التافه: الحقير.

[153] لا تُشْخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.

[154] صعّر خدّه: أماله إعجاباً وكبراً.

[155] تقتحمه العين: تكره أن تنظر اليه احتقاراً وازدراءً.

[156] فَرِّغ لأولئك ثقتك: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.

[157] بالإعذار إلى الله تعالى: أي بما يقدم لك عذراً عنده.


[158] ذووالرقّة في السن: المتقدمون فيه.

[159] لذوي الحاجات: أي المتظلمين، تتفرغ لهم بشخصك للنظر في مظالمهم.

[160] تُقْعِد عنهم جندك: تأمر بأن يُقعَد عنهم ولا يتعرض لهم جندك.

[161] الاَحراس: جمع حرس ـ بالتحريك ـ وهو من يحرس الحاكم من وصول المكروه.

[162] الشُّرَط ـ بضم ففتح ـ : طائفة من أعوان الحاكم، وهم المعروفون بالضابطة، واحده شرطة ـ بضم فسكون ـ .

[163] التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز وعِي، والمراد غير خائف، تعبيراً باللازم.

[164] في غير موطن: أي في مواطن كثيرة.

[165] التقديس: التطهير، أي لا يطهر الله أمة ... .

[166] الخُرق ـ بالضم ـ : العنف ضد الرفق.

[167] العِي ـ بالكسر ـ : العجز عن النطق.

[168] نَحِّ: فعل أمر من نحّى ينحي، أي أبعِدْ عنهم.

[169] الضيق: ضيق الصدر بسوء الخلق.

[170] الأنَف ـ محركة ـ : الاستنكاف والاستكبار.

[171] أكناف الرحمة: أطرافها.

[172] هنيئاً: سهلاً لا تخشنه باستكثاره والمنّ به.

[173] امنع في إجمال وإعذار: وإذا منعت فامنع بلطف وتقديم عذر.

[174] يعيا: يعجز.

[175] حَرِجَ يَحْرَج ـ من باب تَعِب ـ : ضاق، والاَعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، ويحبون المماطلة في قضائها استجلاباً للمنفعة، أوإظهاراً للجبروت.

[176] أجزلها: أعظمها.

[177] غير مثلوم: أي غير مخدوش بشيء من التقصير ولا مخرق بالرياء.

[178] لا تكوننّ منفّراً ولا مضيعاً: أي لا تُطِل الصلاة فتكرّه بها الناس ولا تضيع منها شيئاً بالنقص في الاَركان، بل التوسط خير.

[179] سمات: جمع سمة ـ بكسر ففتح ـ : وهي العلامة.

[180] البذل: العطاء.

[181] أيِسُوا: قنطوا ويئِسوا.

[182] شكاة ـ بالفتح ـ : شكاية.

[183] فاحسم: أي اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم، وإنما يكون بالأخذ على أيديهم ومنعهم من التصرف في شؤون العامة.

[184] الاقطاع: المنحة من الاَرض، والقطيعة: الممنوح منها.

[185] الحامّة ـ كالطامّة ـ : الخاصّة والقرابة.

[186] الاعتقاد: الامتلاك، والعقدة ـ بالضمّ ـ : الضيعة، واعتقاد الضيعة: اقتناؤها، وإذا اقتنوا ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.

[187] الشِّرْب ـ بالكسر ـ : هو النصيب في الماء.

[188] مهنأ ذلك: منفعته الهنيئة.

[189] المَغَبَّة ـ كَمَحَبّة ـ : العاقبة.

[190] حَيْفاً: أي ظلماً.

[191] أصْحِرْ لهم بعذرك: أي ابرز لهم، وبيّن عذرك فيه. وهو من الإصحار: الظهور، وأصله البروز في الصحراء.

[192] عَدَل الشيء عن نفسه: نحّاه عنه.

[193] رياضةً: أي تعويداً لنفسك على العدل.

[194] الاعذار: تقديم العذر أوإبداؤه.

[195] الدَّعَة ـ محرّكة ـ : الراحة.

[196] قارَبَ ليتغفّل: أي تقرّب منك بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.

[197] أصل معنى الذمّة: وجدان مودع في جبلّة الانسان، ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق عليه، ويدفعه لأداء ما يجب عليه منها. ثم أطلقت على معنى العهد، وجعل العهد لباساً لمشابهته له في الرقابة من الضرر.

[198] حُطْ عهدك: أمر من حاطه يحوطه بمعنى حفظه وصانه.

[199] الجُنّة ـ بالضم ـ : الوقاية، أي حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك.

[200] لِمَا اسْتَوْبَلوا من عواقب الغدر: أي وجدوها وَبيلة، مهلكة.

[201] خاس بعهده: خانه ونقضه.

[202] الخَتْل: الخداع.

[203] أفضاه ـ هنا ـ : بمعنى أفشاه.

[204] الحريم: ما حرم عليك أن تمسه.

[205] المَنَعة ـ بالتحريك ـ : ما تمتنع به من القوة.

[206] يستفيضون: أي يفزعون اليه بسرعة.

[207] الادغال: الافساد.

[208] المدالسة: الخيانة.

[209] العلل: جمع عِلّة، وهي في النقد والكلام، بمعنى ما يصرفه عن وجهه ويحوله إلى غير المراد، وذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه وعدم صراحته.

[210] لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض.

[211] أن تحيط بك من الله فيه طلبة: أي تأخذك بجميع أطرافك مطالبة الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدرت به.

[212] القَوَد ـ بالتحريك ـ : القصاص، وإضافته للبدن لأنه يقع عليه.

[213] أفْرَطَ عليك سوْطك: عَجّلَ بما لم تكن تريده، أَردت تأديباً فأعْقَبَ قتلاً.

[214] الوَكْزَة ـ بفتح فسكون ـ : الضربة بجُمع الكف ـ بضم الجيم ـ أي قبضته، وهي المعروفة باللكمة.

[215] تَطْمَحَنّ بك: ترتفِعَنّ بك.

[216] الإطراء: المبالغة في الثناء.

[217] التزيّد ـ كالتقيّد ـ : إظهار الزيادة في الاَعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار.


[218] المقت: البغض والسخط.

[219] اللجاجة: الاصرار على النزاع. وتنكّرَت: لم يعرف وجه الصواب فيها.

[220] الوَهْن: الضعف.

[221] الاستئثار: تخصيص النفس بزيادة.

[222] الناس فيه أُسوة: أي متساوون.

[223] التغابي: التغافل.

[224] يقال: فلان حميّ الأنف: إذا كان أبياً يأنف الضيم.

[225] السَّوْرة ـ بفتح السين وسكون الواو ـ : الحِدّة.

[226] الحَدّة ـ بالفتح ـ : البأس.

[227] الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ : الحدّ، تشبيهاً له بحد السيف ونحوه.

[228] البادرة: ما يبدو من اللسان عند الغضب من سباب ونحوه.

[229] تضعيف الكرامة: زيادة الكرامة أضعافاً.




إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc