اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
في ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك وبينما يعزي الموالون صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بمصيبة جده المظلوم، ومع انشغال المسلمين بأعمال ليلة القدر المباركة تتبادر إلى الأذهان الفكرة التالية وهي: إن من أعمال هذه الليلة العظيمة التي تقدر فيها مصائر العباد وتقيم أعمالهم هو لعن قتلة أمير المؤمنين، فهل ثمة أناس آخرون غير ابن ملجم شاركوا في قتل أمير المؤمنين ()؟.
قبل الإجابة على هذا السؤال المهم لا بأس بالإشارة إلى أن القتل ربما كان بالمباشرة كأن يرمي الإنسان غيره من شاهق فسيقتله، وأخرى يكون بالتسبيب كما لو قيد أحدهم إنسانا وجاء غيره وقتله، فكلاهما يصدق عليه أنه قتال.
والآن لنرى من الذي قتل أمير المؤمنين () وأفجع المسلمين بمصابه الجلل، فهل هو ابن ملجم –الذي أغراه شوق قطام وارتكب المصيبة التي اهتزت لها السماوات السبع أم هناك غيره؟
وإذا كان القاتل هو ابن ملجم فقط، فلماذا هذا التعبير الجمعي في أعمال ليلة عظيمة كليلة القدر حيث يقول المؤمنون مائة مرة: اللهم العن قتلة أمير المؤمنين؟.
إذن يبدو أن هناك أناساً غير ابن ملجم لهم يد في قتل أمير المؤمنين ()، وهذا ما يتكفل التاريخ ببيان.
معاوية مؤسس الخوارج:
لا يخفى أن عبد الرحمن بن ملجم هو أحد أقطاب الخوارج الذين انطلت عليهم ألعوبة رفع المصاحف التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان بإيعاز من عمرو بن العاص داهية السوء.
فلما وجد معاوية أن جيشه قد أوشك على الانهزام لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على بعض السذج في جيش الإمام علي () يتراجعون عن القتال ويرغمون الإمام علياً () على التوقف عن الحرب.
وبالفعل، فقد نجح مخطط معاوية وتراجع الخوارج عن القتال وفرضوا على المؤمنين أن يأمر مالك الأشتر الذي أوشك يصل إلى معاوية ويقضي عليه، فبعث إليه يأمره بالعودة على مضض، فعاد مالك والحسرة في قلبه بعد أن كاد يقضي على رأس النفاق ويخلص المسلمين من شره.
عثمان وتولية معاوية الشام:
عند ما آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان غير في سنن الله الكثير وعطل من أحكام الله ما لا يستهان به حيث إنه أحدث الكثير من المخازي والمساوئ؛ ومنها توليته لكثير من المنحرفين الضالين على البلاد الإسلامية، ومنهم الوليد بن عقبة المتجاهر بشرب الخمر والفساد الذي نزل فيه قوله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)(1).
حيث روى المفسرون أن المراد بالفاسق هو الوليد والمراد بالمؤمن هو علي ().
كما انه آوى الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله من المدين. ومن الذين اتخذهم عثمان بن عفان ولاة على الشام هو معاوية بن أبي سفيان حيث سلطه على رقاب المسلمين مع عمله بفسقه وانحرافه ولعن الرسول () له ودعائه عليه، وبذلك مكن عثمان معاوية من التسلط على خيرات المسلمين حتى إذا مضى عثمان بقي معاوية يعارض أمير المؤمنين ويدعي أنه () له يد في قل عثمان.
الشورى وتعيين عثمان:
ونحن لو وقفنا قليلاً عند الأحداث التاريخية وتمعناً فيها بدقة لوجدنا أن عثمان بن عفان نفسه لم يصل إلى سدة الحكم إلا بتمهيد منه عمر بن الخطاب الذي جعل القضية شورى وعين شرائطه المعروفة، فقد نُقل أن سعيد بن العاص جاء عند عمر فقال له عمر: سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك، ويقضي حاجتك. فقال سعيد: فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان وأخذها...
فوصلني وأحسن وقضى حاجتي، وأشركني في أمانته(2).
ابن عوف يلعب بالخلافة!
ليس هناك من شك أن مثل عبد الرحمن بن عوف كان عالماً بموقف أمير المؤمنين () من خلافة الشيخين، إلا أنه مع ذلك خلى به () وقال له: لنا الله عليك عن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه، وسيرة أبي بكر وعمر.
ومن الطبيعي أن يجيبه أمير المؤمنين () أنه لا يلتزم إلا بكتاب الله وسنة نبيه ().وإذا بابن عوف يخلو بعثمان ويعرض عليه مباشرة ما عرضه على الإمام علي () فيقبل (عثمان) بكل رحابة صدر ويصبح خليفة للمسلمين.
وعلى كل حال، فإن خلافة عثمان بن عفان كان مخططاً لها سابقاً وليس كما يصور بعض المؤرخين أن الأمر يعوج إلى أن الإمام علياً لم يقبل ما عرضه عليه ابن عوف والتزم عثمان به.
أبو بكر يدلي بالخلافة لعمر!
ومما لا ريب فيه أبا بكر وعمر كانا قد خططا للخلافة مسبقاً وأن أياً منهما يصبح الخليفة أولاً فإنه يدلي بها للثاني من بعده، فقد قال ابن قتيبة الدينوري: ثم أن علياً () أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله، وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبا بكر.فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم. لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي () وتأخذونه منا أهل البيت غصباً؟.
ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار: نحن أولى برسول الله حياً وميتاً، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع. قال له علي: أحلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره، يردد عليك غدا(3)ً.
فيظهر من كلام أمير المؤمنين () لعمر حيث قال: (أحلب حلباً) أن اتفاقاً سابقاً حصل بين أبي بكر وعمر حول تولية عمر الخلافة واحداً بعد واحد.
محاولة اغتيال الإمام علي ():
لا يخفى أن أمير المؤمنين () تعرض لعدة اغتيالات خلال حياته المباركة ومنها الحادثة التالية:
لما حاجج أمير المؤمنين () أبا بكر وأقام عليه الحجج الدامغة في أحقيته بالخلافة وملك الزهراء ( ) لفدك رجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما. فبعث أبو بكر خلف عمر ودعاه، ثم قال له: أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم، لئن قعد مقعداً مثله ليفسدون أمرنا، قال: فمن يقتله؟ قال: خالد بن الوليد. فبعثا إلى خالد فأتاهم، فقالا له: نريد أن نحملك على أمر عظيم. فقال: احملاني على ما شئتما ولو على قتل علي بن أبي طالب.
فقالا: فهو ذاك. فقال خالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت قم إليه واضرب عنقه.
قال: نعم. فسمعت أسماء بنت عميس وكانت تحت أبي بكر، فقتلت لجاريتها، اذهبي إلى منزل علي وفاطمة ( ) وأقرئيهما السلام وقولي لعلي (): إن الملأ يتآمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فجاءت الجارية إليهما فقالت لعلي (): إن أسماء بنت عميس تقرئك السلام وتقول: إن الملأ يأتمرون بك فاخرج إني لك من الناصحين.
فقال أمير المؤمنين (): قولي لها: إن الله يحول بينهم وما يريدون)، ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد وصلى وخالد يصلي إلى جنبه ومعه السيف، فما جلس أبو بكر للتشهد، ندم على ما قال وخاف الفتنة، وتذكر شدة الإمام علي () وبأسه، فبقي متكفرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أن سهى، ثم التفت إلى خالد وقال: لا تفعلن ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال أمير المؤمنين (): يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: أمرني بضرب عنقك، قال (): أو كنت فاعلاً؟ قال: أي والله لو لا أنه قال لي لا تفعله قبل التسليم لقتلتك. فأخذه أمير المؤمنين () وجلد به الأرض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر: يقتله ورب الكعبة.
فقال الناس: يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب القبر –أي رسول الله ()- فخلى عنه(4).
نعم إن الشيخين حاولا قتل أمير المؤمنين إلا أنهما خشيا انقلاب الأوضاع عليهما ولذا فإنهما أجريا مجاري الأمور ضد أمير المؤمنين بحيث جاء اليوم الذي تجاسر فيه ابن ملجم وهد بسيفه الغادر السماوات السبع وأبكى أملاك السماوات. ولذا فإننا في ليلة القدر وبقلوب محروقة ودموع غزيرة حزناً لمصاب سيد الموحدين وإمام المتقين نلعن قتلته قاطبة وندعو الله تعالى أن يضاعف في عذابهم أضعافاً مضاعفةً... إله الحق آمين.
الهوامش:
1- سورة السجدة: الآية 18.
2- السقيفة والخلافة:عبد الفتاح عبد المقصود.
3- الإمامة والسياسة ج 1 ص 11.
4- بحار الأنوار ج 29 ص 160.