اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على نبي الرحمة محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين..
أما بعد..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فيما يلي من السطور المعنى من كلمة التولي حسب آراء معاجم اللغة وعلماءها لكي نستأنس بكلامهم في الدليل على كلمة التولي، ومن خلاله نعرف ما هو قصد النبي وسلم من توجيه الحديث إلى عموم المسلمين في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ()، فإلى ما يلي من العبارات:
إن الولاية التي نؤمن بها وهي الامامة والامارة والسلطة الدينية والدنيوية وقيادة الامة بعد نبيها () على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء والحفاظ على الاسلام والمسلمين.
وقد عبَّر النبي () عن هذه الولاية بعدة ألفاظ منها (ولي ومولى) وهذين اللفظين قد صححهما أهل السنة أيضاً ووردت بألفاظ أخرى عند الفريقين ولكن أهل السنة ضعفوها مثل لفظ (خليفة وأمير وغيرها...).وأما النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين فهما بالاتفاق بمعنى واحد وهوالولاية.
قال الفرّاء: الوليّف والمولى واحدٌ في كلام العرب. قال أبو منصور: ومن هذا قول رسول الله () (أيّفما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها) ورواه بعضهم: (بغير إذن وليّفها) لانها بمعنى واحد.
قال ابو الهيثم: المولى على ستة أوجه: وذكر منها: المولى الولي الذي يلي عليك أمرك.
وقال ابن سلام عن يونس: قول سيدنا رسول الله (): من كنت مولاه فعلي مولاه. أي: مَنْ كنت وليّفه فعلي وليه.
قال الزجاج: والولاية التي بمنزلة الامارة مكسورة.
قال: والوليّف: ولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته. وولي المرأة: الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.
وقال ابن منظور: وليّ: في أسماء الله تعالى: الوليّف هو الناصر، وقيل: المتولي لامور العالم والخلائق القائم بها. ومن أسمائه عزّوجل: الوالي: وهو مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها.
وقال ابن الاثير: وكأن الولاية تفشعر بالتدبير والقدرة والفعل وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه إسم (الوالي). كل هذا النقل اللغوي عن لسان العرب لابن منظور (كلمة ولي).
ومن هذا القول الاخير لابن الاثير تعلم أخي الرد على أهم إشكالاتهم حول الولاية بأن النبي () كان يجب عليه أن يقول (والي) وليس ولي أو مولى.فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً غير متوفر في الامام علي () في زمان النبي () وهو () على قيد الحياة فهو () لم يعمل ولم يباشر بالولاية في زمان النبي () أبداً وهذا ما أشار إليه النبي () في بعض الروايات بقوله (بعدي) وفي البعض الآخر قوله () ((تركت فيكم)) وفي حديث الغدير قال (): إنه يوشك أن يأتي رسول ربي فافجيب واني مخلف فيكم الثقلين... قال ابن الاثير: وكلٌّ مَنْ ولي أمرَ واحدف فهو وليّفهف. وقال البخاري في صحيحه ج4 / 1795 ـ 272 باب النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم عن أبي هريرة عن النبي () قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة... اقرأوا إن شئتم (( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)).
فهذا البيان كله قد قرَّره أهل اللغة وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على أساسه ونرى ما إذا دلّت على ذلك.
فبعد أن رأينا أن لفظة (ولي أو مولى) تأتي في اللغة بمعان عديدة منها ما ندعيه هنا في هذا المقام وكذلك تدل على معانف عدة أخرى فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي بأن اللفظ المشترك بين معانف متعددة يسمى مشتركاً لفظياً ولا يجوز استخدامه في أي معنى من المعاني حتى تنصب له القرينة الدالة والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلم.ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة منها حالية ومنها مقالية نذكر أهمها:
1- القرائن الحالية:
2- وهي إختيار النبي () غدير خم ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكة والمدينة وبعد الحج بل بعد حجة الوداع التي دعا النبي () المسلمين كافة للتشرف بحضورها حتى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر من جميع بقاع الارض. وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع الى ديارهم وهو أقرب نقطة على كل أحد من الجهات المختلفة للبلاد الاسلامية.
فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبي () بأكثر المسلمين في ذلك الوقت قبل الافتراق والرحيل الى الرفيق الاعلى.
كذلك تقديم النبي () المتأخرين بانتظارهم حتى إجتمعوا وإرجاع المتقدمين الذين أسرعوا بالسير وجمعهم في تلك البقعة وفي ذلك الوقت الحار وقت الظهيرة الشديد الحر وخصوصاً أنهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول الى ديارهم وأهليهم.
فما هو ذلك الامر المهم الذي يستوجب كل هذا من جمع كبير وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب وترجع العبد الى ربّه كالثوب الابيض وتهيأه لتحمل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء والمحبة للعلوّف والرئاسة. إلا (ما رحم ربي).
فاوضح رسول الله () بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزف من بشرى وعيد للمؤمنين مع خوفه وإشفاقه على الآخرين الذين سيغيرون ويحدثون في الدين من بعد كما صرح بذلك () في مناسبات افخر. 2- القرائن المقالية: وهي ابتداء النبي () بقوله: (إنه يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب).
فهذه قرينة واضحة لكل عاقل بأن النبي () يريد أن يوصي أمته وصية موته وأمر الامة من بعده وقوله () في رواية مسلم (وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور... وأهل بيتي) ففيها دلالة على ترك البديل له () والممثل الشرعي من بعده. وقوله () (أذكركم الله في أهل بيتي) تأكيد عميق منه () بعد أن أكد ذلك ثلاث مرات بالتكرار للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل الذي يتوقع عدم قبوله من أكثرهم.وأما في الرواية الاخرى ففي بدايتها يشهدهم النبي () بقوله (ألست أولى بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلى يا رسول الله).
فأكد ثانياً وقال (ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى يا رسول الله) بعد الاقرار منهم له () بأنه أولى بالتصرف بهم من أنفسهم وله الولاية العظمى عليهم أتبع ذلك بقوله (ألا فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه) فهذا تفريع على ذلك الاقرار وتلك المقدمة. وأما عدم قول النبي () أولى صراحة فلأنه امام البلغاء فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول (من كنت أولاه فعلي أولاه) وهذا لا يجوز في اللغة العربية وكذلك أن لفظة (أولى) مبنية على أفعل التفضيل الذي فيه مشاركة وزيادة فتعني أن علياً أولى من ولي آخر ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت لأن الامام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد وهذا بديهي ومسلّم من الجميع وكذلك لقوله () في أحاديث كثيرة (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وعليه فأن علياً () الولي الوحيد بعد رسول الله () ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وإنما تفيد الحصر والقصر.