اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مصعد كهربائي
مضت عدة أيام من أول زيارة له للإمام الرضا ، دون أن يستيقظ صباحا لتناول وجبة الإفطار، كأنها وجبة غير رئيسة، وكعادته أيام الإجازات.
في احد الأيام قرر كسر روتينه، والخروج على المألوف، لتكون انعطافه جديدة في مجرى إجازاته. فأنهى طعامه واستقل المصعد متجها إلى غرفته.
فندقا متوسط المستوى، مصاعده محدودة ومحصورة في زاوية نائية وضيقة، وبالكاد احدها يتسع لأكثر من خمسة أشخاص.
ركبت معه سيدة يظهر من ملابسها محافظتها بمورثها الاجتماعي، رغم وجودها بعيدا عن مسقط رأسها.
كما رافقه شاب صغير العمر، جميلا المنظر، أنيق الملبس، على عكس من شعره المنتشر في كل جهة، كجسم قنفذ هجم عليه في مكمنه، ففزع يريد الفرار بحياته. حسبها آخر صراعات الموضة في العالم.
أغلق الباب تلقائيا، وبدأ المصعد يرتفع رويدا رويدا، كأنما يصعد في السماء. توزعوا داخل ذلك الصندوق الضيق، هو في المقدمة ملتصقا بالباب، كحارس ثكنة عسكرية لا يتحرك، ولو سقطت السماوات على رأسه، أو ارتجت الأرض من تحت أقدامه.
لم يكن يعلم بطبائع وعادات الناس هناك، ولا مدى اختلافها وتشابهها مع عادات وتقاليد مجتمعه، فلم يكن بمقدوره تحديد ردة الفعل المناسبة، لو واجهته مشكلة ما مع احدهم، كمن سبى وقد بلغ من العمر عتيا، إلى بلد لا قبل له بها.
الشاب في المؤخرة بجوار الجدار الخلفي، واحتلت المرأة منطقة الوسط، كأنهم فريق كرة، متناثرون على ارض ملعب، لصد هجوم الفريق الآخر.
اخذ الشباب يوجه سهام عينيه، يتطلع إليها باهتمام شديد، يلفه الاستغراب، يسبرها من رأسها لأخمص قدميها. يتفحص ملابسها التقليدية التي لم يرها بين بنات ونساء جنسه، كمفتش جمارك يتفحص ويفتش مشتبه به باحثا عن ما يريبه.
لم تستطع كبح جماحه بيدها خوف الفتنه. ولا بكلمة نابية من لسانها، لعدم معرفتها لغته. ولا بنضرة من عينيها، فلن يتمكن من رؤيتها من تحت ذلك الغطاء السميك، الذي يستر كامل وجهها.
وقعت في خوف من ذلك الذي يحاول تمزيقها بعينيه، كأنها فريسة يحاول اصطيادها. وحيرة من أشيب الرأس الملتصق في مكانه، لا يعلم ما يدور خلفه، كأنه أصم أبكم جزء من قطع المصعد.
بعد عناء طويل من ناحيتها، وبطئ شديد من المصعد ليصل وجهته، يلتفت ذو الكهل فيسألها: هل تودين البقاء معك لحين وصولك؟
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية