اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
خطبة الإمام زين العابدين ()
أن زين العابدين أومأ إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فقال قائماً، فحمد الله وأثنىعليه وذكر النبي بما هو أهله فصلى عليه، ثم قال:
« أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً.
أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ؟! فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ؟! ».
قال الراوي : فارتفعت اصوات الناس من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون.
فقال: « رحم الله أمرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة ».
فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فأمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا.
فقال : « هيهات هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل ؟! كلا ورب الراقصات، فان الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهواتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري.
ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا ».
ثم قال:
« لا غرو إن قتل الحسين وشيخه * قد كان خيراً من حسين وأكرما
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي * أصاب حسيناً كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداؤه * جزاء الذي أراده نار جهنما »
ثم قال : « رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا ».
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الخطبة الثانية
فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم.
فقال « الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السموات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفواجع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة.
أيها القوم ، إن الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الاسلام عظيمة: قتل أبو عبد الله وعترته، وسبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟! أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ؟!
أيها الناس، أي قلب لا ينصدع لقتله ؟! أم أي فؤاد لا يحن إليه ؟! أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم ؟!
أيها الناس، أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلا اختلاق.
والله، لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنا لله وأنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظها أفظعها وأمرها وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وابلغ بنا، إنه عزيز ذو انتقام ».