بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها صلاة لا يقوى على عدها وإحصائها أحد غيرك ياااااااالله
قال رسول الله :
"أنا أوَّل وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثمَّ أمّتي ثم أسألهم : ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي "
ومن الآداب المهمَّة لقراءة القرآن الكريم ، والتي تنيل الإنسان نتائج كثيرة ، والإستفادات الغير المعدودة هو :
التطبيق
وكيفيته هو:
حينما يتفكَّر القارئ في كل آية من الآيات الشريفة ، يطبق مفادها في حاله ، ويرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ، ويشفي أمراضه به
مثلا : في قصة آدم الشريفة ، يتفكَّر أنّ مطروديَّة الشيطان عن جناب القدس ، مع تلك السجدات والعبادات الطويلة لماذا؟؟؟
فيطهِّر نفسه منه ، لأنّ مقام القرب الإلهي ، مقام المطهرين ، فمع الأوصاف والأخلاق الشيطانية ، لا يمكن القدوم إلى ذلك الجناب الرَّفيع.
ويستفاد من الآيات الشريفة أن مبدأ عدم سجود إبليس هو: رؤية النفس والعجب "...أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ..."
فهذا العجب صار سببا لحب النَّفس والإستكبار وعصيان الأمر ، فصار مطرودا عن الجناب.
ونحن خَطَبَنا الشيطان من أوَّلِ عمرنا ، ملعونا ومطرودا ، واتصفنا بأوصافه الخبيثة ولم نتفكر في أن سبب المطرودية عن جناب القدس ، إذا كان موجودا في أي شخص ، فهو مطرود ، وليس للشيطان خصوصية ، فما كان سببا لطرده يكون مانعا من أن نتطرق إليه ، وكلّ الخوف من أن نكون شركاء إبليس في اللعن الذي نلعنه .
ونتفكّر في هذه القضية الشريفة ، ونرى ما هو السبب لمزية آدم وأفضليته على الملائكة .
فنتصف نحن أيضا بمقدار الطاقة بذاك السبب ، فنرى أن سبيل التفضيل هو : تعليم الأسماء كما قال تعالى : "...وعلم آدم الأسماء كلها ..."
والمرتبة العالية من تعليم الأسماء هو :
التحقق بمقام أسماء الله ، كما أن المرتبة العالية من الإحصاء الذي هو في الرواية الشريفة ، أن لله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة ، هو: التحقق بحقيقتها التي تنيل الإنسان الى جنة الأسماء.
الإنسان يستطيع أن يكون مظهرا لأسماء الله ، والآية الكبرى الإلهية بالإرتياضات القلبية ، ويكون وجوده وجودا ربّانيّا ، ويكون المتصرف في مملكته : يدا الجمال والجلال الإلهي .
وفي الحديث ما يقرب من هذا المعنى من أن : "روح المؤمن أشدّ اتصالا بالله تعالى من اتصال شعاع الشمس بها أو بنورها "
وفي الحديث الصحيح : "لا يزال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبَّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يأخذ بها ".
وفي الحديث
" عليّ عين الله ويد الله " وفي آخر
"نحن أسماؤه الحسنى "الى غير ذلك من الشواهد الكثيرة .
وبالجملة من أراد أن يأخذ من القرآن الشريف : الحظ الوافر ، والنصيب الكافي ، فلا بدّ له أن يطبق كل آية شريفة من الآيات على نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة .
مثلا يقول الله تعالى في سورة الأنفال : "...إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكَّلون ..."
فلا بدّ للسالك أن يلاحظ :
هل الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه ؟؟؟
وهل قلبه يجل إذا ذكِر الله ويخاف ؟؟؟
وإذا تليت عليه آياته الشريفة الإلهية،يزداد نور الإيمان في قلبه ؟؟؟
وهل اعتماده وتوكله على الحق تعالى ؟؟؟
أو أنّه في كل هذه المراحل راجل ، ومن كل هذه الخواص محروم؟
فإذا أراد أن يفهم أنه من الحق تعالى خائف ، وقلبه من خوفه وجل ، فلينظر الى أعماله .
الإنسان الخائف ، لا يتجاسر في محضر الكبرياء إلى مقامه المقدس ، ولا يهتك الحرمات الإلهية في حضور الحق.
وإذا قوي الإمان بتلاوة الآيات الإلهية ، يسري نور الإمان إلى المملكة الظاهريَّة أيضا.
فغير ممكن أن يكون القلب نورانيّا ولا يكون اللسان والكلام ، والعين والنظر، والسمع والإستماع ، نورانيا . فالبشر هو الذي تكون جميع قواه الملكية والملكوتية منيرة.
ومضافا إلى هداية نفسه إلى السعادة والطَّريق المستقيم ، يكون مضيئا لسائر الخلق أيضا ، ويهديهم إلى طريق الإنسانية .
كما أنَّه إذا توكَّل أحد على الله تعالى ، واعتمد عليه فيقطع الطّمعَ عمّا في أيدي سائر الخلق ، ويحطّ رَحلَ حاجته وفقرِه على باب الغني المطلق ، ولا يرى سائر الذين هم مثله ،فقراء ومساكين ، حلاّلين لمشاكلِه .
فوظيفة السالك إلى الله هي : أن يعرض نفسه على القرآن الشريف .فكما أن الميزان في صحَّة الحديث وعدم صحّتِه ، واعتباره وعدم اعتباره ، أن يعرَض على كتاب الله ،فما خالف كتاب الله فهو باطل وزخرف ،
كذلك الميزان في الإستقامة والإعوجاج ، والشقاوة والسعادة ، هو أن يكون -السالك - مستقيما وصحيحا في ميزان كتاب الله .
وكما أن خلق رسول الله
هو : القرآن ، فاللاّزم له أن يجعل خلقه موافقا للقرآن ، حتى يكون مطابقا لخلقِ الوليِّ الكامل أيضا ، والخلق الذي يكون مخالفا لكتاب الله فهو زخرف وباطل .
وكذلك جميع المعارف وأحوال قلبه ، وأعمال الباطن والظاهر له ، لابدّ أن يطبقها على كتاب الله ، ويعرضها عليه ، حتى يتحقق بحقيقة القرآن ، ويكون القرآن له صورة باطنية.
وأنت الكتاب المبين الذي *****بأحرفه يظهر المضمر
وإذا لم نحيي أحكام القرآن ومعارفه بالعمل بها والتحقق بحقيقتها ، لن نتمكّن من إجابة رسول الله
في ذلك اليوم
فأي إهانة أعظم من أن تنبذ مقاصد القرآن ودعواتِه وراء الظهر ، فليس إكرام القرآن وأهله الذين هم أهل بيت العصمة بتقبيل جلد القرآن أو الضرائح المقدسة لهم فقط ، بل التقبيل هذا مرتبة ضعيفة من الإحترام والتكريم .
وإذا عملنا بأوامره وأوامرهم
، فهذا الإحترام مقبول وإلاّ فهو يشبَّه بالإستهزاء واللعب ، وقد حذّر تحذيرا شديدا في الأحاديث الشريفة من قارئ القرآن الذي لا يعمل به .
كما نقل عن عقاب الأعمال للشيخ الصدوق رضوان الله عليه بإسناده عن رسول الله
أنّه قال :
"من تعلم القرآن فلم يعمل به وآثر حب الدنيا وزينتها ، استوجب سخط الله ، وكان في الدرجة مع اليهود والنّصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم ".
ومن قرأ القرآن وأراد به السمعة والوصول إلى الدنيا ، لقي الله ووجهه عظم لا لحم فيه ، والقرآن يضرب على قفاه حتى يسقط في النّار مع الذين سقطوا "
ومن قرأ القرآن ولم يعمل به ، حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ؟ قال كذلك أتتك آياتي فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ن فيؤمر به إلى النّار "
وقد وردت روايات كثيرة في خصوص التّفكر في معاني القرآن والاتعاظ به والتأثر منه ، كما في الكافي الشريف عن أبي عبد الله
قال :
"إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى ، فليجل جالٍ بصره ويفتح للضياء نظره ، فإنّ التفكر حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنّور ..."
ومقصوده
أنه : كما أن الإنسان لا بد له من النّور الظاهري إذا هو يمشي في الظلمات حتى يصان من خطر السقوط في المزلاّت ، كذلك لا بدّ أن يمشي في ظلمات طريق السير إلى الآخرة وإلى الله بالقرآن الذي هو نور الهداية والمصباح المنير في طريق العرفان والإيمان كي لا يقع في المزلاّت المهلكة .
وفي معاني الأخبار ، في حديث عن أمير المؤمنين غليه السلام أنه قال
:" الفقيه من لا يترك القرآن رغبة عنه ويتوجّه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه"
وروي عن رسول الله
أنه قال : "حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة "
ومعلوم أن المراد من هذا الحمل هو حمل معارف القرآن وعلومه ، وتكون نتيجته في الآخرة أن الحامل يكون في عداد أهل المعرفة وأصحاب القلوب ، كما أنه لو حمل سورة من دون الإتعاظ بمواعظه وتحمَّل معارفه وحكمه والعمل بأحكامه وسننه فهو كما قال تعالى :
"...مثل الذين حمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ..."والأحاديث الشريفة في شؤون القرآن الكريم كثيرة .
وصلى الله على محمد وآل محمد