الإيمان بالمعاد ودوره في حلّ المشكلة الاجتماعيّة للإنسان
بتاريخ : 18-Jan-2011 الساعة : 01:46 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الإيمان بالمعاد
ودوره في حلّ المشكلة الاجتماعيّة للإنسان
إنّ الإيمان بالمعاد واليوم الآخر هو الحلّ الحقيقي لهذه المشكلة في نظر الإسلام، لأنّ الله سبحانه وتعالى وعد الإنسان بأنّه إن تنازل عن مصالحه الفرديّة لأجل المصالح الاجتماعيّة، أو ضحّى شبنفسه من أجل المصالح الاجتماعيّة بثمن أو من دون ثمن فسوف يحصل مقابل ذلك على الرحمة الإلهيّة الواسعة وهي الجنّة ولقاء الله سبحانه وتعالى.
فالإسلام استطاع أن يبدِّل وأبقى الفطرة على حالها، وهو لم يطلب من الإنسان أن يتنازل عن فطرته الأصليّة وعن حبّه لذاته وكمالاته ولذّاته، ولكنّه استبدلها وحوّلها من مصالح ضيّقة في هذه الحياة الدُّنيا إلى نتائج وإلى ثواب عظيم لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً) (الفرقان: 16)، (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (ق: 35).
فالإنسان من وجهة النظر الإسلاميّة إذا جاهد في الحياة الدُّنيا، وأنفق، وعمل صالحاً، وتنازل عن بعض أموره الفرديّة ومصالحه الشخصيّة، فإنّ ذلك لن يذهب سُدىً، ولن يكون هباءً منثوراً، والله تعالى قال في محكم كتابه:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى) (النجم: 39ـ 41)، ثمّ أثبت هذه الحقيقة بقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) (الزلزلة: 7 ـ 8)، فمنطق القرآن مع الإنسان الذي يتنازل عن ذاته ومصالحه في مقابل خير البشريّة ومصالح المجتمع هو التعويض له عن ذلك بما لا نهاية له في الدار الآخرة.
فإذا استطاع الإنسان أن يربّي في وجوده هذا الأمر الإيماني، وأن يؤمن بهذه الحقيقة، عند ذلك تجده بكلّ بساطة ووضوح بل وبكلّ سرور، ومن خلال هذا الإيمان، يضحّي بمصالحه الفرديّة لأجل المصالح الاجتماعيّة.
وهذا ما نجده واضحاً وجليّاً في قضيّة الشهادة في سبيل الله تعالى، فإنّ الإنسان المجاهد عندما يُقدِم على الشهادة في سبيل الله ـ أو لأجل الوطن، أو لحفظ المجتمع الإسلامي، وهما أيضاً من مصاديق سبيل الله ـ فإنّه يفقد حياته ولكن فقدانه لهذه الحياة إنّما هو لمدّة قصيرة، لأنّه في المقابل يحصل على الحياة الأبديّة، تلك الحياة التي يحياها في جوار الله تعالى.
فالمشكلة الاجتماعيّة الناتجة عن التضارب والتضادّ بين المصالح الفرديّة والمصالح الاجتماعيّة لا يمكن حلّها من خلال القوانين فقط، نعم القوانين ضروريّة ولذا نجد أنّ الإسلام له أيضاً كثير من الأحكام المرتبطة بالحدود والقصاص والديات وتنظيم الحياة الاجتماعيّة، ولكن هذا بنفسه ـ أعني «القانون بمفرده» ـ لا يستطيع أن يحلّ المشكلة الاجتماعيّة من جذورها.
والشاهد على ذلك أنّ الإنسان إذا لم يكن عنده إيمان بهذه القوانين، فهي قد تكبح جماحه بنسبة خمسة بالمئة أو عشرة أو خمسين بالمئة، ولكنّه عندما يجد الفرصة أو يرى ثغرة فإنّه سيحاول الخروج عن نطاق القانون، وأن يتجاوز حدوده.
أمّا الإنسان المؤمن بالله فسواء كان هناك رقيب أو قانون خارجيّ أو لم يكن ذلك، فالرقيب الداخلي وهو الإيمان بالمعاد واليوم الآخر سوف يقف أمامه حائلاً، وسدّاً منيعاً، ويوجّه مصالحه.
إن الإيمان بالمعاد يوجّه مصالح الإنسان إلى أُفق أوسع بعد أن كانت هذه المصالح الفرديّة للإنسان مُحاطة بسور الدُّنيا وبحدودها، وهذه الآفاق لم تكن لتحصل لولا الإيمان بالمعاد الذي يملك القدرة على حلّ المشكلة من جذورها وبما ينسجم مع فطرة الإنسان، ومع باطنه وحقيقته وفطرته وغريزته، ولا يكون ذلك ظاهريّاً فحسب.
وهذا ما أكّدته عشرات الآيات القرآنيّة، فضلاً عن الروايات والأحاديث التي تعرّضت لبيان الثواب الذي يحصل عليه الإنسان منالأعمال الصالحة، والتي يتنازل من خلالها عن مصالحه الفرديّة لأجل المصلحة العامّة الاجتماعيّة.
فالمصالح في هذه الدُّنيا محدودة بالزمان والمكان، وضيّقة ومنتهية، ومصابة بألف مرض وعاهة ومانع، والله تعالى يريد أن يُخرج الإنسان من هذا الأُفق الضيّق المتناهي الذي فيه فساد وتمانع وتضادّ، إلى عالم أوسع وأُفق أرحب، والذي هو رحمته التي وسعت كلّ شيء.
فالمجتمع الذي يعيش حالة الإيمان باليوم الآخر ينعم بالرخاء والصفاء. وهذه الحالة هي التي نجدها في صدر الإسلام في حياة النبيّ الأكرم ، فالناس بلغوا القمّة في التسامي، والقمّة في الإيثار، والقمّة في الجهاد، والعطاء والإنفاق؛ وذلك بسبب الإيمان الذي زرعه فيهم رسول الله ، وهو الإيمان باليوم الآخر.