لقد كان أحد أرحامنا القريبين شابّاً وسيماً وناجحاً، يفيض قوّةً ونشاطاً، وكان يتّجر في السوق، وحدث أن ابتلي فجأة بمرض في إحدي عينيه فَقَدَ علي أثره القدرة علي الإبصار. ومرّت الايّام دون أن تتحسّن حاله، فراجع الاطبّاء السابقين المعروفين في طهران، مثل الدكتور حسن العلويّ، والدكتور لشكري، والدكتور محسن زاده، والدكتور ضرّابي وأمثالهم، فاتّفقت كلمتهم علي أنّ العِرق الموجود في أدني نقطة من العين والذي يغذيّ العين بالدم، قد سدّت مجراه بقعة دمويّة متخثّرة نجمت من انقباض العرق وانبساطه، وهكذا فقد انقطعت الرابطة الحيويّة للعين في التغذية الدمويّة، وهي جلطة فيالعين لا علاج لها ولا عمليّة جراحيّة، وقالوا له: إنّك لو ذهبتَ إلي جميع أقطار العالم فإنّ الامر لن يتغيّر عمّا قلنا لك، إلاّ أنّ هناك احتمالاً ضعيفاً جدّاً وهو: أن تتحرّك هذه البقعة من مكانها بواسطة تسييل الدم وتقليل كثافته
لذا فقد منعوا هذا الشخص من تناول الاغذية التي تزيد كثافة الدم، كالبيض والسمن واللحم الاحمر وأمثالها، وأعطوه أقراصاً لتسييل الدم استعملها بانتظام مدّةً بدون أيّة فائدة
ثمّ ظهرت لديه تدريجيّاً عوارض أُخرى:
الاوّل: أنّ العين صارت تفقد حالتها العاديّة الاُولي، فصارت تنقبض وتتجمّع، وأخذت الاملاح تغطّي أطراف الاهداب؛ لقد كانت عينه تموت. وكان الاطبّاء قد قالوا باحتمال سريان هذا المرض إلي العين الاُخري، حيث بدأت أعراض هذا المرض وآثاره تظهر علي العين الاُخرى.
الثاني: أنّ انخفاض كثافة الدم وسيلانه بشكل غير عاديّ كان قد أدّي إلي ظهور نزيف دمويّ تحت اللثّة.
والثالث: أنّه صار يصاب بحالات تشنّج ورجفة، فكان يرتجف طوال اليوم، وبدنه يتشنّج بشدّة لخمس دقائق ولعشر دقائق ولنصف ساعة أحياناً.
وهكذا فقد تداعي هذا الشابّ القويّ الثريّ متهالكاً في البيت، لا قوّة له، وكان بيته (بيت والده في ذلك الوقت) يضجّ بأصوات بكاء الاقارب والارحام ليلاً ونهاراً، فيرتفع نحيبهم حتّي يسمعه الجيران. وكان أقاربه وأرحامه يذهبون باستمرار لرؤيته، فكان مجلسهم أشبه بمجلس العزاء، لا تجفّ فيه دموع الواردين ولا أصحاب المنزل جميعاً.
ولقد انهارت معنويّات هذا الشابّ بسبب هذه الاعراض، فلم يعد يستطيع أن يصمّم علي شيء أو يختار شيئاً، فكان يذهب حيثما أخذوه ويقبل ما يفعلونه به، وكان متزوّجاً وله أطفال.
ثمّ عزم الافراد المحيطون به آنذاك علي إرساله إلي إسبانيا أو إلي النمسا، فقد كان في هذين البلدين طبيبان عالميّان مشهوران في أمراض العيون. ثمّ رجّحوا بعد التشاور إرساله إلي النمسا، وعملوا علي تهيئة جواز سفر له بسرعة، فأرسلوه من طهران إلي لندن بالطائرة بصحبة أحد الشباب الإيرانيّين الذين يدرسون هناك، إلي النمسا، وكانوا قد أخذوا موعداً من ذلك الطبيب.
ولو أمكنكم أن تتخيّلوا كيف نُقل هذا الشابّ إلي مطار « مهرآباد » طهران ذلك اليوم وقد جاء أبوه العجوز وأقاربه ومعارفه وأصدقاؤه لتوديعه، وحاله في ضعفه ومرضه وعجزه عن صعود سلّم الطائرة، لامكنكم حقّاً تصوّر عظمة معجزة الإمام الرضا عليه السلام ممّا يصعب بيانه.
يصل الشابّ إلي لندن، ثمّ يذهب بعد أيّام إلي النمسا فيرقد في أشْهَر مستشفيات العيون هناك تحت مراقبة ذلك الطبيب، لكنّه يقول هو الآخر: لا فائدة من إجراء عمليّة جراحيّة. ثمّ لجأوا إلي استخدام الاجهزة التي تنتزع العين فكانوا يقومون بصبّ الادوية في قعرها في محاولة لإزالة تلك البقعة الدمويّة بعمليّات أشبه بالعمليّات الفيزياويّة منها إلي العمليّات الكيمياويّة والدوائيّة، ولكن دون جدوي.
ومرّ شهران كاملان قضاهما ذلك الشابّ هناك دون أيّة نتيجة، علي أنّ مرضاً آخر أُضيف إلي عينه، فلقد دارت حدقة العين في مكانها فصار سوادها إلي الداخل وبياضها إلي الخارج!
وكان الطبيب يقول: إنّ كلّ ما يمكننا عمله بالمعالجة الطويلة هو أن نعيد العين إلي وضعها الاوّل، أمّا الإبصار وعودة النور فذلك من المحال بالنسبة لي. وهذه الاحداث نقلها الشابّ لي بعد عودته. وأنقل هنا نصّ كلامه، لبيان ما جري له:
يقول الشابّ: كان جميع العاملات في تلك المستشفي من الراهبات النصاري اللواتي تركن الدنيا، وقد رققن لحالي، ولكن ما الذي كان بإمكان أُولئك المسكينات أن يفعلن؟! كلاّ، لم يكن باليد من حيلة.
حتّى كانت ليلة ذهب فيها الشخص الذي كان يرافقني إلي لندن لقضاء أعماله الخاصّة ليعود فيعدّ مستلزمات عودتي. فنهضتُ ليلاً وصلّيت كثيراً، ثمّ قلت: يَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَي الرِّضَا!
أُشهدك أنّي كنت أتوسّل إليك في المهمّات وأُكْثِرُ من زيارتك. ولو كان أمري بيدي لما جعلتُهم يأتون بي إلي مدينة المسيحيّين والكفّار هذه؛ ولجئتك حتماً فقبّلتُ أعتابك وأخذت حاجتي منك.
أنت الذي فعلت بي كذا! وأنت الذي فعلت بي كذا! وأنت وأنت... وهكذا عدّدتُ الحوائج التي عجز عنها الجميع فقضاها الإمام لي، وغرقتُ في البكاء.
وقلتُ له: لقد عُلِّمنا نحن الشيعة أنّ الإمام المعصوم يستوي لديه الموت والحياة، ويستوي لديه شرق الارض وغربها، فأنا الآن أري نفسي كأ نّي واقف في حرمك المبارك وأندبك أن تهب لعيني شفاءها!
قلتُ هذا ثمّ رقدت ونمت نوماً مريحاً لساعات، ثمّ شاهدت قرب طلوع الفجر الإمام الرضا عليه السلام في عالم الرؤيا، لكأنّ حقيقة الإمام وروحه كانت تنزل وتهبط شيئاً فشيئاً من عوالم الملكوت والحُجب التي لا توصف، حتّي وقف بجانبي ببدنه وجسمه الخارجيّ وفي يده لوحة كُتبت عليها سطور خضراء تتوهّج بالنور، فأعطاني تلك اللوحة وقال لي: اقرأ !فشرعت بالقراءة، ثمّ استيقظت بعد أن قرأت منها شيئاً فوجدت أنّ عيني قد عادت إلي حالتها الطبيعيّة وأ نّها تبصر بشكل كامل!
ثمّ نهضتُ للصلاة فصلّيتُ في ظلام الليل، ثمّ صلّيتُ صلاة الصبح وعُدت إلي سريري، وصمّمت في نفسي أن لا أبوح بشيء أبداً.
ويبدو أ نّه قد أُشير عليه في عالم الرؤيا بأنّ هذا من الاسرار فلا تُظهِرْ شيئاً، وكان ذلك المرحوم يقول: لقد بُحتُ بهذا السرّ، حتّي أ نّي أَطلعتُ عليه بعض الرفقاء والاصدقاء العاديّين، ولم يكن لي أن أفعل ذلك؛ وكان يُظهر الندم علي ذلك.
وفي موعد الفطور جاءت الممرّضات لغسل العين فعجبن من الامر وأعلمنَ الاطبّاء بذلك، ومن ثمّ فقد انتهي الامر إلي ذلك الطبيب المعروف فجاء وفحص عيني؛ فكانت كلمتهم جميعاً متّفقة:
أنّ هذا أمر خارق للعادة! هذه معجزة للمسيح! هذه معجزة! هذه معجزة!
ولم أنبس ببنت شفة وقلتُ في نفسي: نعم، هي معجزة، ولكن لاُستاذ المسيح ومعلّمه وسيّده.
وقد نقل الحقير، بعد مرور ثلاثين عاماً تفاصيل هذه الواقعة، إلي الصديق العزيز الكريم: الدكتور السيّد حميد السجّاديّ وفّقه الله تعالي وهو من أطبّاء العيون المعروفين في العالم، فقال: هذا صحيح! وكما تصفون فإنّ هذا المرض لا يمكن علاجه في العالم، ولا يمكن أن يكون لشفائه علّة إلاّ المعجزة.
ثمّ أضاف: كان أحد مرضانا الرجال قد تجمّع في قزحيّة عينه ماء، وكنّا قد أعطيناه موعداً في يوم معيّن لإجراء عمليّة جراحيّة، لكنّه جاء قبل العمليّة فقال: لقد ذهبتُ عند مولاي الإمام الرضا عليه السلام وأخذتُ منه شفائي. فأعدنا فحص عينه ومعاينتها، فرأينا أن لا أثر لماء القزحيّة علي الإطلاق!
وكان الدكتور يقول: يمكن أحياناً أن يزول ماء القزحيّة تلقائيّاً، ولكنّ ذلك يحصل خلال مدّة طويلة، ولم يكن قد سبق لي أن شاهدتُ أنّ ماء القزحيّة يزول في عدّة أيّام، لذا فلم يكن ذلك إلاّ معجزة لثامن الائمّة عليه السلام.
نقلا عن كتاب الروح المجرد عن السيد هاشم الحداد قدس سره
لا تنسونا من صالح دعائكم
يـــــــ زهراء ـــــــا مـــــــدد