[خادم الزهراء]

علي وحده لا يتمكن من نقل سنة الرسول..

السؤال رقم 159:
ويقال أيضاً: أنتم تعتدُّون بما جاء عن طريق «أئمتكم من أهل البيت» كما تزعمون، ومعلوم أنه لم يدرك أحدهم الرسول وهو مميز سوى علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»، فهل سيتمكن من نقل كل سنة الرسول للأجيال من بعده؟!
كيف ذلك: وقد كان رسول الله يستخلفه في بعض الأحيان، أو يبعثه ـ باعترافكم ـ؟! فهو لم يكن مرافقاً للرسول طوال وقته.
أيضاً: كيف سيستطيع علي «رضي الله عنه» نقل أحوال رسول الله في بيته، التي اختص بنقلها أزواجه؟!
إذاً فعلي لوحده لن يستطيع نقل جميع سنة رسول الله إليكم!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: لقد رويتم أنتم: أن رسول الله «» قال: «خذوا نصف (شطر) دينكم عن هذه الحميراء»([1]). فإذا كانت عائشة تستطيع أن تؤدي إلى الأمة نصف الدين، وهي لم تعش مع رسول الله «» إلا القليل القليل حتى بعد أن أصبحت زوجته، بالنسبة لما عاشه علي «» معه، فهل تستكثرون على علي «» أن يأخذ عن النبي «» جميع الدين، ويؤديه إلى الناس.
ثانياً: مع غض النظر عما تقدم نقول:
إذا كان النبي «»، وهو شخص واحد، وقد جاء بهذا الدين وأداه في مدة ثلاث وعشرين سنة، فلماذا لا يأخذه عنه شخص واحد، وهو علي بن أبي طالب «»، ويؤديه عنه في مدة ثلاثين سنة، ويعلمه لأولاده أعني الحسنين «عليهما السلام»، ثم يعلمه أولاده لأولادهم من بعدهم وهكذا؟!
ثالثاً: إذا كان علي «» عنده علم الكتاب، ويستنبط الكثير من العلوم والمعارف من القرآن نفسه، كما دلَّتنا عليه سيرته، وقد علمه رسول الله «» ألف باب من العلم، يفتح من كل باب ألف باب من العلم وهو باب مدينة علم رسول الله «» بمقتضى قوله «»: أنا مدينة العلم وعلي بابها ـ إذا كان ـ لا يستطيع أن يأخذ هذا الدين، فكيف تأخذ نصفه عائشة، وتؤديه إلى الناس، ولم يعلمها رسول الله «» شيئاً من تلك الأبواب، ولا كان عندها علم الكتاب؟!
وهذا يشير إلى أن وسائل وطرق تعليم وأخذ الأئمة «» المعارف تختلف عن وسائل وطرق تعليم وأخذ غيرهم..
تلك إذن قسمة ضيزى!!
رابعاً: قد تحدَّث تعالى عن يحيى، فقال: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيّاً﴾([2]).
وقال عن عيسى «»، وهو في المهد: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾([3]).
وقال تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾([4]).
وقد علم الله سليمان منطق الطير، قال تعالى: ﴿وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾([5]).
وغير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى قادر أن يعطي بعض عباده علوماً هائلة، تؤهلهم لمقام النبوة، ولغيره من المقامات حتى في صغر سنهم، بل منذ ولادتهم. كما هوالحال بالنسبة لمن ذكرناهم! أفيعجز عن أن يسهل على علي «» تعلم ألف باب من العلم من رسول الله «»، يفتح له من كل باب ألف باب؟!
أو أنه سيعجز عن أن يمنحه علم الكتاب كما دلَّت عليه الروايات؟!
خامساً: إن حديث الثقلين الذي يبين أن التمسك بالكتاب وبأهل البيت «» أمن من الضلال إلى يوم القيامة، بعد انضمامه إلى حديث: الخلفاء بعدي اثنا عشر، وحديث: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، يعطي: أن هذا الدين محفوظ عند أهل البيت «»، وأن على الأمة أن ترجع إليهم فيه لتأمن من الضلال.
سادساً: إن عدم إدراك أكثر الأئمة «» زمان رسول الله «» لا يضرهم، فكما علم رسول الله «» علياً «»، فإن الإمام اللاحق يأخذ عن الإمام السابق، وقد صرحوا «» بهذا الأمر كما ذكرناه في الجواب على السؤال رقم: 158 و22 وذكرنا عدداً من النصوص عن أن حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي..الخ.. وهكذا..
سابعاً: ليس كل ما يجري في بيت الرسول «» مما تحتاج الأمة إلى معرفته، بل تحتاج الأمة إلى معرفة ما يتضمن أحكاماً شرعية، أو سلوكاً أخلاقياً، أو سياسة العباد، أو ما إلى ذلك.. وهذا مما يجب على النبي «» نفسه أن يبلغه للأمة، ولا يمكن أن يعتمد فيه على النقل الطوعي للزوجات.
ولعل بعض الأمور التي تحصل لا ترى الزوجة أن من مصلحتها أن تنقله.
بل لقد وجدنا بعض زوجاته تتستر على بعض الأمور التي ظهرت للعلن، وتحاول طمسها والتعتيم عليها، حين رأت أنها تضر بمصلحتها، كما هو الحال بالنسبة لعائشة حين كتمت اسم علي «» حين خرج رسول الله «» متوكأً عليه وعلى الفضل بن عباس، لكي يعزل أباها عن صلاة الجماعة، لما تصدى لها أبو بكر في مرض وفاة رسول الله «»([6]).
بل لقد وجدنا عائشة تحاول منع رسول الله «» من ذكر خديجة «»، فقد روت: أنه «» «ذكر خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فقلت: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين.
وفي نص آخر: (ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها).
قالت: فتغير وجه رسول الله «» تغيراً لم أره تغير عند شيء قط إلا عند نزول الوحي، أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب.
وفي نص آخر قال: ما أبدلني الله خيراً منها، صدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس([7]).
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

---------------
([1]) راجع: السنة قبل التدوين ص252 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص438 وتحفة الأحوذي ج10 ص259 والإحكام للآمدي ج1 ص248 وكشف الخفاء ج1 ص374 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص137 والبداية والنهاية ج3 ص159 ولسان العرب ج4 ص209 وفي التفسير الكبير للرازي ج32 ص32 وتفسير الآلوسي ج3 ص155: خذوا ثلثي دينكم.
([2]) الآية 12 من سورة مريم.
([3]) الآيات 29 و 30 و31 من سورة مريم.
([4]) الآية 56 من سورة الكهف.
([5]) الآية 16 من سورة النمل.
([6]) مسند أحمد ج6 ص34 و 228 وعمدة القاري ج5 ص192 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص287 وفتح الباري ج2 ص131 والغدير ج9 ص324 و 325 وراجع: صحيح البخاري ج1 ص175 والمصنف للصنعاني ج5 ص430 والمسترشد للطبري ص126.
وراجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص175 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص433 والإرشاد للمفيد ج1 ص311 ومناقب أهل البيت «» للشيرواني ص472 وقاموس الرجال ج12 ص299 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج31 ص45.
([7]) صحيح مسلم ج7 ص134 لكنه لم يذكر جوابه «»، وأسد الغابة ج5 ص557 و 558 و 438 والإصابة ج4 ص283 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص286 و 287 وصفة الصفوة ج2 ص8 ومسند أحمد ج6 ص117 و 118 و 150 و 154 وليراجع البخاري (ط سنة 1309 هـ) ج2 ص202 والبداية والنهاية ج3 ص128 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص96 و (ط العثمانية) ص85 و (ط السعيدية بمصر) ص90 وراجع: وقاموس الرجال ج10 ص332 وبحار الأنوار ج16 ص12 عن كشف الغمة.

آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي