اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
نزول القرآن بين التنزيل والإنزال
تكرّر في النصوص القرآنيّة أنّه تارةً يعبّر عن
نزوله بأنّه على نحو التنزيل؛ قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ) (الشعراء: 193 ـ 194)، وقال: (وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) (الإسراء: 106)، وقال: (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ) (الزخرف: 31)، وأخرى على نحو الإنزال كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة: 185)، وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان: 3)، وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1).
وقد قيل في الفرق بينهما أنّ الإنزال دفعيّ والتنزيل تدريجيّ، وليس المراد بالتدريج في النزول هنا هو تخلّل زمان بين نزول كلّ جزء من أجزاء الشيء وبين جزئه الآخر، حتّى ينطبق على نزول القرآن مفرّقاً كما في قوله تعالى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) (الإسراء: 106)، بل المراد أنّ الأشياء المركّبة التي لها أجزاء متعدّدة، تارةً ينظر إليها باعتبار نسبتها إلى مجموع الأجزاء بما هي أجزاء مكوّنة لهذا المركّب، وأخرى ينظر إليها باعتبار نسبتها إلى كلّ جزء جزء سواء تخلّل بين كلّ جزء وجزء آخر زمان أو لم يتخلّل.
فبالاعتبار الأوّل يكون الشيء كأنّه أمرٌ واحد لا يقبل الانقسام، وهذا هو المقصود بالوجود الدفعي، أمّا بالاعتبار الثاني فإنّه يكون قابلاً للانقسام إلى
أجزاء وأقسام متعدّدة، وهذا هو الوجود التدريجي.
ولعلّ هذين الاعتبارين هما منشأ التعبير عن نزول المطر تارةً بالإنزال كما في قوله: (وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً) (الأنعام: 99)، وأخرى بالتنزيل كما في قوله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) (الشورى: 28).
إذا اتّضح ذلك نقول: إذا كان النظر إلى القرآن بالاعتبار الثاني، فيأتي التعبير عنه بالتنزيل كما في قوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) (آل عمران: 3) وأمّا إذا كان المقصود بيان بعض أوصاف وأحكام مجموع الكتاب النازل وخواصّه، وهو أنّه مشتمل ـ مثلاً ـ على آيات محكمة وأُخر متشابهة، أو أنّ لهذا الكتاب تأويلاً ونحو ذلك، فالكتاب ـ بهذا الاعتبار ـ مأخوذ أمراً واحداً من غير نظر إلى تعدّد وتكثّر وأجزاء، فالمناسب استعمال الإنزال دون التنزيل. ولعلّه لهذا قالت الآية: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) (آل عمران: 7).
بعد هذه التوطئة يمكن الوقوف على المحكم والمتشابه في القرآن من خلال عدّة أبحاث:
البحث الأوّل: معنى المحكم والمتشابه في القرآن
للإحكام والتشابه إطلاقان في النصّ القرآني، وقبل بيانهما لا بأس بالإشارة إلى المعنى اللغوي للمحكم.
ذكر اللغويّون أنّ مادّة «ح، ك، م» تفيد معنى كون الشيء بحيث يمنع ورود ما يفسده أو يبعّضه أو يخلّ أمره عليه، ومنه الإحكام والتحكيم، والتحكّم والحكومة، والحكم بمعنى القضاء، والحِكمة بمعنى المعرفة التامّة والعلم الجازم النافع، والحَكَمة ـ بفتح الحاء والكاف ـ : لجام الفرس أو حديدة فيه، تمنعه عن الجري الشديد أو مخالفة راكبه. ففي الجميع شيء من معنى المنع والإتقان.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
نزول القرآن بين التنزيل والإنزال
تكرّر في النصوص القرآنيّة أنّه تارةً يعبّر عن
نزوله بأنّه على نحو التنزيل؛ قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ) (الشعراء: 193 ـ 194)، وقال: (وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) (الإسراء: 106)، وقال: (لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ) (الزخرف: 31)، وأخرى على نحو الإنزال كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة: 185)، وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان: 3)، وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1).
وقد قيل في الفرق بينهما أنّ الإنزال دفعيّ والتنزيل تدريجيّ، وليس المراد بالتدريج في النزول هنا هو تخلّل زمان بين نزول كلّ جزء من أجزاء الشيء وبين جزئه الآخر، حتّى ينطبق على نزول القرآن مفرّقاً كما في قوله تعالى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) (الإسراء: 106)، بل المراد أنّ الأشياء المركّبة التي لها أجزاء متعدّدة، تارةً ينظر إليها باعتبار نسبتها إلى مجموع الأجزاء بما هي أجزاء مكوّنة لهذا المركّب، وأخرى ينظر إليها باعتبار نسبتها إلى كلّ جزء جزء سواء تخلّل بين كلّ جزء وجزء آخر زمان أو لم يتخلّل.
فبالاعتبار الأوّل يكون الشيء كأنّه أمرٌ واحد لا يقبل الانقسام، وهذا هو المقصود بالوجود الدفعي، أمّا بالاعتبار الثاني فإنّه يكون قابلاً للانقسام إلى