اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3))صدق الله العظيم
بيان الايات كما ورد في تفسير الميزان للطباطبائي
امتنان على النبي ( وسلم) بإعطائه الكوثر و تطييب لنفسه الشريفة بأن شانئه هو الأبتر، و هي أقصر سورة في القرآن و قد اختلفت الروايات في كون السورة مكية أو مدنية، و الظاهر أنها مكية، و ذكر بعضهم أنها نزلت مرتين جمعا بين الروايات.
قوله تعالى: «إنا أعطيناك الكوثر» قال في المجمع، الكوثر فوعل و هو الشيء الذي من شأنه الكثرة، و الكوثر الخير الكثير، انتهى.
و قد اختلفت أقوالهم في تفسير الكوثر اختلافا عجيبا فقيل: هو الخير الكثير، و قيل نهر في الجنة، و قيل: حوض النبي ( وسلم) في الجنة أو في المحشر، و قيل: أولاده و قيل: أصحابه و أشياعه ( وسلم) إلى يوم القيامة، و قيل: علماء أمته ( وسلم)، و قيل القرآن و فضائله كثيرة، و قيل النبوة و قيل: تيسير القرآن و تخفيف الشرائع و قيل: الإسلام و قيل التوحيد، و قيل: العلم و الحكمة، و قيل: فضائله ( وسلم)، و قيل المقام المحمود، و قيل: هو نور قلبه ( وسلم) إلى غير ذلك مما قيل، و قد نقل عن بعضهم أنه أنهى الأقوال إلى ستة و عشرين.
و قد استند في القولين الأولين إلى بعض الروايات، و باقي الأقوال لا تخلو من تحكم و كيفما كان فقوله في آخر السورة: «إن شانئك هو الأبتر» و ظاهر الأبتر هو المنقطع نسله و ظاهر الجملة أنها من قبيل قصر القلب - أن كثرة ذريته ( وسلم) هي المرادة وحدها بالكوثر الذي أعطيه النبي ( وسلم) أو المراد بها الخير الكثير و كثرة الذرية مرادة في ضمن الخير الكثير و لو لا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: «إن شانئك هو الأبتر» خاليا عن الفائدة.
و قد استفاضت الروايات أن السورة إنما نزلت فيمن عابه ( وسلم) بالبتر بعد ما مات ابناه القاسم و عبد الله، و بذلك يندفع ما قيل: إن مراد الشانىء بقوله: «أبتر» المنقطع عن قومه أو المنقطع عن الخير فرد الله عليه بأنه هو المنقطع من كل خير.
و لما في قوله: «إنا أعطيناك» من الامتنان عليه ( وسلم) جيء بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة، و لما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بإن و عبر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.
و الجملة لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة () ذريته ( وسلم)، و هذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله تعالى نسله بعده كثرة لا يعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب و أفنى جموعهم من المقاتل الذريعة.
قوله تعالى: «فصل لربك و انحر» ظاهر السياق في تفريع الأمر بالصلاة و النحر على الامتنان في قوله: «إنا أعطيناك الكوثر» إنه من شكر النعمة و المعنى إذا مننا عليك بإعطاء الكوثر فاشكر لهذه النعمة بالصلاة و النحر.
و المراد بالنحر على ما رواه الفريقان عن النبي ( وسلم) و عن علي () و روته الشيعة عن الصادق () و غيره من الأئمة هو رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر.
و قيل: معنى الآية صل لربك صلاة العيد و انحر البدن، و قيل: يعني صل لربك و استو قائما عند رفع رأسك من الركوع و قيل غير ذلك.
قوله تعالى: «إن شانئك هو الأبتر» الشانىء هو المبغض و الأبتر من لا عقب له و هذا الشانىء هو العاص بن وائل.
و قيل: المراد بالأبتر المنقطع عن الخير أو المنقطع عن قومه، و قد عرفت أن روايات سبب نزول السورة لا تلائمه و ستجيء.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج البخاري و ابن جرير و الحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكوثر الخير الذي أعطاه إياه قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و الحاكم و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي ( وسلم) «إنا أعطيناك الكوثر» قال النبي ( وسلم) لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: إنها ليست بنحيرة و لكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع فإنها صلاتنا و صلاة الملائكة الذين في السماوات السبع، و أن لكل شيء زينة و زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة. قال النبي ( وسلم): رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله: «فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون»:. أقول: و رواه في المجمع، عن المقاتل عن الأصبغ بن نباتة عنه () ثم قال: أورده الثعلبي و الواحدي في تفسيرهما، و قال أيضا: إن جميع عترته الطاهرة رووا عنه (): أن معنى النحر رفع اليدين إلى النحر في الصلاة.
و فيه، أخرج ابن جرير عن أبي جعفر في قوله: «فصل لربك» قال: الصلاة «و انحر» قال يرفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح.
و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «فصل لربك و انحر» قال: إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة فذاك النحر.
و في المجمع، في الآية عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله () يقول في قوله «فصل لربك و انحر» هو رفع يديك حذاء وجهك:. أقول: ثم قال: و روى عنه عبد الله بن سنان مثله، و روي أيضا قريبا منه عن جميل عنه ().
و في الدر المنثور، أخرج ابن سعد و ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله ( وسلم) القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية فمات القاسم و هو أول ميت من ولده بمكة ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو أبتر فأنزل الله «إن شانئك هو الأبتر».
و فيه، أخرج الزبير بن بكار و ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: توفي القاسم بن رسول الله بمكة فمر رسول الله ( وسلم) و هو آت من جنازته على العاص بن وائل و ابنه عمرو فقال حين رأى رسول الله ( وسلم): إني لأشنؤه فقال العاص بن وائل: لا جرم لقد أصبح أبتر فأنزل الله «إن شانئك هو الأبتر».
و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كانت قريش تقول إذا مات ذكور الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي ( وسلم) قال العاص بن وائل: بتر و الأبتر الفرد.
أقول: و في بعض الآثار أن الشانىء هو الوليد بن المغيرة، و في بعضها أبو جهل و في بعضها عقبة بن أبي معيط، و في بعضها كعب بن الأشرف، و المعتمد ما تقدم.
و يؤيده ما في الاحتجاج الطبرسي، عن الحسن بن علي (عليهما السلام): في حديث يخاطب فيه عمرو بن العاصي: و أنك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحارث و النضر بن الحارث بن كلدة و العاص بن وائل كلهم يزعم أنك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا و أخبثهم منصبا و أعظمهم بغية. ثم قمت خطيبا و قلت: أنا شانىء محمد و قال العاص بن وائل: إن محمدا رجل أبتر لا ولد له قد مات انقطع ذكره فأنزل الله تبارك و تعالى: «إن شانئك هو الأبتر».
الحديث.
و في تفسير القمي،: «إنا أعطيناك الكوثر» قال: الكوثر نهر في الجنة أعطى الله محمدا ( وسلم) عوضا عن ابنه إبراهيم.
أقول: الخبر على إرساله و إضماره معارض لسائر الروايات و تفسير الكوثر بنهر في الجنة لا ينافي التفسير بالخير الكثير كما تقدم في خبر ابن جبير.
*******************************************
ومن مقال "فاطمة الزهراء () هي الكوثر"
بناءً على ما مرَّ نقول: إنَّ كلَّ المعاني التي جاءت لتوضيح الكوثر ـ وإن اختَلَفَت في ألفاظها ـ إلا أنَّ لها اتِّحاد في المعنى، وتُصَبُّ تحت قالب واحد، وهو كون تَمَتَّع النبي () بالخير السخِي المُستمر.
والله تعالى إضافة للبُشرى المستمرة في بقاء هذه النعمة واستمرارها ليوم القيامة، يشير سبحانه إلى قضية الإخبار بالمستقبل أيضا، وهذا إخبار إعجازي يدل ويثبت ظهور الخير بعد زمن النبي ()، سواء بَعُدَ أم قَرُب.
ولو رجعنا إلى سبب نزول السورة لعرفنا أن القوم وسموا النبي () بالأبتر، أي الشخص المَعْدوم العقب، وجاءت الآية لتقول: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر: 1].
إذن فالخير الكثير، أو الكوثر هي فاطمة الزهراء ()، لماذا؟، لأن نسل الرسول () انتشر بواسطة الزهراء ()، مع العلم أن امتداد الذرية الطيِّبة لم يكن فقط جسماني، بل رساليٌ أيضاً.
وبما أن علماء الأمة الإسلامية هُم حُمَاة الشريعة، والذين يدفعون عنها كل الشُبُهات فما كان عِلمهم إلاَّ من نتاج هذا الكوثر.
وكون المذهب الشيعي منبثق من أهل البيت ()، وهُم درٌّ مستخرج من بحر فاطمة الزهراء ()، ولؤلؤ أمير المؤمنين علي ()، والعلماء يأخذون من فيض هذا البحر العميق بلا قاع.
فيمكن القول أيضاً: إن من مصاديق الكوثر هو ما يقدّمه العلماء الكرام من خدمات رسالية جليلة للإسلام.
****************
فضل من قرأ هذه السورة
من قرأ هذه السورة سقاه الله من الكوثر ، ومن كل نهر في الجنة ، وكتب له عشر حسنات بكلِّ من قرَّب قرباناً من النار يوم النحر.
البرهان في تفسير القرآن 1220/4