بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على الرسول الامين واله الطاهرين
يرد في أذهان الكثير السؤال عن مشروعية اقامة مجالس العزاء الحسيني وذكر الحسين (
) والبكاء عليه ، والسؤال عن أهمية ذلك ، وعن الهدف والغاية المرجوة منه ؟؟
وللأجابة على تلك التساؤلات أذكر عدة نقاط غير ملتزم بتسلسل الأجابة ، وأرجو أن تكون مناسبة ووافية ، ومبينة بصورة جلية ، أن الغاية والهدف ليس الطف كواقعة حصلت وليس الامام الحسين (
) كشخص معصوم مفترض الطاعة قتل فعلينا ذرف الدموع على تلك الحادثة المأساوية الحزينة ، بل أن طف كربلاء تمثل الخير والشر والصراع بينهما منذ خلق آدم الى يوم الدين ، في الأرض والسماء ، عند أهل الأرض وعند سكان السماء ، وأن الامام الحسين (
) يمثل الصدق والحق والقسيم والمحك بين الخير والشر والجنة والنار في جميع تلك العوالم ، وبعد أثبات ذلك يصبح الأمر واضحا أن حركة التمهيد المهدوي واليوم الموعود المقدس والامام المنتظر (
) ودولته الألهية العادلة ، كلها جزء من الحركة الحسينية وأمتداد لها فالحركة الحسينية وقائدها (
) والحركة المهدوية وقائدها (
) هي الهدف والغاية المقدسة التي وجدنا بل خلقت السماوات والأرض من أجلها ، والتي ننال بها القرب والرضا الألهي والتفضل والتشرف للكون في الحضرة القدسية للجليل الأعلى ( جلت قدرته ) مع الأنبياء والأئمة والصالحين ( صلوات الله عليهم أجمعين )
الحزن والبكاء في الشرع
أن البكاء والحزن على الميت وعند المصائب سيرة عقلائية ومتشرعية عمل بها الأنبياء والأئمة والصالحون ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وقد ثبت في الخارج الثمار الصحية والنفسية والأخلاقية والأجتماعية المترتبة على البكاء وتشير الروايات الى أستحباب الحزن والبكاء والتباكي وأن فيه أجر شهيد بل مئة شهيد كما في بكاء يعقوب على يوسف ( عليهما السلام ) ، ولا يخفى أن المراد في المقام ليس الجزع على المصاب بل البكاء والحزن لله وفي الله وبالله تعالى ، واليك بعض ما يشهد لهذا المعنى :
آدم (
) يبكي ويحزن على هابيل (
)
عن الامام زين العابدين (
) : ( أنه لما سولت لقابيل نفسه قتل أخيه .......فلما قتله.......فحفر له حفيرة ودفنه فيها ، فرجع قابيل الى أبيه (
) .......فانصرف آدم (
) وبكى على هابيل أربعين يوما وليلة ......)
وعن الامام الصادق (
: ( .....وأن آدم أتى الموضع الذي قتل فيه قابيل أخاه فبكى هناك أربعين صباحا )
وعن الامام الصادق (
): ( .....الى أن قتل هابيل فجزع آدم عليه جزعا قطعه عن أيتان النساء خمسمائة عام )
يعقوب النبي (
) يحزن ويبكي
بالرغم من أن الروايات تشير الى أن يعقوب (
) يعلم بوجود يوسف على قيد الحياة لكنه (
) لم يتحمل فراقه وحزنه عليه وبكى لمدة عشرين أو أربعين أو ثمانين عاما حتى ألتقى به ، وقد أشار النبي (
وسلم ) أن بكاء يعقوب (
) على أبنه له فيه أجر مئة شهيد وأليك ما يشير الى هذا المعنى :
أـ عن الامام الباقر (
) عندما سأل عن يعقوب (
) هل كان يعلم بحياة يوسف وذهب عينيه عليه من البكاء ، أجاب (
) : ( نعم علم يعقوب (
) أنه حي .....فكتب الى ( عزيز مصر ) يعقوب (
): بسم الله الرحمن الرحيم ، من يعقوب اسرائيل الله ابن أسحاق ابن ابراهيم خليل الله اما بعد :.....ثم رجعوا ألي وزعموا أن الذئب أكله ، فأحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري ....)
ب ـ ورد في تفسير الكشاف عند قوله تعالى (( واأسفاه على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )).....قيل : ما جفت عيناه من وقت فراق يوسف الى حين لقائه ، ثمانين عاما ، وما على وجه الأرض أكرم على الله تعالى منه ...
ج ـ نفس المصدر السابق ( الكشاف ) ، عن النبي (
وسلم ) : أنه (
وسلم ) سأل جبرائيل (
)،
ما بلغ وجد يعقوب على يوسف ؟
قال جبرائيل : وجد سبعين ثكلى
قال الرسول الأكرم (
وسلم ) :
فما كان له من الأجر ؟
قال جبرائيل : أجر مئة شهيد
يوسف (
) يحزن ويبكي على يعقوب (
)
بكى يوسف (
) على فراق أبيه حتى تأذى أهل السجن من ذلك ، فصالحهم على أن يبكي في الليل فقط او في النهار فقط ويشهد لهذا :
عن الامام الصادق (
) : ( البكاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف (
) وفاطمة بنت محمد (
وسلم ) وعلي بن الحسين (
)
(1) أما آدم ، فبكي على الجنة حتى صار خديه أمثال الأوديه
(2) أما يعقوب ، فبكي على يوسف حتى ذهب بصره
(3) أما يوسف ، فبكي على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن ، فقالوا له : أما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار ، وأما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل فصالحهم (
) على واحدة منهما
(4) وأما فاطمة (
) ، فبكت على رسول الله (
وسلم ) حتى تأذى بها أهل المدينة ، فقالوا لها قد آذيتينا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج الى مقابر الشهداء ، فتبكي ، حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف
(5) وأما علي بن الحسين (عليهما السلام ) فبكى على الحسين (
) عشرين سنة أو أربعين سنة ، ما وضع بين يديه طعام الا بكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك اني اخاف ان تكون من الهالكين ؟
قال (
) : انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم ما لا تعلمون ، اني ما ذكرت مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة )
قول وفعل واقرار النبي (
وسلم )
لقد بكى النبي (
وسلم ) على عمه ابي طالب (
) وعلى عمه الحمزة وجعفر الطيار وزيد ابن الحارث وعبد الله بن رواحة وعلى ولده ابراهيم وعلى امه آمنة عندما كان (
وسلم ) ، وعلى سعد ابن عبادة 0
وقد أقر ( صللى الله عليه وآله وسلم ) بكاء البكائين وكذلك نراه (
وسلم ) حث على البكاء كما حث وأمر بالبكاء على جعفر وحمزة ( عليهما السلام ) 0 وقد تصدى (
وسلم ) لمنع وزجر من يمنع البكاء كما حصل مع عمر بن الخطاب عندما كان يمنع وينهي الناس عن البكاء فكان النبي (
وسلم ) يزجر عمر وينهاه عن مثل ذلك التصرف
أ ـ عن ابي داوود والنسائي ...عن علي (
) لما مات ابو طالب (
) فعندما اخبر النبي (
وسلم ) بكى وقال (
وسلم ) ( اذهب فأغسله وكفنه ووراه غفر الله له ورحمه )
ب ـ في سيرة الحلبي والدحلاني ....عن ابن مسعود : ( ما رأينا رسول الله (
وسلم ) باكيا اشد من بكائه على حمزة ، وضعه في القبلة ، ثم وقف على جنازته وأنتحب أي شهق حتى بلغ به الغشي يقول : يا عم رسول الله يا حمزة ، يا أسد الله وأسد رسوله يا حمزة ، يا فاعل الخيرات يا حمزة ، يا كاشف الكربات يا حمزة ، يا ذاب عن وجه رسول الله ....)
ج ـ البخاري في صحيحه ( ان النبي (
وسلم ) نعى جعفرا وزيدا وابن رواحة ، وان عينيه لتذرفان )
ء ـ مسلم في صحيحه ( يوم زار (
وسلم ) قبر أمه آمنة ، فبكى وأبكى من حوله )
هـ ـ مسلم والبخاري ....يوم مات صبي لأحدى بناته ،اذ فاضت عيناه يومئذ ، فقال سعد : ما هذا يا رسول الله ؟
قال (
وسلم ) : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وانما يرحم الله من عباده الرحماء )
و ـ مسلم والبخاري ...يوم اشتكى سعد بن عبادة فأتاه النبي (
وسلم ) يعوده ومعه بعض اصحابه فوجده في غاشية أهله ، فقال (
وسلم ) قد قضى
قالوا : لا يا رسول الله ،
فبكى النبي (
وسلم ) ، فلما رأى القوم بكاؤه بكوا
فقال (
وسلم ) : ( أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب )
زـ ابن عبد البر في الأستيعاب ....يوم أستشهد جعفر الطيار ، اذ جاءت النبي (
وسلم ) أمرأته اسماء بنت عميس فعزاها ، ودخلت فاطمة (
) وهي تبكي وتقول : واعماه فقال النبي (
وسلم ) : ( على مثل جعفر فلتبكي البواكي )
ح ـ احمد في مسنده عن ابي هريرة ، يوم مرت جنازة على رسول الله (
وسلم ) ومعها بواكي ، فنهرهن عمر ، فقال له رسول الله (
وسلم ) : ( دعهن يا عمر فأن النفس مصابة والعين دامعة )وهكذا سيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، ومن عارض ذلك فقد خرج عن الدين وخرج عن العقلاء وخرج عن الأنسانية الى صنف السباع والوحوش الحيوانية .