اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السر الدفين
استيقظ من سبات عميق، يصارع النور الذي يبعث إليه بسهامه. يهاجمه بضراوة، ويمنعه من فتح عينيه. لا يقل توهجا وشراسة، عن شمس الظهيرة.
تمكن أخيرا من فتحهما بصعوبة، فوجد نفسه فوق سرير ابيض. محاطا بالات ومواسير، متصلة بأجزاء جسمه المختلفة. كأنها اخطبوط بحري كبير، يحاول منعه من الحركة، وفي طريقه لإزهاق روحه. وهو لا يستطيع التحرر منها، ولا حتى مقاومتها.
المخدر لا يزال تأثيره يسري في كل شبر من جسمه. وعندما خفت وطأته، راح يتحسس أطرفه. يتأكد من وجودها، كما تركها آخر مرة. ينتقل ببطئ خلال كل عضو، يحرص على وجوده كاملا لا نقص فيه.
بعد بحث مضني لم يجد ساق رجله اليمنى، أو ليست في موقعها المعتاد. ولم يعد يشعر بها، ولم يستطع تحريكها كما كان في السابق. سأل من كان حوله، من الممرضين والأطباء، المنهمكين في علاجه، عن السبب! فلم يجرأ احد، على البوح بذلك السر الدفين. مراعاة لحالته النفسية، وخوفا عليه من هول الموقف.
مر الوقت وهو تحت العناية المركزة، في محاولة لتضميد جراحه، ومنع الالتهابات من الانتشار إلى بقية جسمه.
بدأ يستعيد ذاكرته، وعندها لم يستطع منعها، من البحث في ملفاتها القديمة. في محاولة لاسترجاع، ما فاته. فأخذته إلى حيث بدأت مصيبته، وقبل انتقاله إلى عالم آخر. عالم ليس للام فيه مكان.
أخذ شريط تلك الحادثة الأليمة، يتمثل أمامه بكل تفاصيله. شاهد عربة شحن البضائع، وهي تسقط من شاهق. وبسرعة رهيبة، وبكل ثقلها من أمام عينيه. حمد الله أنها لم تأخذ رقبته في رحلتها تلك، ولم تنهي حياته.
توقف شريط الذكريات عند تلك اللقطة، ولم يعد يزوده بأي معلومات جديدة. وكلما حاول حث ذاكرته على مساعدته، أصبح الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة له ولها.
عاد من جديد يبحث عن ساقه، يتلمسها والخوف يكاد يقضي عليه. يتمنى أن يخيب ظنه، ولكن لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
بقلم: حسين نوح مشامع - القطيف، السعودية