|
أديب وشاعر
|
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
صفوان بيضون
المنتدى :
ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء )
ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء )
ثقافة الدمعة (7)
بتاريخ : 20-Dec-2009 الساعة : 05:18 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ثقافة الدمعة
الحلقة السابعة :
بعد استعراض كل هذه الدموع المنهجية والتي يجب أن تكون جزءاً من منهجنا وحياتنا ، يقفز أمام أعيننا الجامدة سؤال : ما الذي يمنعك أيتها العيون من البكاء ؟
يقدم لنا العصر الحديث التقني المادي ، نموذجاً للحياة ذا وجه واحد ، بمعنى أن أي وجه آخر للحياة هو موت في قاموسه ، فلكي تبقى حياً عليك أن تعيش هذا النموذج ، ودونه أنت ميت أو تتبع نموذجاً ميتاً .
هذا النموذج يعتمد في ظاهره على الإبهار ، وفي حقيقته على تفريغ الجسد من مضمون الروح ، أو من أية علاقة جمالية روحانية ، بمعنى أنه نموذج صاخب يعتمد على الضجيج ، على الإيقاع السريع غير المتناغم أو المنسجم ، يعتمد على الفردية والإغراق في التغريب ، وعلى مجسمات مشوهة ، وحتى في الطعام لا يتيح لك فرصة الاستمتاع بتذوق المنتجات الطيبة الطاهرة .
في هذا العالم أنت مستعبد أمام التلفاز والحاسوب وشبكات الاتصال والمحمول ، لم يعد للكتاب أو القراءة أو الشعر مكان لديك ، وهو وإن كان ينتج أدوات جمالية براقة ، لكنها في النهاية هي كتل إسمنتية أو قوالب حديدية أو لدائنية ، بمعنى أن هذا التمازج مع الطبيعة أصبح أيضاً مفقوداً ، وحتى على مستوى الكائنات الحية فإن انقراضها في الماضي كان نتيجة عوامل غير إرادية كالكوارث الطبيعية والكونية ، لكننا اليوم نشهد انقراض نبات أو حيوان أو تهديد بالانقراض كل دقيقة نتيجة هذه العصرنة أو الحداثة .
في عصر كهذا ، حيث الأولوية للاستهلاك المادي المؤطر بفورمات معدة مسبقاً ، تدمج الفرد ، وتذيبه فيها ، وتجعله متماهياً تماهياً شبه تام مع ما خططت له التكتلات الاقتصادية المتحكمة بالدنيا ، بما ينسجم مع مصالحها ومتطلباتها وخططها ، لا مع ما يناسبه ويتطلبه ويخطط له ، سواء على المستوى الروحي أو الذوقي أو الأخلاقي أو الصحي ..
في عصر كهذا ، تتخلق في ذهنية الفرد والمجتمع كدورات روحية ، تقف عائقاً وسداً منيعاً ضد تفاعل الإنسان مع الحيثيات التعاطفية لأي مؤثر قد يضر بمصالح العالم الاستهلاكي الانحلالي ، فتصبح الرقة والعاطفة مجرد شهوة ، ويصبح الشعور بالظلم والاضطهاد واستنكارُهما إرهاباً ، ويصبح السعي لمساعدة الآخرين تدخلاً في شؤون الغير وحرياتهم ، وتصبح مواجهة الخطة الاستكبارية معاداةً للتقدم ، وتدميراً للحضارة ..
من الطبيعي ألا نلحظ في تلك الأجواء الزاخرة بالإرهاقات والأثقال المقيتة أي نزوع نحو التفاعل مع الروح ، وألا نشم عبير الدمعة الصادقة الرقيقة الحنونة الطاهرة ، بل وحتى الدمعات الانفعالية التلقائية تنحبس مع انحباس الأمطار ، وتجف القلوب وتتصحر مع انتشار التصحر ، وتتوسع ثقوب الأفئدة السوداء مع توسع ثقب الأوزون ، وتضمحل مساحات الفضيلة مع اضمحلال الغابات ، وتنقرض الضمائر الخيرة مع انقراض خيرات الطبيعة .
كيف للدمعة أن تنمو في مثل هذه التربة المجدبة القاحلة المستنزفة الغاصة بالمبيدات الروحية ، من الصعب جداً عليها بل من المستحيل أن نراها إلا في جزر صغيرة مبعثرة ضائعة ، هي في سبيلها إلى الزوال والاندثار .
يقول سيد البلغاء علي (ع) : " ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب " ( بحارج73ص352) . ... يتبع ..
|
|
|
|
|