اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
في بيان اللطف الرباني الخاص بالامام الحسين
الذي عبّر عنه بقوله " فوضع الله تعالى يده على رأس الحسين
" وحيث انه كناية عن نهاية نظر الرحمة اليه فقد ظهر هذا في شيئين كما في الروايات الصحيحة :
الاول : ما ناله هو في نفسه .
الثاني : ما ينال الناس به .
اما الاول فانه مرتبة خاصة من القرب لا نقدر على تقريرها بل ولا على تصورها . ومن فروعها جعل الامام في ذريته .
واما الثاني فاُمور كثيرة : منها جعل الشفاء في تربته . والاجابة تحت قبته . وعمدتها واجّلها واعظمها ، ان الله تعالى قد خصّه بصيرورته سببا عاما لرحمته على عباده وقد خلقهم لها فجعله بذلك عمدة التسبب ، وحيث كان نبيه رحمة للعالمين جعل الحسين من النبي وجعل النبي المصطفى منه . ولذا قال (
) " حسين مني وانا من حسين " .
فهو محل وضع يد الرحمة . ومن الرحمة . وغذته يد الرحمة . ورُبيّ في حجر الرحمة . ورضع من لسان الرحمة . ونبت لحمه ودمه وذاته روحه الزاكية من الرحمة . ونور بصر الرحمة . وهو جلدة ما بين عيني الرحمة . وريحانة الرحمة . ومجلسه صدر الرحمة . ومركبه كتف الرحمة . ومرتحله ظهر الرحمة . ومسيره الى الرحمة . ومعدن خاص للرحمة . ومجمع لاسباب الرحمة . وجامع وسائل الرحمة . ومنبع عيون الرحمة . ومشرع الواردين للرحمة . ومترع مناهل الرحمة . ومغرس حدائق الرحمة . ومظهر ثمرات الرحمة . ومنبت اغصان الرحمة . ومحرك مواد الرحمة . وسحائب فيوض الرحمة . وبه يتحصل الكون في موضع العفو و الرحمة . والدخول في سعة دائرة الرحمة . وبالرحمة عليه يتحقق كتب واسع الرحمة . وهو الرحمة الموصولة . والرحمة المرحومة . فهل في قلبك له
رحمة فتكون من الباكين عليه رحمة فيصلي عليك رب الرحمة تبارك وتعالى ؟ . ويقال لك صلى الله تعالى عليك يا صاحب الرحمة . وهذا العنوان لبيان وسائل الرحمة به اجمالا وكثرتها وعمومها وبيان معادتلها مع كل الاعمال الشرعية والصفات الدينية
ولنذكر اولا مقدمتين :
المقدمة الاولى : " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " . لا تحسب ايها الانسان انك جئت سدى . ولا تحسب انك تترك سدى . ولا تحسب انك تذهب سدى . فان خالقك حكيم قادر غني منزه عن العبث واللهو . وقد وجدت بخطابات تكوينية بعد ان لم تكن شيئا مذكورا . فكنت ترابا بخطاب . ثم نطفة بخطاب . ثم علقة بخطاب . ثم عظاما بخطاب . ثم مكسوا بلحم بخطاب . ثم انسانا بخطاب . ثم افيض عليك العقل والقوى بخطاب من الله تعالى .
وهذه كلها خطابات تكوين منه تعالى لك . فلما تكونت بمقتضاها توجهت اليك اقسام من الخطابات التكليفية , وتفرعت عليها اقسام خطابات لك . واقسام خطابات بالنسبة اليك .
بيان ذلك انك مخاطب الان باعتقادات . وبصفات وبفعل واجبات ومندوبات . بدنيات وماليات . وبترك صفات وافعال واقوال واموال . وبخطابات تعلمها اولا ثم تعمل بها . ثم انه قد توجهت اليك بعد ذلك خطابات ارشادية بالطاعات . والاستباق الى الخيرات . ابتغاء الوسيـــلة الى الله تعالى . واتخاذ السبيل الى الله . واجابة داعي الله تعالى . والتزود الى الله . واقراض الله . و تقوى الله . والمجاهدة في سبيل الله . والمسارعة الى مغفرة الله تعالى ونحو ذلك .
وبعد توجه هذه الخطابات اليك . تتوجه اليك خطابات تكوينية يتحقق مؤداها بمجرد توجهها عند انقضاء اجلك .
فتخاطب روحك ممن له الامر بالمفارقة . وجسدك بالوقوع وقواك بالسقوط . وعينك بالظلام . وسمعك بالصم . ولسانك بالخرس . ويقال لك : اترك كل ما في يدك ومالك وما تراه بعينك كله دفعة واحدة .
فيتحقق كلٌ بمجرد الخطاب بهما . ولا تقدر على عدم اجابة هذا الداعي الالهي .
واذا تحقق ذلك فتصير معرضا لخطابات .
هي اثار الخطابات التكليفية الموتجهة اليك . وتختلف حالتك فيها باختلاف حالاتك في امتثالها .
فمنها خطابات تتوجه اليك بعد تفرق اجزاء وجودك من روحك وجسمك باجتماع اجزاء جسدك وعود الروح كما انت الان . وهذه ايضا تتحقق الاجابة عليها بمجرد النداء بها .
ومنها خطابات تتوجه اليك : بــ( إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) فتأخذه اما بيمينك او بشمالك او وراء ظهرك . فتقرأه . فإما ان تقول : " يا ليتني لم اُوت كتابيه . ولم أدر ما حسابيه " ، وإما ان تقول : " هآؤم اقرؤا كتابيه . إني ظننت أني ملاقٍ حسابه " .
ومنها خطابات تتوجه من الله تعالى . فمنهم من يخاطب : " يا عبادِ لا خوف عليكم ولا أنتم تجزنون : . ومنهم من يُخاطب : " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " .
ومنها خطابات تتوجه الى ملائكة المحشر بالنسبة الى اهلها . فمنها " وقفوهم إنهم مسؤلون . ومنها بالنسبة الى المؤمنين حي تتلقاهم الملائكة " أبشروا بالجنةالتي كنتم توعدون " .
ومنها بالنسبة الى بعض المذنبين : " خذوه فغلوه " . فياله من ماخوذ لا تنجيه عشيرته . ولا اهله .
ومنها : " ثم الجحيم صلّوه "
ومنها : " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه " . وما ادراك بمعنى فاسلوكه . ان معناه ان يُسلك الشخص في حلقات السلسلة . لا كسلاسل يشد بها الشخص على ما هو المتعارف .
ومنها خطابات الى الملائكة بالنسبة اليك . أما : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " أو " خذوه فاعتلوه الى سواء الجحيم . ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم " .
ومنها خطابات تتوجه اليك تعجيزية . منها : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا " .
ومنها :" أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق " .
ومنها خطابات تهكمية . منها : " اصلوها فاصبروا او لا تصبروا سواء عليكم " .
ومنها: ذق إنك انت العزيز الحكيم " .
فهذه الخطابات السبعة الاخيرة فروع للخطابين الاولين التكليفي والارشادي . فلاحظ نفسك إنا امتثلا او تهيؤاً لها .
المقدمة الثانية : اعلم انك الان مصاب بمصيبة عظيمة ما اعظمها لو تصورتها . وذلك من جهات :
الاولى : انك رمية المصائب العارضة واسير المنايا وهدف البلايا في حلقوم الرحى الدائرة . مساق الى الموت كل ساعة في النزع . وفي سفينة طوفانية ما تدري اي ساعة تغرق قد احاط بك الاخلاط التي لا بد ان تُقتل بأحدها . واحدق بك الاعداء كل يجرك الى طرف .
الثانية : مصيبة لك لا تحس بها ابدا ولكن كان عليا
اذا ذكرها يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الثكلــــى . وهي ان السفر بعيد . والمنازل مخوفة مهولة . والمورد عظيم خطير . والزاد قليل . والرجل حافية . ومالك موكب . والكف صفر . والطريق مخوف .
الثالثة : قد عظم بلاؤك . وافرط سوء حالك. فانت المحترق بالنيران المتعددة . انت الذي اشتغل قلبك وبدنك ولسانك وبطمك ورجلك بشعلات المعاصي . انت المقتول في معركة الذنوب . انت المأسور للنفس الامارة والشيطان . اعضاؤك مشتعلة النيران . قد توقدت على الظهور والبطون . والقلوب قد تقطعت اجزاء انسانيتها . وقد جرحت بمائة الف جرح من المعاصي . وقد وطأت خيول الضلال اعضاء هدايتك .
الرابعة : بلية عظيمة لا مناص عنها ولا خلاص . وهي انه ان بقيت هنا . فانت الان . اما فقير او غني . فان كنت فقيرا وكبرت سقطت قواك . وان كنت غنيا لم تلتذ بما عندك. فاجتمعت عليك مصائب الفقر الى من كان فقيرا اليك . وتأذى احب الناس اليك منك . فيرجو موتك من ترجو حياته . وينزعج كل واحد لاستبطاء موتك . فان ذهبت من هنا فالى قبر لم تمهده لرقدتك . ولم تفرشه للعمل الصالح لضجعتك . فاذا دخلته وبقيت فيه فوجه كالح والكالح هو التكشّر في عبوس او التعبس المفرط . وجسد خاوٍ . واعضاء معطلة مسودة . ومصاحبة للنمل والدود والعقارب والخنافس . وان خرجت . فالى محشر ارضه نار . وسقفه نار من الشمس . والجوانب نار من المعاصي . فان بقيت فكيف تبقى ؟ وان ذهبت فالى اين ؟
فلو عرفت انك مصاب بهذه المصائب . للبست السواد . وفرشت الرماد. وتركت الاهل والمال والاولاد.
قال عليا
" انكم لو تعلمون ما اعلم مما طُوي عنكم غيبه اذاً لخرجتم الى الصعداء تبكون اعمالكم وتلتدمون على انفسكم . ولتركتم اموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها . ولهمّت كل امريء منكم نفسه " . فاشغلتكم هذه المصيبة عن كل مصيبة . ولو كانت في نفسك وولدك واخوانك .
تبيان : المراد بالصعداء هنا : الصحاري . والالتدام : ضرب النساء صدورهن او وجوههن للنياحة . وهمته اي : شغلته
واذا تمهدت المقدمات ، فاعلم : ان خامس اهل الكساء . وسيد الشهداء ابا عبد الله الحسين عليه التحية والثناء .
قد امتثل لله تعالى خطابا خوطب به في صحيفة مكتوبة له خاصة . جاء بها جبرئيل
من الله تعالى واودعها عند نبيه محمدا صلوات الله عليه واله . ثم سلمها (
) الى عليا (ع) ثم علي الى الحسن (ع) ثم سلّمها الحسن المجتبى الى اخيه الحسين عليهما السلام عند وصيته . فامتثل خطابا خاصا من تكاليفه الخاصة . والخطاب الخاص
هو : " اخرج بقوم الى الشهادة فلا شهادة لهم الا معك واشتر نفسك لله عز وجل " . نعم فامتثل
خطابا خاصا من تكاليفه الخاصة .
حصل لمن توسل بوسائله . اطاعة التكاليف الارشادية . وامتثال الخطابات التكليفية . وتحمل مصيبة اُعطى بها اجر حصل لمن تمسك به ارتفاع جميع المصيبات . وتفرغ على ذلك النجاة من العقبات . خوطب عند امتثاله ذلك التكليف الخاص بخطاب ارتفع به عن المتوسل به . التهكمية . والتعييرية من الخطابات .
ففي وسائله يحصل امتثال الامر بالطاعات . والامر بالصلاة والصيام والصدقات والحج والعمرة والجهاد والرباط . ويحصل ثوابها . ويحصل لك اعلى افرادها الذي يتصور وقوعه منك. وزيادة على ذلك انه قد يحصل لك اعلى افراد مالا يتصور وقوعه منك . مثل الصلاة والحج و الجهاد مع الني محمدا صلوات الله عليه واله . وزيادة على ذلك انه قد يحصل لك بحسب العدد والكم ما يستحيل وقوعه منك. مثل ان تحج مائة حجة .
وفي الوسائل الحسينية ما تحصل لك مائة الف حجة . وقد يحصل لك ما يستحيل وقوعه في نفسه لا منك خاصة . فالتشحط بالدم قتيلا لا يمكن الا دفعة واحدة . وفي الوسائل ما تكون الف مرة متشحطا بدمك في سبيل الله تعالى فبها ترتفع المصيبات المتحققة فيك الان وانت لا تشعر بها . وتندفع البليات التي انت معرض لورودها . وبها يحصل تسهيل العقبات التي انت مشرف عليها . وبها يحصل الامن من الاهوال والمخاوف في جادتك التي انت الان ماش عليها . وبها يحصل امتثال التكليفية والارشادية من الخطابات . وتحصل المحمودة من الصفات . وترفع تأثيرات المهلكات من الصفات . وبها تحصل المغفرة للعصيان الحاصل بارتكاب المنهيات . والفتح لما سدّ الشخص على نفسه من ابواب الجنان . وسدّ ما فتحه من ابواب النيران واطفاء ما احاط به الان من النيران . وبها حصول الدرجات . وبها ارتفاع الدرجات . وبها ارفع الدرجات . وفيها مالا يُتصور من الدرجات . ولتوضيح هذا المطلب نذكر عائدة
" تعِيَها اذن واعية " فيها عود وتكرر وتوضيح فاحضر قلبك واستمع .
واحترس . فانه قد توجهت اليك الان من ربك خطابات كثيرة انت في عهدتها
فالافاقة الافاقة . فلك بعد ايام , حالة قيامة صغرى عليك . تتوجه بالنسبة اليك خطابات تجري عليك , ما اصعبها .
الحذر الحذر . فلك بعد ذلك حالة تجري عليك ما اصعبها . الحذر الحذر . فلك بعد ذلك حالة وهي القيامة الكبرى تقوم عليها تتوجه بالنسبة اليك خطابات ما اعظمها وافظعها واهولها . فبالحسين يحصل امتثال خطابات لك . وبالحسين
يسهل جريان خطابات . وبالحسين دفع ورفع لخطابات . فهنا ثلاث كيفيات :
الكيفية الاولى :
تفصيل لتحصيل امتثال الخطابات وهي على اقسام :
الخطاب الاول : خطاب العبادة . قال الله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون "
وهذا خطاب ورد على لسان مائة والف وعشرين الف نبي وعلى لسان الاوصياء والصلحاء والملائكة والحكماء والعرفاء واهل الملل . فلاحظ نفسك هل عبدته بعبادة مطابقة لاحدى الملل السابقة . او لهذه الملة التي تدعيها الان ؟ .
ثم لاحظ زمانا لها . فهل عبدته في طول عمرك . او نصف عمرك . او بعض عمرك . او سنة من عمرك . او شهر او يوم او ساعة .
ثم لاحظ نفسك من اي عبّاده انت . فلست من عباده المكرمين ولا من عباده المصطفين ولا من عباده المخلـَصين ولا من الذين قال تعالى فيهم : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " .
ولا من عباده المؤمنين اذا لا صفة لك من صفاتهم .
ولا من عباده المتقين اذ لا علامة فيك من التقوى .
ولا من عباده المسرفين الذين قال تعالى فيهم : " لا تقنطوا من رحمة الله " . فإنه قال :" وأنيبوا إلى ربكم " . ، ولست من المنيبين المخاطبين . بــ ( لا تقنطوا ) ..
ثم لاحظ عبادتك له تعالى . وليست عبادتك عبادة الاخلاص الخاص .
بل ولا كعبادة العبيد تكون خوفا من ناره .
بل ولا عبادة الاُجراء تكون طمعا في جنته .
وليتنا اكتفينا بعدم عبادته تبارك وتعالى بقسم من الاقسام . بل عبدنا من دونه عدونا وعدوه . ولسنا اكتفينا بواحد بل عبدنا الهوى وعبدنا الدينار والدرهم .
وعبدنا ما لا يحصى عدده . وليتنا اكتفينا بقسم من اقسام العبادة . بل عبدناه بجميع ما يُتصور من اقسامها .
فاذا عرفت حالتك بالنسبة الى عبادة ربك تعالى فاعلم انه يمكن ان تنال بالحسين الشهيد
دخولك في جميع اقسام العبادات وعبادتك طول عمرك . ويمكنك ان تنال به (ع) مرتبة العبودية بجميع انواعها واقسامها . وبيان ذلك
فيه مطالب :
الاول : اذا زرت الحسين (ع) حصلت لك من مراتب عبادة المكرمين . وهم الملائكة . وذلك ان علو مراتبهم انما هو بمراتب عبادتهم . وقد يحصل لزائر الحسين (ع) صلاة الملائكة وتسبيحهم وتقدسيهم وطول عبادتهم الى يوم القيامة . وفوق ذلك تكون الملائكة نوّابا عنه في زيارة الحسين (ع) الى يوم القيامة . وسنذكر الروايات بعد ذلك ان شاء الله .
وبهذا يظهر لك معنى الروايات ان من زار الحسين (ع) كان من عباد الله تعالى المكرمين .
الثاني : اذا زرت الحسين (ع) حصلت لك من مراتب عباده المصطفين . وهم الانبياء سلام الله عليهم اجمعين . فإن من بعض خواصها الكون مع النبي صلوات الله عليه وآله . والاوصياء في درجاتهم والاكل معهم على موائدهم ومصافحتهم ودعاءهم لك وحديثهم معك وسلامهم عليك . وسنذكر تفصيل الروايات في ذلك .
الثالث : بخصوصيات وسائل الحسين (ع) تحصل لك من مراتب عبادة الصالحين والمخلصين والمؤمنين والزاهدين والخائفين . كما سيظهر تفصيلها من الروايات الخاصة . وكما يحصل بها لك من مراتب العباد كلهم يحصل لك ثواب العبادات كلها من خطابات الصلاة . والزكاة والحج والعمرة والجهاد . والمرابطة . والوقوف والصدقات والمستحبات. وثواب اعلى الدرجات و النيات وثواب عبادة العمر كله لا بل الدهر كله . كما يتبين ذلك عند ذكر التفصيلات .
الرابع : من الوسائل الحسينية ما يحصل لك منها خصوصية نداء العباد
المسرفين المنيبين المخاطبين بقوله تعالى " لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " . فإنه تحصل بالبكاء عليه سلام الله عليه ويحصل من الزيارة له مغفرة الذنوب جميعا . لا الذنوب الماضية فقط . بل قد تحصل مغفرة الذنوب المستقبلة . لا ذنوبك جميعا . بل قد تحصل مغفرة جميع ذنوب والديك . لا ذنوب والديك معا . بل قد تحصل مغفرة ذنوب من احببت جميعا . كما جاء في كتاب كامل الزيارات 152و154و166 وبحارالانوار جزء 98الصفحة 26
وسيُعلم هذا عند ذكرالروايات في التفصيل ان شاء الله تعالى
الخطاب الثاني : " يا أيها الناس اتقوا ربكم " . وهذا كالخطاب الاول . خلاصة كلام كل نبي بل هو وصية كل نبي ومضمون كل كتاب سماوي . وهو على اقسام . وتحصل بوسائل الحسين (ع) ثمرات جميع اقسامه واعلاها . اي خطاب
المتقين يوم القيامة بقوله تعالى " يا عبادِ لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون " .
اذ بمثل هذا يُخاطب من زار الامام الحسين
عارفا . كما سيجيء
بيانه عند التفصيل في العنوان الاتي
الخطاب الثالث: الانفاق في سبيل الله تعالى . " وأنفقوا في سبيل الله " . وقد يحصل بالحسين (ع) جميع افراد الانفاق . من الاعطاء والاطعام والسقي والزكوات والصدقات وكل معروف هو صدقة . بل يحصل منه ما يستحيل حصوله بغيره
. ففي بعض خصوصيات وسائله ما يكتب لك بها ثواب سقي عسكر الحسين المظلوم صلوات الله تعالى عليه وفي يوم عاشوراء . وذلك بالنسبة لمن سقى الماء في عاشوراء عند قبره المبارك .
فهل تحبون ان تسقوا عسكر العطشان الان وان لم تكونوا عند قبره ولم يكن ليل عاشوراء :
فكل موضع يرى قبره وكربلا كل مكان يرى
فاذا تصورته واحترق قلبك على حالاته صار قلبك موقفه ومدفنه . فاسق عنده الماء من عينيك وبذلك تكون قد سقيته وسقيت عسكره وعياله واطفاله ومن كان معه .
الخطاب الرابع : خطابات الجهاد " وجاهدوا في الله حق جهاده " . وهو قسمان : اكبر واصغر . والقاتل سعيد فيهما فالمقتول في الاول شهيد . لكن المقتول في الثاني طريد . ولست بقاتل ولا مقتول في الاول . ولا في الثاني . ولكن يمكن ادراك ذلك بالحسين الشهيد
. وفيه مطالب :
الاول : اذا تمنيت ان تكون شهيدا مع الامام الحسين
وقلت : يا ليتني كنت معكم . كان لك من الثواب مثل من اسشهد معه . كما جاء في امالي الصدوق الصفحة 112و113 وكذلك في بحار الانوار .
اقول : هنا يتحقق هذا الامر مع الحب والاتباع والتأثر الصادق بولائهم
.والناس في هذا مراتب ودرجات متفاوتة كلٌ بحسب قابليته وتعلمه وايمانه وقبل كل شيء توفيق الله تعالى له ولطفه عليه .
وليس حديثا نجريه على اللسان .
الثالني : اذا احببت عمل الشهداء شاركتهم . كما في رواية جابر قال : نعم اشهد لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
الثالث : اذا زرت الحسين (ع) في ليلة عاشوراء وبتّ عنده حتى الصباح لقيت الله تعالى ملطخا بالدم كمن قتل معه .
الرابع : وهو يفوق اصل الجهاد . فإن الجهاد قد تحصل به الشهادة وقد لا تحصل . وفي هذه الوسائل ما يحصل من ثواب الجهاد والشهادة والتشحط بالدم .
الخامس : ما فاق على ذلك . فان التشحط بالدم في سبيل الله تعالى انما يتحقق مرة واحدة . وفي الوسائل ما يحصّل ذلك مرات عديدة .
الخطاب الخامس : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " . واحسن الزاد ما طاب وبلغ المنزل .
وزيارة الحسين (ع) نِعم الزاد لهذا السفر الطويل . فانه نافع في كل منزل . وطيب . قد فاق كل زاد وليس هو زاداً لك وحدك . بل زادا لغيرك ايضا . فانك قد تأخذ بيد من احببته فتدخله الجنة .
الخطاب السادس : " وأقرضوا الله قرضاً حسناً " . والوسائل بالحسين
قرض حسن لله تعالى . وقرض حسن لحبيبه المصطفى صلوات الله عليه وآله . وقرض حسن لعلي بن ابي طالب عليهما السلام . وقرض حسن للزهــــــــراء البتول فاطمة سلام الله تعالى عليها . وقرض حسن للمظلوم المسموم الحســــن المجتبى
وقرض حسن للحسين الشهيد سلام الله عليه . ويضاعف الله تعالى لك في كل قرض لكل واحد منهم اضعافا كثيرة لا يعلم عددها الا الله تعالى .
الخطاب السابع : " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لِما يحييكم " وقد دعانا رسول الله محمد (ص) فيما يتعلق بالحسين (ع) . الى اسباب لحصول الحياة الابدية الحقيقية . من المحبة له (ع) والنصرة والبكاء والزيارة واحياء امرهم بذكرهم .. ، بالتفاصيل السابقة واللاحقة .
الخطاب الثامن : " وقدّموا لأنفسكم " . وهذا تقديم للنفس . وتأخير لها ايضا . يلحق ويتجدد حصول ثوابه لعد موتك .
الخطاب التاسع : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " . و" استبقوا الخيرات " . ويحصل بالحسين
اسرع المغفرة . فان الذنوب تـُغفر بالبكاء عليه بمجرد دوران الدمع في الحدقة . وبزيارته بمجرد النية والعزم .
الخطاب العاشر : خطابات الدعاء " اُدعوا ربكم تضرعاً وخـُفية " . وتـُنال بوسائله ثمرات الدعاء لكل حاجة تدعو لها . وينال به (ع) مع ذلك اذا زرته دعاء رسول الله تعالى محمد (
) . ودعاء عليا وفاطمة والحسن والائمة
. ودعاء الملائكة . وفي الرواية الاخرى ان زائره لا يضع قدمه على شيء الا دعا له . وانه
يسأل الله تعالى لك الدعاء اذا زرته . وبكيت عليه من حدّه وابيه . وقد دعى الامام الصادق (ع) في ايام حياته وهو ساجد باك لمن قلّب خده على قبر الامام الحسين (ع) ولمن جرى دمعه عليه , ولمن صرخ لاجله .
الخطاب الحادي عشر : " كونوا أنصار الله " . والله تعالى اجّل من أن يحتاج الى نصرة . انما هو الغني المطلق الخالق الباريء . لكن من سعة رحمته جل جلاله ان جعل نصرة اوليائه ودينه هي نصرته تبارك وتعالى . وكلما كان المنصور من اوليائه مستضعفا مقهورا مظلوما ، كان تحقق نصرة الله تعالى فيه اظهر واجلى .
قال الامام الصادق (ع) " بابي المستضعف الغريب بلا ناصر " . فزيارة هذا الغريب الشهيد (ع) نصرة له . والبكاء نصرة له . واقامة عزائه نصرة له وتمني نصرته نصرة له . بل اقول السجود على تربته نصرة له . والتسبيح بسبحة تربته نصرة له . فان الفضيلة المجعولة فيهما من الاعواض الخاص التي اعطاها الله تعالى له (ع) كما سنذكرها في عنوانها ان شاء الله تعالى .
الخطاب الثاني عشر : " أجيبوا داعي الله " . وداعي الله تعالى هو النبي
محمدا (
) الذي دعى الى الاسلام . ويتلوه الحسين (ع) الذي دعى الى الايمان . واظهر الدعوة الى الايمان . وأبان الامر عن بطلان ما اعتقده الناس من خلافة اهل العصيان . وجميع وسائله اجابات لِما دعى اليه . كما يظهر بالتأمل فيها حتى اني اقول : ان الاسشفاء بتربته اجابة لدعوته فتأمل في ذلك لتفهم .
الخطاب الثالث عشر : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " . والحسين الشهيد
اعظم وسيلة نبتغيها . فإن وسائله عظيمة ميسرة سهلة الحصول . فيها ما هو غاية المأمول وفوق المأمول .
الخطاب الرابع عشر : " فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيـــــــلاً " . والحسين امامنا (ع) السبيل الاعظم والصراط الاقوم وأنهج السبل . وهذه المذكورات انموذجا وقانون . فقس عليها غيرها من الخطابات الالهية . وجميع ما في القرآن من قبيل ذلك . كالخطابات بالتجارة المنجية والرابحة . فقس مالم نذكرعلى ما ذكرنا . ولا تتوهم اغراقا ولا مبالغة .
الكيفية الثانية :
تصوير انه يسهل بالحسين (ع) جريان الخطابات التكوينية عند قيام القيامة الصغرى عليك اعني موتك وايامها . اعني برزخك . فنقول : ان من وسائله الاستعبار عليه . وتغيير الاحوال عند تذكر ما صُنع به . بحيث لم يتهنأ من طعام ولا شراب . ومن خواص ذلك انه يحضره النبي (
) والائمة (ع) . ويلقونه بشارة وتحية يفرح بها فرحة تبقى في قلبه الى يوم القيـــــامة . فيسهل بها جميع ما يرد عليه من خطابات الاحتضار . والبرزخ الى غير ذلك . من كيفيات التسهيل التي نبينها في التفصيل .
الكيفية الثالثة :
كيفية رفه الخطابات التهكمية والتعجيزية . وخطابات الاخذ والجر والغلّ والسلك في السلسلة . وغير ذلك .
وينال بالوسائل الحسينية تبديلها بخطابات الملاطفة والمرحمة . او دفعها او رفعها . وذلك ان النبي (
) قد ضمن انه يزور من زاره يوم القيامة . فقال (
) " ضمنت على الله تعالى وحق عليّ ان ازور من زاره يوم القيامة . فقال صلوات الله عليه واله : فآخذ بعضده فأنجيه من اهوال القيامة وشدائدها . حتى اصيّره في الجنة " . ومع عظم هذه الكيفيات فلا يكتفى بها بل وزيادة على ذلك فهي الباقيات الصالحات . والاعمال المقبولات اللاحقات . فبالحسين الشهيد
قد اطفئت النيران . وبه (ع) قد فـُتح باب عظيم للجنـــان . سمي بباب الحسين (ع) به يحصل الدخول من كل باب . فهو الباب والمفتاح لابواب الجنان . والمغلاق لطبقات النيران . فهلموا الى الوسائل الحسينية وابشروا فان فيها مع ما ذكرناه علاوة عجيبة . وطريفة مبشرة . ونعمة عظيمة . ومنة من الله تعالى جسيمة . وذلك ان في التسبيبات الحسينية خصوصية اخرى تفوق على جميع التسببات وتزيد على جميع الاعمال الصالحات من جهات :
الاولى : ان نهاية ثمرة الاعمال الخلاص من النار . وقد فاقتها ثمرة التسبيبات بأنه يحصل بها التخليص للغير من النار ايضا .
الثانية : نهاية ثمرتها دخول الجنة . وقد فاقت هذه بأن فائدتها ادخال الغير الى الجنة ايضا .
الثالثة : نهاية ثمرتها ان يُرزق الشرب من الكوثر . فيصير الشخص شاربا منه . وهذه قد فاقت بأنه قد يحصل بها كون الشخص ساقيا عند الكوثر .
الرابعة : نهاية ثمرة الاعمال الصالحة ان ترقى اعمالك في كتاب الحسنات . فتؤتى كتابك بيمينك تقرؤه . وقد فاقت بأنه قد يحصل بها ان يكتب في كتابك من اعمال افضل العابدين لله تعالى . اعني من اعمال نبيه المصطفى صلوات الله تعالى عليه واله . وهو افضل المخلوقات .
الخامسة : نهاية ثمرتها ان لا يحال بينك وبين محمداً (
) يوم القيامة . فتستشفع به الى الله تعالى . وهذه قد يحصل منها ان النبي (
) يتفحصك ويطلبك ويأخذ بعضدك وينجيك من اهوال القيامة .
السادسة : نهاية ثمرة الاعمال الجنة والحو ر الرضوان . ولكن في بعض الروايات انه يثاب الباكون عليه (ع) بان يجلسوا تحت العرش في صحبته ويتحدثوا معه . فتـُرسل الحور اليهم : إنا قد اشتقناكم . فيأبون الذهاب ويختارون حديث الحسسين (ع) على الجنة والحور .
السابعة : نهاية ارتفاع الدرجات ان ترتفع درجة الشخص على بعض المؤمنين والوسائل الحسينية قد فاقت على ذلك بأنها توجب ان يكون الشخص مع افضل النبيين (
) وامير المؤمنين (ع) في درجاتهم ويأكل معهم على موائدهم .
الثامنة : نهاية الاعمال الصالحة حصول الرضوان من الله تعالى . وهو اكبر واعظم من الجنان . وهذه فاقت بأنه قد يحصل منها ام يكون من محدثي الله تعالى فوق عرشه . كناية عن شدة القرب .
التاسعة : نهاية ما يحصل لك في تجهيزك بعد موتك ان يغسلك صالح جيرانك . وان تكفن بخالص حلالك ويصلى عليك من حسن ظاهره من العلماء . او الصلحاء . وفي تسبيبات الحسين (ع) ما يوجب ان يصلي على جنازتك الروح الامين مع الملائكة المقربين (ع) . ويكفنوك بأكفان الجنة . ويحنطوك بحنوط منها .
العاشرة : نهاية الاثار والاعمال اللاحقة للشخص والباقيات الصالحات التي لا ينقطع عمله منها : ان تبقى مدة مديدة بعد موته ، فيعمل النائب عنه من الناس . او يهدي اليه من اعمال الناس فيصل اليه عشر ثوابه لو كان صحيحا . او ينتفع شخص بعلمه او فرسه او مائه او مسكنه او قنطرته .
او يكون له ولد صالح يستغفر له .. ، وهذه لا تبقى بحسب العادات ازيد من الف سنة . فان الزمان وحالاته متبدلان متغيران . ولكن في هذه الوسائل ما يوجب ان تكون الملائكة بعد موتك نوابا في العمل عنك الى يوم القيامة . فكل ثوابهم يكتب لك . ولا يستبدل باوضاع الزمان .
الحادية عشرة : نهاية الترقي لك ان تكون من عباد الله الصالحين . وفي الوسائل الحسينية . ما يجعل الشخص من ملائكة الله المقربين . لا بل ان لا تعجب اقول من الكروبيين . وهم سادات الملائكة المقربين . كما دلت عليه الروايات المعتبرة . وسيجيء تشخيص مصاديق هذه في عنوان التفاصيل بعون الملك الجليل .
الثانية عشرة : نهاية الاعمال الصالحة ثبوث اجر متصور . وفي هذه اجر لا يتصور اذ لم يتبين لاحد . فهو درجة من ارفع الدرجات . ولا شيء فوقه . فلنكتف بهذا الاجمال .
ولنشرع في التفصيل وحيث ان عمدة هذه الوسائل تأثر القلب بالبكاء عليه . وتوجه القلب اليه بالزيارة فنذكرهما في عنوانين ونجعل لباقي الوسائل كلها عنوانا ثالثا فنقول بحول الله وقوته .