اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمدالله ربّ العالمين والصّلاة على محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين .......
أعزائي من كتاب الكاتب المسيحي انطوان بارا أنقل لكم هذه السطور حتى نعلم ان الإمام الحسين إمام لجميع البشر بل أن الأئمة جميعهم حجة على خلق في السموات والأراضين ...
يقول الكاتب انطوان في كتابه الحسين في الفكر المسيحي ...
• لا توافق بين الارتجال الذي نعت به البعض خروج الحسين «ع» وبين وعيه بالمصير .
• الأنبياء والشهداء والمصطفون يتشوقون للاستشهاد إذا كان في سبيل إنقاذ العقيدة ..
• لمس بفطرته الرسالية مظاهر الانحراف فتقدم لوقفه غير ضانٍّ بنفسه وأهل بيته
• عيسى «ع» زار مطارح مصرع الحسين ودعا من أدرك أيامه للقتال معه
شعلة الإباء والكرامة ورفض الضيم والغيرة على العقيدة التي أوقدها الحسين بن علي «ع» بملحمته الخالدة وأوضحها بحبر جديد من دم الشهادة المحررة المنقذة فوق ثرى الطف.. كانت يتيمة الدهور، ولم يسجل التاريخ شبيهاً لها لا في المعنى ولا في المبنى وارتقت بعنفوانها درجات فوق الملاحم التي تجاد بها الأنفس وتسترخص لها الأرواح، فكان «ع» شمعة الإسلام أضاءت ممثلة ضمير الأديان إلى أبد الدهور، وسيداً للشهداء لم تشهد له الأديان مثيلاً، وفسيلاً في تربة النبوة وغصناً مزهراً في الشجرة القدسية لآل البيت .
وقد كان انطفاؤه فوق ثرى الطف توهجاً لاشتعال أبدي، وخلدت ملحمته كعنوان صريح لقيمة الثبات على المبدأ ولعظمة المثالية في تمثل العقيدة، لذا غدا حبه كثائر واجباً علينا كبشر، وحبه كسبط نبوي جزءاً من نفثات ضمائرنا، وإنزاله في القلوب المنزلة العليا كسيد للشهداء فيه رضى للحنايا وإثلاج للصدور، وتكريس للنصر الحقيقي المنسجم مع التوجه الينبوعي الطاهر.
دأب بعض المغرضين وفاقدو نعمة التبصر من مستشرقين ومسلمين، على الوقوع في خطأ جسيم كل مرة يتصدون فيها للكتابة عن ملحمة كربلاء، فيخلص بعضهم إلى القول إن ثورة الحسين كانت عاطفية مرتجلة قام بها الشهيد بغية إحراج الذين خذلوه خاصة وبني أمية والمسلمين عامة، ويردُّ البعض الآخر حركة الحسين إلى رغبته في إثارة المؤيدين والرافضين على السواء، وتحميل ضمائرهم وزر قتل آل النبي، وحلَّلها آخرون بأنها ثورة أخلاقية كان مفجرها يبتغي من ورائها عزل العقيدة المحمدية عن مسالك تهلكتها والنجاة بها إلى طريقها الصحيح، بينما حصرها آخرون في إطار رغبة الاستيلاءعلى الحكم والاستئثار بالخلافة والذين لم يحللوها حسب رؤاههم الضيقة..
اكتفوا بوصفها بالعاطفية وعدم التخطيط وحساب ما للحرب من نتائج وأساليب، وما يترتب عليها من نتائج.
ولو توفر لكل هؤلاء المغرضين والمستبدين بآرائهم، البصيرة النافذة والرؤية المتبصرة التي ترد مؤشرات الأحداث إلى منابعها، وتربط النهايات بالبدايات، والمسار بنقطة الانطلاق، والنتائج بالمسببات..لما وقعوا فيما وقعوا فيه من مغالطات وتجن على الحقيقة، تجلت في رؤية الأحداث والحقائق من وجهة نظر تفصيلية مادية ضيقة، وربط النتائج بالأسباب بكيفية تقليدية على نحو ما اصطلح عليه العقل البشري في بعض اجتهاداته المحرِّفة سيئة المقاصد.
ولكن أنَّى لهم ذلك إذا كانت السَّوْءة في هضم الحقائق فكرياً، هي هدفهم الأسمى الذي يسعون إليه، ويغذون على نبراسه في دروب رؤاهم الموءودة بسكين وترتهم وضيق أفقهم وسوء نواياهم؟
فالقائلون بأنها ثورة مرتجلة.. في قولهم كمن ينكرون تدابير الحكمة الإلهية التي هيأت الشهادة للحسين، ويستهينون بنبوءات الرسل والأنبياء عن قتله في فلاة كربلاء ذبيحاً وعطشان ومُداساً بحوافر الخيل، ويسفِّهون ما جاء على لسان الوصيين والأبرار الذين ما جاؤوا إلى البشرية إلا من أجل توطيد عقائدها وحفظ شرائعها العلوية السامية.
فها هو شهيد المسيحية عيسى «ع» يمر بأرض كربلاء فيُنبئ عن قتل الحسين ويلعن قاتليه، ويصف أرض الطَّف بـ «البقعة كثيرة الخير»، ويوصي من أدرك أيامه بالقتال معه، فيصبح كالشهيد مع الأنبياء مقبلاً غير مدبر.
وقد أمسك بعض المشككين بهذه الواقعة لدعم تغرُّضهم، فذكروا أن عيسى لم يخرج من فلسطين طيلة حياته، وأنه من غير المعقول أن يكون قد وصل إلى كربلاء في العراق، لكن هؤلاء فاتهم تلك الفترة الغامضة منذ يفاعة عيسى حتى سنه العشرين، إذ لم تذكر التواريخ ولا حتى الإنجيل، أين أمضى عيسى طفولته وبعضاً من سني شبابه المبكر..
إذ هناك روايات تتحدث عن سفره إلى التبت لنهل الحكمة والطب الروحي، ورواية أخرى تحدثت عن تنقله في كل بقاع الأرض لاختيار المواطن المناسبة لبعث ديانته ونشرها بعد نزولها عليه في فلسطين.
ونبي كعيسى أيده اللَّه بمعجزات خارقة.. هل يستحيل عليه الوصول إلى كربلاء بطرفة عين؟
وما هو غيرالمعقول في زيارة شهيد المسيحية إلى مسقط رأس شهادة الحسين «ع» الذي سيأتي بعد قرون ليتمم شهادة الحق والعدل التي استشهد لأجلها ؟ أوليس هو القائل:
من يملك إيماناً بمقدار حبة الخردل ليقول للجبل: انتقل.. فينتقل؟ فكيف بمن ملك إيماناً بمقدار جبال الأرض وأكثر؟
فإذا كانت الطبائع البشرية قد جُبلت على تقديس الشهداء وحبهم بوحي من فطرتها الإنسانية.. فكيف بالشهداء الذين تسبق شهادتهم شهادة نظرائهم ممن سيأتون لإتمام ما بدأوه؟
فالحواجز الزمنية التي تحول بين البشر وبين استشفاف المستقبل ليس لها حساب مع الشهداء والنبيين، ف يرون قائمة الشهادة التي أعدها سبحانه وتعالى لمختاريه، ويقرأون فيها أسماء من سيلي بعدهم مع صحيفة تبيِّن كيفية المقتل وأسلوب المعاناة، مهما طالت مواقيت وقوعها.
واللَّه تعالى أعطى الأنبياء والأخيار ملكة نورانية تساعدهم على استجـلاء الغيب «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول(سورة الجن)»، وكان أبو جعفر يقول: «كان واللَّه محمد ممن ارتضاه ولم يبعد اللَّه الخلفاء عن هذه المنزلة بعد اشتقاقهم من النور المحمدي».
فلا توافق بين الارتجال الذي نعت به البعض ثورة الحسين، وبين نبوءات الأطهار ممن ارتضاهم اللَّه، ولا يصيبنَّ ناعت في نعت استشهاد أبي الشهداء مهما بلغت فصاحته، لأنه مستمد من القدر الإلهي وموحى به قبل أن يولد الشهيد.
وكأني أسمع أحدهم يقول مشككاً:
ولكن الحسين كان بإمكانه تجنب التهلكة التي ألقى بنفسه وآل بيته فيها عملاً بقول الآية الكريمة:
«ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» إلا أن منطق الشهادة يبرر معنى الآية إذا كان في الحفاظ على النفس مصلحة أهم من إزهاقها، والاقتصار على ما يقتضيه الوصف يُخرج الآية عمَّا في الشهادة من نفي للهلكة، فإنها أعقبت آية الاعتداء في الأشهر الحرم على المسلمين، فقال تعالى:
«الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا اللَّه واعلموا أن اللَّه مع المتقين وانفقوا في سبيل اللَّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واحسنوا إن اللَّه يحب المحسنين».
والحسين «ع» كان عالماً بمقتله وواعياً لكل ما سيحيق به، وإقدامه على الشهادة إنما كان من باب الطاعة وامتثالاً للتكليف الموجه إليه من القدرة الإلهية.
وقد أعلم أم سَلَمة بقتله قائلاً لها:
«إني أعلم اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أقتل فيها، وأعلم من يُقتل من أهل بيتي وأصحابي، أتظنين أنك علمت ما لم أعلمه..وهل من الموت بد؟ فإن لم أذهب اليوم ذهبت غداً».
والارتجالية هي عكس معرفة كل شيء بالتفصيل كما قال الشهيد لأم سلمة حين أبدت له تخوفها من سفره، ومعرفته بما سيحل به لم يؤخره أو يمنعه من التقدم برباطة جأش وثبات خطوة، والتسليم للقضاء المحتوم وعدم التوسل إلى الباري تعالى في إزاحة العلة لينال الشهادة.
ولو شاء سيد الشهداء أن يدفع اللَّه تعالى عنه هذه التهلكة.. لكان ذلك على اللَّه أسرع من سلك منظوم انقطع، ولرفع عنه الطواغيث، ولكن الحكمة المتجلية في عدم طلب مثل هذا الدفع لا يعلمها إلا رب العالمين.
والأنبياء الذين قتلوا في سبيل إعلاء كلمة اللَّه المبشرة بالحق والعدل.. أنظن نحن البشر بأن اللَّه تعالى قد تخلى عنهم لمصائرهم..؟
كلا، بل إنهم «ع» يتشوقون للشهادة تقرباً من قدس اللَّه وتنفيذاً لمشيئته، ولو دعوا اللَّه لرَفْعها عنهم..لرَفَعها، لكنهم يدورون مدار ما اختاره تعالى لهم من الأقضية والأقدار إذا كان في إقدامهم إبقاء على دين أو حفظ لشريعة أو إنقاذ لعقيدة.
وقد تنبأ عيسى «ع» بموته أمام تلاميذه وشرح لهم كل ما سيحدث له من تسليمه إلى الوثنيين وسخريتهم منه وجلده وقتله، وحثَّ تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطي على تسليمه، ولما اجتذبه تلميذه بطرس إليه وطفق يحذره من المضي إلى القدس.. التفت «ع» إليه وقال له:
«اذهب خلفي يا شيطان، إنك لي معثرة لأن أفكارك ليست أفكار اللَّه بل أفكار الناس»، ولما هوى أحد أصحابه بسيفه على أذن عبد عظيم الأحبار وقطعها.. قال له عيسى:
«اغمد سيفك، فمن يأخذ بالسيف يهلك، أو تظن أني لا أستطيع أن أسأل ربي فيمدني الساعة بأكثر من اثني عشر فيلقاً من الملائكة.. ولكن كيف تتم آيات الكتب التي تقول إن هذا ما يجب أن يحدث؟».
فعيسى ابن مريم كان قادراً إذا طلب من ربه أن يقضي على اليهود الذين جاؤوا لاعتقاله، لكنه لم يفعل حتى تتم مشيئة الواحد القهار التي لا يفهمها الناس العاديون.
(( السلام عليك ياأباعبدالله ياحجة الله على خلقه ياسيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي ياوجيها عند الله اشفع لنا عند الله ))