وأما الرأي الحق في المسألة ، بعد أن بطلت أدلة القول الأول الذي ادعي عليه الإجماع ، فهو أن ننظر إلى الكتاب وإلى السنة نظرة أخرى ، فنجد في القرآن الكريم أن الذين كانوا حول رسول الله (
وسلم ) على ثلاثة أقسام :
إما مؤمنون ، وهذا واضح .
وإما منافقون ، وهذا واضح .
وإما في قلوبهم مرض ، وهذا أيضا واضح .
هؤلاء طوائف كانوا حول رسول الله . فإذن ، ليس كل من كان مع رسول الله كان مؤمنا ، المؤمنون طائفة منهم ، المنافقون طائفة أخرى ، والذين في قلوبهم مرض طائفة ثالثة .
ومن الجدير بالذكر - وعلى الباحثين أن يتأملوا فيما أقول - أن
- ص 42 -
في سورة المدثر وهي - على قول - أول ما نزل من القرآن الكريم في مكة المكرمة ، ولو لم تكن أول ما نزل فلعلها السورة الثانية ، أو السورة الثالثة ، في أوائل البعثة النبوية والدعوة المحمدية نزلت هذه السورة المباركة ، في هذه السورة نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول :
( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا )
لاحظوا بدقة
( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) هذه طائفة من أهل مكة
( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) إذن ، في مكة عند نزول الآية أناس كانوا أهل كتاب وأناس مؤمنين
( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) ( 1 ) .
يظهر من هذه الآية المباركة : أن حين نزول السورة المباركة في مكة كان الناس في مكة على أربعة أقسام :
كافرون ، أهل كتاب ، مؤمنون ، في قلوبهم مرض .
الكافرون معلوم ، وهم المشركون ، وأهل الكتاب أيضا معلوم ، يبقى المؤمنون وهم الذين آمنوا برسول الله (
وسلم ) .
أما الذين في قلوبهم مرض ، فمن هم ؟ ففي مكة ، المسلمون
* هامش *
(1) سورة المدثر : 31 . ( * )