جاء في كتاب من وحي الطف لسماحة المرجع
الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم(مدّظلّه)
جملة من الوصايا للمؤمنين خلال شهر محرم الحرام
نذكر منها قوله دام ظلّه:
لقد أكدنا في مناسبات مختلفة على أهمية إحياء أمر أهل البيت (صلوات الله عليهم) بزيارة مشاهدهم الشريفة، وبإحياء مناسباتهم في مواليدهم واستشهادهم. وقد أطلنا الكلام في ذلك في رسالتنا التي وجهناها للشعب العراقي بعد سقوط النظام.
وحان الوقت لأن يأخذ المؤمنون ـ بعد انحسار النظام السابق ـ حريتهم في مزاولة نشاطاتهم المختلفة، وإبداء مشاعرهم وعواطفهم المتأججة نحو أهل البيت(صلوات الله عليهم)، خصوصاً في هذا الموسم العظيم، موسم الصرخة من أجل أهل البيت() في مأساتهم الكبرى، وملحمتهم العظمى المضمخة بالدماء الزكية. ونحن في الوقت الذي نشجع على تلك الأنشطة ونؤكد على أهميتها نلفت أنظار المؤمنين عامة إلى أنه ينبغي لهم:
الحذر من كيد الأعداء
أولاً: أن يكونوا على حذر من كيد الأعداء والمفسدين الذين يستغفلون الناس ويقومون بأعمالهم التخريبية التي ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء.
فعلى المؤمنين عامة أن لا يكون انشغالهم بنشاطاتهم المذكورة وتفاعلهم معها بنحو يغفلهم عمّا يراد بهم، فينفذ المفسدون بينهم ويخترقوهم، ويقضوا مآربهم الإجرامية فيهم، بل يكونوا على مزيد من الحذر واليقظة والانضباط، ويستنفروا طاقاتهم في مراقبة المفسدين وتعقبهم، ويتعاونوا مع الجهات المسؤولة لحفظ الأمن والاستقرار. مع المزيد من التوكل على الله تعالى، والتوسل إليه ببركة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أن يسددهم في ذلك ويحوطهم برعايته وعنايته، ويكفيهم شر الظالمين، ويرد كيد المعتدين والباغين إلى نحورهم. إنه الرؤوف بالمؤمنين الرحيم بهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الشعور بوحدة الهدف
وثانياً: أن يشعروا أنفسهم عند القيام بهذه الأنشطة المباركة بوحدة الهدف وشرف الغاية وقدسيتها بسبب انتسابها لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذين هم القمة في الكمال والفناء في ذات الله تعالى، ليكون ذلك محفزاً لهم على جمع كلمتهم وتثبيت ألفتهم وأخوتهم، وغض النظر عن بعض الهفوات العفوية التي قد تصدر من بعضهم.
ويترفعوا عن المباهات والمفاخرة و التسابق والتناحر، حيث قد يحاول الشيطان الرجيم أن يلقيها في روعهم ويزرعها في صدورهم، ليذهب ببهاء عملهم ويحبط أجرهم، ويفرق كلمتهم، ويشتت جمعهم، ويلقي بأسهم بينهم. وليتعوذوا بالله تعالى من كيده وشره ووسوسته وخدعه وغروره وفتنته. فإن ((الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير)) .
المحافظة على الطابع الديني
وثالثاً: أن يحافظوا في تلك الأنشطة على طابعها الديني والروحاني، وذلك بالحفاظ على حدود الله تعالى، وإقامة الفرائض عند حلول أوقاتها، وحسن الخلق، وحفظ اللسان، وصدق اللهجة، وغير ذلك، مما يناسب قدسيتها وانتسابها لأهل البيت (صلوات الله عليهم).
ولاسيما أن هذه الأنشطة والفعاليات تثقل على كثير من الناس ـ من الأعداء والمنحرفين ـ وهم يحاولون بجهدهم منعها. وإذا لم يستطيعوا منعها بالقوة يحاولون تتبع العثرات واستغلال الثغرات، وبث الدعايات الكاذبة، وتضخيم ذلك من أجل تهجين هذه الأنشطة وتبشيع صورتها وتنفير الناس عنها، بنحو قد يبرر منعها، أو تحديدها وتقليصها.
ونأمل بالمؤمنين وفقهم الله تعالى أن يحولوا دون ذلك بسلوكهم وانضباطهم وحسن تصرفهم وتعاملهم مع الأحداث ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)) .
ورابعاً: أن الهدف من هذه الأنشطة لما كان هو الانشداد لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأداء حقهم، ومواساتهم في أحزانهم وأفراحهم، فاللازم التركيز على هذا الهدف النبيل وعدم إغفاله.
وإذا أراد بعض الأشخاص أن يبدع ويجدد فيما يتعلق بهذه النشاطات ـ كاختراع الأدوار في إنشاد الأشعار، ورفع اللافتات ونحو ذلك ـ فعليه أن يجعل إبداعه وتجديده لخدمة هذا الهدف والتركيز عليه، ولا يكون همه الإبداع من أجل الفن والتجديد، من دون اهتمام بالهدف المذكور. فضلاً عما إذا كان يخل به، ويسير باتجاه اللهو والترف، والتفاخر، ونحو ذلك.
ولاستيضاح الحال، وتمييز المبدع لهدفه، عليه أن يلتفت إلى حاله لو فرض مشاركة أحد المعصومين ـ كالصديقة الزهراء (صلوات الله عليها) والإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ـ ويرى بوجدانه هل أن التجديد والإنتاج الذي يزاوله يتناسب مع حضورهم (صلوات الله عليهم) أو لا يتناسب؟ فإنهم (سلام الله عليهم) إن لم يحضروا فلا أقل من أن يطلعوا على نشاطات شيعتهم وأعمالهم هذه ويشرفوا عليها.
ولاسيما إمام العصر (عجل الله فرجه) الذي ورد في نصوص كثيرة أن أعمال الشيعة تعرض على النبي( وسلّم) وعليه .
فاللازم اختيار ما هو الأنسب بنهجهم والأقرب لرضاهم، والأدعى لحضورهم ومشاركتهم. والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك محيط، وهو على كل شيء رقيب شهيد.