اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
فاكهة المجالس
ما كاد ينهى إمام الجماعة صلاته، حتى اخذ العجوز يلتقط أنفاسه بصعوبة. كأنما يصعد في السماء، أو يعتلي قمم الجبال. فلقد بذل مجهودا مضاعفا، ومحاولة مريرة لإتمام صلاته. ما إن استقر به الحال بعض الشيء، حتى دخل الإمام في خطبته. محددا محور موضوعها، موجها كلامه - كما قال - إلي المؤمنين من أفراد المجتمع. الذين يعتقد وصولهم، إلى قمة الإيمان والتقوى. ومن يتوهم أنهم، بعيدون عن ارتكاب المحرمات. وفي مأمن، عن اقتراف الخبائث.
لكن واقع بعضهم، ينبأ عن غير ذلك. فهم يستصغرون الموبقات، مثل الغيبة والنميمة التي تسمى "بفاكهة المجالس". ولا يتورعون عن غصب حقوق الآخرين، عند طلب الكسب المادي السريع. فأخذ يعدد ويفصل، في مساوئ هذا الفعل. ويبين تأثيره السلبي، دنيا وآخرة. ووقعه السيئ على أفراد المجتمع، وعلى علاقاتهم الشخصية. وأخذ يوضح المثل بعد المثل - ويرسم والصورة خلف الصورة، لتقريب الموضوع إلى الأذهان.
اندمج الكهل مع الجو العام، واخذ يتمعن في دقة كلام الخطيب. حتى وصل إلى قناعة، من توجيه الكلام إليه شخصيا. وان موضوع الخطبة، يصف حالته ونفسيته. عندها لم يتحمل قلبه الضعيف - ولم يقوى جسمه النحيل - الضغط النفسي الذي يمر به. فارتفع ضغطه، وعاد يتنفس بصعوبة. فسخن جسمه - وتقاطرت ذرات العرق على جبينه - تساقط المطر الهطول. سقط مع كرسيه إلى الأرض، كمن تهوي به الريح إلي مكان سحيق. حيث كان يقبع، في نهاية المسجد.
مما جعل بعض الحضور حوله، يهبون لمساعدته. والبقية توجهت أنظارها إليه، بعد الجلبة والضوضاء التي أحدثها. فاضطر الخطيب إلى إيقاف خطبته - وتجاهل بقية كلمته. فساهم الأخوة في إسعافه، وتم إرساله إلى بيته. وسمع الخبر في اليوم التالي، بانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
كما انتقل همام(رض) - احد أصحاب أمير المؤمنين(ع) المتقين والعابدين. بعد أن طلب من الإمام(ع)، أن يصف له المتقين كأنه ينظر إليهم. فتثاقل عن جوابه، خوفا عليه من الهلكة: وقال اتقي الله وأحسن. إن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون. لكنه لم يقنع، حتى عزم عليه. فاقبل أبو الحسن(ع) على خطبته. وما إن انتهى منها، حتى صعق همام صعقة. خرجت نفسه معها، وفارقت روحه جسده. فقال أبو السبطين(ع): أما والله لقد كنت أخافها عليه. وأضاف متعجبا: أها كذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها؟ ولكن لكل اجل وقتا لا يعدوه، وسببا لا يتجاوزه. كما إن لكل امة اجل، فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
بقلم: حسين نوح مشامع - القطيف، السعودية