بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
سيرة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام
نسبه عليه السّلام
هو أبو مُحمّد الحسن العسكري بن عليّ النّقي بن مُحمّد الجواد بن عليّ الرّضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصّادق بن مُحمّد باقر العلم بن عليّ زين العابدين بن الحُسين السّبط الشّهيد بن عليّ أمير المؤمنين "صلوات الله عليهم اجمعين".
عِلم الإمام العسكري عليه السّلام
1 - روي أنّه رآه بهلول وهو صبي يبكي والصّبيان يلعبون، فظنّ أنّه يتحسّر على ما في أيديهم، فقال: اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال: ما للعب خُلقنا. فقال له: فلماذا خُلقنا ؟ قال: للعلم والعبادة. فقال له: من أين لك هذا ؟ قال: من قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ. ثمّ وعظه بأبيات من الشّعر حتى خرّ مغشيّاً عليه.
2 - عن إسحاق بن مُحمّد النّخعي قال: سأل الفهفكي أبا مُحمّد "عليه السّلام": ما بال المرأة المسكينة الضّعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو مُحمّد "عليه السّلام": إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلّة, إنّما ذلك على الرّجال. فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله "عليه السّلام" عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب, فأقبل أبو مُحمّد "عليه السّلام" عليّ, فقال: نعم, هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا, وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء, ولرسول الله "صلّى الله عليه وآله" وأمير المؤمنين "عليه السّلام" فضلهما.
3 - قال الحسن بن ظريف: كتبت إلى أبي مُحمّد "عليه السّلام" أسأله: ما معنى قول رسول الله "صلّى الله عليه وآله" لأمير المؤمنين "عليه السّلام": مَن كنتُ مولاه فهذاعليّ مولاه ؟ قال "عليه السّلام": أراد بذلك أن يجعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة.
4 - قال داود بن القاسم الجعفري: سالت أبا مُحمّد عن قول الله عزّ وجلّ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... .
قال: كُلّهم من آل مُحمّد الظّالم لنفسه الذي لا يقرّ بالإمام، قال: فدمعت عيني وجعلت أفكّر في نفسي في عظم ما اعطى الله آل مُحمّد على مُحمّد وآله السّلام، فنظر إليّ أبو مُحمّد فقال: الأمر أعظم ممّا حدّثتك نفسك من عظم شأن آل مُحمّد، فأحمد الله, فقد جُعلت متمسّكاً بحبلهم تُدعى يوم القيامة بهم إذا دُعى كلّ أُناس بإمامهم, فأبشر يا أبا هاشم فإنّك على خير.
5 - شهد للإمام "عليه السّلام" برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع، وكان ألمع شخصية في عِلم الطّب في عصره، فقد احتاج الإمام "عليه السّلام" إلى طبيب, فارسل إليه بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً: طلب منّي ابن الرّضا من يفصده، فصر إليه، وهو اعلم في يومنا هذا بمن هوتحت السّماء، فاحذر أن لاتعترض عليه فيما يأمرك به.
كرامات الإمام العسكري عليه السّلام
1 - وروى عن إسماعيل بن مُحمّد بن عليّ بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، قال: قعدت لأبي مُحمّد الحسن على باب داره حتى خرج, فقمت في وجهه وشكوت إليه الحاجة والضّرورة, واقسمت أنّي لا أملك الدّرهم فما فوقه، فقال: تقسم وقد دفنت مئتي دينار وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة, اعطه يا غلام ما معك. فاعطاني الغلام مئة دينار شكرت له تعالى وولّيت, فقال: ما أخوفني أن تفقد المئتي دينار أحوج ما تكون إليها. فذهبت إليها فافتقدتها فإذا هي في مكانها, فنقلتها إلى موضع آخر ودفنتها من حيث لا يطّلع أحد, ثمّ قعدت مدّة طويلة فاضطررت إليها, فجئت أطلبها في مكانها فلم أجدها فجئت، وشقّ ذلك عليَّ, فوجدت إبناً لي قد عرف مكانها وأخذها وأبعدها ولم يحصل لي شيء, فكان كما قال "عليه السّلام".
2 - ما روي عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عيسى بن صبيح, قال: دخل الحسن العسكري "عليه السّلام" علينا الحبس، وكُنت به عارفاً، فقال لي: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان. وكان معي كتاب دُعاء عليه تاريخ مولدي، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال, وقال: هل رُزقت ولداً ؟ قُلت: لا. فقال: اللّهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد. ثمّ تمثّل "عليه السّلام":
مَن كان ذا عضد يدرك ضلامته * إن الذليل الذي ليست له عضد.
قُلت: ألك ولد ؟
قال: إي والله, سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً [ وعدلاً ], فأمّا الآن فلا. ثمّ تمثّل:
لعلّك يوماً أن تراني كأنّما * بني حوالي الأسود اللوابد
فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصى* أقام زماناً وهو في النّاس واحد
شهادة الإمام العسكري عليه السّلام
كان من الثّابت لدى خُلفاء بني العبّاس إنّ عدد أئمّة أهل البيت "عليهم السّلام" اثنا عشر إماماً, وأنّ الثّاني عشر منهم سوف يظهر بعد غيبته ويطوي سجلّ الظّالمين, ويقضي على حكومات الباطل, ويملأ العالم بالقسط والعدل, وذلك من خلال الأحاديث والرّوايات الواردة عن الرّسول الأعظم "صلّى الله عليه وآله".
والعلم بهذا الموضوع جعلهم يُراقبون الإمام العسكري بشدّة، ويحبّون كثيراً أن لا يولد للإمام مولود، وجميع شؤون الإمام كانت مراقبة بطرق مختلفة, وحتّى أنّهم سجنوا الإمام عدّة مرّات، وأخيراً ولمّا رأى المُعتمد العبّاسيّ أنّ اهتمام النّاس وإقبالهم على الإمام يزداد يوماً بعد يوم, وأنّ السّجن والاضطهاد والرّقابة قد أدّت إلى ما هوالعكس, اتّخذ قراراً بتصفيته جسدياً, وبالفعل دسّ السّم إلى الإمام خُفيةً واستشهد "عليه السّلام" في الثّامن من ربيع الأوّل سنة 260 هجرية.
ومن خلال دراسة الأخبار الواصلة إلينا عن المدّة القصيرة من إمامة الإمام العسكري "عليه السّلام" تقودنا إلى الاعتقاد بأنّ السّلطة العبّاسية كانت مُنذ زمن المعتزّ بصدد الفتك بالإمام قبل أن يولد له ولد، ذلك؛ لأنّها تعتقد أنّ المولود له هو المهدي الموعود خاتم أئمّة الحقّ الاثني عشر, حيث روى أحمد بن مُحمّد بن عبدالله، قال: خرج عن أبي مُحمّد "عليه السّلام" حين قُتل الزّبيري: هذا جزاء من اجترا على الله في أوليائه، يزعم أنّه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه مُحمّداً.
وهدّد المُهتدي العبّاسي الإمام "عليه السّلام" بالقتل قائلاً: والله, لاجلينّهم عن جديد الأرض. غير أنّه قُتل قبل تنفيذ هذا الغرض.
وتعرّض الإمام العسكري "عليه السّلام" في زمان المُعتمد لشتّى أنواع التحدّيات والضّغوط، وحاول قتل الإمام "عليه السّلام" على الرّغم من حدوث الولادة في زمان المُعتمد؛ لأنّ الدّولة على المُستوى الرّسمي لم تكُن مطّلعة عليها؛ بسبب اجراءات الإمام "عليه السّلام" القائمة على أساس الكتمان والسّريّة في هذا الأمر، وأبى الله سُبحانه إلاّ أن يُتمّ نوره، فاخفى وليّه الذي ينتظره العالم كلّه؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً و جوراً.
عن سعد بن عبدالله، قال: حدّثني موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، أنّه خرج من أبي مُحمّد "عليه السّلام" توقيع: زعموا أنّهم يُريدون قتلي؛ ليقطعوا هذا النّسل، وقد كذّب الله عزّ وجلّ قولهم والحمدالله.
قال أمين الاسلام الطّبرسي: ذهب كثير من اصحابنا إلى أنّه "عليه السّلام" مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجدّه وجميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدّنيا بالشّهادة، واستدلّوا على ذلك بما روي عن الصّادق "عليه السّلام" من قوله: مامنّا إلاّ مقتول شهيد. والله اعلم بحقيقة ذلك.
بناء على ذلك فإنّ جميع الأئمّة "عليهم السّلام" خرجوا من الدُنيا بالقتل، وليس فيهم من يموت حتف أنفه، وقاتلهم دائماً هو الحاكم الذي يحذر نشاطهم ويتوجّس منهم خيفة؛ لأنّهم يمثّلون جبهة المعارضة ضد الانحراف الذي يمثّله الحاكم.
السلام عليك يامولاي ياابا محمد الإمام الحسن العسكري ورحمة الله وبركاته ...