بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
أحبتنا القرّاء..
يعجز العقل البشري عن إدراك كنه معرفة الرسول صلوات الله عليه وآله ..
ورد في الحديث النبوي الشريف: « يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله وأنت و لا يعرفك إلا الله وأنا» أننا لا نستطيع أن نعرف منزلة الإمام ومكانته الحقيقية، فالواجب أن نعرف بمقدار أستطاعتنا وأن نهيئ المقدمات لذلك من طهارة النفس ونقاوة القلب والدوام على الأعمال الصالحة.
ومن هذه الأعمال هو الدعاء لهم صلوات الله عليهم أجمعين ..
فكيف نستطيع بلساننا الكال أن ندعو الله تعالى لنبينا صلوات لله عليه وآله ..
إذا فلنرجع إلى خطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله لنستلهم منها المعرفة والعلم ولوبشكل بسيط وعلى قدر عقولنا ..
يقول مولانا في خطبته .. وفيها بيان صفات الله سبحانه وصفة النبي والدعاء له ..
[صفات الله]
اللَّهُمَّ دَاحَيَ الْمَدْحُوَّاتِ (1)، وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ (2)، وَجَابِلَ الْقُلُوبِ (3)عَلَى فِطْرَتِهَا (4): شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا.
[صفة النبي]
اجْعَلْ شَرَائِفَ (1) صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ (2) بَرَكَاتِكَ، عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْخَاتمِ لِمَا سَبَقَ (3)، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ (4)، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الاَْباطِيلِ (5)، وَالدَّامِغِ صَوْلاَتِ الاَْضَالِيلِ (6)، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ (7)، قَائِماً بِأَمْرِكَ، مُسْتَوْفِزاً(8) فِي مَرْضَاتِكَ، غَيْرَ نَاكِل(1) عَنْ قُدُم(2)، وَلاَ وَاه(3) فِي عَزْمِ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ(4)، حَافِظاً لِعَهْدَكَ، مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ; حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ (5)، وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ (6)، وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ(7) الْفِتَنِ، وَأَقَامَ مُوضِحاتِ الاَْعْلاَمِ(8)، وَنَيِّرَاتِ الاَْحْكَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الَْمخْزُونِ(9)، وَشَهِيدُكَ (10) يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ (11)، وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ.
[الدعاء للنبي]
اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ (1)، وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ (2) مِنْ فَضْلِكَ.
اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ، وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ، وَاجْزِهِ مِنَ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقبُولَ الشَّهَادَةِ، مَرْضِيَّ المَقالَةِ، ذا مَنْطِق عَدْل، وخُطّة فَصْل.
اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيشِ، وَقَرَارِ النِّعْمَةِ(3)، وَمُنَى الشَّهَوَاتِ (4)، وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ، وَرَخَاءِ الدَّعَةِ (5) وَمُنْتَهَى الْطُمَأْنِينَةِ، وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ. (6).
أعزاءنا...
حتى لاندعو بدعاء مبهم ونردد كلام لانفهمه إليكم المعاني التي ستقربكم إلى الفهم والإحساس والتلذذ بالمعاني ..
____________
1. داحي المدحوات أي: باسط المبسوطات، وأراد منها الارَضين.
2. داعم المَسْمُوكات: مقيمها وحافظها; والمسموكات: المرفوعات وهي السماوات وأصلها سَمَكَ بمعنى رَفَعَ.
3. جابِل القُلوب: خالقها.
4. الفِطرة: أول حالات المخلوق التي يكون عليها في بدء وجوده، وهي للانسان: حالته خالياً من الاراء والاهواء والديانات والعقائد.
____________
1. الشّرَائِف: جمع شريفة.
2. النّوَامي: الزوائد.
3. الخاتم لما سَبَقَ: أي لما تقدّمَهُ من النبوّات.
4. الفاتح لما انْغَلَقَ: كانت أبواب القلوب قد أُغلقت بإقفال الضلال عن طوارق الهداية فافتتحها( وسلم)بآيات نبوّته.
5. جَيْشات الاباطيل: جمع باطل على غير قياس، كما أن الاضاليل جمع ضلال على غير قياس، وجَيْشاتها: جمع جَيْشة ـ بفتح فسكون ـ من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها.
6. الصّوْلات: جمع صَوْلة، وهي السطوة، والدامغ: من دمغه إذا شَجّهُ حتى بلغت الشجّةُ دماغَه.
7. فاضْطَلَع: أي نهض بها قوياً. والضّلاعة: القوة.
8. المُسْتَوْفِز: المسارع المستعجل.
____________
1. الناكل: الناكص والمتأخّر، أي: غير جبان.
2. القُدُم ـ بضمتين ـ: المشي إلى الحرب، ويقال: مضى قُدُماً أي: سار ولم يعرّج.
3. الواهى: الضعيف.
4. واعياً لِوَحْيك: أي حافظاً وفاهماً، وَعَيْت الحديث، إذا حفظته وفهمته.
5. أوْرَى قَبَسَ القابِس: يقال: وَرَى الزّنْدُ كوعى ـ وَوَرِيَ كَوَلِيَ ـ يَرِي وَرْياً فهو وار: خرجت نارُه، وَأوْرَيْتُهُ ووَرّيْته واسْتَوْرَيْته. والقَبَس: شُعلةٌ من النار، والقابس الذي يطلب النار.
6. الخابِط: الذي يسير ليلاً على غير جادّة واضحة، فإضاءة الطريق له جعلها مضيئة ظاهرة.
7. الخوْضات: جمع خَوْضة، وهي المرّة من الخوض.
8. الاعْلام: جمع عَلَم ـ بالتحريك ـ وهو ما يستدل به على الطريق كالمنار ونحوه.
9. العِلْم المخزون: ما اختصّ الله به من شاء من عباده، ولم يُبح لغير أهل الحُظْوَة به أن يطلعوا عليه، وذلك مما لا يتعلق بالاحكام الشرعية.
10. شهِيدك: شاهِدُك على الناس، كما قال الله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أُمَّة بشهيد وجئنابك على هؤلاء شهيداً)
11. بَعِيثك بالحق: أي مَبْعوثك، فهو فعيل بمعنى مفعول كجريح وطريح.
____________
1. افْسَحْ له: وَسّعْ له ما شئت أن توسع. «في ظلك» أي: إحسانك وبِرّك، فيكون الظل مجازاً.
2. مُضَاعَفات الخير: أطواره ودرجاته. 3. قَرار النّعْمَةِ: مستقرّها حيث تدوم ولا تفنى.
4. مُنى الشّهَوَات; مُنى: جمع مُنية ـ بالضم ـ وهي ما يتمناه الانسان لنفسه، والشهوات ما يشتهيه.
5. رَخَاء الدّعَة; الرخاء من قولهم «رجل رَخِيّ البال» أي: واسع الحال. والدّعَة: سكون النفس واطمئنانها.
6. تحف الكرامة; التحف: جمع تحفة، وهي مايكرم به الانسان من البّر واللطف.
وبهذا أيها الأحبة ننتهي من طرح الدعاء ومعانيه فلاتنسونا من فاضل دعاءكم آناء الليل وآطراف النهار
****************
من كتاب نهج البلاغة للشريف الرضي ق س .