اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين ابي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين
من سعادة المرء انشغاله بإصلاح ذاته، وما يتصل بها، من خواطر وخلجات.. ولكن من التعاسة، أن تتحول هذه الأمور، لمادة العظمة، ولامتلاك صفات الظهور!.. و كل ذا، عندما يرى الإنسان نفسه، واجبة الوجود، و قادرة مؤثرة!.. إن من يرى نفسه مظهرا للحق، لا يسعى لإظهار ذاته المعدومة!..
والحقيقة، أن العمل لله، قد يكون عملا لغيره!.. وذلك، عندما يرى العبد نفسه، أنه بعبادة الله، يمتلك ميزات تعظمه في أعين الناس، فيسعى المسكين لتنقية نيته، ظنا منه أنه يتقرب من الله، ولكنه يخلص تحقيقا للعظمة!..
كل هذا بسبب الاخلاق والنزعات المذمومه التي تتولد مع البيئه الخاطئه التي يعيشها الانسان
وفي هذا السياق يقول (الشيخ النراقي في كتابه جامع السعادات الجزء الاول )
الأخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الإلهية، والنفحات القدسية إذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضح لها جلية الحال اتضاحاً، كيف والقلوب كالأواني فإذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها معرفة الله وحبه وانسه، وإلى ذلك أشار النبي (ص) بقوله: "لولا ان الشياطين يحرمون إلى قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض" فبقدر ما تتطهر القلوب هن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الأول وتلألأ فيها حقائقه كما أشار إليه (ص): "ان لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" فان التعرض لها إنما هو بتطهير القلوب عن الكدورات الحاصلة عن الأخلاق الردية فكل اقبال على طاعة واعراض عن سيئة يوجب جلاء ونوراً للقلب يستعد به لافاضة علم يقيني، ولذا قال سبحانه:
"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا
وقال النبي (ص): "من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم" فالقلب إذ صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الإلهية والإفاضات الرحمانية ما لا يمكن لاعاظم العلماء كما قال سيد الرسل: "إن لي مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل
كان لا بد للانسان اصلاح ذاته والبدء بتغير النزعات الخاطئه المكتسبه
والعيش في هذه العركه الكبيره
(يقول السيد الامام في كتاب الاربعون حديثا في الحديث الاول)
اعلم ان للنفس الانسانية مملكة (عالما) ومقاما آخر ، وهي مملكتها الباطنية ونشاتها الملكوتية ، وفيها تكون جنود النفس اكثر واهم مما في مملكة الظاهر ، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية اعظم والغلبة والانتصار فيها اشد واهم ، بل وان كل ما في مملكة الظاهر قد تنزل من هناك وتظهر في عالم المُلك . واذا تغلب اي من الجند الرحماني او الشيطاني في تلك المملكة ، يتغلب ايضا في هذه المملكة . وجهاد النفس في هذا المقام مهم للغاية ، عند المشايخ العظام من اهل السلوك والاخلاق ، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات ، والدرجات والدركات .
ويجب على الانسان الالتفات كثيرا الى نفسه في هذا الجهاد . فمن الممكن ـ لا سمح الله ـ ان تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة وتركها خالية للغاصبين والمحتلين من جنود الشيطان ، عن الهلاك الدائم للانسان بالصورة التي يستحيل معها تلافي الخسارة ، ولا تشمله شفاعة الشافعين ، وينظر اليه ارحم الراحمين ايضا بعين الغضب والسخط ـ نعوذ بالله من ذلك ـ بل ويصبح شفعاؤه خصماءه ، وويل لمن كان شفيعه خصمه .
ويعلم الله اي عذاب وظلمات وشدائد وتعاسات تلي هذا الغضب الالهي ، وتعقب معاداة اولياء الله حيث تكون كل نيران جهنم وكل الزقوم والافاعي والعقارب لا شيء امام هزيمة جنود الرحمان من قِبَل جنود الشيطان التي تترتب عليها عقوبات تفوق جميع نيران جهنم والزقوم والافاعي . والعياذ بالله من ان يصب على رؤوسنا نحن الضعفاء والمساكين ذلك العذاب الذي يخبر عنه الحكماء والعرفاء واهل الرياضة والسلوك ، فان جميع اشكال العذاب التي تتصورونها ، يسيرة وسهلة في مقابله ، وجميع النيران التي سمعتم بها ، جنة ورحمة في قباله وبالنسبة الى ذلك العذاب .
ان وصف النار والجنة الوارد في كتاب الله واحاديث الانبياء والاولياء ، يتعلق غالبا بنار الاعمال وجنتها اللتين اعدتا للاعمال الصالحة والسيئة . وهناك اشارة خفية ايضا الى جنة الاخلاق ونارها ، واهميتهما اكبر ، واحيانا يشار ايضا الى جنة اللقاء ونار الفراق ، وهذه اهم من الجميع ، ولكنها اشارات محجوبة عنا ولها اهلها ، وانا وانت لسنا من اهلها ، ولكن من الاجدر بنا ان لا نكون منكرين لها . وليكن لدينا ايمان بكل ما قاله الله تعالى واولياؤه . اذ يكون في هذا الايمان الاجمالي نفع لنا . ومن الممكن ان يكون الانكار في غير محله ، والرفض في غير موقعه الصادرين عن غير علم وفهم ، اضرار كبيرة جدا علينا . وهذا الدنيا ليست هي بعالم الالتفات لتلك الاضرار ، فمثلا عند سماعك الحكيم الفلاني او العارف الفلاني او المرتاض الفلاني ، يقول شيئا لا يتلاءم وذوقك الخاص ، فلا تحكم عليه فورا بالبطلان والوهم ، فقد يكون لذلك القول اصل في الكتاب والسنة ولكن عقلك لم يطلع عليه بعد )
لذا على الانسان المجاهد الذي نهض لاصلاح نفسه ، واراد ان يصفّي باطنه ، ويفرغه من جنود ابليس ، عليه ان يمسك بزمامه خياله وان لا يسمح له بان يطير حيثما شاء ، وعليه ان يمنع من اعتراضه للخيالات الفاسدة والباطلة ، كخيالات المعاصي والشيطنة ، وان يوجه خياله دائما نحو الامور الشريفة ، وهذا الامر ولو انه قد يبدو في البداية صعبا بعض الشيء ، ويصوره الشيطان وجنوده لنا وكانه امر عظيم ، ولكنه يصبح يسيرا ، بعد شيء من المراقبة والحذر .
والله ولي التوفيق