اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
نفوس خبيثة
عاش وتربى معززا مكرما، بين أحضان أبيه وكنف أمه. يغذيانه الحب والحنان، مع كل وجبة طعام وشراب تدخل معدته، وكل كسوة لباس تغطي جسمه. الدنيا لا تسعه من الفرحة، وحياته مليئة بالبهجة والسرور، كأنما جنة الخلد وضعت على طبق من فضة بين يديه، ونعيمها تحت أمره وطوع بنانه، يأخذ منها ما تشتهيه نفسه، ويدع ما تعافه وتكرهه.
طفل صغير لم يعي من الدنيا إلا العب واللهو، وقبل تجاوزه السنتين من عمره شعر بشىء غريبا يغزو حياته ويغير مجراها. شاهد أمه أمام عينيه الصغيرتين تذوي وتذبل يوما بعد يوم، كشجرة جفت أغصانها وأخذت بالسقوط أوراقها.
مرت الأيام وإذا به يفقدها من جانبه، ولم تعد تضعه في سريره، ولا تقرأ له قصته حتى يغط في نومه. أدار له الزمن ظهره، فتوفيت وهو بأمس الحاجة إلى حنانها وعطفها، فصار البيت مظلما كئيبا، خفت وطأة الناس وقلت الحركة فماتت فيه الحياة.
خوفا عليه أصطحبه أبيه إلى عمله كل يوم، حتى غدى الوضع صعبا عليهما. حاول نزع مشروع الزواج من مخيلته، حماية لابنه من شرور الزوجة الثانية. فأخذ بإيصاله إلى بيت احد أقاربه خلال ذهابه إلى عمله، لكن الطفل لم يستطع التأقلم معهم والابتعاد عنه.
لم يجد مهرب من البحث عمن ترضى به زوجا، و بابنه ولدا وحبيبا تعتني به وترعاه. لم تطل به الليلي ليرى امرأة غريبة في بيت والده، تفرق بينهما وتبعدهما عن بعضهما. استولت على قلب أبيه، واحتوت على مملكة أمه.
اطمأن الوالد إلى ابنه في عهدتها، فعاد من جديد يمارس أعماله التجارية، ويغيب مسافرا عن بيته عدة أيام في كل شهر. وبان للعيان وجه العملة الآخر الذي كانت تخفيه، والنفس الخبيثة التي تخرجها عند غيابه. وفي احد سفراته وكعادتها، أولمت واستقبلت بعض صاحباتها مع أطفالهن. أخذ الصغار يلعبون ويمرحون، وأخذت الأمهات في الحديث والتسلية.
تغير الجو وأخذت الدنيا ترتجف والسماء تهتز مرسلة صواعقها وفتحت عيونها بماء منهمر. اخذ الأمهات الخوف فادخلوا أبنائهن مسرعات، حماية لهم عن البرد والمطر. بقي هو يتلوى على بعضه كما تتلوى دودة القز في شرنقتها، دون أن تتحرك الشفقة والرحمة والعطف في قلب زوجة أبيه، التي تركته خارج البيت دون ملابس تقيه المطر أو تحميه من البرد، رغم قيام صديقاتها بتصويره وعرض صوره عليها.
رجع والده من سفره على غير عادته منزعجا، على اثر حلم شاهد فيه أم الطفل تعاتبه. ومع دخوله البيت عاين ابنه على تلك الحال، فحركة وهزه وكلمه وناغاه، فلم يستجب لنداءه فأخذه إلى الطبيب ليفحصه.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية