أخبار الإمام الهادي ( عليه السلام ) مع المتوكِّل العباسي
بتاريخ : 15-Jun-2010 الساعة : 04:43 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
كانَ المتوكِّلُ من أخبثِ الخلفاء العباسيين ، وأشدِّهم عِداءً للإمام علي ( ) ، فَبَلَغه مقام الإمام علي الهادي ( ) بالمدينة ، ومكانته ، وميل الناس إليه ، فخاف منه ودَعَا يحيى بن هرثمة ، وقال له : اِذْهب إلى المدينة ، وانظر في حالِهِ وأشخِصْه إلينا . قال يحيى : فذهبتُ إلى المدينة ، فلمَّا دخلتُها ضَجَّ أهلُها ضجيجاً عظيماً ما سَمِع الناس بمثله ، خوفاً على عليٍّ ، وقامت الدنيا على سَاق ، لأنه كان محسناً إليهم ، ملازماً للمسجد ، ولم يكن عنده مَيل إلى الدنيا . فجعلتُ أسكِّنُهم وأحْلف لهم أنِّي لم أؤمَر فيه بِمَكروه ، وأنَّه لا بأس عليه ، ثُمَّ فتَّشتُ منزلَه فلم أجد فيه إلاَّ مصاحف وأدعية ، وكتب العلم ، فعظُم في عيني ، وتولَّيتُ خدمتَه بنفسي ، وأحسنتُ عِشرتَه . فلما قدمت به بغداد ، بدأتُ بإسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكِّل من تعلم ، فإن حرَّضتَه عليه قتله ، و كان رسول الله خصمَكَ يوم القيامة . فقلت له : والله ما وقفت منه إلاَّ على كلِّ أمر جميل . ثمَّ سِرتُ به إلى ( سُرَّ مَنْ رَأى ) ، فبدأت بـ( وصيف ) التركي ، فأخبرتُه بوصوله ، فقال : والله لَئن سَقطَ منه شعرة لا يُطالَبُ بها سواك . فلمّا دخلت على المتوكِّل سألني عنه ، فأخبرته بِحُسن سيرته ، وسلامَة طَريقته ، وَوَرعه وزهادته ، وأني فتَّشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم ، وإنَّ أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكِّل ، وأحسن جائزته ، وأجزل برَّه ، وأنزلَه معه سَامرَّاء . ومع أنَّ الإمام ( ) كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكِّل ، وكانت العيون والجواسيس تراقبه عن كثب ، فقد وُشي به إلى المتوكِّل بأن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنه عازم بالوثوب على الدولة .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهاجموا دار الإمام ( ) ليلاً ، فلم يجدوا فيها شيئاً . ثم وجدوا الإمام ( ) في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى ، متوجِّه إلى الله تعالى ، يتلو آيات من القرآن الكريم ، فحمل على حاله تلك إلى المتوكِّل ، وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة . وكان المتوكِّل جالساً في مجلس الشراب فأُدخِل عليه ، فلمَّا رأى المتوكل الإمام ( ) هَابَهُ ، وعظَّمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده . فقال الإمام ( ) : ( وَاللهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَط ، فَاعْفِنِي ) ، فأعفاه وقال له : أنشِدْني شعراً . فقال الإمام الهادي ( ) : ( أنَا قَليلُ الروَايَةِ لِلشِّعْرِ ) ، فقال : لابُدَّ . فأنشده الإمام ( ) وهو جالس عنده ، فقال : بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الأجبَالِ تَحْرُسُهُم ** غُلْبُ الرِّجَالِ فَمَا أغْنَتْهُمُ القُلَلُ وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ عَنْ مَعَاقِلِهِم ** وَأُسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا نَادَاهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ ** أيْنَ الأسَاوِرُ والتِّيْجَانُ وَالحُلَلُ أيْنَ الوُجُوهُ الَّتي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ** مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الأستَارُ والكُلَلُ فَأفْصَحَ القَبرُ عَنْهُم حِينَ سَاءَلَهُم ** تِلْكَ الوُجُوُهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ قَدْ طَالَمَا أكَلوا دَهْراً وَقَدْ شَرِبُوا ** فَأصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام ( ) إلى منزلِهِ مكرَّماً .