اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الذبيحة
توقفت الدراسة في الصفوف الابتدائية، وتوقف عن الذهاب إلى مدرسته انتظارا لبداية الفصل الثاني. لكن لا زالت روحية الذهاب إلى منامه باكرا تقبع بين أحشائه، والاستيقاظ مع صياح ديكة الصباح تعمل فيه ساعته. ولم يعتد بعد على جو الإجازات، وسهر الليالي حتى خروج نور النهار. كما شجعه على النهوض عدم مقابلة أستاذه يسأله عن الواجبات، فراح يقتل وقته بين أفلام تلفزيونية وألعاب الكترونية، حتى بلغ السيل الزبا وأحس بفراغ كبير يهاجمه، مع عدم وجود من يشاركه لعبه ولهوه.
أخوته الصغار في سباتهم العميق، كأنهم في سباق محموم مع أهل الكهف، هذا ما تسأل عنه مع نفسه. وأمه تستغل ذلك الوقت لإنهاء أعمالها اليومية، وتجهيز طعام الغداء قبل جلوسهم، فلن يفيده وجودها. كذا والده يخرج إلي عمله من أول النهار، ولا يعود إلا بعد العصر من كل يوم. وأخوته الأكبر منه ذهبوا لتأدية اختباراتهم الفصلية.
أصبح البيت عليه فارغا، فقرر تغيير نظامه وكسر روتينه والخروج من بيته ليبحث عن من يلهو معه ويستمتع تحت زرقة قبة السماء. اخذ يذرع الشوارع شارعا - شارعا والأزقة زقاقا زقاقا، فلم يكن الوضع بأحسن حالا، فلقد خيم السكون وعم الهدوء، كأن الحي مدينة أشباح يخيم عليها سلطان ال. فقرر العودة من حيث أتى، وإكمال لعبه حتى ينهض أخوته الصغار، أو يعود الكبار من مدارسهم.
في طريق عودته شاهد شخصين على دراجة نارية متجهان ناحيته، مختبئان خلف قناع من شماغ لا يرى منهما إلا سواد حدقتيهما، كعيني أسد داخل عرينه المظلم. فزع منهما واخذ يصرخ بعالي صوته هو يحاول المراوغة والفرار منهما، كفرخ طير يحاول التملص من أنياب ثعلب. لكن سكون الشوارع وغياب المارة وصوت مكيفات الهواء ضاعف من مشكلته.
اندفعا في طاعة الشيطان ومعصية الرحمن، قافزا احدهما عليه يفتشه ويهزه هزا عنيفا، بعد سؤاله الديك هاتف جوال؟ الديك نقودا؟ وهو يجيب بالنفي في كل مرة. لطمه بقوة على وجهه أسال منها دم منخره، وهو يعاتبه إذا لم يكن لديك أيا منهما، فلماذا خرجت في هذا الوقت؟ لم يكتفي الآخر بما حدث، ولم يقتنع برجوعهما دون غنيمة، فاستل خنجره واغرزه في فخذ احد رجليه وفرا نجيا.
اخذ الطفل يتحامل على نفسه والدماء تنهمر منه بغزارة، فمرة يقف ومرة يسقط وأخرى يجر رجله جرا كأنها ذبيحة، حتى وصل بيت أهله.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية