من حالات الحزن
من الظواهر التي تنتاب المؤمنين من وقت لآخر ، وحتى غير المؤمنين ، ظاهرة الحزن الذي لا وجه له .. فالإنسان أحياناً يعيش حالة من حالات الضيق والاكتئاب والقلق ، وهو يعلم سبب ذلك ، وأحياناً لا يعلم له منشأ واضحاً .. فلندرس الحالة على ضوء الفرضيتين :
الفرضية الأولى : إذا علم له منشأ ، فليعالج الحزن بإذهاب منشئه ، كما يقال : (إذا عرف السبب ، بطل العجب) .. نحن بعض الأوقات نبقي المنشأ ، ونعالج المعلول ، فلا نرفع العلة من جذورها .. من أهم مناشئ الحزن ، إدخال الحزن على الغير .. وخاصة إذا كان مؤمناً ، وذا رحم ، وقريباً ، وذا حق على الإنسان .. بعض الأوقات إدخال الحزن لا يكون حراماً ، مثلاً : رجل يقول لزوجته : أريد أن أتزوج امرأة أخرى .. هذا ليس حراماً ، ولكن لماذا يدخل عليها الحزن دون سبب ؟.. وهنا من الممكن أن يدخل رب العالمين الحزن عليه كعقوبة دنيوية ، بسبب هذا الحزن الذي دخل قلبها .
نحن إذا دخل علينا الحزن ، نذهب إلى الأماكن المسلية .. والحال بأن العلة موجودة ، ويجب علاج العلة من جذورها ، وذلك من خلال عمل جرد شامل لكل من يحيط بنا ، وكل من أدخلنا عليه الحزن ؛ نرفع عنه هذا الحزن .. فمن أفضل القربات إلى الله - عز وجل- إزالة الهم والغم من قلوب المؤمنين .
الفرضية الثانية : إنسان في قمة السعادة ، ولعله في ليلة زفافه ، أو في سفر مريح ، ولا يجد أنه كسر قلباً ، إنسان مؤمن لا يتكلم كلمة غير مدروسة ، ومع هذا يجد ضيقاً في نفسه {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} .. لعل مقصود الآية : أن طبقات الجو العليا ، يخف فيها الأوكسجين ، ولهذا كلما ارتفع الإنسان إلى الجبال الشاهقة ، يضيق صدره ؛ لأن الأوكسجين قليل .. بعض الأوقات الإنسان كأنما يصعد في السماء ، وفي تعبير قرآني آخر : {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}.. الذي يعيش الضيق ، يرى ضيقاً في حنجرته ، وفي صدره .. فالقصبات الهوائية تضيق في الأحزان ، حتى الأوكسجين الموجود لا يدخل بالكميات الكافية .. فإذن قد يعيش حالة من الحزن الذي لا سبب له .
إن الله - عز وجل- يبتلي المؤمن ببلاءات : إما كفارة للسيئات ، وإن لم يكن له سيئات ، فرفع للدرجات .. ومن هذه البلاءات الحزن المفاجئ .. عن يونس بن يعقوب قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول : (ملعون ملعون ، كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوماً ) !.. فقلت : ملعون ، قال : (ملعون) !.. فلما رأى عظم ذلك علي ، قال : (يا يونس !.. إن من البلية : الخدشة ، واللطمة ، والعثرة ، والنكبة ، والفقر ، وانقطاع الشسع ، وأشباه ذلك .. يا يونس !.. إن المؤمن أكرم على الله - تعالى- من أن يمر عليه أربعون يوماً ، لا يمحص فيها من ذنوبه ، ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه .. وإن أحدكم ليضع الدراهم بين يديه ، فيراها فيجدها ناقصة ؛ فيغتم بذلك .. فيجدها سوا ء؛ فيكون ذلك حطاً لبعض ذنوبه) .. تقول الرواية : هذه اللحظات من الهم والغم ؛ كفارة له .. لم يكن هناك سبب وجيه ، كان مجرد تخيل ، ولكن هذا التخيل أيضاً رفعه وقربه إلى الله عز وجل .. ولهذا أمير المؤمنين (ع) عندما يصف المتقين ، يقول : (قلوبهم محزونة) .. فالذي يفرح ويمرح ويهرج ، هذا الإنسان بعيد عن أجواء الإيمان .. المؤمن له حزن خفيف ؛ لأنه : لا يعلم موقعه من الله عز وجل ، ولا يعلم آخرته ، ولا يعلم برزخه ، ولا يعلم إلى أين أمره !.. وكذلك يحمل هموم المسلمين .
الخلاصة : إذا كان هناك سبب معلوم للهم ، فإنه يعالج السبب .. وإن لم يكن له سبب معلوم ، فهذا لطف إلهي ؛ ومع ذلك احتياطاً يستغفر الله عز وجل .. فالاستغفار والصلاة على النبي وآله ، بكليهما يطير إلى دار السرور .