اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
لم فرض الله الصوم؟
الله تبارك وتعالى لا يأمر بأمر ولا ينهى عن أمر إلا إذا كان ذلك الشيء فيه مصلحة العباد ولا يكلف عباده بشيء عبث ومن دون مصلحة قال تعالى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) عن ذلك ولذلك حينما فرض الصيام على العباد لما في ذلك من مصلحة على نفس المكلف ومردوده الإيجابي على من التزم بتلك الفريضة وأداها على الوجه الصحيح الذي أراده الله تبارك وتعالى ومردود الصوم الإيجابي على الصعيد المادي بحياة الإنسان فإن له الأثر الكبير والفعّال على صحته فإنه يحميه في كثير من الأحيان من الأمراض ويغنيه من مراجعه الأطباء والمستشفيات ولو أن كل إنسان التزم بالصوم لقلة نسبة الأمراض المنتشرة بين الناس لقول الرسول():"صوموا تصحوا".
كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن يشكوا من الأمراض لأن جسم الإنسان كآلة ميكانيكية تحتاج لفترة من الراحة تهدأ فيها أجهزته وخلاياه.ولن يتم ذلك إلا إذا أمسك عن الطعام والشراب فترة من الوقت. نلاحظ أن بعض الناس ( أصحاب البدانة)يريدون أن يخففوا أوزانهم بكل طريقة مرة يلجؤون إلى الرجيم ومرة أخرى إلى تناول الأدوية وغيرها وكل ذلك له أضرار على صحة الإنسان ولكنه لو أراد الطريق الأسهل والأصوب والأنفع وبدون أي ضرر يعود عليه للتزم بالصوم فالصيام يعتبر أكبر علاج وأفضل وسيلة للتخلص من البدانة.
فالصيام الصحي قائم على الأكل الصحي ماذا يستفيد الصائم من صومه إذا أمسك عن الكل والشرب فترة من الوقت ولكنه بعد ذلك يأكل ما يوضع أمامه من الطعام وأكل كل ما لذَّ وطاب كثير من الناس في شهر رمضان يتناولون الأكلات الشهية بإسراف شديد وبخاصة الأكلات التي تحتوي على السكريات والدهنيات كل ذلك في طعام الإفطار ومن المعروف أن كثرة المواد الدهنية تؤدي إلى السمنة وارتفاع الضغط وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم.كما أن كثرة المواد السكرية تؤدي إلى السمنة.
فعلى الصائم الاعتدال في تناول كميات الطعام بقدر الإمكان حتى لا يتعرض الصائم لبعض الأمراض ولا ينطبق عليه الحديث الذي ورد عن أمير المؤمنين (): " كم من أكلة منعت أكلات".
يحكى أن ملكاً قديماً قال يوماً لطبيبه المختص بعلاجه لا أحد منا يملك عمره.فلعلك لا تبقى لي وأنا حي فلا أجد من يداويني فهل لك أن تصف لي وصفة آخذها عنك لا أمرض بعدها فقال الطبيب: لا تأكل من اللحم إلا قليلاً ولا تشرب من الدواء إلا عن علة ولا تأكل من فاكهة إلا في نضجها وأجد مضغ الطعام. وإذا أكلت نهار فلا بأس أن تنام وإذا أكلت ليلاً فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة ولا تأكلن حتى تجوع ولا تأكل وفي معدتك طعام وإياك أن تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغه تعجز معدتك عن هضمه وعليك بدخول الحمام فإنه يخرج من الأدواء ما لا تصل الأدوية إلى إخراجه.
عن أبي ذر الغفاري عن أمير المؤمنين () قال:"يا أبا ذر إن شئت الحياة بلا موت والصحة بلا مرض والشباب بلا هرم فأجلس إلى الطعام وأنت تشتهيه وقم عنه وأنت تشتهيه"
عن الأصمعي قال جمع هارون الرشيد أربعة من الأطباء عراقياً ورومياً وهندياً ويونانياً فقال لهم: ليصف كل منكم الدواء الذي لا داء معه فقال العراقي:الدواء هو حب الرشاد الأبيض وقال الهندي :بل هو الأهليلج الأسود وقال الرومي:بل هو الماء الحار وقال اليوناني:وكان أطبهم إن حب الرشاد الأبيض يولد الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والأهليلج الأسود يرق المعدة لكن الدواء الذي لا داء معه أن تقعد إلى الطعام وأنت تشتهيه وتقوم عنه وأنت تشتهيه.
قال رسول الله () أن الله يباهي الملائكة بمن قل مطعمه في الدنيا يقول:" انظروا إلى عبدي ابتليته بالطعام والشراب في الدنيا فصبر وتركها اشهدوا يا ملائكتي ما من أكلة يدعها إلا أبدلته بها درجات في الجنة"وفائدة أخرى يحصل عليها الصائم من ذلك الصوم أنه يذكر حال الجائعين من المؤمنين فلا ينساهم من حقوقهم التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه.فإذا لم يحرك ذلك الصوم الشعور عند الإنسان ويتحسس بألم وويلات الآخرين فإن ذلك الصوم إنما هو شكل ظاهر لا يصل إلى أعماق وضمير ذلك الإنسان وهذه الروايات عن الرسول وأئمة أهل البيت () تؤكد ذلك
عن الصادق ():"أما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عز وجل أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع"
وسئل الحسين بن علي () لم افترض الله عز وجل على عبده الصوم. فقال ():"ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المساكين"
فعلة فرض الصيام من أجل أن يحس ذلك الغني بألم الجوع وهو شهر واحد فكيف بمن يعيش في الجوع مدة حياته لا يحصل له ما يسد به رمق جوعه فلابد لذلك الصوم أن يؤثر أثره في نفس ذلك الغني ويخرج ما أوجبه الله عليه من حقوق الفقراء والمساكين انظر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب() كيف كان مواسياً للفقراء والمساكين والمحتاجين في كتابه إلى عثمان بن حنيف يقول(ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز.ولكن هيهات أن يغلبني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا عهد له بالشبع ولا طمع له في القرص أأبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرا فأكون كما قال القائل
وحسبك عار أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد
وهذا يوسف الصديق لما ولاه العزيز على إدارة المخازن أيام المجاعة في مصر كان لا يشبع من طعام ولا يملي بطنه من زاد قط.فقيل له مالك لا تشبع وفي يدك خزائن مصر قال:إني إذا شبعت نسيت الجائعين.
الرئيس والحاكم هو أولى الناس بالمؤاساة للفقراء والمحتاجين حتى يكونون قدوة وأسوة للناس أما إذا كان الرئيس أو الحاكم هو أول من يسلب حقوق الآخرين فمن يكون تحتهم لابد وأن يكون مثلهم.
هذا أمير المؤمنين() تأتي إليه امرأة تشكي إليه حال الوالي على منطقتهم فيأخذ ورقة ويكتب فيها عزل ذلك الوالي ويبعث ذلك الكتاب مع تلك المرأة.
لابد أن يكون الحاكم هو أشد الناس حرصاً على تطبيق حقوق الله سبحانه وتعالى.ذكر أن أحد التجار الأقوياء كان كلما مر به سائل أو وقف ببابه قال:إنك كاذب في دعوى الحاجة فلا يوجد اليوم محتاج ويرده بالحرمان فاتفق أنه جنى ذات مرة جناية أوجبت أن يحكم عليه بغرامة مالية وسجن ثلاثة أشهر فلما خرج من السجن لم يمر به سائل أوقف ببابه إلا قدم له طعاماً من خبز وجبن وزبد وقال كل إنك جائع فسأل عن هذا التطور الذي حدث عليه قال:إني لما كنت في السجن كان الموكلون بنا يدخرون طعامنا ويقترون علينا فذقت الآم الجوع حتى كنت أكل البرسيم إذا قدمناه للخيل التي وكل إلينا علفها فعذرت السائلين.
وللصوم مردود إيجابي على الجانب الروحي شهر الصيام الذي هو امتناع عن الأكل تحول إلى شهر الأكل. فترى في هذا الشهر بجميع أنواع المأكولات بكل الألوان والأشكال أصبح شهر ابتكار المأكولات ولذلك ترى رب البيت يصرف في هذا الشهر أضعاف مضاعفة عما يصرفه في شهر أخر بدل أن يكون شهر رمضان شهر الاقتصاد أصبح شهر الإسراف والبذخ وللأسف نرى أن هناك أعلام موجهة في جميع القنوات من أجل اشغال الناس إلى هذا الجانب وإخراج شهر رمضان من مضمونه الحقيقي وهو الإرتباط بالله سبحانه وتعالى فلابد أن ينتبه الصائم لهدف الصيام فلابد أن يعكس الصوم حالة إيمانية خاصة عند الصائم فسبحانه وتعالى يقول " لعلكم تتقون" لابد أن يحصل المؤمن على التقوى من خلال الصيام وإلا ما فائدة الإنسان يمتنع عن الأكل والشراب ولكن من دون جدوى ترى ذلك الشخص قد صام بطنه ولكن جميع جوارحه ترتكب المعاصي. فعينه تنظر النظرة المحرمة ولسانه ينطق بالفحش من القول ويده تعتدي على الآخرين ورجلاه تمشيان إلى الحرام فهذا الشخص ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
قال رسول الله (): ( الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب).فلابد أن يفكر المؤمن في نفسه ويسال عن الأسباب التي جعلتنا نبتعد عن مضمون الصيام وهي التقوى المرجوة من ذلك الصوم لماذا سلبت منا التقوى لابد يكون هناك سبب منع منا التقوى ما هو ذلك السبب؟الحقيقة هي أن الصوم لم يكن هو هدفنا وإنما الصوم أصبح تأديه واجب وأداء تكليف.لاحظ الناس حينما يصومون يكون همهم أن يؤذن المؤذن أذان المغرب ويجلسون على المائدة وقد وضعت عليها من الأكل ما لذ وطاب ويلتهم الصائم كل ما وضع على تلك المائدة.فكيف يحصل الصائم على التقوى وهو يفكر بهذا التفكير بدل أن يكون همه أن يتقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم وينقطع إلى خالقه بكل خشوع وتذلل بكون كل همه أن يملأ بطنه من الطعام).
قال: رسول الله ():" لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب يموت بها كما الزرع يموت إذا كثر عليه الماء،ولا يدخل علم ملكوت السماوات من ملأ بطنه"
القلب يموت بكثرة الطعام وإذا مات القلب اصبح قلب الإنسان قاسياً وإذا قسي قلبه لا يفيد فيه شيء لا صوم ولا صلاة ولا أي عبادة أخرى فلا يستفيد شيء مما يمارسه من العبادات فلابد أن يترك الإنسان كثرة الأكل ويكتفي ما يقوم به جسمه وخصوصاً في شهر رمضان حتى يحصل على العلة التي فرض لها الصوم وهي التقوى.
عن حذيفة عن النبي () قال: " من قل طعامه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعامه سقم بطنه وقسا قلبه"
قال عيسى بن مريم:" يا بني إسرائيل لا تكثروا الأكل فإن من أكثر الأكل أكثر من النوم ومن أكثر من النوم أقل الصلاة ومن أقل من الصلاة كتب من الغافلين"
وإذا أكثر النوم ضيع العبادة وضيع نفسه وخسر ذلك الخير الذي أعده الله لعباده المؤمنين في هذا الشهر وهو مضاعفة الأجر والثواب.
عن الرضا () :"أن إبليساً كان يأتي الأنبياء ولم يكن أشد بأساً بأحد منهم منه بيحيى بن زكريا() فقال له يحيى مرة.هل ظفرت بي ساعة قط أو أعجبك من شيء؟ قال:لا.ولكن فيك خصلة تعجبني قال: وما هي؟قال:إنك أكول فإذا ظفرت وأكلت وشبعت فيمنعك ذلك عن بعض صلاتك قال يحيى:فإني أعهد الله أن لا أشبع من طعام قط حتى ألقاه قال إبليس:وإني أعطي الله عهداً أن لا أنصح مسلماً قط حتى ألقاه"
فالإنسان لا يمكن له أن يحصل على فوائد الصوم إلا إذا سلك الطريق الذي يوصله إلى بر الأمان.والابتعاد عن ملذات الحياة الدنيا ومحاربة النفس عما تشتهيه وتتوق إليه وأخذ بسيرة الصالحين.كالنبي ( وأهل بيته(ولوا قرأنا حياة رسول الله()لوجدنا أنه كان يواصل الجوع أيام حتى أنه كان يربط حجر المجاعة على بطنه من شدة الجوع. جاء في الحديث أن فاطمة جاءت إلى رسول الله (ص)مرة بكسرة خبز فقال:ما هذه؟قالت:قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه الكسرة فأكلها وقال:أما إنها لأول طعام دخل في فم أبيكِ منذ ثلاث.
ولم يشبع الإمام علي()من طعام وكان يأت بخل أو ملح في الليلة الذي ضرب فيها كان إفطاره عند ابنته أم كلثوم فلما وضعت الإفطار كان طبقين فلتفت إليها وقال لها :بنية ارفعي أحدهما أتريدين أن يطول وقوفي بين يدي الله عز وجل.
هؤلاء هم القدوة والأسوة لنا لابد أن نسلك الطريق الذي سلكوه ونأخذ بسيرتهم ونسلك خطاهم فهم الحبل المتين والصراط المستقيم من تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم غرق وهوى.