اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
عظم الله لك الأجر يا رسول الله
في السابع من شهر رمضان المبارك
وصية أبي طالب بنصرة النبي ( ) على فراش الموت :
لما حضرت أبا طالب الوفاة ، دعا أولاده وإخوته وأحلافه وعشيرته ، وأكد عليهم في وصيته نصرة النبي ( ) ومؤازرته ، وبذل النفوس دون مهجته ، وعرفهم ما لهم في ذلك من الشرف العاجل والثواب الآجل ، وأنشأ يقول :
أوصي بنصر نبي الخير أربعة * ابني عليا وشيخ القوم عباسا
وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا
كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا
هذا خاتم قوله وأمره الذي طابق ما قدمنا في سالف عمره من الذود عن الرسول الأعظم ورسالة السماء .
فتأمل أيها المنصف اللبيب ، هل كل هذه تصدر من مشرك كافر في حق نبي الإسلام ودعوته ؟ قال العلامة الحلبي في سيرته ما نصه : فذكر أن أبا طالب لما حضرته الوفاة جمع إليه وجهاء قريش ، ( وبني هاشم ) فأوصاهم ، وكان من وصيته
أن قال : " يا معشر قريش ، أنتم صفوة الله من خلقه ، وقلب العرب ، فيكم المطاع ، وفيكم المقدام الشجاع ، والواسع الباع ، لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه ، ولا شرفا إلا أدركتموه ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ،
- شيخ البطحاء أبو طالب - الحاج حسين الشاكري ص 91 :
ولهم به إليكم الوسيلة ، أوصيكم بتعظيم هذه البنية ( أي الكعبة ) فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش ، صلوا أرحامكم ،
ولا تقطعوها ، فإن في صلة الرحم منسأة ( أي فسحة ) في الأجل وزيادة في العدد ، واتركوا البغي والعقوق ، ففيهما هلكت
القرون قبلكم ، أجيبوا الداعي ، وأعطوا السائل ، فإن فيهما شرف الحياة والممات ، وعليكم بصدق الحديث ، وأداء الأمانة
فإن فيهما محبة في الخاص ، ومكرمة في العام ، وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب ،
وهو الجامع لكل ما أوصيكم به ، وقد جاء بأمر قبله الجنان ، وأنكره اللسان مخافة الشنآن ، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب ، وأهل الوبر في الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته ، وصدقوا كلمته ، وعظموا أمره ، فخاض بهم غمرات الموت ، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ، ودورها خرابا ، وضعفاؤها
- شيخ البطحاء أبو طالب - الحاج حسين الشاكري ص 92 :
أربابا ، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أحظاهم عنده ، قد محضته العرب ودادها ، وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ، كونوا الولاة ، ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد " .
فانظر هذه الوصية وتمعن بها بعين الوجدان والإنصاف والروية ، تجدها لعمري من ألمع الحكم ، وجوامع الكلم ، تضمنت مكارم الأخلاق وتنبأت عن المستقبل الزاهر الذي يصير إليه الرسول الأعظم ( ) ، بالله عليك ، فهل ترى
هذه الوصية تصدر من مشرك كافر بالرسول والرسالة ؟ أوكل ذلك إلى تقديرك أيها المنصف اللبيب ؟ وأبو سفيان بقي على شركه إلى أن مات يكون مسلما ، وآية ذلك لما اجتمع بنو أمية في دار عثمان بن عفان حينما تسنم عرش الحكم قائلا لهم : تلاقفوها يا بني أمية
تلاقف الأكرة بيد صبيانكم ، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار وإنما هو الملك ، ثم أخذ إلى أحد وهو أعمى ووقف على قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب وقال شامتا بعد أن ركل قبره برجله : - ذق عقق - قالها ثلاثا ، ثم قال : يا أبا
عمارة ، إن الذي نازعناكم عليه بالأمس صار بيد صبياننا ، هذا يموت مسلما وأبو طالب يموت مشركا ؟ لاها لله . وبعد هذه الوصية أسلم روحه الطاهرة إلى بارئها والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن أدى ما عليه تجاه الرسول والرسالة عند ذلك جاء
الإمام علي ( ) إلى رسول الله ( ) آذنه بموت أبيه أبي طالب ، فتوجع رسول الله ( ) توجعا عظيما ، وحزن عليه حزنا شديدا ، ثم قال لعلي ( ) : امض يا علي فتول أمره ، وتول
غسله ، وتحنيطه ، وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني . ففعل أمير المؤمنين ( ) ما أمره به ( ) ، فلما رفعه على
السرير ، اعترضه النبي ( ) فرق وحزن ، فأبنه بكلمة خالدة فيه ، وقال : وصلتك رحم ، وجزيت خيرا يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا ، ثم أقبل على الناس وقال : أم والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين .
فهذا الحديث وحده يكفي للدلالة على إيمان أبي طالب رضوان الله عليه ، ومن وجهين : أحدهما : أمر النبي ( ) عليا ( ) أن يفعل به ما يفعل بأموات المسلمين من الغسل والتحنيط والتكفين دون الجاحدين من أولاده ، إذ
لم يكن حضر أحد منهم سوى علي أمير المؤمنين ( ) من المؤمنين ، وأما جعفر فكان يومئذ عند النجاشي ببلاد الحبشة ، وأما طالب وعقيل فكانا يومئذ حاضرين ، ولكنهما كانا مقيمين على خلاف الإسلام ، ولم يسلم واحد منهما بعد ، فخص بذلك عليا أمير المؤمنين ( ) بتولية أمره وتجهيزه لمكان إيمانه ،
ولم يتركه لهما على رغم أنهما أكبر من علي سنا لمباينتهما له في معتقده ، ولو كان أبو طالب مات كافرا ، لما أمر رسول الله ( ) عليا بتولية أمره لانقطاع العصمة بين الكافر والمسلم ، ولتركه لهما كما ترك عمه الآخر أبا لهب
، ولم يعبأ بشأنه ، ولم يحفل بأمره ، وتولية علي تجهيزه من دون أخويه الذين هما أكبر منه ، شاهد قاطع على صدق إيمان أبي طالب وإسلامه .
والوجه الآخر : تأبين رسول الله ( ) أبا طالب بهذه الكلمات الرائعة الخالدة ، والدعاء له ، وصلتك رحم وجزيت خيرا ، ووعد أصحابه بالشفاعة له التي يعجب بها أهل الثقلين ، وموالاته بين الدعاء له والثناء عليه .
لدليل قاطع على إسلام أبي طالب وإيمانه . ولم تكن الصلاة على أموات المسلمين مشرعة غير هذه الصلاة في صدر الإسلام ، حتى فرض الله سبحانه صلاة الجنائز فيما بعد ، ومثل ذلك صلى النبي ( ) على
زوجته الطاهرة السيدة خديجة ، سلام الله عليهما . ثم رثى الإمام علي ( ) أباه أبا طالب بهذه الأبيات :
أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه * فقد كنت للمصطفى خير عم
فتأمل ما ضمنه الإمام ( ) من معاني جليلة في أبياته هذه من الترحم والدعاء ، فلو كان أبو طالب مات كافرا لما كان يصلي عليه الرسول ( ) ويترحم عليه ، ويعلن على الملأ شفاعته له ، ولما ترحم عليه الإمام أمير
المؤمنين وأبنه بهذا التأبين الرائع بعد موته .
فسلام عليه يوم ولد ، ويوم أسلم ودافع عن حوزة الإسلام ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا .
آخر تعديل بواسطة منتظرة المهدي ، 18-Aug-2010 الساعة 01:12 PM.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
إقرار أبي طالب بالتوحيد :
أما أشعار أبي طالب ، المتضمنة إقراره بالتوحيد لله وتمجيده وتقديسه ، فهي مسطورة في كتب العلماء ، وتعاليق أرباب الفن من الأدباء ، إليك بعضا منها ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك * هو الجبار والمبدي المعيد
ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد
فانظر كيف أقر الله تعالى في هذين البيتين بالعبودية
والتوحيد ، وخلع الأنداد له . وقوله :
يا شاهد الله علي فاشهد * آمنت بالواحد رب أحمد من ضل في الدين فإني مهتدي إلى غير ذلك من شعره الوافر ، الذي يقر فيه لله بالعبودية والوحدانية ، ولرسوله الكريم بالتأييد والطاعة .
سبب كتمان إسلام أبي طالب :
إن الذي دعا أبا طالب لكتمان إيمانه ، وخفاء إسلامه أنه كان سيد قريش غير مدافع ، ورئيسها غير منازع ، وكانوا ينقادون لأمره ويطيعون ، وهم بالله مشركون ، وللأصنام يعبدون ، فلما أظهر الله تعالى دينه ، وأرسل نبيه ( ) ، شمر أبو طالب عن ساعد الجد في نصرته ، وإظهار دعوته ، وهو برسالته مؤمن وببعثه موقن سرا ،
كاتما لإيمانه ، ساترا لإسلامه ، لأنه لم يكن قادرا على القيام بنصرة النبي ( ) وتمهيد الأمور له بنفسه خاصة من دون أهل بيته وأصحابه وعشيرته وأحلافه ، الذي كانوا على منهاج قريش في الشرك والكفر ظاهرا .
وكان أبو طالب لا يأمن إذا أظهر إيمانه وأفشى إسلامه أن تتمالى عليه قريش ، ويخذله حليفه وناصره ، ويسلمه حميمه وصاحبه ، فيؤدي فعله ذلك إلى إفساد قاعدة الدفاع عن النبي ( ) ورسالته ، والتغرير بهم ، فكتم إيمانه
وإسلامه لاستدامة قريش على طاعته ، والانقياد لسيادته ، ليتمكن من نصرة النبي ( ) ، ودوام حرمته ، والأخذ بحقه ، وإعزاز كلمته ، ولهذا السبب كان أبو طالب يخالط قريشا ويعاشرهم ويحضر مجالسهم ، ويشهد مشاهدهم . مثل أبي طالب كمثل أصحاب الكهف ، وكمؤمن آل فرعون ، وفي القرآن الكريم ، والسير والآثار ، أمثلة
كثيرة حول من يكتم إيمانه . وقصة أصحاب الكهف وكتمان إيمانهم مع قومهم مشهورة حتى تمكنوا من هدفهم .
كما أخبر أبو الفضل بن شاذان - يرفعه إلى الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي ( رحمهم الله ) ، مرفوعا عن الإمام الحسن بن علي العسكري ( ) في حديث طويل - يذكر فيه : أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) : إني قد أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سرا ، وشيعة تنصرك علانية ، فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب ، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب ( ) ، ثم قال : وإن أبا طالب
كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه . ومن ذلك الحديث الذي أوردناه مسندا فيما تقدم من هذا البحث ، من قول الإمام الصادق
( ) : إن جبرئيل ( ) أتى النبي ( ) فقال : يا محمد ، إن ربك
يقرئك السلام ، ويقول لك : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
السلام على سيدتنا ومولاتنا الزهراء وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها
عظم الله أجورنا وأجوركم في وفاة أبوطالب رضوان الله عليه وسمى العام الذي توفى فيه أبوطالب والسيدة خديجة سلام الله عليها بعام الحزن فقد فقد رسول الله وسلم ركنيين كان يشدان من أزره رزقنا الله وإياكم شفاعتهم يوم الورود