من علوم أمير الكونين علي بن أبي طالب (ص) - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام

إضافة رد
كاتب الموضوع خادم الزهراء ع مشاركات 0 الزيارات 4938 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

خادم الزهراء ع
مشرف سابق
رقم العضوية : 1088
الإنتساب : May 2008
الدولة : جوار عقيلة بني هاشم (ع)
المشاركات : 631
بمعدل : 0.10 يوميا
النقاط : 229
المستوى : خادم الزهراء ع is on a distinguished road

خادم الزهراء ع غير متواجد حالياً عرض البوم صور خادم الزهراء ع



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي من علوم أمير الكونين علي بن أبي طالب (ص)
قديم بتاريخ : 31-Aug-2010 الساعة : 12:24 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


ومن العلوم التي امتاز بها علم النحو والعربية، وقد عَلِمَ الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الاسود الدؤلي جوامعه وأصوله، وجملتها: قال: «الكلام كله ثلاثة أشياء: إسم، وفَعِل، وحَرف» ومن جملتها تقسيم الاسم إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الاعراف إلى الرفع، والنصب، والجر، والجزم ; وهذا يكاد يلحق بالمعجزات، لانّ القوّة البشرية لا تفي بهذا الحصر، ولا تنهض بهذا الاستنباط.
قال ابن سينا: لم يكن شجاعاً فيلسوفاً قط إلاّ علي بن أبي طالب ().
وقال الشريف الرضي: من سمع كلامه ()، لا يشك أنه كلام من قبع في كسر بيت أو انقطع في سفح جبل، لا يسمع إلاَّ حِسّه، ولا إلاّ نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب، مصلّتاً سيفه، فيسقط الرقاب ويجدّل الابطال، ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً، وهو مع ذلك زاهد الزهاد، وبدل الابدال، وهذه من فضائله العجيبة التي جمعت بها بين الاضداد.
فلامير المؤمنين () قضايا وأحكام وأجوبة مسائل عجيبة، منها ما وقع في حياة الرسول الاعظم ( وسلم)، ومنها في عهد الخلفاء الثلاثة، ومنها في خلافته هو ()، وقد نقل ذلك فطاحل العلماء وأرباب السير والتاريخ في كتبهم.
1 - قال شريح: كنت أقضي لعمر بن الخطاب، فأتاني يوماً رجل فقال لي: يا أبا أمية إنّ رجلاً أودعني امرأتين، إحداهما حرة مهيرة، والاخرى سرية، فجعلتهما في دار، وأصبحت اليوم قد ولدتا غلاماً وجارية، وكلتاهما تدعي الغلام وتنتفي من الجارية، فاقض بينهما بقضائك، فلم يحضرني شيء فيهما، فأتيت عمر فقصصت عليه القصة فقال: فما قضيت بينهما؟ قلت: لو كان عندي قضائهما ما أتيتك.
فجمع عمر جميع من حضر من أصحاب النبي ( وسلم)وأمرني فقصصت عليهم ما حدثته به، وشاورهم وكلهم ردوا الرأي إليَّ وإليه.
فقال عمر: ولكني أعرف حيث مفزعها وأين منتزعها.
قالوا: كأنّك أردت ابن أبي طالب؟
قال: نعم، وأين المذهب عنه.
قالوا: فابعث إليه يأتيك.
فقال: لا، له شمخة من هاشم، وأثرة من علم، يؤتى لها ولا يأتي، وفي بيته يؤتى الحكم، فقوموا بنا إليه.
فأتينا أمير المؤمنين () فوجدناه في حائط له يركل فيه على مسحاته ويقرأ: (أيحسبُ الانسانُ أن يُتركَ سُدى) ويبكي، فأمهلوه حتى سكن، ثم استأذنوا عليه، فخرج إليهم وعليه قميص قد نصّف أردانه، فتوجه علي إلى عمر، وقال: «ما الذي جاءك؟».
فقال: عرض، وأمرني فقصصت عليه القصة.
قال: «فبم حكمت فيها»؟.
قلت: لم يحضرني حكم فيها.
فأخذ () بيده من الارض شيئاً ثم قال: «الحكم فيها أهون من هذا».
ثم أحضر المرأتين وأحضر قدحاً، ثم دفعه إلى إحداهما فقال: «احلبي فيه»، فحلبت فيه ثم وزن القدح ، ودفعه إلى الاخرى فقال: «احلبي فيه»، فحلبت فيه، ثم وزنه، فقال لصاحبة اللبن الخفيف: «خذي ابنتك»، ولصاحبة اللبن الثقيل: «خذي ابنك»، ثم التفت إلى عمر فقال: «أما علمت أنّ الله تعالى حط المرأة عن الرجل فعجل عقلها وميراثها دون عقله وميراثه، وكذلك لبنها دون لبنه».
فقال عمر: «لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا.
فقال (): «هوّن عليك أبا حفص، إن يوم الفصل كان ميقاتاً».
2 - سُئِل أمير المؤمنين () عن رجل ضرب رجلاً على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئاً، ولا يشم الرائحة، وأنّه قد ذهب لسانه.
فقال أمير المؤمنين (): «إن صدق فله ثلاث ديات».
فقيل: يا أمير المؤمنين فكيف يعلم أنّه صادق؟.
فقال: «أمّا ما ادعاه أنه لا يشم رائحة، فإنّ يدنى منه الحراق، فإن كان كما يقول وإلاّ نحّى رأسه ودمعت عينه ، فأمّا ما ادعاه في عينيه، فإنّه يقابل بعينيه الشمس فإن كان كاذباً لم يتمالك حتى يغمض عينيه، وإن كان صادقاً بقيتا مفتوحتين ; وأمّا ما أدعاه في لسانه، فإنه يضرب على لسانه بإبرة، فإن خرج الدم احمر فقد كذب، وإن خرج الدم أسود فقد صدق».
3 - روي عن الصادق (): أنّ رجلاً أقبل على عهد علي () من الجبل حاجاًومعه غلام له، فأذنب فضربه مولاه، فقال: ما أنت مولاي، بل أنا مولاك، فما زال ذا يتوعد ذا، وذا يتوعد ذا ويقول: كما أنت حتى نأتي الكوفة يا عدو الله فأذهب بك إلى أمير المؤمنين ()، فلما أتيا الكوفة أتيا أمير المؤمنين، فقال الذي ضرب الغلام: هذا غلام لي وإنه أذنب فضربته، فوثب عليّ.
وقال الاخر: هو والله غلام لي، وإنّ أبي أرسلني معه ليعلمني وإنه وثب عليّ يدعيني ليذهب بمالي.
قال: فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف، وهذا يكذّب هذا ، وهذا يكذّب هذا.
فقال (): «انطلقا فتصافيا ليلتكما هذه ولا تجيئاني إلاّ بحق».
قال: فلما أصبح أمير المؤمنين () قال لقنبر: «اثقب في الحائط ثقبين» ; وكان () إذا أصبح عقّب حتى تصير الشمس على رمح، فجاء الرجلان، واجتمع الناس فقالوا: لقد وردت عليه قضية ما ورد عليه مثلها، لا يخرج منها.
فقال لهما: «ما تقولان»؟ فحلف هذا أنّ هذا عبده، وحلف هذا أنّ هذا عبده.
فقال لهما: قوما فإني لست أراكما تصدقان»، ثم قال لاحدهما: «ادخل رأسك في هذا الثقب»، ثم قال للاخر: «ادخل رأسك في هذا الثقب».
ثم قال: يا قنبر عليَّ بسيف رسول الله ( وسلم) عجل اضرب به رقبة العبد منهما»، قال: فأخرج الغلام رأسه مبادراً، ومكث الاخر في الثقب.
فقال علي () للغلام: «ألست تزعم أنّك لست بعبد؟»، فقال: بلى، ولكن ضربني، وتعدّى عليَّ.
فتوثّق له أمير المؤمنين ودفعه إليه.
4 - أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشباب من الانصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة فقالت: إنّ هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله.
فسأل عمر النساء فقلن له: إنّ ببدنها وثوبها أثر المني ، فهمّ بعقوبة الشاب، فجعل يستغيث ويقول: تثبّت في أميري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت.
فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما؟ فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه وشمه وذاقه فعرف طعمه، وزجر المرأة فاعترفت.
5 - روي أن امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل واحدة منهما ولداً لها بغير بينة، ولم ينازعهما فيه غيرهما، فالتبس الحكم في ذلك على عمر، وفزع فيه إلى أمير المؤمنين، فاستدعى المرأتين ووعظهما وخوفهما فأقامتا على التنازع والاختلاف.
فقال () عند تماديهما في التنازع: «ائتوني بمنشار».
فقالت المرأتان: ما تصنع؟.
قال: «أقده نصفين، لكل واحدة منكما نصفه» فسكتت إحداهما، وقالت الاخرى: الله الله يا أبا الحسن، إن كان لا بد من ذلك فقد سمحت به لها».
فقال (): «الله أكبر، هذا ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقت عليه وأشفقت»، فاعترفت المرأة بأن الحق مع صاحبتها، والولد لها دونها، فسرى عن عمر، ودعا لامير المؤمنين بما فرج عنه من القضاء.
6 - رفع إلى عمر: أنّ عبداً قتل مولاه، فأمر بقتله، فدعاه علي () فقال له: «قتلت مولاك»؟.
قال: نعم.
قال: «ولم قتلته»؟.
قال: غلبني على نفسي، وأتاني في ذاتي.
فقال () لاولياء المقتول: «أدفنتم وليكم؟».
قالوا: نعم.
قال: «ومتى دفنتموه»؟.
قالوا: الساعة.
فقال () لعمر: «احبس هذا الغلام ولا تحدث فيه حدثاً حتى تمر عليك ثلاثة أيام». ثم قال لاولياء المقتول: «إذا مضت ثلاثة أيام أحضرونا».
فلما مضت ثلاثة أيام حضروا، فأخذ علي () بيد عمر وخرجوا حتى وقفوا على قبر الرجل، فقال علي () لاوليائه: «هذا قبر صاحبكم؟».
قالوا: نعم.
قال: «احفروا» حتى انتهوا إلى اللحد فقال: «اخرجوا ميتكم»، فنظروا إلى أكفانه في اللحد فلم يجدوه، فأخبروه بذلك.
فقال (): «الله أكبر، والله ما كَذبت ولا كُذبت، سمعت رسول الله يقول: من يعمل من أمتي عمل قوم لوط ثم يموت على ذلك، فهو يؤجل إلى أن يوضع في لحده، فإذا وضع فيه لم يمكث أكثر من ثلاث حتى تقذفه الارض إلى جملة قوم لوط المهلكين، فيحشر معهم».
7 - قال عاصم بن حمزة: إنّ غلاماً وامرأة أتيا عمر فقال الغلام: هذه والله أمي، حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين فانتفت مني وطردتني، وزعمت أنها لا تعرفني ; فأتوا بها مع أربعة أخوة لها، وأربعين قسّامة يشهدون لها أن هذا الغلام مدع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها، وأنّها بخاتم ربها ولم يتزوج بها أحد.
فأمر عمر بإقامة الحد عليه، فرأى علياً ()، فقال: يا أمير المؤمنين احكم بيني وبين أمي.
فجلس () موضع النبي ( وسلم) فقال (): «لكِ ولي؟».
قالت: نعم، هؤلاء الاربعة إخوتي.
فقال (): «حكمي عليكم جائز وعلى أختكم؟».
قالوا: نعم.
فقال (): «أُشهِدُ الله وأُشهِدُ من حضر، أني زوجت هذه الامرأة من هذا الغلام بأربعمائة درهم، والنقد من مالي، يا قنبر عليّ بالدراهم»، فأتاه بها فقال: «خذها فصبها في حجر امرأتك، وخذ بيدها إلى المنزل».
فصاحت المرأة: الامان يا ابن عم رسول الله، هذا والله ولدي، زوجني إخوتي هجيناً فولدت منه هذا، فلما بلغ وترعرع أنفوا، وأمروني أن أنتفي منه وخفت منهم.
فأخذت بيد الغلام فانطلقت به، فنادى عمر: لولا علي لهك عمر.
هذه بعض احكام الامام علي () وقضاءه ولو أردنا الاسترسال لطال بنا المقام وخرجنا عن الاختصار.
علم علي وحكمته
قال الله سُبحانه وتعالى في مُحكم كتابه المجيد: (قُل هَل يَستوي الَّذينَ يَعلمُونَ والذينَ لاَيَعلَمُونَ)، وقال( وسلم): «يا علي لا يعرف الله إلاّ أنا وأنت، ولا يَعرِفني إلاّ الله وأنت، ولا يعرفك إلاّ الله وأنا».
وقال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»
وقال: «أنا مدينة الحكمة وعليٌّ بابها».
وقال أمير المؤمنين (): «لو كُشِفَ ليَ الغِطاء ما ازددت يقيناً»، فشدة يقينه دالة على قوة دينه، ورجاحة موازينه.
ومما لا شك فيه ولا ريب أنَّ للعلم صولةً وجولةً، وفضيلة وكمالاً، ويَعترِف البشر كافة بشرفه وسموّه، بل ويُفضّل العالم على الجاهل بالفطرة كتفضيل النور على الظلام، وقد حثّ الإسلام منذ انبثاقه على التعلم وإعطاء العلم والاولوية في كل مجالاته، فقد قال الرسول الأعظم( وسلم): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
والقرآن الكريم يشير إلى مزيّة العِلم وقيمته، وسُموّ قَدَرِه وكرامَتِه في كثير من الايات، ويثني على كل من أوتي من العلم نصيباً: (ومَن يُؤتَ الحِكمةَ فَقد أُوتيَ خيراً كَثيراً).
والعلم أيضاً من أهم الأسس التي يستند عليها لتسنّم المراكز الراقية، والمناصب السامية، والقيادة (كالحكم، والقضاء)، كما أنّ العِلم بالأحكام الشرعية والتفقه بها، وتعلم آداب القضاء والفتوى، ويعتبر من الضروريات التي حثّ عليها الإسلام، كما أسلفت بأن طلب العلم فريضة على كل مسلم، ودرجات الأيمان بالله ومعرفته تابعة لمراتب العلم.
فعلِم عليّ () من عِلمِ رسول الله ( وسلم)، حيث قال (): «علّمني رسول الله من العلم ألف باب ينفتح له من كل باب ألف باب».
وعِلمُ رسول الله ( وسلم) من عِلم الله تعالى، اكتسبه عن طريق جبرئيل وعن طريق الالهام والنكت في القلب، وليس عن طريق التعلم والتحصيل.
ونجد في القرآن الكريم طائفة من الايات التي تصرّح بتمجيد العلم والحث عليه، كما تبين بأن علوم الانبياء اكتسبت من الله تعالى عن طريق الافاضة، والالقاء في القلب.
ومما لا شك فيه ولا ريب أنّ مثل هذه العلوم لا تشوبها شكوك ولا انحراف، بل هو الحق المطلق، الصادر عن الحق جلّت قدرته.
وإليك بعض تلك الايات المجيدة، قال سبحانه وتعالى:
(وَقُلْ رَّبِّ زِدني عِلماً).
(فَوَجَدا عَبداً مِن عِبَادِنا آتيناهُ رَحمةً مِن عِندَنا وعَلَّمناهُ مِن لَّدُنَّا عِلماً). إلى آخر الايات النازلة في العِلم.
فإذا عرفت هذا يا عزيزي القاريء، فكيف يمكننا أن نقدّر أو نستطيح أن نعلم مقدار علم أمير المؤمنين ()، الذي هو من علم رسول الله ( وسلم)، ورسول الله الذي أخذ علمه من الله تعالى عن طريق الوحي.
بالإضافة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى نعت أمير المؤمنين()، بقوله عزّ من قائل: (ومَن عِندهُ عِلمُ الكِتابِ) كما ذكرنا ذلك مفصلاً في الجزء الاول من كتابنا - علي في الكتاب والسنة ص 163 - في تفسير الاية رقم 43 من سورة الرعد - فراجع -.
وبهذه المناسبة أقول: إنَّ آصف بن بَرْخِيا الذي كان عنده علمٌ من الكتاب وهو حرف واحد من اثنين وسبعين من الاسم الاعظم، استطاع بذلك العلم البسيط أن يجلب عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس - موقع عرش النبي سليمان - قبل أن يرتدّ طرفه ، كما ذكره القرآن الكريم بقوله: (قالَ الَّذِي عِندهُ عِلمٌ مِنَ الكتابِ أنا آتيكَ بهِ قَبلَ أن يرتدَّ إليكَ طَرفُكَ).
فكيف بأمير المؤمنين ()، الذي (عِندهُ علُم الكتابِ)، بنص القرآن المجيد وحديث رسوله الكريم والذي قال () مراراً وبعدة مناسبات: «ها هنا لَعِلماً جماً» وأشار إلى صدره، وقال: «سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن طرق السموات فإني أعلم بها من طرق الارض».
وفي رواية أخرى: «لو سألتموني عن آية لاخبرتكم بوقت نزولها وفيم نزلت، وأنبأتكم بناسخها ومنسوخها، وخاصها من عامها، ومحكمها من متشابهها، ومكيّيها من مدنيّها، والله ما من فئة تُضِلّ أو تهدى إلاّ أنا أعرف قائدها وسائقها، وناعقها إلى يوم القيامة».
قال ابن عباس: عليٌّ عَلِمَ عِلماً علّمه رسول الله ( وسلم) ، ورسول الله علّمه الله، فعِلمُ النبي من عِلم الله تعالى، وعِلمُ عليّ من عِلم النبي، وعلمي من علم علي، وما علمي وعلم أصحاب محمد ( وسلم) في عِلم عليٍّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.
وعن ابن عباس أيضاً: أن عمر بن الخطاب قال له يوماً: يا أبا الحسن إنك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سُئِلت عنه! قال: فأبرز عليٌّ كفه وقال له: كم هذا؟ فقال عمر: خمسة، فقال: عجلت أبا حفص؟ قال: لم يخف عَليَّ، فقال علي: وأنا أسرع فيما لا يخفى عَليَّ.
هذا غيض من فيض عِلم أمير المؤمنين، وباب مدينة عِلم سيد المرسلين صلّى الله عليهما وآلهما أجمعين.
أقول: وهل استطاع () أن يُبلّغ معشار ما حواه ووعاه من العلم، وهل السياسة الزمنية تركته وشأنه لتبليغ ما يمكن تبليغه وبث ما يمكن بثه، كلا وألف كلا، وفي هذا المقام ما أدري هل آسف على الامام الذي ضاع قدَرهُ بين الجهال والمنحرفين وأصحاب المطامع والحاقدين في ذلك العهد ولم يفسح له المجال، ليبث بين المسلمين شيئاً من علومه الالهية ومعارفه الربانية؟ أم آسف على المسلمين الذين عثر بهم الحظّ وحُرمُوا الارتشاف من ذلك المنهل العذب الذي تطفح ضفتاه من كل فضيلة ومكرمة، وقد كانوا ولا يزالون بأمسِّ الحاجة الى علمه سلام الله عليه، فقد قهرته الظروف الصعبة، واضطرته السياسة الزمنية إلى الجلوس في داره خمس وعشرين سنة مسلوب الارادة والامكانيات من القيام بواجبه الذي طُبع عليه، لا يستطيع تنوير العقول بعلومه، أو تزويد النفوس بمواهبه؟. المرتضى علي () / الحاج حسين الشاكري
عجائب قضاء أمير المؤمنين
قال الله الحكيم في كتابه الكريم :
يُوْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذّكّرُ إِلّآ أُولُوا الْأَلْبَبِ . (1)
قال العلامة الطباطبائيّ في تفسيره : الحِكمة بكسر الحاء على فعلة بناء نوع يدلّ على نوع المعنى . فمعناه النوع من الإحكام والإتقان ، أو نوع من الأمر المحكم المتقن الذي لا يوجد فيه ثلمة ولا فتور . وغلب استعماله في المعلومات العقليّة الحقّة الصادقة التي لا تقبل البطلان والكذب البتة . فالحكمة هي القضايا الحقّة المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان كالمعارف الحقّة الإلهيّة في المبدأ والمعاد ، والمعارف التي تشرح حقائق العالم الطبيعيّ من جهة مساسها بسعادة الإنسان كالحقائق الفطريّة التي هي أساس التشريعات الدينيّة [ والأحكام الإلهيّة ] . (2)
ومن هذا المنطلق قال الحكماء الإلهيّون : الحِكْمَةُ هُوَ العِلْمُ بِحَقَايقِ الأِشْيَاءِ عَلَى قَدْرِ الطّاقَةِ البَشَرِيّةِ . أو : الحِكْمَةُ صَيْرُورَةُ الإنسَانِ عَالِماً عَقْلِيّاً مُضَاهِياً لِلْعَالَمِ الخَارِجِيّ .
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ على ما نطق به القرآن الكريم ـ معلّم الحكمة لأُمّته . وتلميذه الوحيد في هذه المدرسة هو مولى الموحّدين أمير المؤمنين الذي فاضت الحكمة من نواحيه حتّى كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعجب منه في بعض الأوقات ، ويبتهج لكثرة علمه ودرايته . كما روى أحمد بن حنبل في مسنده بسلسلة سنده المتّصل عن حميد بن عبد الله بن يزيد المدنيّ : إنّهُ ذُكِرَ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قَضَاءٌ قَضَى بِهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ ؛ فَأَعْجَبَ النّبِيّ صَلّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَقَالَ : الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَ الحِكْمَةَ فِينَا أَهْلَ البَيْتِ . (3)
وروى موفّق بن أحمد الخوارزميّ بسنده المتّصل عن زيد العمى ، عن أبي صديق الناجي ، عن أبي سعيد الخُدريّ أنّه قال : قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ : إنّ أَقْضَى أُمّتِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . (4)
وكذلك روى الخوارزميّ بسنده المتّصل عن سلمان ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : أَعْلَمُ أُمّتِي مِنْ بَعْدِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . (5)
ويتعذّر على الإنسان أن يحكم بالحقّ في جميع الأُمور ، ويقضي به في كافّة المسائل والمواطن ما لم يستنر قلبه بنور الله ، ويطّلع على أسرار عالم الخارج ، ويكتنه حقيقة الملك والملكوت ويدركها كما هي . وخاطب الله سبحانه وتعالى نبيّه داود على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام قائلاً : يَدَاوُودُ إِنّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ وَلَا تَتّبِعِ الْهَوَى‏ فَيُضِلّكَ عَن سَبِيلِ اللَهِ إِنّ الّذِينَ يَضِلّونَ عَن سَبِيلِ اللَهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ . (6)
نجد هنا أنّ الله جلّ وعلا رتّب الحكم بالحقّ على الخلافة . ولا يصدر الحكم بالحقّ ما لم تتحقّق هذه الخلافة الإلهيّة . وكلّ من تمرّد على الخلافة الإلهيّة واتّبع هوى نفسه الأمّارة ، فإنّه يتيه ويضلّ عن السبيل . ولن تفتح في وجهه نافذة من عالم النور ، إذ إنّ نسيان الله ويوم القيامة طريق معاكس لطريق الخلافة الإلهيّة التي تستلزم اليقظة والوعي والتنبّه والعرفان والالتزام والمسؤوليّة والعمل بما يتطلّبه منهج العبوديّة .
ولا تحصى الروايات والأحاديث المأثورة عن الخاصّة والعامّة في تفرّد أمير المؤمنين في القضاء والحكم بالحقّ وتدفّقه بالعلم والعرفان .
قال الإمام محمّد الباقر : لَيْسَ أَحَدٌ يَقْضِي بِقَضَاءٍ يُصِيبُ فِيهِ الحَقّ إلّا مِفْتَاحُهُ قَضَاءُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ .
وجاء في كتاب «فضائل الصحابة» لأبي المظفّر السمعانيّ ، عن عبد الرحمن بن أبي قبيصة ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : عَلِيّ أَقْضَى أُمّتِي فَمَن أَحَبّني فَلْيُحِبّهُ فَإنّ العَبْدَ لَا يَنَالُ وَلَايَتِي إلّا بِحُبّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ . (7) وورد في مسند أحمد بن حنبل بسنده المتّصل عن يحيى بن سعيد ، عن المسيّب قال : كَانَ عُمَرُ يَتَعَوّذُ بِاللَهِ مِنْ مُعْضَلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ . (8)
وروى موفّق بن أحمد الخوارزميّ بسنده المتّصل عن يحيى بن سعيد ، عن المسيّب قال : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ : اللَهُمّ لَا تُبْقِنِي لِمُعْضَلَةٍ لَيْسَ لَهَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ . (9)
وروى أيضاً بإسناده عن أبي الدرداء [ أنّه ] قال : العلماء ثلاثة : رجل بالشام ، يعني نفسه . ورجل بالكوفة ، يعني عبد الله بن مسعود . ورجل بالمدينة ، يعني عليّاً . فالذي بالشام يسأل الذي بالكوفة . والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة . والذي بالمدينة لا يسأل أحداً .
وكثير من هذه الأحاديث ذكرها من العامّة إبراهيم بن محمّد الحمّوئيّ في كتاب «فرائد السمطين» . (10)
وروى الحاكم الحسكانيّ وجلال الدّين السيوطيّ بسندهما المتّصل عن أبي راشد الحبرانيّ ، عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ ، وإلَى نُوحٍ فِي فَهْمِهِ ، وَإلَى إبْراهِيمَ فِي حِلْمِهِ ، وَإلَى يَحْيَى فِي زُهْدِهِ ، وَإلَى مُوسَى فِي بَطْشِهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . (11)
وكذلك روى السيوطيّ عن أبي راشد الحمّانيّ ، عن أبي هارون العبديّ ، عن أبي سعيد الخُدري أنّه قال :
كُنّا حَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، فَأَقْبَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَأَدَامَ رَسُولُ اللَهِ صَلّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ النّظَرَ إلَيْهِ ثُمّ قَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ وَإلَى نُوحٍ فِي حُكْمِهِ ، وَإلَى إبْرَاهِيمَ فِي حِلْمِهِ ، فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا . وَاللَهُ أَعْلَمُ . (12)
وروى ابن عساكر بسندين متّصلين عن ابن شِبْرَمَة أنّه كان يقول : مَا كَانَ أَحَدٌ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ : «سَلُونِي» عَنْ مَا بَيْنَ اللّوْحَيْنِ إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . (13)
والمراد من اللوحين : اللوح المحفوظ ، ولوح المحو والإثبات . أي : عالم القضاء الإلهيّ الكلّيّ والحتميّ ، وعالم التقدير والقضاء الإلهيّ الجزئيّ . أعني : جميع وقائع ما كان وما يكون إلى يوم القيامة . وكذلك عالم الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل . (14)
وكذلك روى بسنده عن سعيد بن المسيّب أنّه قال : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ يَقُولُ : «سَلُونِي» إلّا عَلِيّ . (15)
وروى بسنده أيضاً عن عمير بن عبد الله أنّه قال : خَطَبَنَا عَلِيّ [ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ] عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ ؛ فَقَالَ : أَيّهَا النّاسُ ! سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي ! فَبَيْنَ الجَنْبَيْنِ مِنّي عِلْمٌ جَمّ . (16)
وروى بسنده المتّصل أيضاً عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس أنّه قال : قُسّمَ عِلْمُ النّاسِ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ ؛ فَكَانَ لِعَلِيّ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ ، وَلِسَائِر النّاسِ جُزْءٌ ، وَشَارَكَهُمْ عَلِيّ فِي الجُزْءِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهُمْ . وعن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عبّاس ، قال : إذ ثبت لنا الشي‏ء عن عليّ ، لم نعدل به إلى غيره . (17)
وذكر بسنده المتّصل عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : إذَا بَلَغَنَا شَي‏ءٌ تَكَلّمَ بِهِ عَلِيّ مِنْ فُتْيَا أَوْ قَضَاءٍ وَثَبَتَ ، لَمْ نُجَاوِزْهُ إلَى غَيْرِهِ . (18)
ونقل بسنده أيضاً أنّ عكرمة يحدّث عن ابن عبّاس أنّه كان يقول : إذَا حَدّثَتْنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيّ يَقِيناً لَا نَعْدُوهَا . (19)
وقد ذكرنا في الدرس الثالث والخمسين بعد المائة إلى الدرس السادس والخمسين بعد المائة من هذا الجزء أنّ الأحاديث المتواترة معنىً قد أُثرت أنّ رسول الله قال : أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيّ بَابُهَا . وفي ضوء تفسير الآية القرآنيّة المباركة : وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا فإنّ المراد من الأبواب هم الأئمّة الطاهرون وعلى رأسهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهم الذين ينبغي لنا أن نأخذ العلم منهم فحسب ونعمل به . وهم منهل الماء الزلال العذب المفيد . وأمّا أخذ العلم من الآخرين ، فهو ليس أخذ علم ، بل أخذ جهل وضلال وغيّ . وأخذ صديد جهنّم وقيحها وغلسينها . وهذا الضرب من الأخذ لا يروي مهجة الإنسان ، بل يزيد مرضه وظمأه وصداعه حتّى يقتله .
وقال مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين في «نهج البلاغة» :
وَنَاظِرُ قَلْبِ اللّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ .
دَاعٍ دَعَا ، وَراعٍ رَعَى ، فَاسْتَجِيبُوا لِلدّاعِي وَاتّبِعُوا الرّاعِيَ ! (الداعي رسول الله والراعي أمير المؤمنين) .
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الفِتَنِ ، وَأَخَذُوا بِالبِدَعِ دُونَ السّنَنِ . وَأَرَزَ (20) المُؤْمِنُونَ وَنَطَقَ الضّالّونَ المُكَذّبُونَ . نَحْنُ الشّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأَبْوَابُ . لَا تُؤْتَى البُيُوتُ إلّا مِنْ أَبْوَابِهَا . فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمّيَ سَارِقاً .
(منها) فِيهِم (أهل بيت النبويّ الكريم) كَرَائِمُ القُرْآنِ ، وَهُمْ كُنُوزُ الرّحْمَنِ . إنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَإنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا . (أي أنّ مقامهم المكين والرصين على درجة أنّهم حتّى لو كانوا صامتين ، فلا يعقل الكلام الصحيح والسديد أمامهم . ولهذا لا جرأة لأحد على الكلام) .
فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ ! (وهو الذي يرسل من قبل القافلة والقبيلة لتقصّي الماء والكلاء في الصحراء ، ثمّ يخبر من أرسله ، فليصدق أهله عند رجوعه) . وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ (أي : أنتم الذين اجتمعتم هنا من حواضر مختلفة ، وتسمعون خطبتي ، مَثَل أحدكم كمثل الرائد الذي جاء من قبل قومه لطلب الحقيقة والمعنويّة ، اصدقوا عند رجوعكم إلى قومكم وقبيلتكم ، وبيّنوا ما تشاهدونه منّا بلا زياده ولا نقصان) . وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ فَإنّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَإلَيْهَا يَنْقَلِبُ . فَالنّاظِرُ بِالقَلْبِ العَامِلُ بِالبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ ؟! فَإنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ ، وَإنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ . فَإنّ العَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ ، فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطّرِيقِ إلّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ . وَالعَامِلُ بِالعِلْمِ كَالسّائِرِ عَلَى الطّرِيقِ الوَاضِحِ .
فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ . وَاعْلَمْ أَنّ لِكُلّ ظَاهِرٍ بَاطِنَاً عَلَى مِثَالِهِ ، فَمَا طَلَبَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ . وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ . وَقَدْ قَالَ الرّسُولُ الصّادِقُ صَلّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ : إنّ اللَهَ يُحِبّ العَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ وَيُحِبّ العَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ .
وَاعْلَمْ أَنّ لِكُلّ عَمَلٍ نَبَاتاً وَكُلّ نَبَاتٍ لَا غِنىً بِهِ عَنِ المَاءِ ، وَالمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ ، طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ . وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ ، خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرّتْ ثَمَرَتُهُ . (21)

يقول الإمام في هذه الخطبة إنّ مخالفيهم هم الضالّون المكذّبون . وهم الذين تقدّموا عليهم وأصبحوا روّاد القافلة . والمؤمنون يزحفون ويراوحون في جحر الوحدة والغربة . وإنّ التربية التي يربّي بها أُولئك الضالّون الناسَ ، تربية نابعة من نفوسهم الخبيثة التي تسوق إلى الضلال والضياع ، وتقتل الاستعداد كالماء العفن الأُجاج الذي تسقى به المزارع ، فتفسد ثمارها . أيّها الناس ! نحن آل محمّد الذي نزل فينا القرآن ! ونحن الذين صفا علمنا فلا كدر ولا غشّ فيه ، وهو من معدن النور والتجرّد والعرفان ! وإن اتّبعتم هذا العلم . فعملكم صحيح ويبلغ بكم ما ترومون . وإن لم تتّبعوه ، فعملكم باطل ، وتحركّكم في الطريق المعاكس ، وستنأون عن المقصود يوماً بعد يوم . وستخطون في الاتّجاه المضادّ لنهج السعادة . وهيهات أن تشمّوا رائحة الوجدان والإنصاف والحقيقة والعبوديّة والإيثار والعرفان والتوحيد .
أيّها الناس ! من تعلّم العلم من غيرنا فهو كمن دخل بيتاً من جداره أو سطحه ـ من غير بابه ـ ويعدّ هكذا إنسان سارقاً لا طالباً للعلم ، فيلقى عليه القبض ويودع السجن لتقطع يده . وسوف لن يجني ممّا في الدار أبداً .
قال ابن أبي الحديد (22) في شرح هذه الخطبة : والخزنة والأبواب ، يمكن أن يعني به خزنة العلم وأبواب العلم لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيّ بَابُهَا . فَمَنْ أَرَادَ الحِكْمَةَ فَلْيَأْتِ البَابَ . وقوله فيه : خَازِنُ عِلْمِي . وقال تارة أُخرى : عَيْبَةُ عِلْمِي .
ويمكن أن يريد خزنة الجنّة ، وأبواب الجنّة . أي لا يدخل الجنّة إلّا من وافى بولايتنا ؛ فقد جاء في حقّه الخبر الشائع المستفيض : إنّهُ قَسِيمُ النّارِ وَالجَنّةِ .
وذكر أبو عبيد الهرويّ في «الجمع بين الغريبين» أنّ قوماً من أئمّة العربيّة فسّروه فقالوا : لأنّه لمّا كان مُحِبّه من أهل الجنّة ، ومُبغضه من أهل النار ، كأنّه بهذا الاعتبار قسيم النار والجنّة . قال أبو عبيد : وقال غير هؤلاء : بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة ، يدخل قوماً إلى الجنّة ، وقوماً إلى النار .
[ قال ابن أبي الحديد ] : وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيراً هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه . يقول للنار : هَذَا لِي فَدَعِيهِ ! وَهَذَا لَكِ فَخُذِيهِ !
ثمّ ذكر [ أمير المؤمنين ] أنّ البيوت لا تؤتى إلّا من أبوابها . قال الله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنّ الْبِرّ مَنِ اتّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا . (23)

ثمّ قال [ عليّ ] : من أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً . وهذا حقّ ظاهراً وباطناً . أمّا الظاهر فلأنّ من يتسوّر البيوت من غير أبوابها هو السارق . وأمّا الباطن فلأنّ من طلب العلم من غير أُستاذ محقّق فلم يأته من بابه ؛ فهو أشبه شي‏ء بالسارق . (24)
وذكر ابن أبي الحديد هنا فصلاً مشبعاً من مناقب أمير المؤمنين ومحامده وفضائله . ونقل كثيراً من الأحاديث الثابتة المأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله فيه . وعلى الرغم من أنّنا أوردنا في كتابنا هذا بأجزائه كثيراً من الأحاديث المشار إليها ، وتحدّثنا عنها ، بَيدَ أنّه لمّا جمعها كلّها هنا وقسّمها وبوّبها ، ورواها في أربع وعشرين رواية متقنة من مصادر أهل السنّة ، فمن المستحسن أن ننقل عين مطالبه ، ونأتي بهذه الأحاديث النفيسة نصّاً :
ذِكْرُ الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِي فَضَائِلِ عَلِيّ
واعلم أنّ أمير المؤمنين لو فخر بنفسه ، وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إيّاها ، واختصّه بها ، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة ، لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره ؛ ولست أعني بذلك الأخبار العامّة الشائعة التي يحتجّ بها الإماميّة على إمامته ، كخبر الغدير ، و[ حديث ] المنزلة ، وقصّة براءة ، وخبر المناجاة ، وقصّة خيبر ، وخبر [ دعوة العشيرة إلى ] الدار بمكّة في ابتداء الدعوة ، ونحو ذلك . بل الأخبار الخاصّة التي رواها فيه أئمّة الحديث ، التي لم يحصل أقلّ القليل منها لغيره ؛ وأنا أذكر من ذلك شيئاً يسيراً ممّا رواه علماء الحديث الذين لا يُتّهمون فيه ، وجلّهم قائلون بتفضيل غيره عليه ؛ فروايتهم فضائله توجب سكون النفس ما لا يوجبه رواية غيرهم .
الخَبَرُ الأَوّلُ :
يَا عَلِيّ ! إنّ اللَهَ قَدْ زَيّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيّنِ العِبَادَ بِزِينَةٍ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْهَا ، هِيَ زِينَةُ الأَبْرَارِ عِنْدَ اللَهِ تَعَالَى : الزّهْدُ فِي الدّنْيَا ، جَعَلَكَ لَا تَرْزَأُ مِنَ الدّنْيَا شَيئَاً ، وَلَا تَرْزَأُ الدّنْيَا مِنْكَ شَيْئَاً ، وَوَهَبَ لَكَ حُبّ المَسَاكِينِ ، فَجَعَلَكَ تَرْضَى بِهِمْ أَتْبَاعَاً ، وَيَرْضَوْنَ بِكَ إمَاماً . (25)
رواه أبو نعيم الحافظ (26) في كتابه المعروف ب «حلية الأولياء» . وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في «المسند» : فَطُوبَى لِمَنْ أَحَبّكَ وَصَدّقَ فِيكَ ! وَوَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذّبَ فِيكَ !
الخَبَرُ الثّانِي :
قال [ النبيّ ] لوفد ثقيف : لَتُسْلِمُنّ أَوْ لَأَبْعَثَنّ إلَيْكُمْ رَجُلَاً مِنّي ـ أَوْ قَالَ : عَدِيلَ نَفْسِي ـ فَلَيَضْرِبَنّ أَعْنَاقَكُمْ وَلَيْسبِيَنّ ذَرَارِيَكُمْ ، وَلَيَأْخُذَنّ أَمْوَالَكُمْ .

قال عمر : فما تمنيّتُ الإمارة إلّا يؤمئذٍ ؛ وجعلتُ أنصب له صدري رجاء أن يقول : هُوَ هَذَا ! فالتفتَ فأخذ بِيَدِ عليّ وقال : هُوَ هَذَا ، مَرّتَينِ !
رواه أحمد في «المسند» . ورواه في كتاب «فضائل عليّ» أنّه قال : لَتُنتَهُنّ يَا بَنِي وَلِيعَةَ (27) أَوْ لَأَبْعَثَنّ إلَيْكُمْ رَجُلَاً كَنَفْسِي ، يُمْضِي فِيكُمْ أَمْرِي ؛ يَقْتُلُ المُقَاتِلَةَ وَيَسْبِي الذّرّيّة !
قال أبو ذرّ : فما راعني إلّا برد كفّ عمر في حُجزتي من خَلفي ، يقول : مَنْ تَرَاهُ يَعْنِي ؟ فقلت : إنّهُ لا يَعْنِيكَ ! وَإنّمَا يَعْنِي خَاصِفَ النّعْلِ ؛ وَإنّهُ قَالَ : «هُوَ هَذَا» .
الخَبَرُ الثّالِثُ : إنّ اللَهَ عَهِدَ إلَيّ فِي عَلِيّ عَهْداً ؛ فَقُلْتُ : يَا رَبّ بَيّنْهُ لِي !
قَالَ : اسْمَعْ ! إنّ عَلِيّاً رَايَةُ الهُدَى ؛ وَإمَامُ أَولِيَائِي ؛ وَنُورُ مَنْ أطَاعَنِي ؛ وَهُوَ الكَلِمَةُ الّتِي أَلْزَمْتُها المتّقِينَ . مَنْ أَحَبّهُ فَقَدْ أَحَبّنِي ؛ وَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِي !
فَبَشّرْهُ بِذَلِكَ ! فَقُلْتُ : قَدْ بَشّرْتُهُ يَا رَبّ !
فَقَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَهِ وَفِي قَبْضَتِهِ ؛ فَإنْ يُعَذّبْنِي فَبِذُنُوبِي لَمْ يَظْلِمْ شَيئَاً ؛ وَإنْ يُتِمّ لِي مَا وَعَدَنِي فَهُوَ أَوْلَى . وَقَدْ دَعَوْتُ لَهُ ؛ فَقُلْتُ : اللَهُمّ اجْلُ قَلْبَهُ وَاجْعَلْ رَبِيعَهُ الإيمَانَ بِكَ !
قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ؛ غَيْرَ أَ نّي مُخْتَصّهُ بِشَي‏ءٍ مِنَ البَلَاءِ لَمْ أَخْتَصّ بِهِ أَحَدَاً مِنْ أَولِيَائِي .
فَقُلْتُ : رَبّ ! أَخِي وَصَاحِبِي !
قَالَ : إنّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنّهُ لَمُبْتَلٍ وَمُبْتَلَىً . (28)
ذكر أبو نعيم الحافظ في «حلية الأولياء» عن أبي برزة الأسلميّ ؛ ثمّ رواه بإسناد آخر بلفظ آخر ، عن أنس بن مالك : إنّ رَبّ العَالَمِينَ عَهِدَ فِي عَلِيّ إلَيّ عَهْدَاً أَنّهُ رَايَةُ الهُدَى ، وَمَنَارُ الإيمَانِ ، وَإمَامُ أَوْلِيَائِي ، وَنُورُ جَمِيعِ مَنْ أَطَاعَنِي ، إنّ عَلِيّاً أَمِينِي غَداً فِي القِيَامَةِ ، وَصَاحِبُ رَايَتِي ، بِيَدِ عَلِيّ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ رَحْمَةِ رَبّي .
***الخَبَرُ الرّابِعُ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نُوحٍ فِي عَزْمِهِ وَإلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ ، وَإلَى إبرَاهِيمَ فِي حِلْمِهِ ، وَإلَى مُوسَى فِي فِطْنَتِهِ ، وَإلَى عِيسَى فِي زُهْدِهِ ، فَلْيَنْظُرْ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
رواه أحمد بن حنبل في «المسند» ورواه أحمد البيهقيّ في صحيحه .
***الخَبَرُ الخَامِسُ : مَنْ سَرّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي ، وَيَمُوتَ مِيتَتِي ، وَيَتَمَسّكَ بِالقَضِيبِ مِنَ اليَاقُوتِةِ الّتِي خَلَقَهَا اللَهُ تَعَالَى بِيَدِهِ ـ ثُمّ قَالَ لَهَا كُونِي فَكَانَتْ ـ فَلْيَتَمَسّكَ بِوَلَاءِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
ذكره أبو نعيم الحافظ في كتاب «حلية الأولياء» . ورواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في كتابيه : «المسند» و«فضائل عليّ بن أبي طالب» . وحكاية لفظ أحمد :
مَنْ أَحَبّ أَن يَتَمَسّكَ بِالقَضِيبِ الأَحْمَرِ الّذِي غَرَسَهُ اللَهُ فِي جَنّةِ عَدْنٍ بِيَمِينِهِ ، فَلْيَتَمَسّكْ بِحُبّ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
***الخَبَرُ السّادِسُ : وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْلَا أَنْ تَقُولَ طَوَائِفُ مِنْ أُمّتِي فِيكَ مَا قَالَتِ النّصَارَى فِي ابْنِ مَرْيَمَ ، لَقُلْتُ اليَوْمَ فِيكَ مَقَالَاً لَا تَمُرّ بِمَلأٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إلّا أَخَذُوا التّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ لِلْبَرَكَةِ .
ذكره أبو عبد الله أحمد بن حنبل في «المسند» .
***الخَبَرُ السّابِعُ : خرج [ رسول الله ] صلّى الله عليه وآله على الحجيج عشيّة عرفة ، فقال لهم : إنّ اللَهَ قَدْ بَاهَى بِكُمُ المَلَائِكَةَ عَامّةً وَغَفَرَ لَكُمْ عَامّةً ؛ وَبَاهى بِعَلِيّ خَاصّةً ، وَغَفَرَ لَهُ خَاصّةً ! إنّي قَائِلٌ لَكُمْ قَوْلَاً غَيْرَ مُحَابٍ فِيهِ لِقَرَابَتِي : إنّ السّعِيدَ كُلّ السّعِيدِ حَقّ السّعِيدِ مَنْ أَحَبّ عَلِيّاً فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ !
رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في كتاب «فضائل عليّ » ؛ وفي «المسند» أيضاً .
***الخَبَرُ الثّامِنُ : رواه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في الكتابين المذكورين :
أَنَا أَوّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ فِي ظِلّهِ ؛ ثُمّ أُكْسَى حُلّةً . ثُمّ يُدْعَى بِالنّبِيّينَ بَعْضِهِمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ . فَيَقُومُونَ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ ؛ وَيُكْسَوْنَ حُلَلَاً ، ثُمّ يُدْعَى بِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِقَرَابَتِهِ مِنّي وَمَنْزِلَتِهِ عِنْدِي ؛ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ لِوَائِي لِوَاءَ الحَمْدِ ؛ آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ ذَلِكَ اللّوَاءِ .
ثُمّ قَالَ لِعَلِيّ : فَتَسِيرُ بِهِ حَتّى تَقِفَ بَيْنِي وَبَيْنَ إبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ ؛ ثُمّ تُكْسَى حُلّةً وَيُنادِي مُنَادٍ مِنَ العَرْشِ : نِعْمَ العَبْدُ أَبُوكَ إبْرَاهِيمُ ! وَنِعْمَ الأَخُ أَخُوكَ عَلِيّ ! أَبْشِرْ فَإنّكَ تُدْعَى إذَا دُعِيتُ ؛ وَتُكْسَى إذَا كُسِيتُ ، وَتَحْيَا إذَا حَيِيتُ !
****الخَبَرُ التّاسِعُ : يَا أَنَسُ ! اسْكُبْ لِي وُضُوءاً . ثمّ قام [ رسول الله صلّى الله عليه وآله ] فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : أَوّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا البَابِ إمَامُ المُتّقِينَ ، وَسَيّدُ المُسْلِمِينَ ، وَيَعْسُوبُ الدّينِ ، وَخَاتَمُ الوَصِيّينَ ، وَقَائِدُ الغُرّ المُحَجّلِينَ .
قال أنس : فقلتُ : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار (29) وكتبت دعوتي ، فجاء عليّ ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : من جاء يا أنس ؟! فقلتُ : عليّ .
فقام إليه [ رسول الله ] مستبشراً ، فاعتنقه ، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه . فقال عليّ :
يَا رَسُولَ اللَهِ صَلّى اللَهُ عَلَيْكَ وَآلِكَ ! لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ اليَوْمَ تَصْنَعُ بِي شَيئَاً مَا صَنَعْتَهُ بِي قَبْلُ !
قال [ رسول الله صلّى الله عليه وآله ] : وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنْتَ تُؤَدّي عَنّي ، وَتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي ، وَتُبَيّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي ! (30)
رواه أبو نعيم الحافظ في «حلية الأولياء» .
***الخَبَرُ العَاشِرُ : ادْعُوا لِي سَيّدَ العَرَبِ عَلِيّاً .
فقالت عائشة : أَلَسْتَ سَيّدَ العَرَبِ ؟
فقال صلّى الله عليه وآله : أَنَا سَيّدُ وُلْدِ آدَمَ وَعَلِيّ سَيّدُ العَرَبِ .
فلمّا جاء ، أرسل إلى الأنصار ، فأتوه ، فقال لهم : يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ ! أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا إنْ تَمَسّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلّوا أَبَداً ؟ قالوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَهِ .
قال [ صلّى الله عليه وآله ] : هَذَا عَلِيّ فَأَحِبّوهُ بِحُبّي ! وَأَكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي ! فَإنّ جَبْرَائِيلَ أَمَرَنِي بِالّذِي قُلْتُ لَكُمْ عَن ِاللَهِ عَزّ وَجَلّ ! (31)
رواه الحافظ أبو نُعَيم في «حلية الأولياء» .
***الخَبَرُ الحَادِي عَشَر : مَرْحَباً بِسَيّدِ المُؤْمِنِينَ ؛ وَإمَامِ المُتّقِينَ !
فقيل لعليّ : كَيْفَ شُكْرُكَ ؟
فقال : أَحْمَدُ اللَهَ عَلَى مَا آتَانِي ، وَأَسْأَلُهُ الشّكْرَ عَلَى مَا أَوْلَانِي ، وَأَنْ يَزِيدَنِي مِمّا أَعْطَانِي .
ذكره صاحب «الحلية» أيضاً .
***الخَبَرُ الثّانِي عَشَر : مَنْ سَرّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي وَيَمُوتَ مَمَاتِي وَيَسْكُنَ جَنّةَ عَدْنٍ الّتِي غَرَسَهَا رَبّي فَلْيُوَالِ عَلِيّاً مِنْ بَعْدِي ، وَلِيُوَالِ وَلِيّهُ ؛ وَليَقْتَدِ بِالأَئمّةِ مِنْ بَعْدِي ، فَإنّهُمْ عِتْرَتِي ، خُلِقُوا مِنْ طِينَتِي ، وَرُزِقُوا فَهْماً وَعِلْماً . فَوَيْلٌ لِلمُكّذّبِينَ مِنْ أُمّتِي ! القَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي ؛ لَا أَنَالَهُمْ اللَهُ شَفَاعَتِي !
ذكره صاحب «الحلية» أيضاً .
***الخَبَرُ الثّالِثُ عَشَر : بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله خالد بن الوليد في سريّة (الجهاد في سبيل الله ، الذي لم يشترك فيه رسول الله) ، وبعث عليّاً في سريّة أُخرى ، وكلاهما إلى اليمن ، وقال :
إنِ اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِيّ عَلَى النّاسِ ، وَإنِ افْتَرَقْتُمَا فَكُلّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى جُنْدِهِ .
فاجتمعا ، وأغارا ، وسبيا نساءً ، وأخذا أموالاً ، وقتلا ناساً ؛ وأخذ عليّ جاريةً فاختصّها لنفسه .
فقال خالد لأربعة من المسلمين ، منهم بُرَيْدة الأسلميّ : اسبقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فاذكروا له كذا ، واذكروا له كذا ! لأُمور عدّدها على عليّ . فسبقوا إليه ، فجاء واحد من جانبه ، فقال : إنّ عليّاً فعل كذا ، فأعرض عنه . فجاء الآخر من الجانب الآخر ، فقال : إنّ عليّاً فعل كذا ، فأعرض عنه . فجاء بُريدة الأسلميّ فقال : يَا رَسُولَ اللَهِ ! إنّ عليّاً فعل ذلك . فأخذ جارية لنفسه .
فَغَضِبَ صَلّى اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ حَتّى احْمَرَ وَجْهُهُ ؛ وَقَالَ : دَعَوا لِي عَلِيّاً (يُكَرّرُهَا) إنّ عَلِيّاً مِنّي وَأَنَا مِنْ عَلِيّ ؛ وَإنّ حَظّهُ فِي الخُمْسِ أَكْثَرُ مِمّا أَخَذَ ؛ وَهُوَ وَلِيّ كُلّ مُؤْمِنٍ [ وَمُؤْمِنَةٍ ] مِنْ بَعْدِي .
رواه أبو عبد الله أحمد في «المسند» غير مرّة . ورواه في كتاب «فضائل عليّ» ؛ ورواه أكثر المحدّثين .
***الخَبَرُ الرّابِعُ عَشَرَ : كُنْتُ أَنَا وَعَلِيّ نُوراً بَيْنَ يَدَي اللَهِ عَزّ وَجَلّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَرْبِعَةِ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ ، فَلَمّا خَلَقَ آدَمَ قَسّمَ ذَلِكَ فِيهِ ، وَجَعَلَهُ جُزْءَيْنِ فَجُزْءٌ أَنَا وَجُزْءٌ عَلِيّ .
رواه أحمد في «المسند» وفي كتاب «فضائل عليّ » ؛ وذكره صاحب كتاب «الفردوس» ، وزاد فيه : ثُمّ انْتَقَلْنَا حَتّى صِرْنَا فِي عَبْدِ المُطّلِبِ ، فَكَانَ لِيَ النّبُوّةُ ، وَلِعَلِيّ الوَصِيّةُ .
***الخَبَرُ الخَامِسُ عَشَر : النّظَرُ إلَى وَجْهِكَ يَا عَلِيّ عِبَادَةٌ ! أَنْتَ سَيّدٌ فِي الدّنْيَا وَسَيّدٌ فِي الآخِرَةِ ! مَنْ أَحَبّكَ أَحَبَنّي ؛ وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَهِ ! وَعَدُوّكَ عَدُوّي ، وَعَدُوّي عَدُوّ اللَهِ . الوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ !
رواه أحمد في «المسند» ، وقال : وكان ابن عبّاس يفسّره ، ويقول : إنّ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَهِ ! مَا أَعْلَمَ هَذَا الفَتَى ! سُبْحَانَ اللَهِ مَا أَشْجَعَ هَذَا الفَتَى ! سُبْحَانَ اللَهِ ! مَا أَفْصَحَ هَذَا الفَتَى !
***الحَدِيثُ السّادِسُ عَشَر : لمّا كانت ليلة بدر ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مَنْ يَسْتَقِي لَنَا مَاءً ؟ فَأَحْجَمَ النّاسُ ، فَقَامَ عَلِيّ فَاحْتَضَنَ قِرْبَةً ؛ ثُمّ أَتَى بِئْراً بَعِيدَةَ القَعْرِ مُظْلِمَةً ، فَانْحَدَرَ فِيهَا ، فَأَوْحَى اللَهُ إلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ أَنْ تَأَهّبُوا لِنَصْرِ مُحَمّدٍ وَأَخِيهِ وَحِزْبِهِ ! فَهَبَطُوا مِنَ السّمَاءِ ، لَهُمْ لَغْطٌ يَذْعَرُ مَنْ يَسْمَعُهُ ، فَلَمّا حَاذُوا البِئْرَ ، سَلّمُوا عَلَيهِ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ إكْرَاماً لَهُ وَإجْلَالَاً .
رواه أحمد في كتاب «فضائل عليّ » وزاد فيه في طريق أُخرى عن أنس بن مالك : لَتُؤْتَيَنّ يَا عَلِيّ يَوْمَ القِيَامَةِ بِنَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الجَنّةِ فَتَرْكَبُهَا ، وَرُكْبَتُكَ مَعَ رُكْبَتِي ، وَفَخِذُكَ مَعَ فَخِذِي ؛ حَتّى تَدْخُلَ الجَنّةَ !
***الحَدِيثُ السّابِعُ عَشَر : خطب [ رسول الله ] صلّى الله عليه وآله الناس يوم جمعة ، فقال : أَيّهَا النّاسُ ! قَدّمُوا قُرَيْشاً وَلَا تَقْدُمُوها ! وَتَعَلّمُوا مِنْهَا وَلَا تُعَلّمُوهَا !
قُوّةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْدِلُ قُوّةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَأَمَانَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْدِلُ أَمَانَةَ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ .
أَيّهَا النّاسُ ! أُوصِيكُمْ بِحُبّ ذُِي قُرْبَاهَا : أَخِي وَابْنِ عَمّي عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ! لَا يُحُبّهُ إلّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُ إلّا مُنَافِقٌ . مَنْ أَحَبّهُ فَقَدْ أَحَبّنِي ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي . وَمَنْ أَبْغَضَنِي عَذّبَهُ اللَهُ بِالنّارِ .
رواه أحمد في كتاب «فضائل عليّ » .
***الحَدِيثُ الثّامِنُ عَشَر : الصّدّيقُونَ ثَلَاثَةٌ : حَبِيبُ النّجّارُ الّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى ؛ وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعُونَ الّذِي كَانَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ ؛ وَعَلَيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ .
رواه أحمد في كتاب «فضائل عليّ » .
***الحَدِيثُ التّاسِعُ عَشَر : أُعْطِيتُ فِي عَلِيّ خَمْساً ، هُنّ أَحَبّ إلَيّ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا ؛ أَمّا وَاحِدَةٌ فَهُوَ كَابٌ (32) بَيْنَ يَدَي اللَهِ عَزّ وَجَلّ حَتّى يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ الخَلَائِقِ . وَأَمّا الثّانِيَةُ فَلِوَاءُ الحَمْدُ بِيَدِهِ ، آدَمُ وَمَنْ وَلَدَ تَحْتَهُ . وَأَمّا الثّالِثَةُ فَوَاقِفٌ عَلَى عَقْرِ حَوْضِي ، يَسْقِي مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمّتِي . وَأَمّا الرّابِعَةُ فَسَاتِرُ عَوْرَتِي وَمُسَلّمِي إلَى رَبّي . وَأَمّا الخَامِسَةُ فَإنّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَافِراً بَعْدَ إيمَانٍ ، وَلَا زَانِياً بَعْدَ إحْصَانٍ .
رواه أحمد في كتاب «الفضائل» .
***الحَدِيثُ العِشْرُونَ : كانت لجماعة من الصحابة أبواب شارعة في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله . فقال عليه الصلاة والسلام يوماً : سُدّوا كُلّ بَابٍ فِي المَسْجِدِ إلّا بَابَ عَلِيّ !
فسُدّت . فقال في ذلك قوم ، حتّى بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقام فيهم ، فقال :
إنّ قَوْماً قَالُوا فِي سَدّ الأَبْوَابِ وَتَرْكِي بَابَ عَلِيّ ، إنّي مَا سَدَدْتُ وَلَا فَتَحْتُ ؛ وَلَكِنّي أُمِرْتُ بِأَمْرٍ فَاتّبَعْتُهُ .
رواه أحمد في «المسند» مراراً ، وفي كتاب «الفضائل» .
***الحَدِيثُ الحَادِي وَالعِشْرُونَ : دعا [ رسول الله ] صلّى الله عليه وآله عليّاً في غزاة الطائف ، فانتجاه ، وأطال نجواه حتّى كَرِهَ قومٌ من الصحابة ذلك .
فقال قائل منهم : لَقَدْ أَطَالَ اليَوْمَ نَجْوَى ابْنِ عَمّهِ . فبلغه عليه الصلاة والسلام ذلك ، فجمع منهم قوماً ، ثمّ قال : إنّ قَائِلَاً قَالَ : لَقَدْ أَطَالَ اليَوْمَ نَجْوَى ابْنِ عَمّهِ ، أَمَا إنّي مَا انْتَجَيْتُهُ ، وَلِكَنّ اللَهَ انْتَجَاهُ .
رواه أحمد في «المسند» .
***الحَدِيثُ الثّانِي وَالعِشْرُونَ : أَخْصِمُكَ يَا عَلِيّ بِالنّبُوّةِ فَلَا نُبُوّةَ بَعْدِي ؛ وَتَخْصِمُ النّاسَ بِسَبْعٍ ، لَا يُجَاحِدُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ : أَنْتَ أَوّلُهُمْ إيمَاناً بِاللَهِ ؛ وَأَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَهِ ؛ وَأَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ ؛ وَأَقْسَمُهُمْ بِالسّوِيّةِ ؛ وَأَعْدَلُهُمْ فِي الرّعِيّةِ ؛ وَأَبْصَرُهُمْ بِالقَضِيّةِ ؛ وَأَعْظَمَهُمْ عِنْدَ اللَهِ مَزِيّةً ! (33)
رواه أبو نُعَيم الحافظ في «حلية الأولياء» .
***الخَبَرُ الثّالِثُ وَالعِشْرُونَ : قالت فاطمة : إنّكَ زَوّجَتَنِي فَقِيراً لَا مَالَ لَهُ ! فقال [ صلّى الله عليه وآله ] :
زَوّجْتُكِ أَقْدَمَهُمْ سِلْماً ؛ وَأَعْظَمَهُمْ حِلْماً ؛ وَأَكْثَرَهُمْ عِلْماً . أَلَا تَعْلَمِينَ أَنّ اللَهَ اطّلَعَ إلَى الأَرْضِ اطّلَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا أَبَاكِ ، ثُمّ اطّلَعَ إلَيْهَا ثَانِيةً فَاخْتَارَ مِنْهَا بَعْلَكِ !
رواه أحمد في «المسند» .
****الحَدِيثُ الرّابِعُ وَالعِشْرُونَ : لمّا أنزل : إذَا جَآءَ نَصْرُ اللَهِ وَالْفَتْحُ بعد انصرافه صلّى الله عليه وآله من غزاة حُنَين ، جعل يكثر من سُبْحَانَ اللَهِ ، أَسْتَغْفِرُ اللَهَ ، ثمّ قال :
يَا عَلِيّ ! إنّهُ قَدْ جَاءَ مَا وُعِدْتُ بِهِ ؛ جَاءَ الفَتْحُ ، وَدَخَلَ النّاسُ فِي دِينِ اللَهِ أَفْوَاجاً . وَإنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقّ مِنْكَ بِمَقَامِي ، لِقِدَمِكَ فِي الإسْلَامِ ، وَقُرْبِكَ مِنّي ، وَصِهْرِكَ ، وَعِنْدَكَ سَيّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ ؛ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ بَلَاءِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدِي حِينَ نَزَلَ القُرآنُ ؛ فَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى أَنْ أُرَاعِيَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ .
رواه أبو إسحاق الثعلبيّ في «تفسير القرآن» .
وقال ابن أبي الحديد بعد نقل هذه الأحاديث والأخبار ***الأربعة والعشرين : واعلم أنّا إنّما ذكرنا هذه الأخبار ها هنا ، لأنّ كثيراً من المنحرفين عن عليّ إذا مرّوا على كلامه في «نهج البلاغة» وغيره المتضمّن التحدّث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول صلّى الله عليه وآله له ، وتميزه إيّاه عن غيره ، ينسبونه إلى التيه والزّهْو والفخر . ولقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة . قيل لعمر : وَلّ عَلِيّاً أَمْرَ الجَيْشِ وَالحَرْبِ . قال : هُوَ أَتْيَهُ مِنْ ذَلِكَ . وقال زيد بن ثابت : مَا رَأَيْنَا أَزْهَى مِنْ عَلِيّ وَأُسَامَةَ .
فأردنا بإيراد هذه الأخبار ها هنا عند تفسير قوله : نَحْنُ الشّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأَبْوَابُ ، أن ننبّه على عظم منزلته عند رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأنّ من قيل في حقّه ما قيل ، لو رقى إلى السماء ، وعرج في الهواء ، وفخر على الملائكة والأنبياء تعظّماً وتبجّجاً ، لم يكن ملوماً ، بل كان بذلك جديراً . فكيف وهو لم يسلك قطّ مسلك التعظّم والتكبّر في شي‏ء من أقواله ولا من أفعاله ؟ وكان ألطف البشر خلقاً ، وأكرمهم طبعاً ، وأشدّهم تواضعاً ، وأكثرهم احتمالاً ، وأحسنهم بِشراً ، وأطلقهم وجهاً . حتّى نسبه من نسبه (34) إلى الدّعابة والمزاح ، وهما خُلُقان ينافيان التكبّر والاستطالة .
وإنّما كان يذكر [ ] أحياناً ما يذكره من هذا النوع ، نفثة مصدور ، وشكوى مكروب ، وتنفّس مهموم ؛ ولا يقصد به إذا ذكره إلّا شكر النعمة ، وتنبيه الغافل على ما خصّه الله به من الفضيلة ، فإنّ ذلك من باب الأمر بالمعروف ، والحضّ على اعتقاد الحقّ والصواب في أمره ، والنهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل ، فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال : أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لَا يَهْدِى إِلّا أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحكُمُونَ . (35)
لقد كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بحراً موّاجاً لا حدّ له من العلم والفهم والدراية . بَيدَ أنّ البشريّة جنت على نفسها وخسرت خسارة كبيرة لا تُعَوّض بإقصائه عن المسرح السياسيّ ، ومنعه تولّي شؤون المجتمع وتربية الناس حتّى بلوغهم مقام الكمال . ومَن شغل منصبه لم يجلب للبشريّة سوى الذلّ والعجز والجهل والوحشة والاضطراب .
وما أروع ما نظمه أبو الحسن المراديّ رحمه الله في هذا المجال ، إذ قال : يَا سَائِلي عَنْ عَلِيّ وَالأُولَى عَمِلُوا

بِهِ مِنَ السّوءِ مَا قَالُوا وَمَا فَعَلُوا لَمْ يَعْرِفُوهُ فَعَادَوُهُ لِجَهْلِهِمُ
وَالنّاسُ كُلّهُمُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا (36)
(إنّ سبب تأخيرهم عليّاً ضيق أُفقهم وجهلهم بما اندمج عليه من علوم وأسرار) .
روي عن شرح « بديعيّة ابن المُقْرى » أنّ ثلاثة جاءوا إلى أمير المؤمنين ، وكانوا قد تنازعوا في سبعة عشر جملاً . قال الأوّل منهم : لي نصفها . وقال الثاني : لي ثلثها . وقال الثالث : لي تسعها . ولمّا أرادوا تقسيمها ، رأوا أنّ حصّة كلّ منهم تكون عدداً كسريّاً لا صحيحاً .
كما كان كلّ منهم لا يرغب في بذل مقدار من حصّته للآخر ، أو يصرف درهماً وديناراً ، فعزموا على نحر جمل ليأخذ كلّ واحد حصّته منه بالكسور .
فقال لهم الإمام : أترضون أن أُضيف من مالي جملاً واحداً إلى جمالكم ، ثمّ أُقسّمها بينكم ؟!
قالوا : وكيف لا نرضى ؟! فأضاف الإمام جمله ، ودعا الأوّل الذي أراد نصفها وقال : حصّتك من السبعة عشر ثمانية جمال ونصف ، أمّا الآن فخذ حصّتك البالغة تسعة جمال من مجموع ثمانية عشر جملاً ! ثمّ دعا الثاني الذي له ثلثها وقال : لك من السبعة عشر ستّة جمال إلّا ثلثاً ، أمّا الآن فخذ الستّة تامّة ! وهكذا فعل مع الثالث إذ أعطاه تُسعها ، ويبلغ جملين بعد أن كانت حصّته من الجمال أقلّ من اثنين . فأخذ كلّ منهم حصّته من الجمال بلا كسر (تسعة ، ستّة ، اثنان) ثمّ أعاد أمير المؤمنين جمله . (37)
وتوضيح هذه المسألة أنّ مجموع الحصص التي ادّعاها هؤلاء لأنفسهم تقلّ بمقدار نصف تسع الجمل (59 118/0) إذ إنّ :
12+13+918 19+6+ 1718 2
1818ـ59 118 1718/ 0
وكان أمير المؤمنين يعلم أنّ الجمال السبعة عشر كلّها لهم . وفي ضوء هذا الزعم ، يزيد مقدار من الجمل بقدر 118 ، ويبقى بلا مالك ؛ بينما نحن نعلم أنّهم يملكون هذه الجمال جميعها بلا كسر يذكر . بَيدَ أنّهم لم يستوعبوا هذه المسألة الدقيقة ، ولم يدركوها .
وكان الإمام يعلم أنّهم يريدون أن يقولوا إنّهم أصحاب الجمال كلّها بنسبة نصف وثلث وتسع ، وحينئذٍ ينبغي أن يقسّموها بينهم بهذه النسب من غير أن يبقى كسر .
أي : نجعل المضاعف المشترك ثمانية عشر ، ونستخرج سبعة عشر جملاً من هذا المضاعف على النحو الآتي :
12+13+918 19+6+ 17 2
فالمجموع المستخرج من الجمال يعادل مجموع جمالهم
ومن جهة أُخرى ، نحن نعلم : أنّ العدد (18) هو ليس عدد جمالهم ، بل هو مضاعف مفروض لاستخراج مقدار الحصص ، فلهذا نلحظ أنّ جملاً واحداً زائد ؛ 18ـ1 17 ؛ وبعد أن أخذوا حصصهم بالأعداد الصحيحة ، فعادوا لا يتحاجون إلى العدد 18 ، أي : أنّ جمل الإمام الذي أُضيف لتيسير العمليّة الحسابيّة ، أصبح بلا فائدة ، وينبغي إخراجه من الحساب . فلهذا أضاف الإمام العدد (1) في مضاعف عدد الجمال لإكمال الحساب ، فجعله (18) ، ثمّ أخذ جمله . أي : أنّه أخذ الجمل الذي كان قد ألحقه بالجمال بعد أن وضّح الحساب ، ونال كلّ واحد من الثلاثة نصيبه منها .
إنّ النقطة الدقيقة في هذه المسألة هي أنّ هناك فرقاً بين أن يكون نصف المال لأحد ، وبين أن يكون له بنسبة 12 منه ، ففي الحالة الأُولى نرى أنّ النصف الحقيقيّ للمال هو له . أمّا في الحالة الثانية ، فلو أعطيناه ، نصف المال ، فإنّ حصّته ستنقص ، ولذلك ينبغي أن نعطيه بنسبة 12 من الموجود . ويتحقّق هذا عن دخول حصص مختلفة في كسور متباينة كمثالنا المذكور . لأنّنا بعد أن أعطينا الأوّل النصف الحقيقيّ 12 أي 517/8 ، وأعطينا الثاني الثلث الحقيقي 13 أي 317/17 ، وأعطينا الثالث التسع الحقيقيّ 19 أي 917/17 وهو أقلّ من اثنين بمقدار تسع ، فإنّ علينا أن نضيف المقدار الباقي من الجمال وهو 118 إلى حصصهم بنسبة 12 و 13 و 19 والنتيجة هي أنّ حصّة الأوّل وهي 517/8 + المقدار المضاف بنسبة . 9 12 وحصّة الثاني ، وهي 317/17 + المقدار المضاف بنسبة . 6 13 وحصّة الثالث ، وهي 917/17 + المقدار المضاف بنسبة . 2 19
وحاصل الكلام هو وجوب استخراج مضاعف مشترك في تقسيم الحصص التي ينبغي أن تقسّم بنسبة الكسور ، فنقسّم حسب المقادير الكسريّة .
مثال : إذا قسّمنا 600 مصحف بنسبة 12 و . 14 فعلينا أوّلاً أن نستخرج مضاعفاً مشتركاً ، فنقول : 14+14 12+34 2 ثمّ نرفع المضاعف ، ونقسّم 600 على ثلاثة فقط ، ثمّ نضربها في 1 و2 ، و6003*200 1 و 6003* . 400 2
عندئذً لا نرى مضاعفاً . ونلاحظ في هذا التقسيم أنّ المضاعف هو 3 الذي كان في الحساب الأوّل .
وفي فرضنا أيضاً أن يُحذف المضاعف 18 وتُقسّم الجمال السبعة عشر بنسبة 2 و6 و. 9 وهي تشبه تماماً عمليّة تقسيم المصاحف الستمائة بنسبة 2 و. 4 وحينئذً يجب أن نجمع هذين العددين ، فنقول : 4+6 2 ، ثمّ نقسّم (600) على المجموع ونضربه في كلّ عدد :6006*400 4 ، . 200 2 6006 أمّا في التقسيم بنسبة 14 و12 مع التقسيم بنسبة 2 و4 ، فإنّنا نلاحظ فرقاً هو أنّه في حالة الكسور مثل 14 و 21 يكون العدد الكسري 12 أكبر من 14 ، وفي حالة العدد الصحيح مثل 2 و4 ، يكون العدد 4 أكبر من العدد . 2 ولكن لا فرق بينهما في كيفيّة التقسيم . وإذا كان العدد صحيحاً ، تقسّم الصورة عليهم . وإذا كان كسرياً ، فلابدّ من استخراج مضاعف مشترك له ، وتبديله بعدد صحيح ، ثمّ تقسيمه .
قال فرهاد ميرزا في شرح «خلاصة الحساب» للشيخ بهاء الدين العامليّ : جاء في «زهر الربيع» للسيّد نعمة الله الجزائريّ أنّ يهوديّاً أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وقال : هات لي عدداً يكون نصفه وثلثه وربعه وخمسه وسدسه وسبعه وثمنه وتسعه صحيحاً وليس فيه كسر . فقال الإمام : أَوَ تؤمن إذا ذكرتُ لك عدداً ؟!
قال : نعم ! فقال له الإمام : اضْرِبْ أَيّامَ أُسْبُوعِكَ فِي أَيّامِ سِنَتِكَ ! (38) ولمّا ضرب اليهوديّ ، ورأى الناتج صحيحاً ، ليس فيه كسر ، أسلم . وقال الشيخ البهائيّ في كشكوله في العثور على عدد صحيح يقبل القسمة على الكسور التسعة : قال شارح «النهاية» :
إنّ عَلِيّاً سُئِلَ عَنْ مَخْرَجِ الكُسُورِ التّسْعَةِ ، فَقَالَ لِلسّائِلِ : اضْرِبْ أَيّامَ أُسْبُوعِكَ فِي أَيّامِ سَنَتِكَ . (39)
وتوضيح هذه المسألة هو أنّنا إذا أردنا أن نجد عدداً نصفه عدد صحيح ... وتسعه عدد صحيح ، فلابدّ من استخراج مضاعف مشترك لهذه الأعداد . وأنّ أسهل طريق وأقلّ عدد هو أن نستخرج أصغر مضاعف مشترك لهذه الأعداد ، أي : نطبّق قاعدة التماثل والتوافق والتداخل والتباين بين العدد 2 ، و3 ، و4 ، و5 ، و6 ، و7 ، و8 ، و9 ونختار واحداً من بين المتماثلين منها ، ونختار الأكبر في المتداخلين ، ونضرب أحدها في ما يوافقه في المتوافقين . وفي المتباينين نضرب العددين في أنفسهما . وإذا طبّقنا ذلك ، فسيكون لدينا أصغر مضاعف مشترك هو العدد . 2520 وهو العدد الذي ذكره الإمام ، لأنّنا إذا ضربنا عدد أيّام الأُسبوع في عدد أيّام السنة (360) ، فإنّ النتاتج هو 2520 ( 7*2520 360 ) .
وجاء في «خلاصة الحساب» أنّ اللطيف هنا هو أنّ هذا أصغر مضاعف مشترك ، أي : يحصل مخرج الكسور التسعة من ضرب أيّام الشهر في عدّة الشهور ، والحاصل في أيّام الأُسبوع : (30*12) * 2520 7 أو من ضرب مخارج الكسور التي فيها حرف العين بعضها في بعض ، أي : الربع والسبع والتسع والعشر : 4 * 7 * 9 * 2520 10. (40)
معلوم أنّ هذه المسألة ليست من المسائل الرياضيّة العويصة ، بل هي من أبسط المسائل ، ولكنّ الكلام يدور حول سرعة بداهة أمير المؤمنين في جوابه ، إذ أجاب على الفور بالعدد 2520 ـ الذي هو حاصل ضرب 7 * 360 ـ دون الرجوع إلى عمليّة حسابيّة .
فالإمام بجوابه كالحاسب الإلكترونيّ ، فهو الإعجاز ولا غير ذلك .
وهذا الحل كحلّ المسألة السابقة إذ قسّم الإمام الجمال السبعة عشر بنسبة 12 و13 و 19 فوراً ، دون الرجوع إلى أيّة عمليّة حسابيّة ، وكان التقسيم بعبارة سهلة يسيرة أرضت الثلاثة . (لأنّهم يحسبون أنّ كلّ واحد منهم أخذ أكثر من حصّته والمقدار الذي أراده) وما هذه العمليّة إلّا عمليّة شبيهة بعمل الحاسب الإلكترونيّ .
ذكر المسعوديّ في «مروج الذهب» أنّ أمير المؤمنين دخل على بيت مال البصرة في جماعة من المهاجرين والأنصار (بعد حرب الجمل) . فنظر إلى ما فيه من العين والورق ، فجعل يقول : يَا صَفْرَاءُ غُرّي غَيْرِي ! [ وَيَا بَيْضَاءُ غُرّي غَيْرِي ] . وأدام النظر إلى المال مفّكراً ؛ ثمّ قال : أقسموه بين أصحابي ومن معي خمسمائة (درهم) ، خمسمائة (درهم) ! ففعلوا فما نقص درهم واحد ، وعدد الرجال اثنا عشر ألفاً . (41)
ويمكن أن يكون هذا التقسيم قد جرى عن طريق الحساب ، فيما إذا كان مقدار الذهب والفضّة ستّة ملايين درهم . وهذا المبلغ كان معلوماً عند الإمام . ويمكن أن يكون التقسيم المذكور من قضاياه الإعجازيّة فيما إذا كان حسابهم غير معيّن ، وعيّن الإمام حصّة مرافقيه وأصحابه بواسطة علم الغيب .
وهذه القضيّة كالقضيّة التي وقعت للإمام في أوّل خلافته ، إذا أمر بإعطاء كلّ مسلم ثلاثة دنانير .
وروى ابن شهرآشوب عن عمّار بن ياسر ، قال : لمّا صعد عليّ المنبر (في أوّل خلافته) ، قال لنا : قُومُوا فَتَخَلّلُوا الصّفُوفَ ، وَنَادُوا هَلْ مِنْ كَارِهٍ ؟! فتصارخ الناس من كلّ جانب : اللَهُمّ قَدْ رَضِينَا وَأَسْلَمْنَا وَأَطَعْنَا رَسُولَكَ وَابْنَ عَمّهِ !
فقال : يا عمّار ! قم إلى بيت المال ، فأعط الناس ثلاثة دنانير لكلّ إنسان ، وارفع لي ثلاثة دنانير ! فمضى عمّار وأبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال . ومضى أمير المؤمنين إلى مسجد قبا يصلّي فيه . فوجدوا فيه ثلثمائة ألف دينار ، ووجدوا الناس مائة ألف .
فقال عمّار : جَاءَ وَاللَهِ الحَقّ مِنْ رَبّكُمْ ! وَاللَهِ مَا عَلِمَ بِالمَالِ ، وَلَا بِالنّاسِ ؛ وَإنّ هَذِهِ لَآيَةٌ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ بِهَا طَاعَةُ هَذَا الرّجُلِ . فَأَبَى طَلْحَةُ وَالزّبَيْرُ وَعَقِيلُ أَنْ يَقْبَلُوهَا ـ القصّة . (42)
فقارنوا علم إمام الشيعة وفهمه ودرايته بفهم إمام العامّة الخليفة الثاني وعلمه ودرايته ، إذ لم يعرف مفهوم العدد ثمانمائة ألف ومعناه ، مع أنّه لم يُستعمل فيه جمع ولا ضرب ولا تقسيم !
يقول ابن أبي الحديد : يقول أبو هريرة : قدمتُ على الخليفة الثاني من عند أبي موسى الأشعريّ بثمانمائة ألف درهم . فقال لي : بماذا قدمتَ ؟! قلتُ : بثمانمائة ألف درهم ! فجعل يعجب ويكرّرها . إلى أن قال : وَيْحَكَ ثَمَانْمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ !
فعددتُ مائة ألف ، ومائة ألف ، حتّى بلغت ثمانمائة ألف
فاستعظم ذلك ـ الخبر .
***المسألة المنبريّة
ذكر ابن شهرآشوب عن كتاب «فضائل عليّ بن أبي طالب» لأحمد بن حنبل أنّه قال : قال عبد الله : إنّ أعلم أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب . وقال الشّعْبِيّ : مَا رَأَيْتُ أَفْرَضَ مِنْ عَلِى ّ وَلَا أَحْسَبَ مِنْهُ ، وَقَدْ سُئِلَ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ : عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ ؛ كَمْ نَصِيبُ المَرْأَةِ ؟!
فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ : صَارَ ثَمَنُهَا تُسْعاً . فَلُقّبَتْ بِالمَسْأَلَةِ المِنْبَرِيّةِ .
ثمّ قال ابن شهرآشوب : شرح ذلك للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن عالت الفريضة فكان لها ثلث من أربعة وعشرين ثمنها . فلمّا صارت إلى سبعة وعشرين صار عنها تسعاً ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها . ويبقى أربعة وعشرون للابنتين ستّة عشر ، وثمانية للأبوين سواء .
قال هذا على الاستفهام أو على قولهم : صار ثمنها تسعاً أو على مذهب نفسه أو بيّن كيف يجي‏ء الحكم على مذهب من يقول بالعول . فبيّن الجواب والحساب والقسمة والنسبة . (43)
إنّ مراد ابن شهرآشوب من كلامه الأخير هو أنّ العول باطل بإجماع الشيعة . أي : لا نقص في سهم الزوجة عند زيادة سهام الفريضة ، فتُعطى ثمناً ، ويُعطي الأبوان ثلثاً . وهو ثمانية سهام من أربعة وعشرين قسماً . والباقي سهم البنتين ، وهو ثلاثة عشر سهماً من أربعة وعشرين قسماً .
مجموع سهام الزوجة والأبوين : 18+324 13+ . 1124 824
مجموع سهام البنتين : 2424ـ . 1324 1124
وأمّا العامّة . فإنّهم يزيدون الفريضة وينقصون من الجميع بالنسبة في ضوء زيادة سهام الفريضة . ولذا فهم يأخذون الفريضة في هذا المثال من العدد (27) . فيعطون الزوجة ثلاثة سهام منه ، والأبوين ثمانية ، والبنتين ستّة عشر .
وأجاب أمير المؤمنين بهذا الجواب : صَارَ ثُمْنُهَا تُسْعاً على مذاق العامّة ، وليس هو الجواب الحقيقيّ . (44) ودليلنا هنا هو أنّ جوابه البديهيّ أمر عجيب حتّى قال ابن أبي الحديد : لو فكّر الفرضيّ فيها فكراً طويلاً ، لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب . فما ظنّك بمن قاله بديهة واقتضبه ارتجالاً . (45)
وحتّى عدّها محمّد بن طلحة الشافعيّ في كتاب «مطالب السؤول» أعلى من عقول أولي الألباب ، وقال : وفي استحضار هذا الجواب ما لا يعقل لعقول أوُلي الألباب إليه . ويسجّل بأنّه ممّن آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب . (46)
وذكر محمّد بن طلحة الشافعيّ أيضاً أنّ من علوم أمير المؤمنين المعجزة المسألة الديناريّة . وشرحها : أنّ امرأة جاءت إليه وقد خرج من داره ليركب ، فترك رجله في الركاب ، فقالت : يا أمير المؤمنين ! إنّ أخي قد مات وخلّف ستمائة دينار ، وقد دفعوا إليّ من ماله ديناراً واحداً . وأسالك إنصافي وإيصال حقيّ إليّ .
فقال لها أمير المؤمنين : خلّفكِ أخوكِ بنتين ؟! فقالت : نعم ! قال : لهما الثلثان أربعمائة [ دينار ] . وخلّف أُمّاً ؟ قالت : نعم ! قال : لها السدس مائة [ دينار ] . وخلّف زوجة ؟ قالت : نعم ! قال : لها الثمن خمس وسبعون [ ديناراً ] . وخلّف معك اثني عشر أخاً ؟ قالت : نعم ! قال : لكلّ أخ ديناران . ولكِ دينار . فقد أخذتِ حقّك ! فانصرفي !
ثمّ ركب لوقته [ومضى‏] . فسميّت هذه المسألة بالمسألة الديناريّة باعتبار ذلك . (47) ولو سُميت : الركابيّة ، لكان أنسب .
وأجاب الإمام هنا على مذهب العامّة أيضاً . أي : مذهب التعصيب . والتعصيب باطل عند الشيعة بإجماع الأئمّة المعصومين . ومعنى التعصيب هو أخذ العصبة ما زاد عن السهام المفروضة ، أي أنّ مقدار الفريضة وما ترك الميّت أكثر من السهام المفروضة . والعامّة يعطون العَصَبة الزيادة المذكورة ، أي : سائر أرحام الميّت الذين ليست لهم درجة الورّاث ، ولهذا سمّي : التعصيب . وكما ذكر مقدار السهام في الرواية المشار إليها على هذا الأساس ، إذ بعد أن ترث البنتان والأُمّ وهنّ في الدرجة الأُولى ، وكذلك الزوجة ، يُعطى الإخوة والأخوات بقيّة المال ، وهو خمسة وعشرون ديناراً .
ولكن ـ بناء على الروايات الثابتة الموثوقة وإجماع أهل البيت ـ ينبغي أن يعطى المقدار الزائد للأشخاص الذين هم في هذه الدرجة ما عدا الزوجة والأُمّ اللتين فرض لهما سهمان مختلفان (للزوجة الثمن والربع ، وللأُمّ السدس والثلث) . وفي هذا المثال ، يعود المال المضاف إلى البنتين فحسب . وتأخذ الزوجة سهمها وهو خمسة وسبعون ديناراً أي : ثمن المبلغ ، وكذلك تأخذ الأُمّ سهمها ، وهو مائة دينار ، أي : سدس المبلغ ، ويقسم المال الباقي على البنتين بالسّويّة فرضاً وردّاً . وأولئك يأخذون أربعمائة دينار وهو سهمهم المفروض ، ويعطوا خمسة وعشرين ديناراً أيضاً ردّاً . وفي ضوء ذلك يرث كلّ واحد منهم مائتين واثني عشر ديناراً ونصف الدينار . ولا يصل منه شي‏ء إلى الأُخت والإخوة . نكرّر ونقول إنّ هدفنا من ذكر المسألة الديناريّة لبيان مدى تبحّر الإمام وتمكّنه وإحاطته العميقة وعلمه الذي لا يتناهى ، إذ كان ملمّاً بأُمور الإرث ومقاديره وكيفيّة التسهيم وعدد الورّاث بشتّى درجات قرابتهم كالبنات والأُمّ ، والإخوة والأُخت ، حتّى أنّه أجاب جواباً تامّاً في لحظة قصيرة تساوي ركوب الراكب ناقته ، وإن كانت حقيقة هذا الجواب لا تنطبق على رأيه وفتواه . فقد كان يعمل بما تتطلّبه المصالح العامّة ، وما يستلزمه النظم ، وكان يعرض الموضوع في كثير من الحالات وفقاً لآراء الحكّام السابقين وفتاواهم .
روى أبو شعيب المحامليّ عن الإمام الصادق قال : سألته عن رجل قبل رجلاً أن يحفر له [ بئراً ] عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ، ثمّ عجز . فقال تقسّم عشرة على خمسة وخمسين جزءاً فما أصاب واحداً فهو للقامة الأُولى ، الاثنان للثانية ، والثلاثة للثالثة ، وعلى هذا الحساب إلى العشرة . (48)
وتوضيح هذه المسألة هو أنّه لمّا كان حفر القامة الثانية يعادل في صعوبته حفر الأُولى ضعفين ، وكان حفر الثالثة ثلاثة أضعاف حفر الأُولى ، وحفر القامات الأُخرى على هذا المنوال ، حتّى يصل إلى القامة العاشرة التي يبلغ حفرها عشرة أضعاف ، لذلك ينبغي أن تقسّم الدراهم العشرة بهذه النسبة .
1 + 2 + 3 + 4 + 5 + 6 + 7 + 8 + 9 + . 55 1 0
ويعطى الشخص الذي حفر قامة واحدة جزءاً من خمسة وخمسين جزء من عشرة دراهم ، ولا يعطى درهماً واحداً على أساس تقسيم الدراهم العشرة على القامات العشر ، ذلك أنّ حفر القامات السفلى أكثر صعوبة .
ويكون هذا فيما لو كانت حزونة الأرض في القامات العشر على السواء . وأمّا في حال اختلاف هذه الحزونة بعض الأماكن من طبقات الأرض ، فسيكون حكمها مختلفاً .
وقال أمير المؤمنين في حديث الأربعمائة : وَلَا يَبُلْ أَحَدُكُمْ عَلَى سَطْحِ الهَوَاءِ ، وَلَا فِي مَاءٍ جَارّ ، فَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ شَي‏ءٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ ؛ فَإنّ لِلْمَاءِ أَهْلاً وَلِلْهَوَاءِ أَهْلَاً . (49)
وثبت اليوم أنّ في الماء والهواء كائنات حيّة ، بخاصّة في الماء الجاري . والبول فيه يؤذيها أو يقضي عليها . فلهذا يُكره البول في الماء والهواء .
ونقرأ في دعاء الإمام السجّاد على أعداء الإسلام والمعتدين على حرمته قوله : اللَهُمّ امْزُجْ مِياهَهَمْ بِالوَبَاء . (50)
وثبت اليوم أنّ جرثومة الوباء تعيش في الماء . وهذا الكلام الذي نطق به الإمام كان قبل اكتشاف الجراثيم ، سواء في الماء أم في الهواء . وكلامه ككلام جدّه أمير المؤمنين الذي حدّثنا عن وجود السكّان في الماء والهواء نقلاً عن مصدر النبوّة .
روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ والشيخ الطوسيّ بسنديهما المتّصلين عن الأصبغ بن نُباتة أنّه قال : سئل أمير المؤمنين عن رجل ضرب رجلاً على هامته ؛ فادّعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً ولا يشمّ الرائحة ، وأنّه قد ذهب لسانه .
فقال أمير المؤمنين : إن صدق ، فله ثلاث ديات . فقيل : يا أمير المؤمنين ! وكيف يعلم أنّه صادق ؟ فقال : أمّا ما ادّعاه أنّه لا يشمّ الرائحة ، فإنّه يدنى منه الحراق (مادّة حادّة كالفلفل وماء البصل وأمثالهما) فإن كان كما يقول وإلّا نحّى رأسه ودمعت عينه .
وأمّا ما ادّعاه في عينه ، فإنّه يقابل بعينه الشمس ، فإن كان كاذباً ، لم يتمالك حتّى يغمّض عينه . وإن كان صادقاً ، بقيتا مفتوحتين .
وأمّا ما ادّعاه في لسانه ، فإنّه يضرب على لسانه بإبرة ، فإن خرج الدم أحمر ، فقد كذب ، وإن خرج الدم أسود ، فقد صدق . (51)
وروى الكلينيّ والشيخ هذا الحديث عن الأصبغ كما مرّ ذكره ، ولكنّ الكلينيّ رواه في بعض نسخ «الكافي» مرفوعاً ، وقال : عليّ بن إبراهيم رفعه قال : سئل . فلهذا اعتمد صاحب «وسائل الشيعة» على هذه النسخة ، وذكره مرفوعاً . ورواه عن الشيخ مسنداً عن الأصبغ ، كما في ذيله . (52)
وذكره صاحب «مستدرك الوسائل» مرسلاً عن «بحار الأنوار» عن كتاب «مقصد الراغب» ضمن قضايا أمير المؤمنين . (53)
وروى الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن أبان بن عثمان ، عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، كما روى الشيخ الطوسيّ عن الحسين بن سعيد ، عن فُضالة ، عن أبان ، عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أنّه قال : أُصيبت عين رجل وهي قائمة ، فأمر أمير المؤمنين ، فربطت عينه الصحيحة . وأقام رجل بحذاه ، بيده بيضة يقول : هل تراها ؟! قال : فجعل إذا قال : نعم ! تأخّر قليلاً ، حتّى إذا خفيت عليه ، علّم ذلك المكان ، قال : وعصبت عينه المصابة . وجعل الرجل يتباعد ، وهو ينظر بعينه الصحيحة ، حتّى إذا خفيت عليه ؛ ثمّ قيس ما بينهما ، فُأعطي الأرش على ذلك . (54)
وذكر الشيخ النوريّ في «مستدرك الوسائل» عن كتاب «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين أنّه قال : إذا ضرب الرجل ، فذهب سمعه كلّه ، ففيه الدية كاملة . فإن اتّهم ، ضُرب له بالشي‏ء الذي له صوت بقربه من حيث لا يراه ولا يعلم به ، ويُتَغَفّل بذلك ، وبالصوت والكلام ، حتّى يوقف على ذهابه سمعه . (55)
وكذلك روى في مستدركه عن كتاب «الجعفريّات» بسنده المتّصل عن أمير المؤمنين أنّه قضى في رجل ضُرب فذهب بعض سمعه ، فقال عليّ : تمسك أُذنه المصابة ، ثمّ ترسل الصحيحة ، ثمّ ينقر له بالدرهم حتّى إذا بلغ مداه قاسوه وحسبوه كم ذراع .
ثمّ يقلب إلى الجانب الآخر ، ثمّ ينقر له بالدرهم ، حتّى إذا انتهى إلى مداه ، قاسوه وحسبوه كم ذراع هو . ثمّ ينظرون هل هو سواء ، صُدّق . وإن لم يكن سواء ، اتّهم . فإن جاء سواء ، أمسكوا الصحيحة ، ثمّ أرسلوا المصابة ، ثمّ نقر له بالدرهم ، حتّى إذا بلغ مداه ، قاسوه وحسبوه . فإن جاء سواء ، صُدّق (وإلّا اتّهم) . ثمّ يجعلون الدية على قدر الأذرع ، (56) فيعطونه على قدر ما نقص من سمعه . (57)
وروى الشيخ الطوسيّ عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة أنّ أمير المؤمنين قضى في رجل ضرب غلاماً على رأسه فذهب بعض لسانه ، وأفصح ببعض الكلام ، ولم يفصح ببعض . فأقرأه المعجم ، فقسّم الدية عليه . فما أفصح به طرحه ، وما لم يفصح به ألزمه إيّاه . (58)
ونقل السيّد ابن طاووس عن «مجموع» محمّد بن حسين المرزبان أنّ عمر أُتيَ برجل قد ضربه آخر بشي‏ء فقطع من لسانه قطعة قد أفسدت بعض كلامه . فلم يدر [ عمر ] ما فيه ! فَحَكَمَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنْ يُنْظَرَ مَا أُفْسِدَ مِنْ حُرُوفِ ا ب‏ ت‏ ث‏ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفاً ؛ فَتُؤْخَذَ مِنَ الدّيَةِ بِقَدْرِهَا . (59)
وروى الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن سليمان الدهّان ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله قال : إنّ عثمان أتاه رجل من قيس بمولى له (عتيق ـ حليف ـ شريك) قد لطم عينه ، فأنزل الماء فيها ، وهي قائمة ليس يبصر بها شيئاً .
فقال له : أُعطيك الدية . فأبى [ المضروب وأصرّ على القصاص ] قال : فأرسل بهما (إنّ عثمان لم يعرف كيف يقتصّ ، إذ إنّ عينه الظاهرة صحيحة ، ولكن ذهب نورها) إلى عليّ ، وقال : احكم بين هذين ! فأعطاه الدية ، فأبى ، [ وزاد فيها ] فلم يزالوا يعطونهم حتّى أعطوه ديتين ، قال : فقال : ليس أُريد إلّا القصاص .
[ قال الإمام الصادق ] : فدعا عليّ بمرآة ، فحماها ، ثمّ دعا بكرسف فبلّه ، ثمّ جعله على أشفار عينيه ، وعلى حواليها ، ثمّ استقبل بعينه عين الشمس . قال : وجاء بالمرآة فقال : انظر ، فنظر ، فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة ، وذهب البصر . (60)
قال المجلسيّ رضوان الله عليه في شرح هذا الحديث : قال الشيخ في «النهاية» : جعل القطن المبلول على أشفار عينيه لئلّا تحترق . وقول الإمام الصادق : ثمّ استقبل بعينه الشمس . ظاهر أنّه يجعل الرجل مواجه الشمس لا المرآة ، كما ذكره في «التحرير» . وظاهر بعضهم جعل المرآة مواجهة الشمس ، ولعلّه أوفق بالتجربة [ إذ تجعل المرآة مواجهة للشمس ، ويقال للرجل : انظر في المرآة ] .
قال في «الروضة» : ولو ذهب ضوء العين مع سلامة الحدقة ، قيل : في الاقتصاص منه طرح على الأجفان قطن مبلول ، ويقابل بمرآة محماة مواجهة الشمس ، بأن يكلّف النظر إليها حتّى يذهب الضوء .
والقول باستيفاء القصاص على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب . ومستنده رواية رفاعة . وإنّما حكاه [ في «الروضة» ] قولاً (قيل في ذلك) للتنبيه على عدم دليل يفيد انحصار الاستيفاء فيه ، بل يجوز بما حصل الغرض من إذهاب البصر ، وإبقاء الحدقة بأيّ وجه اتّفق . (61)
وقال ابن شهرآشوب : وقضى أمير المؤمنين في رجل ضُرب على صدره فادّعى أنّه نقص نَفَسه ، فقال : إنّ النّفَسَ يكون في المنخر الأيمن ، وفي الأيسر ساعة . فإذا طلع الفجر يكون في المنخر الأيمن إلى أن تطلع الشمس ، فاقعد المدّعي من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس وعدّ أنفاسه . واقعد رجلاً في سنّه يوم الثاني من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وعدّ أنفاسه . ثمّ أعْطِي المصاب بقدر ما نقص من نفسه عن نَفَس الصحيح . (62)
وذكر الشيخ المفيد في «الإرشاد» أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين فقال : إنّه كان بين يدي تمر ، فبدرت زوجتي ، فأخذت منه واحدة فألقتها في فيها . فحلفتُ إنّها لا تأكلها ولا تلفظها . فماذا أفعل لأبرّ قسمي ؟ (إذ إنّ زوجتي ما زالت تمسك التمرة في فيها) .
فقال : تأكل نصفها وترمي نصفها . وقد تخلّصت من يمينك . (63)
وروى المجلسيّ عن حفص بن غالب مرفوعاً قال : بينما رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطّاب إذ مرّ بهما عبد مقيّد ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأتي طَالِقٌ ثَلاثاً . (64) فحلف الآخر بخلاف مقاله يعني [ إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثاً ] .
[ ولمّا كان مولى هذا العبد قد قيّده لما فعله ، فقد جاءه ] وسأله أن يحلّ قيده ، حتّى يعرف وزنه [ ويتبيّن أيّ القسمين صحيح وأيّهما خطأ . إذ إنّ قسمه خطأ لطلاقه زوجته ثلاثاً ] ، فأبى المولى [ أن يحلّه ] ، فارتفعا إلى عمر ، فقال لهما : اعتزلا نساءكما ! وبعث إلى أمير المؤمنين ، وسأله عن ذلك .
[ فقال : ما أهون ذلك ! ] ثمّ دعا بإجّانة ، فأمر الغلام أن يجعل رجله فيها ثمّ أمر أن يصبب الماء حتّى غمر القيد والرّجل . ثمّ عَلّمَ في الإجّانة علامة ، وأمره أن يرفع قيده عن ساقه [ حتّى يخرج من الماء ، وتبقى الرجلان فقط في الماء ، ثمّ أمر أن يعلّم محلّ تراجع الماء ] فدعا بالحديد فوضعه في الإجّانة حتّى تراجع الماء إلى موضعه . ثمّ أمر أن يوزن الماء فوزن فكان وزنه بمثل وزن القيد وأخرج القيد فوزن فكان مثل ذلك ، فعجب عمر . (65)
وروى الشيخ الطوسيّ عن الحسين بن سعيد ، عن بعض الأصحاب يرفعه إلى أمير المؤمنين في رجل حلف أن يزن الفيل فأتوه به ، فقال : وَلِمَ تَحْلِفُونَ بِمَا لَا تُطِيقُونَ ؟! قال : قد ابتليتُ .
فأمر [ أمير المؤمنين ] بقُرْقور (66) فيه قصب ، فأخرج منه قصب كثير . ثمّ علم صبغ الماء بقدر ما عرف صبغ الماء قبل أن يخرج القصب ، ثمّ صيّر الفيل فيه حتّى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء أوّلاً . ثمّ أمر أن يوزن القصب الذي أُخرج ، فلمّا وزن ، قال : هذا وزن الفيل . (67)

وروى الكلينيّ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض الأصحاب ، كما روى الشيخ الطوسيّ عن عليّ بن مهزيار ، عن إبراهيم بن عبد الله ، وروى الشيخ الصدوق ، وكلّهم رووا عن أبان بن عثمان ، عن رجل أخبره ، عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام ، قال : أُتي عمر بن الخطّاب برجل قتل أخا رجل ، فدفعه إليه ، وأمره بقتله ، فضربه الرجل حتّى رأى أنّه قد قتله ، فحُمل إلى منزله ، فوجدوا به رمقاً ، فعالجوه حتّى برئ .
فلمّا خرج (من المنزل) ، أخذه أخو المقتول فقال : أنت قاتل أخي ! ولي أن أقتلك ! فقال له : قد قتلتني مرّة ! فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله ، فخرج وهو يقول : يا أيّها الناس ! قد والله قتلني . فمرّوا به إلى أمير المؤمنين ، فأخبر خبره ، فقال : لا تعجل عليه حتّى أخرج إليك ! فدخل على عمر ، فقال : ليس الحكم فيه هكذا !
فقال [ عمر ] : مَا هُوَ يَا أَبَا الحَسَنِ ؟!
فقال [ الإمام ] : يَقْتَصّ هَذَا مِنْ أَخِي المَقْتُولِ الأَوّلِ مَا صَنَعَ بِهِ ؛ ثُمّ يَقْتُلُهُ بِأَخِيهِ .
فنظر أنّه إن اقتصّ منه ، أتى على نفسه ، فعفا عنه وتتاركا .
ونقل ابن شهرآشوب هذه الواقعة عن أحمد بن عامر بن سليمان الطائيّ ، عن الإمام الرضا بالنحو الآتي : أقرّ رجل بقتل ابن رجل من الأنصار ، فدفعه عمر إليه ليقتله به فضربه ضربتين بالسيف حتّى ظنّ أنّه هلك . فحُمل إلى منزله وبه رمق فبرئ الجرح بعد ستّة أشهر . فلقيه الأب وجرّه إلى عمر . فدفعه إليه عمر . فاستغاث الرجل إلى أمير المؤمنين . فقال لعمر : ما هذا الذي حكمت به على هذا الرجل ؟!
فقال [ عمر ] : النّفْسُ بِالنّفْسِ . قال [ الإمام ] : أَلَمْ تَقْتُلْهُ مَرّةً ؟ ! قال [ عمر ] : قد قتلته ثمّ عاش !
قال [ الإمام ] : فَتُقِتَلُ مَرّتَيْنِ ؟! فبهت [ عمر ] ، ثمّ قال : فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ .
فخرج [ الإمام ] ، فقال للأب : ألم تقتله مرّة ؟! قال : بلى ! فيبطل دم ابني ؟! قال : لا ! ولكنّ الحكم أن تدفع إليه ، فيقتصّ منك مثل ما صنعتَ به ، ثمّ تقتله بدم ابنك ! قال : هُوَ وَاللَهِ المَوْتُ وَلَابُدّ مِنْهُ . قال [ الإمام ] : لَابُدّ أَنْ يَأْخُذَ بِحَقّهِ . قال : فَإنّي قد صفحت عن دم ابني ، ويصفح لي عن القصاص .
فكتب [ أمير المؤمنين ] بينهما كتاباً بالبراءة . فرفع عمر يده إلى السماء ، وقال : الحَمْدُ لِلّهِ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الرّحْمَةِ ، يَا أَبَا الحَسَنِ ! ثُمّ قَالَ : لَوْلَا عَلِيّ لَهَلَكَ عُمَرُ . (68)
وكذلك نقل ابن شهرآشوب عن تفسير «روض الجنان» لأبي الفتوح الرازيّ قال : حضر عند عمر بن الخطّاب أربعون نسوة وسألنّه عن شهوة الآدميّ . فقال : للرجل واحد وللمرأة تسع . فقلن : ما بال الرجال لهم دوام ومتعة وسراري بجزء من تسعة ولا يجوز لهنّ إلّا زوج واحد مع تسعة أجزاء ؟ فأُفحم . فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين .
فأمر أن تأتي كلّ واحدة منهنّ بقارورة من ماء ، وأمرهنّ بصبّها في إجّانة . ثمّ أمر كلّ واحدة منهنّ أن تعرّف ماءها ؟ فقلن : لا يتميّز ماؤنا ! فأشار أن لا يفرّقن بين الأولاد ، وإلّا لبطل النسب والميراث . وفي رواية يحيى بن عقيل أنّ عمر قال : لَا أَبْقَانِيَ اللَهُ بَعْدَكَ يَا عَلِيّ ! (69)
وروى ابن شهرآشوب أيضاً أنّ امرأة جاءت إلى عمر ، فقالت :
مَا تَرَى أَصْلَحَكَ اللَهُ
وَأَثْرَى لَكَ أَهْلَا
فِي فَتَاةٍ ذَاتِ بَعْلٍ
أَصْبَحَتْ تَطْلُبُ بَعْلَا
بَعْدَ إذْنٍ مِنْ أَبِيها
أَتَرَى ذَلِكَ حِلّا
فأنكر ذلك السامعون [ واستقبحوه ] . فقال [ لها ] أمير المؤمنين : أحضريني بعلكِ ، فأحضرته ، فأمره بطلاقها ، ففعل ، ولم يحتجّ لنفسه بشي‏ء . فقال : إنّه عِنّين . (70) فأقرّ الرجل بذلك . فأنكحها رجلاً من غير أنّ تقضي عدّة . (71)
[ وقال ] أبو بكر الخوارزميّ : إذَا عَجَزَ الرّجَالُ عَنِ الامْتَاعِ (الإيقاع في نسخة بدل) فتطليق الرجال إلى النساء . (72)
وقال ابن شهرآشوب أيضاً : قضى أمير المؤمنين في امرأة محصنة (73) فجر بها غلام صغير ، فأمر عمر أن ترجم ، فقال : لا يجب الرجم إنّمَا يَجِبُ الحَدّ ، لِأَنّ الّذِي فَجَرَ بِهَا لَيْسَ بِمُدْرِكٍ . (74)
وذكر أيضاً أنّ عمر أمر برجل يَمَنيّ محصن فجر بالمدينة أن يرجم ، فقال أمير المؤمنين : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرّجْمُ لِأَنّهُ غَائِبٌ عَنْ أَهْلِهِ ؛ وَأَهْلُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ ؛ إنّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الحَدّ . فقال عمر : لَا أَبْقَانِيَ اللَهُ لِمُعْضلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبُو الحَسَنِ . (75)
وكذلك روى ابن شهرآشوب عن عمرو بن شعيب والأعمش وأبي الضحى والقاضي وأبي يوسف ، عن مسروق أنّ عمر أُتي بامرأة أُنكحت في عدّتها ، ففرّق بينهما ، وجعل صداقها في بيت المال ، وقال : لا أُجيز مهراً رُدّ نكاحه ، وقال : لا تجتمعان أبداً .
فبلغ عليّاً فقال : وَإنْ كَانُوا جَهِلُوا السّنّةَ لَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا وَيُفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَإذَا انْقَضَتْ عِدّتُهَا فَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الخُطّابِ . (76) فَخَطَبَ عُمَرُ النّاسَ ، فَقَالَ : رُدّوا الجَهَالَاتِ إلَى السّنّةِ . وَرَجَعَ عُمَرُ إلَى قَوْلِ عَلِيّ . (77)
ومن ذلك ذكر الجاحظ عن النّظام في كتاب «الفتيا» ما ذكر عمرو بن داود عن الصادق ، قال : كان لفاطمة جارية يقال لها فِضّة ، فصارت من بعدها لعليّ فزوّجها من أبي ثَعْلَبَة الحَبَشِيّ فأولدها ابناً ، ثمّ مات عنها أبو ثعلبة . وتزوّجها من بعد أبو مليك الغطفانيّ ؛ ثمّ توفّي ابنها من أبي ثعلبة ، فامتنعت من أبي مليك أن يقربها . فاشتكاها إلى عمر ، وذلك في أيّامه . فقال لها عمر : ما يشتكي منك أبو مليك يا فضّة ؟ فقالت : أنت تحكم في ذلك وما يخفى عليك !
قال عمر : ما أجد لك رخصة !
قالت : يا أبا حفص ! ذهب بك المذاهب أنّ ابني من غيره مات ، فأردت أن أستبرئ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضت ، علمت أنّ ابني مات ولا أخ له ، وإن كنت حاملاً ، كان الولد في بطني أخوه .
فقال عمر : شَعْرَةٌ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ ، أَفْقَهُ مِنْ عَدِيّ . (78)
وكذلك روى ابن شهرآشوب عن عمرو بن داود ، عن [ الإمام ] الصادق أنّ عقبة بن أبي عقبة مات ، فحضر جنازته عليّ [ ] وجماعة من أصحابه ، وفيهم عمر . فقال عليّ [ ] لرجل كان حاضراً : إنّ عقبة لمّا توفّي ، حرمت امرأتك ، فاحذر أن تقربها !
فقال عمر : كُلّ قَضَايَاكَ يَا أَبَا الحَسَنِ عَجِيبٌ ؛ وَهَذِهِ مِنْ أَعْجَبِهَا ! يَمُوتُ الإنْسَانُ فَتَحْرُمُ عَلَى آخَرَ امْرَأَتُهُ !

فَقَالَ : نَعَمْ ! إنّ هَذَا عَبْدٌ كَانَ لِعَقَبَةَ ، تَزَوّجَ امْرَأَةً حُرّةً ، وَهِيَ اليَوْمَ تَرِثُ بَعْضَ مِيرَاثِ عَقَبَةَ . فَقَدْ صَارَ بَعْضُ زَوْجِهَا رِقّاً لَهَا . وَبُضْعُ المَرْأَةِ حَرَامٌ عَلَى عَبْدِهَا حَتّى تُعْتِقَهُ وَيَتَزَوّجَهَا .
فقال عمر : لِمِثْلِ هَذَا نَسْأَلُكَ عَمّا اخْتَلَفَنَا فِيهِ . (79)
وروى أيضاً عن الأصبغ بن نُباتة أنّ عمر حكم على خمسة نفر في زنا بالرجم ، فخطّأه أمير المؤمنين في ذلك . وقدّم واحداً فضرب عنقه ؛ وقدّم الثاني فرجمه ؛ وقدّم الثالث فضربه الحدّ ؛ وقدّم الرابع فضربه نصف الحدّ خمسين جلدة ؛ وقدّم الخامس فعزّره . فقال عمر : كيف ذلك ؟
فقال : أمّا الأوّل ، فكان ذمّيّاً زنى بمسلمة ، فخرج عن ذمّته . وأمّا الثاني ، فرجل محصن زنى ، فرجمناه . وأمّا الثالث ، فغير محصن ، فضربناه الحدّ . وأمّا الرابع ، فعبد زنى فضربناه نصف الحدّ . وأمّا الخامس ، فمغلوب على عقله مجنون ، فعزّرناه . فقال عمر : لَا عِشْتُ فِي أُمّةٍ لَسْتَ فِيهَا يَا أَبَا الحَسَنِ ! (80)
وروى ابن شهرآشوب أيضاً عن كتابَي أبي القاسم الكوفيّ والقاضي نعمان ، عن عمر بن حمّاد بإسناده عن عبادة بن الصامت قال : قدم قوم من الشام حجّاجاً ، فأصابوا أدحى نعامة فيه خمس بيضات وهم محرمون ، فشووهنّ وأكلوهنّ . ثمّ قالوا : ما أرانا إلّا وقد أخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون ، فأتوا المدينة وقصّوا على عمر القصّة .
فقال : انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله فاسألوهم عن ذلك ليحكموا فيه . فسألوا جماعة من الصحابة ، فاختلفوا في الحكم في ذلك .
فقال عمر : إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنّا أُمرنا إذا اختلفنا في شي‏ء فيحكم فيه . فأرسل إلى امرأة يقال لها عطيّة ، فاستعار منها أتاناً ، فركبها ، وانطلق بالقوم معه حتّى أتى عليّاً وهو بَينْبُع . فخرج إليه عليّ فتلقّاه ، ثمّ قال له : هلّا أرسلتَ إلينا فنأتيك ؟ فقال عمر : الحَكَمُ يُؤْتَى فِي‏بَيْتِهِ .
فقصّ عليه القوم . فقال عليّ لعمر : مرهم فليعمدوا إلى خمس قلايص من الإبل فليطرقوها للفحل . فإذا أنتجت ، أهدوا [ إلى مكّة ] ما نتج منها جزاء عمّا أصابوا . فقال عمر : يَا أَبَا الحَسَنِ ! إنّ النّاقَةَ قَدْ تُجْهِضُ ؛ فَقَالَ عَلِيّ : وَكَذَلِكَ البَيْضَةُ قَدْ تَمْرَقُ . فقال عمر : فَلِهَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَكَ . (81)
وذكر محبّ الدين الطبريّ هذه القصّة في كتابيه : «ذخائر العُقبى» و«الرّياض النّضِرة» بالشكل الآتي : قال محمّد بن الزبير : دخلتُ مسجد دمشق . فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه من الكبر . فقلتُ : يا شيخ ! من أدركتَ (من أصحاب رسول الله) ؟! قال : عمر ! فقلتُ : فما غزوتَ معه ؟! قال : غزوتُ اليرموك !
قلتُ : فحدّثني شيئاً سمعته ! قال : خرجت مع فتية حجّاجاً ، فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا . فلمّا قضينا نسكنا ، ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر ، فأدبر ، وقال : اتبعوني ، حتّى انتهى إلى حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فضرب حجرة منها ، فأجابته امرأة . فقال : أثَمّ أبو حسن ؟! قالت : لا ، فمرّ في المقتاة . فأدبر ، وقال : اتبعوني ، حتّى انتهى إليه وهو يسوّي التراب بِيَدِهِ . فقال : مَرْحَبَاً يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! فقال [ عمر ] : إنّ هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم محرمون . فقال أبو الحسن : ألا أرسلتَ إلَيّ ؟! قال [ عمر ] : أنا أحقّ بإتيانك ! قال [ عليّ ] : يَضْرِبُونَ الفَحَلَ قَلَائِصَ (82) أَبْكَاراً بِعَدَدِ البَيْضِ ، فَمَا نَتَجَ مِنْهَا أَهْدَوْهُ . فقال عمر : فَإنّ الإبَلَ تُخْدِجُ ! (83) قَالَ عَلِيّ : وَالبَيْضُ يَمْرَضُ .
فقال عمر : اللَهُمّ لَا تُنْزِلْ بِي شَدِيدةً إلّا وَأَبُو الحَسَنِ إلَى جَنْبِي ! (84)
وجاء في السنّة أنّ المحرم إذا صاد نعامةً ، فعليه أن ينحر بَدَنَةً بمكّة . وهذه هي كفّارتها . وعلى مَن صاد بيض النعام أن يهدي قلوصاً كفّارة له . فلهذا كان عمر يتوقّع أن يقول أمير المؤمنين : كفّارة البيضات الخمس إهداء خمس قلائص إلى مكّة .
بَيدَ أنّ الإمام لم يحكم بهذا . وحكم بإهداء ما تنتجه القلائص الخمس بعد إطراقها للفحل . وتعجّب عمر هنا وقال : صادوا خمس بيضات ، وقد لا يكون أولاد الناقة بهذا العدد ، لأنّ بعض النياق تجهض . ولذلك يقلّ مقدار الكفّارة عن مقدار البيضات المصيدة . وقال أمير المؤمنين في جوابه : لا يعلم أنّ بيضات النعام الخمس كلّها تنتج لا حتمال فساد بعضها ، فيكون هذا الاحتمال بإزاء ذلك الاحتمال .
وفي ضوء هذه الدقّة في المحاسبة العجيبة ، قال عمر : اللهمّ لا تُنزل بي شديدة إلّا وأبو الحسن إلى جنبي ! (فيحلّها لي كحلّ مسألة بيض النعام !)
وقال ابن شهرآشوب أيضاً : روى جماعة منهم إسماعيل بن صالح عن الحسن أنّ عمر استدعى امرأة كان يتحدّث عندها الرجال . فلمّا جاءها رسله ، ارتاعت وخرجت معهم فأملصت فوقع إلى الأرض ولدها يستهلّ ثمّ مات . فبلغ عمر ذلك ، فسأل الصحابة عن ذلك ، فقالوا بأجمعهم : نراك مؤدّباً ، ولم ترد إلّا خيراً ! ولا شي عليك في ذلك ! [ فالتفت إلى أمير المؤمنين ] ، فقال : أقسمت عليك يا أبا الحسن لتقولنّ ما عندك !
فقال : إن كان القوم راقبوك ، فقد غشّوك . وإن كانوا ارتأوا فقد قصّروا ، الدية على عاقلتك ! لأنّ القتل الخطأ للصبيّ يتعلّق بك !
فقال [ عمر ] : أَنْتَ وَاللَهِ نَصَحْتَنِي ! والله لا تبرح حتّى تجري الدية على بَنِي عَدِيّ . ففعل ذلك أمير المؤمنين .
وقد أشار الغزّاليّ إلى ذلك في «إحياء العلوم» عند قوله : ووجوب الغرم على الإمام إذَاً ، كما نقل من إجهاض المرأة جنينها خوفاً من عمر . (85)
وقال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» : لمّا مات عمر ، وأظهر ابن عبّاس قوله في العول ، ولم يكن قبل يظهره ، (قيل له) : هلّا قلتَ هذا وعمر حيّ ؟!
قال : هِبْتُهُ وَكَانَ امْرِءاً مَهِيباً . (86) وَاسْتَدْعَى عُمَرُ امْرَأةً لِيَسْألَهَا عَنْ أَمْرٍ وَكَانَتْ حَامِلَاً ، فَلِشِدّةِ هَيْبَتِهِ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَأَجْهَضَتْ بِهِ جَنِيناً مَيّتاً . فَاسْتَفْتَى عُمَرُ أَكَابِرَ الصّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالُوا : لَا شَي‏ءَ عَلَيْكَ ! إنّمَا أَنْتَ مُؤَدّبٌ . فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ : إنْ كَانُوا رَاقَبُوكَ ، فَقَدْ غَشّوكَ ؛ وَإنْ كَانَ هَذَا جُهْدَ رَأَيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأُوا . عَلَيْكَ غُرّةٌ يَعْنِي عِتْقَ رَقَبَةٍ . فَرَجَعَ عُمَرُ وَالصّحَابَةُ إلَى قَوْلِهِ . (87)
وقال ابن شهرآشوب أيضاً : وفي «غريب الحديث» عن أبي عُبَيد أيضاً ، قال أبو صُبْرَة :
جاء رجلان إلى عمر ، فقالا له : ما ترى في طلاق الأمَة ؟! فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع ، فسأله ، فقال [ مشيراً ] : اثنتان . فالتفتَ إليهما فقال : اثنتان . فقال له أحدهما : جئناك وأنت أمير المؤمنين ، فسألناك عن طلاق الأمة ، فجئتَ إلى رجل ، فسألتَهُ ! فوالله ما كلّمك (وإنّما أشار بيده فأفهمك !) .
فقال له عمر : وَيْلَكَ ، أَتَدْرِي مَنْ هَذَا ؟! هَذَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلّى اللَهُ عَلَيه وَآلِهِ يَقُولُ : لَوْ أَنْ السّمَاواتِ وَالأَرْضَ وُضِعَتْ فِي كَفّةٍ وَوُضِعَ إيمَانُ عَلِيّ فِي كَفّةٍ لَرَجَحَ إيمَانُ عَلِيّ .
ورواه مَصْقَلَة بن عبد الله .
[ وقال ] العبديّ [ شاعر أهل البيت ] :
إنّا رُوينا ، في الحديث خَبَرا
يَعْرِفُهُ سَايِرُ مَنْ كَانَ رَوَى
أَنّ ابْنَ خَطّابٍ أَتَاهُ رَجُلٌ
فَقَالَ : كَمْ عِدّةُ تَطْلِيقِ الإمَا
فَقَالَ : يَا حَيْدَرُ كُمْ تَطْلِيقَةٌ
لِلأُمَةِ اذْكُرْهُ فَأُومَى المُرْتَضَى
بِإصْبَعَيْهِ فَثَنَى الوَجْهَ إلَى
سَائِلِهِ قَالَ : اثْنَتَانِ وَانْثَنَى
قَالَ لَهُ : تَعْرِفُ هَذَا ؟ قَالَ : لَا
قَالَ لَهُ : هَذَا عَلِيّ ذُو العُلَا (88)
وذكر السيّد عليّ الهمدانيّ في كتاب «مودّة القربى» ، (89) كما نقله الخوارزميّ في مناقبه . (90)
ورواه العلّامة الأمينيّ بتمامه وكماله في « الغدير » عن الحافظ الدارقطنيّ ، وعن ابن عساكر ، عن الشيخ الكنجيّ في «كفاية الطالب» ص . 29 وقال الكنجيّ : هذا حسن ثابت . ورواه من طريق الزمخشريّ خطيب الحرمين الخوارزميّ في «المناقب» ص 78 ، والسيّد عليّ الهمدانيّ في «مودّة القربى» . (91)
ومن الجدير ذكره أنّ ما جاء في الرواية التي نقلناها عن ابن شهرآشوب هو قوله : وَاللَهِ مَا كَلّمَكَ . أي أنّ ذلك الرجل قال لابن الخطاب : هذا الرجل لم يكلّمك واكتفى بالإشارة بإصبعيه . بينما جاء في رواية الخوارزميّ : وَاللَهِ مَا أُكَلّمُكَ . لأنّك تقول : أنا أمير المؤمنين وتسأل غيرك عن هذه المسألة ، وهو يجيبك بالإشارة فحسب .
وروى الإمام الحافظ الكنجيّ الشافعيّ بسلسلة سنده المتّصل عن سعيد بن المسيّب ، عن حذيفة اليمانيّ أنّه لقي عمر بن الخطّاب ، فقال له عمر : كيف أصبحَت ؟ فقال : كيف تريدني أُصبح ! أَصْبَحْتُ وَاللَهِ أَكْرَهُ الحَقّ ، وَأُوحِبّ الفِتْنَةَ ، وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ أَرَهُ ، وَأَحْفَظُ غَيْرَ المَخْلُوقِ ، وَأُصَلّي عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ، وَلِيَ فِي الأَرْضِ مَا لَيْسَ لِلّهِ فِي السّمَاءِ .
فغضب عمر لقوله ، وانصرف من فوره . وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك . فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعليّ بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر ؟
فقال عمر : لقيت حذيفة بن اليمان ، فسألته : كيف أصبحتَ ؟ فقال : أصبحت أكره الحقّ ! فقال الإمام : صدق ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَهُوَ حَقّ . فقال عمر : قال : وأُحبّ الفتنة ! فقال الإمام : صدق ، يُحِبّ المَالَ وَالوَلَدَ ؛ وقد قال الله تعالى :
إِنّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ فِتْنَةٌ . (92)
فقال عمر : يَا عَلِيّ ! يقول : وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ أَرَهُ .
فقال الإمام : صدق ، يشهد للّه بالوحدانيّة والموت والقيامة والجنّة والنار والصراط ، وهو لم ير ذلك كلّه . قال عمر : يَا عَلِيّ ! وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق . فقال الإمام : صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن ، وهو غير مخلوق . (93)
قال عمر : ويقول : أُصلّي على غير وضوء ! فقال الإمام : صدق ، يصلّي على ابن عمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله على غير وضوء ، والصلاة عليه جائزة .
قال عمر : يَا أَبَا الحَسَنِ ! قد قال أكبر من ذلك . فقال الإمام : وما هو ؟ قال : قال : ولي في الأرض ما ليس للّه في السماء ! فقال الإمام : صدق ، له زوجة وتعالى الله عن الزوجة والولد .
فقال عمر : كَادَ يَهْلِكُ ابْنُ الخَطّابِ ، لَوْلَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . (94)
وروى ابن صبّاغ المالكيّ مثله ولكن ليس عن حذيفة ، بل عن رجل جاء إلى عمر ، وقال كذا وكذا ، وأجاب أمير المؤمنين فأزال الإشكال . وفي آخره ، قال عمر : أَعوذُ بِاللَهِ مِنْ مُعْضَلَةٍ لَا عَلِيّ لَهَا . (95)
وذكر عن سعيد بن المُسَيّب قوله : كان عمر يقول : اللَهُمّ لَا تُبْقِنِي لِمُعْضَلَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَبُو الحَسَنِ ؛ وَقَالَ مَرّةً : لَوْلَا عَلِيّ لَهَلَكَ عُمَرُ . (96)
وقال ابن أبي الحديد : جاءت امرأة إلى عمر بن الخطّاب ، فقالت : يا أمير المؤمنين ! إنّ زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وإنّي أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله ! فقال : نِعْمَ الزوج زوجُكِ ! فجعلت تكرّر عليه القول ، وهو يكرّر عليها الجواب .
فقال له كعب بن سَوْر : يا أمير المؤمنين ! إنّها تشكو زوجها في مباعدته إيّاها عن فراشه ! ففطن عمر حينئذٍ ، وقال له : قد وليتك الحكم بينهما . فقال كعب : عَلَيّ بزوجها ، فأُتي به ، فقال له : إنّ زوجتك هذه تشكوك ! قال : في طعام أو شراب ؟! قال : لا . قالت المرأة :
أيّهَا القَاضِي الحَكِيمُ رَشَدُهُ

أَلْهَى خَلِيلي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ
زَهّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبّدُهْ
نَهَارَهُ وَلَيْلُهُ مَا يُرْقِدُهْ
فَلَسْتُ فِي أَمْرِ النّسَاءِ أَحْمَدُه
فقال زوجها :
زَهّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِي الحَجَلْ
أَ نّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ
فِي سُورَةِ النّمْلِ وَفِي السّبْعِ الطّوَلْ (97)
وَفِي كِتَابِ اللَهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ
قال كعب :
إنّ لَهَا حَقّاً عَلَيْكَ يَا رَجُلْ
تُصِيبُهَا مِنْ أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ
فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ العِلَلْ
فقال لعمر : يا أمير المؤمنين ! إنّ اللَهَ أَحَلّ لَهُ مِنَ النّسَاءِ مَثْنَى وَثلَاثَ وَرُبَاعَ ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ وَلَيَالِيهِنّ يَعْبُدُ فِيهَا رَبّهُ ، وَلَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ .
فقال عمر : وَاللَهِ مَا أَعْلَمُ مِنْ أَيّ أَمْرَيْكَ أَعْجَبُ ؟! أَمِنْ فَهْمِكَ أَمْرَهُمَا ، أَمْ مِنْ حُكْمِكَ بَيْنَهُمَا ؟ اذْهَبْ فَقَدْ وَلّيْتُكَ قَضَاءَ البَصَرةِ . (98)
نجد أنّ الخليفة هنا لم ينصف ، إذ كان خليقاً به أن يفوّض الخلافة إلى الشخص المذكور .
وروى عن «أربعين الخطيب» أنّ امرأةً شهد عليها الشهود أنّهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطأها ليس ببعل لها . فأمر عمر برجمها . فقالت : اللَهُمّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنّي بَرِيّةٌ . فغضب عمر وقال : وَتَجْرَحِي الشّهُودَ أَيضاً . وأمر أمير المؤمنين أن يسألها .
فقالت : كان لأهلي إبل ، فخرجت في إبل أهلي ، وحملتُ معي ماء ، ولم يكن في إبلي لبن . وخرج معي خليط وكان في إبله لبن ، فنفد مائي ، فاستسقيته ، فأبى أن يسقيني حتّى أُمكّنه من نفسي . فأبيتُ . فلمّا كادت نفسي تخرج ، أمكنته من نفسي ، فأعطاني الماء .
فقال أمير المؤمنين : اللَهُ أَكْبَرُ «فَمَنِ اضْطُرّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفِ‏ٍ لِإِثْمٍ» فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ . (99)
وأنشد ابن الإصفهانيّ مثل هذا الباب :
لَا يَهْتَدُونَ لِمَا اهْتَدَى الهَادِي لَهُ
مِمّا بِهِ الحُكْمَانِ يَشْتَبِهَانِ
فِي رَجْمِ جَارِيَةٍ زَنَتْ مُضْطَرّةً
خَوْفَ المَمَاتِ بِعِلّةِ العَطْشَانِ
إذْ قَالَ : رُدّوهَا فَرُدّتْ بَعْدَما
كَادَتْ تَحِلّ عَسَاكِرُ المَوْتَانِ
وَبِرَجْمِ أُخْرَى وَالِداً عَنْ سِتّةٍ
فَأَتَى بِقَصِتِهَا مِنَ القُرآنِ
إذ أقْبَلَتْ جَرَى إلَيْهَا أُخْتُهَا
حَذَراً عَلَى حَدّ الفُؤادِ حَصَانِ (100)
وروى ابن قتيبة في عيونه عن المدائنيّ ، قال : أحدث رجل في الصلاة خلف عمر بن الخطّاب [ فبطلت صلاته ، وسمعه عمر ] . فلمّا سلّم عمر أعزم على صاحب الضرطة إلّا قام فتوضّأ ، وصلّى . فلم يقم أحد .
قال جرير بن عبد الله : يا أمير المؤمنين ! أعزم على نفسك وعلينا أن نتوضّأ ، ثمّ نعيد الصلاة . فأمّا نحن ، فتصير لنا نافلة . وأمّا صاحبنا ، فيقضي صلاته . فقال عمر : رحمك الله ! أن كنت لشريفاً في الجاهليّة ، فقيهاً في الإسلام . (101)
وقال ابن أبي الحديد : روى محمّد بن سيرين أنّ عمر في آخر أيّامه اعتراه نسيان ، حتّى كان ينسى عدد ركعات الصلاة ، فجعل أمامه رجلاً يلقّنه . فإذا أومى إليه أن يقوم أو يركع ، فعل . (102)
وأخرج السيوطيّ في «الدرّ المنثور» عن الخرائطيّ في كتاب «مكارم الأخلاق» عن ثور الكنديّ ، [ قال ] : إنّ عمر بن الخطّاب كان يعسّ بالمدينة من الليل ، فسمع صوت رجل في بيت يتغنّى ، فتسوّر عليه ، فوجد عنده امرأة ، وعنده خمر ، فقال : يَا عَدُوّ اللَهِ ! أَظَنَنْتَ أَنّ اللَهَ يَسْتُرُكَ وَأَنْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ؟!
فقال : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! لَا تَعْجَلْ عَلَيّ أَنْ أَكُونَ عَصَيْتُ اللَهَ وَاحِدَةً فَقَدْ عَصَيْتَ اللَهَ فِي ثَلَاثٍ : قَالَ اللَهُ : «وَلَا تَجَسّسُوا» (103) وَقَدْ تَجَسّسْتَ ! وَقَالَ [ اللَهُ ] : «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا» (104) وَقَدْ تَسَوّرْتَ عَلَيّ ! وَدَخَلْتَ عَلَيّ بِغَيْرِ إذْنٍ . وَقَالَ اللَهُ : «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا (105) وَتُسَلّمُوا عَلَى‏ أَهْلِهَا»! (106) .
وذكر ابن أبي الحديد في آخر هذه الرواية أنّ الرجل قال : وَمَا سَلّمتَ . (107)
ينبغي هنا ملاحظة مدى جهل الخليفة الثاني بالآيات القرآنيّة وما هو نصيبه منها ؛ فهو يتسلّق الجدار ليلاً بدون علم صاحب البيت ، ثمّ يلوم صاحب البيت ويوبّخه على ارتكابه الذنب أمام شخصيّة كعمر ـ الذي يزعم أنّه أمير المؤمنين ! ـ وإذا بذلك الرجل الثمل ـ وهو أبو مِحجَن الثّقَفي على رواية الثعلبيّ ـ وقد استشهد بثلاث آيات قرآنيّة ـ وهو سكران ـ فيفضح بها عمر ويُخجله ، ويرغمه على التراجع !
قال الثعلبيّ : إنّ ذلك الرجل الذي تسوّر عليه عمر كان أبا محجن الثقفيّ . وروى أنّه قال لعمر : إنّ هذا لا يحلّ لك ! قد نهاك الله عن التجسّس ! فقال عمر : ما يقول هذا : [ إنّه تجسّس ] ؟ فقال زيد بن ثابت وعبد الله بن أرقم : صدق يا أمير المؤمنين [ هذا التجسّس ] . فخرج عمر وتركه . (108) وهنا قال أحد علمائنا : العجيب أنّ أبا محجن الثقفيّ الخمّير السكّير عرف هذا وعمر لم يعرفه ! ولم ينتبه بعد تنبيه أبي محجن إيّاه ، حتّى أعلمه الآخرون (زيد وعبد الله) .
وكان أبو محجن الثقفيّ رجلاً دائم اللهو بالخمر ومجالس الغناء . وهو صاحب البيتين الآتيين :
إذَا مِتّ فَادْفِنّي إلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ
تَرَوّى عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقَهَا
وَلَا تَدْفِنَنّي فِي الفَلاَةِ فَإنّنِي
أَخَافُ إذَا مَا مِتّ أَنْ لَا أذُوقَها (109)
يستفاد من هذه الرواية أنّ عمر كان جاهلاً بآية التجسّس وكذا في موضوع التجسّس ومفهومه على الرغم من كونه أمر عرفيّ ، حتّى أنّه قد سأل صحابيينِ عن مصداق مفهومه ، فحدّثاه بمصداقه كما أدركه أبو محجن !
قارنوا هذه الروايات والأحاديث الثابتة في التأريخ ـ التي تفوق حدّ الإحصاء ـ بما روي عن الإمام المظلوم عليّ بن أبي طالب من علم غزير . ذلك الإمام الذي كان مصدر النور المتأ لّق ، ومنهل العلم الفيّاض ، بيد أنّه قد قُصّ جناحاه عن كلّ شي‏ء ، وإذا هو يذهب إلى بساتين المدينة ، يحرث ويزرع ويجري قنوات الماء خمساً وعشرين سنة !
يتوكّأ قسم من أحكام الإمام العجيبة على الآيات القرآنيّة الكريمة ، وقد قرأنا كثيراً منها في هذا الكتاب الشريف . وإذ نريد أن نختم بحثنا نكتفي بذكر رواية مباركة ، وعلى القارئ الكريم أن يلاحظ كيفيّة تبيان الإمام الحكم بالاستناد على الآيات القرآنيّة .
روى العيّاشيّ في تفسيره عن عبد الله بن قدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال : يا أمير المؤمنين ! بي وجع في بطني . فقال له أمير المؤمنين : ألك زوجة ؟! قال : نعم ! قال : استوهب منها شيئاً طيّبة به نفسها من مالها ، ثمّ اشتر به عسلاً ! ثمّ اسكب عليه من ماء السماء ، ثمّ اشربه ! فإنّي أسمع الله يقول في كتابه :
وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مُبَرَكًا. (110)
وقال:
يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَ بٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لّلنّاسِ. (111)
وقال:
فَإن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْ‏ءٍ مِنْهُ نَفسًا فَكُلُوهُ هَنِيًا مّرِيًا . (112)
[ ثمّ قال له أمير المؤمنين : إذا شربتَ منه ] ، شفيتَ إن شاء الله تعالى ! قال الإمام الباقر ـ راوي هذا الحديث ـ : ففعل ذلك فشفى . (113)
وجاء في خاتمة رواية «مجمع البيان» أنّ أمير المؤمنين قال لذلك الرجل: فَإذَا اجْتَمَعتِ البَرَكَةُ وَالشّفَاءُ وَالهَنِئُ المَرِئُ شُفِيتَ إنْ شاءَ تَعَالَى . (114)
ويشهد التأريخ الصحيح على عدم كون الحكّام الآخرين مراجعاً للقراءات ، وكانوا يرجعون فيها إلى غيرهم كابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبيّ بن كعب . ولم يكن عمر مرجعاً للقراءة فحسب ، بل كان يخطأ في قراءته في بعض المواطن ، بل ويخال أنّ رسول الله كان يقرأ هكذا ! وكانت قراءته في بعض الأحيان تفضي به إلى التفاخر والتباهي ، فيتلمّس المقام والمنزلة لقريش والمهاجرين في مقابل الأنصار . كما في الآية 100 ، من السورة 9 : التوبة : السّبِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحسَنٍ رّضِىَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدً لَهُمْ جَنّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَ لِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
وكما هو واضح ، فإنّ كلمة الْأَوّلُونَ صفة كلمة السّبِقُونَ ، ومِنْ بيانيّة ، ووَالْأَنصَارِ بالكسر معطوفة على الْمُهَجِرِينَ وتسبقها واو العاطفة . وحرف الجرّ مِن يبيّن السّبِقُونَ الْأَوّلُونَ ، وهم من المهاجرين والأنصار معاً . وقوله : وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَنٍ معطوف على قوله : السّبِقُونَ الْأَوّلُونَ . وقوله : رَضِىَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ خبر لقوله : السّبِقُونَ الْأَوّلُونَ من المهاجرين والأنصار ، وكذلك خبر لمعطوفه ، وهو قوله : الّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَنٍ ، إذ إنّ للمعطوف والمعطوف عليه حكماً واحداً ، ولذلك فإنّ للسابقين الأوّلين سواء كانوا من المهاجرين أم من الأنصار ، والذين اتّبعوهم بإحسان حكماً واحداً ، وتشملهم عناية إلهيّة خاصّة .
بيد أنّ عمر كان يُسقط الواو الواقعة بين الْأنصَارِ ووَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإِحْسَنٍ عند قراءة هذه الآية ، ويرفع كلمة الْأَنصَارِ وهي مجرورة . لذلك كان يذهب إلى أنّ كلمة الأَوّلُونَ خبر أو صفة المُهَجِرينَ ، ومِنْ في قوله : مِنَ الْمُهَجِرِينَ لابتداء الغاية ، والْأَنْصَارِ مبتدأ ، والّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإِحْسَنٍ خبره أو صفة له . وحينئذٍ يتميّز السابقون فحسب ، بخاصّة المهاجرون الأُوَل ، ويفرز الأنصار من هذا الحكم . أُولئك قوم رضي الله عنهم ولطف بهم لاتّباعهم المهاجرين الذين هم من الدرجة الأُولى . ومن المعلوم أنّ السابقون في مثل هذا التعبير يتميّزون على غيرهم ولهم مقام رفيع لا يبلغ شأوه أحد . والأنصار تابعون لهم . ولا يبلغ مقامهم ومقام الذين اتّبعوهم بإحسان مقامَ المهاجرين ودرجتهم .
روى الحاكم في « المستدرك » ج 3 ، ص 305 بسنده المتّصل عن أبي سَلَمة ، ومحمّد بن إبراهيم التيميّ ، قالا : مرّ عمر بن الخطّاب برجل وهو يقرأ : وَالسّبِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإِحْسَنٍ رَضِىَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ . إلى آخر الآية . فوقف عليه عمر فقال : انصرف ! فلمّا انصرف ، قال له عمر : من أقرأك هذه الآية ؟! قال : أقرأنيها أُبيّ بن كعب . فقال : انطلقوا بنا إليه ! فانطلقوا إليه فإذا هو متّكئٌ على وسادة برجل رأسه ، فسلّم عليه [ عمر ] فردّ [ عليه أُبيّ ] سلامه . فقال عمر : يا أبا المنذر ! قال [ أُبيّ ] : لبيك . قال [ عمر ] : أخبرني هذا أنّك أقرأته هذه الآية ! قال : صدق ، تَلَقّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم . قال عمر : أنت تلقّيتها من رسول الله ؟ قال : نَعَمْ ؛ أَنَا تَلَقّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَهِ ؛ ثلاث مرّات . و[ قال ] في الثالثة ، وهو غضبان : نَعَمْ ؛ وَاللَهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَهُ عَلَى جِبْرِيلَ ؛ وَأَنْزَلَهَا جِبْرِيلُ عَلى مُحَمّدٍ ، فَلَمْ يَسْتَأمِرْ فِيهَا الخَطّابَ وَلَا ابْنَهُ . فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول : الله أكبر ، الله أكبر .
وذكر السيوطيّ هذه الرواية باللفظ المذكور في تفسير «الدرّ المنثور» ج 3 ، ص 269 ، كما ذكرها الآلوسيّ في تفسير «روح المعاني» ج 11 ، ص . 8 وقال الزمخشريّ في تفسير «الكشّاف» ج 1 ، ص 408 ، الطبعة الأُولى ، المطبعة الشرقيّة ، عند تفسير هذه الآية : روي أنّ عمر سمع رجلاً يقرأ بالواو : واتّبعوهم ؟! فقال : من أقرأك [ هذا ] ؟! قال : أُبَيّ . فدعاه [ عمر ] . فقال [ أُبيّ ] : أَقْرَأنِيهِ رَسُولُ اللَهِ صَلّى اللَهُ عَلَيْهِ [ وَآلِهِ ] وَسَلّمَ وَإنّكَ لَتَبِيعُ القَرَظَ بِالبَقِيعِ ! (القرظ ورق السّلَم يُدبَغ به . والسلم شجر كبير وشائك) .
قَالَ : صَدَقْتَ وَإنْ شِئْتَ قُلْتَ : شَهِدْنَا وَغِبْتُمْ ، وَنَصَرْنَا وَخَذَلْتُمْ ، وَآوَيْنَا وَطَرَدْتُمْ ! (الأنصار هم الذين آووا ، وقريش هم الذين طردوا المسلمين من مكّة) .
وَمِنْ ثَمّ قَالَ عُمَرُ : لَقَدْ كُنْتُ أَرَانَا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا .
وفي ذيل هذه الآية الشريفة أيضاً روى كلّ من السيوطيّ في «الدرّ المنثور» والقرطبيّ في «التفسير» ج 8 ، ص 238 ، والزمخشريّ في «الكشّاف» ج 1 ، ص 408 ، والطبريّ في «جامع البيان» ج 11 ، ص 8 ، وابن كثير في «التفسير» ج 3 ، ص 444 ، والسيّد محمّد الآلوسيّ في «روح المعاني» ج 11 ، ص 8 و9 أنّ عمر أخذ بيد ذلك الرجل الذي كان يقرأ القرآن ، وقال : مَنْ أَقَرَأَكَ هَذَا ؟! قَالَ : أُبَيّ بْنُ كَعبْ ! فقال له عمر : لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه ! فلمّا جاءه ، قال عمر : أنتَ أقرأتَ هذا هذه الآية هكذا ؟! قال : نعم ! قال عمر : لَقَدْ كُنْتُ أَظُنّ أَنّا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا .
فقال أُبيّ : تصديق ذلك في أوّل [ سورة ] الجمعة : وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِم ... وفي [ سورة ] الحشر : وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِر لّنَا وَلِأِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ . وفي [ سورة ] الأنفال : وَالّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ .
وكذلك روى السيوطيّ والطبريّ وابن كثير والزمخشريّ والقرطبيّ ، والآلوسيّ في التفاسير المذكورة ، في ذيل هذه الآية ، عن أبي عبيد وسعيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد ، عن عمرو بن عامر الأنصاريّ أنّ عمر بن الخطّاب قرأ : وَالسّبِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالْأَنصَارُ الّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بِإِحسَنٍ ، فرفع الأنصار ، ولم يلحق الواو في الّذِينَ . فقال له زيد بن ثابت : وَالّذِينَ [ بالواو ] ، فقال عمر : الّذِينَ . فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم . فقال عمر : ائتوني بأُبيّ بن كعب ! فأتاه ، فسأله عن ذلك . فقال أُبيّ : وَالّذِينَ [ بالواو ] . فقال عمر : فَنَعَمْ إذَنْ نُتَابِعُ أُبَيّاً ، وَنَقْرَأهَا بِالوَاوِ .
المصادر :
1) الآية 269 ، من السورة 2 : البقرة .
2) تفسير «الميزان» ج 2 ، ص . 418
3) غاية المرام» القسم الثاني ، ص 528 ، الحديث 3 ، عن طريق‏العامّة .
4) غاية المرام» القسم الثاني ، ص 529 ، رقم 4 ، عن الخوارزميّ .
5) غاية المرام» القسم الثاني ، ص 528 ، الحديث . 2
6) الآية 26 ، من السورة 38 : ص .
7) غاية المرام» القسم الثاني ، ص 529 ، الحديث 15 عن العامّة . وقال السيّد هاشم البحرانيّ بعد هذا الحديث : قال ابن البطريق في «المستدرك» : قد ذكر ذلك أحمد بن حنبل من ثلاثة طرق ، ومن مسلم في صحيحه طريق واحد .
8) غاية المرام» ص 530 ، الحديث الأوّل عن العامّة . و«تاريخ دمشق» ترجمة أمير المؤمنين ج 2 ، ص 39 ، الحديث 1072 و . 1073
9) غاية المرام» ص 531 و532 ، الحديث الثاني عشر من العامّة .
10) غاية المرام» ص 533 ، الحديث العشرون عن العامّة ؛ وذكر ابن عساكر مضمونه في «تاريخ دمشق» ترجمة أمير المؤمنين ، ج 2 ، ص 51 ، الحديث . 1086
11) شواهد التنزيل» ج 1 ، ص 79 و80 ، الحديث 117 ؛ و«اللآلئ المصنوعة» ج 1 ، ص . 355
12) اللآلئ المصنوعة» ج 1 ، ص . 356
13) تاريخ دمشق» ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ج 3 ، ص 23 و24 ، الحديث 1043 إلى . 1046
14) ويمكن أن يكون المراد منهما دفّتي القرآن الكريم . إذ كان القرآن يكتب قديماً على رفوق سميكة وكبيرة بشكل رقّ رقّ ، ثمّ يوضع في طرفيه قطعتان من الحجر أو من الخشب على شكل لوح . وكان هذان اللوحان الحافظان محتواه في باطنه . ويدعم هذا القول حديث ذكره أبو نعيم في «حلية الأولياء» ج 1 ، ص 567 ، وفيه أنّ أمير المؤمنين قال بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله : أقسمتُ ـ أو حلفتُ ـ أن لا أضع ردائي عن ظهري حتّى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي عن ظهري حتّى جمعتُ القرآن .
15) تاريخ دمشق» ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ج 3 ، ص 23 ، الحديث 1043 و . 1044
16) تاريخ دمشق» ج 3 ، ص 24 ، الحديث 1045 و . 1046
17) تاريخ دمشق» ج 3 ، ص 45 ، الحديث 1074 و . 1075
18) تاريخ دمشق» ج 3 ، ص 46 ، الحديث 1076 و . 1077
19) تاريخ دمشق» ج 3 ، ص 45 و46 ، الحديث 1074 و . 1077
20) أَرَزَ يَأرِزُ بكسر الراء في المضارع ، أي : انقبض وثبت ؛ وأرَزِت الحيّة : لاذت بجُحرها ورجعت إليه . قال ابن الأثير في «النهاية» ج 1 ، ص 24 : جاء في الحديث : إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها .
21) نهج البلاغة» ص 278 إلى 280 ، الخطبة 152 ، طبعة مصر بتعليق محمّد عبده .
22) قال المحدّث القمّيّ في «الكنى والألقاب» ج 1 ، ص 185 طبعة صيدا ، في ترجمته : عزّ الدين عبد الحميد بن محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدائنيّ الفاضل الأديب المؤرّخ الحكيم الشاعر ، شارح «نهج البلاغة» ، وصاحب «القصائد السبع» المشهورة . كان مذهبه الاعتزال ، كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح أمير المؤمنين بقوله :
وَرَأَيْتُ دِينَ الاعْتِزَالِ وَإنّنِي
أَهْوَى لِأَجْلِكَ كُلّ مَنْ يَتَشيّعُ
كان مولده [ بالمدائن ] غرّة ذي الحجّة سنة . 586 وتوفّي ببغداد سنة . 655 يروي آية الله العلّامة الحلّيّ عن أبيه عنه.
ويرى صاحب «ريحانة الأدب» في كتابه هذا ، ج 7 ، ص 332 إلى 335 أنّه كان شافعيّ المذهب ، معتزليّ الأُصول ، وأحد الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة . ويعدّ شرحه ل «نهج البلاغة» من أرقى الشروح . ولمّا فرغ منه ، أهداه إلى مكتبة الوزير النابه الواعي ابن العلقميّ بواسطة أخيه موفّق الدين أحمد ، فكرّمه الوزير المذكور المحبّ للعلم والمنغمس في الدين ووصله بفرس وخلعة فاخرة ومائة ألف دينار (ذهب مسكوك ثماني عشرة حبّة) .
23) الآية 189 ، من السورة 2 : البقرة .
24) شرح نهج البلاغة» ج 9 ، ص 164 إلى 166 ، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم .
25) حلية الأولياء» ج 1 ، ص 71 ؛ و«أُسد الغابة» ج 4 ، ص 23 ، ذكره الأخير بتتمّة .
26) جاء في «الكنى والألقاب» ج 1 ، ص 159 : أبو نُعيم الإصبهانيّ مصغّراً الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإصبهانيّ من أعلام المحدّثين والرواة وأكابر الحفّاظ والثقات . أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه . له كتاب «حلية الأولياء» وهو من أحسن الكتب كما ذكره ابن خلّكان . وهو كتاب معروف بين أصحابنا ينقلون عنه أخبار المناقب . وله أيضاً كتاب «الأربعين» من الأحاديث التي جمعها في أمر المهديّ . وعن المولى نظام الدين القرشيّ تلميذ شيخنا البهائيّ أنّه ذكر هذا الرجل في القسم الثاني من كتاب رجاله المسمّى بنظام الأقوال ، قال : ورأيت في إصبهان ، وكان مكتوباً على الجدار : قال صلّى الله عليه وآله : مكتوب على ساق العرش لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدي ورسولي ؛ أيّدتُه بعليّ بن أبي طالب . رواه الشيخ الحافظ المؤمن الثقة العدل أبو نُعيم أحمد بن ... إلى آخره .
وقال صاحب «ريحانة الأدب» ج 7 ، ص 285 : لم يوصف بأنّه الحافظ الإصبهانيّ فحسب ، بل وصفه بعض الأجلّة بأنّه حافظ الدنيا ، وهو من أجداد المجلسيّ . قرن الفقه والتصوّف بالحديث . وزعم صاحب «روضات الجنّات» ومؤلّف «كشف الغمّة» وابن شهرآشوب وبعض آخر ـ بل هو المشهور ـ أنّه كان عامّيّ المذهب ومن أهل السنّة والجماعة . ولكن ذهب الشيخ البهائيّ والمير محمّد حسين خاتون آباديّ ، وغيرهما من الأجلّة إلى أنّه كان شيعيّاً ، بل قال المجلسيّ إنّه كان من خلّص الشيعة ، ونقل تشيّعه بواسطة آبائه أباً عن جدّ ، عنه . وإنّما كتم تشيّعه على المخالفين لشدّة التقيّة في عصره (وأهل البيت أدرى بما في البيت) ـ انتهى ملخّصاً . وبدأ أبو نعيم كلامه في ترجمة أمير المؤمنين قائلاً : عليّ بن أبي طالب وسيّد القوم ، محبّ المشهود ، ومحبوب المعبود ، باب مدينة العلم والعلوم ، ورأس المخاطبات ، ومستنبط الإشارات ، راية المهتدين ، ونور المطيعين ، ووليّ المتّقين ، وإمام العادلين ، أقدمهم إجابة وإيماناً ، وأقومهم قضيّة وإيقاناً ، وأعظمهم حلماً وأوفرهم علماً . عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، قدوة المتّقين وزينة العارفين ، المنبي عن حقائق التوحيد ، المشير إلى لوامع علم التفريد ، صاحب القلب العَقول ، واللسان السؤول ، والأُذُن الواعي ، والعهد الوافي ، فقّاء عيون الفتن ، ووقيّ من فنون المحن ، فدفع الناكثين ، ووضع القاسطين ، ودفع المارقين ، الأُخيشن في دين الله ، الممسوس في ذات الله . أقول : قال الحافظ الذهبيّ في «تذكرة الحفّاظ» : أُخذ كتاب «حلية الأولياء» إلى نيسابور في زمان المصنّف ، وبيع هناك بأربعمائة دينار . وقال الحافظ السلفيّ : لم يكتب مثل «حلية الأولياء» . ولد أبو نعيم بإصفهان في أوائل الغيبة الكبرى 334 أو 336 ، وتوفّي سنة 401 أو 402 أو 415 أو 444 ، ودُفن في مقبرة آب بخشان .
27) بنو وليعة حيّ من كندة .
28) حلية الأولياء» ج 1 ، ص 67 ؛ ورواه صاحب «مطالب السؤول» ص 21 ، عن «حلية الأولياء» بهذا اللفظ ، غير أنّه ذكر في العبارة الأخيرة قوله : إنّه سيخصّه من البلاء شي‏ء لم يخصّ به أحداً من أصحابي
29) لمّا كان أنس بن مالك خادم رسول الله من الأنصار ، فقد كان يتمنّى أن يكون الرجل الداخل الحائز على هذه الصفات الرفيعة من الأنصار .
30) حلية الأولياء» ج 1 ، ص 63 و64 ؛ و«فرائد السمطين» ؛ و«مطالب السؤول» ص 21 ؛ و«غاية المرام» ص 16 ، وبسند آخر في ص 18 ؛ وروي أيضاً في «تفسير العيّاشيّ» ج 2 ، ص 262 ؛ وتفسير «البرهان» ج 2 ، ص 274 ؛ و«بحار الأنوار» ج 9 ، ص 290 ، طبعة الكمبانيّ .
31) حلية الأولياء» ج 1 ، ص . 63
32) أصل كاب : كاوب . وهو اسم فاعل من الفعل كاب يكوبُ كَوْباً . حُذف عين فعله للاختصار . والأقرب هو أنّه اسم فاعل من مادّة كبو .
33) حلية الأولياء» ج 1 ، ص 65 و . 66
34) المقصود هو عمر إذ قال : لم نستخلف عليّاً لدُعابة فيه ،ولحبّه لبني عبد المطّلب . وتحدّثنا مراراً في هذا الكتاب عن الغمز المشار إليه ، كما في الجزء الثامن ، الدرس 110 إلى . 115 وروى الفضل بن شاذان في كتاب «الإيضاح» من ص 162 إلى 166 عن زياد البكّائيّ ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن عبّاس [ أنّه ] قال : إنّي لأطوف بالمدينة مع عمر ويده على جنحي إذ زفر زفرة كادت تطير بأضلاعه ؛ فقلتُ : سبحان الله ! والله ما أخرج هذا منك إلّا همّ شديد ! قال : إي والله هَمّ شديد ! قلتُ : ما هو ؟! قال : هذا الأمر ، لا أدري فيمن أضعه ؟ ثمّ نظر إليّ فقال : لعلّك تقول : إنّ عليّاً صاحبها ! قال : قلتُ : إي والله ، إنّي لأقول ذاك . وأنّى به ؟ وأخبر به الناس فقال : وكيف ذاك ؟ قال : قلتُ : لقرابته من رسول الله ، وصهره ، وسابقته ، وعلمه ، وبلائه في الإسلام . فقال : إنّه لكما تقول ولكنّه رجل فيه دُعابةٌ ـ الحديث.
35) الآية 35، من السورة 10 : يونس . وقد تحدّثنا عن مفاد هذه الآية بصورة وافية في الجزء الأوّل من هذا الكتاب ، الدرس الثاني عشر ، وأثبتنا أنّ الإمام في ضوء هذه الآية ينبغي أن يكون معصوماً من الذنوب ، ومهديّاً من الله بلا تدخّل بشريّ .
وانظر : «شرح نهج البلاغة» ج 9 ، ص 166 إلى 175 ، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم . ويرى البعض أنّ ابن أبي الحديد كان شيعيّاً ، ويذهب آخرون إلى أنّه كان من العامّة ، إذ إنّ المعتزلة هم من العامّة . وصرّح هو نفسه أنّه معتزليّ . وذكر البيتين الآيتين في عينيّته التي أنشدها من جملة علويّاته السبع :
وَرَأَيْتُ دِينَ الاعْتِزَالِ وَإنّني
أَهْوَى لِأَجْلِكَ كُلّ مَنْ يَتَشَيّعُ
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنّهُ لَابُدّ مِنْ
مَهْدِيّكم وَلِيَوْمِهِ أَتَوَقّعُ
وقال محمّد أبو الفضل إبراهيم في مقدّمة «شرح نهج البلاغة» ج 1 ، ص 15 : ثمّ جنح إلى الاعتدال وأصبح كما يقول صاحب «نَسَمَة السّحَر في ذكر من تشيّع وشعر» : معتزليّاً جاحظيّاً في أكثر شرحه للنهج ـ بعد أن كان شيعيّاً غالياً ـ انتهى . وذهب البعض إلى أنّ عبارته في ديباجة شرحه أحد الأدلّة على عامّيّته ؛ قال :الحمد للّه الذي تفرّد بالكمال ... وقدّم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف . أقول : لا تدلّ هذه العبارة على عامّيّته ، لأنّ المراد من التقديم هو التقديم التكوينيّ والخارجيّ ، لا التشريعيّ المطابق للواقع . والدليل على كلامنا ، بل الدليل القطعيّ على بطلان دليلهم هو ما تفيده هذه العبارات التي نقلناها عنه هنا ، وتنصّ على أنّ تقديم غيره عليه هو تقديم المفضول على الفاضل . وهو قبيح ومنكر . فتقديم الحكّام الغاصبين المفضولين منكر . ونهى الله تعالى عن هذا المنكر بقوله : أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقّ . وعباراته الأخيرة واستشهاده بهذه الآية هو عين منطق الشيعة ، إذ لا يستفاد منها التولّي فحسب ، بل تستفاد البراءة أيضاً . وهذا هو ملاك التشيّع .
ونقل صاحب «غاية المرام» هذه الأحاديث كلّها وذيلها عن ابن أبي الحديد ، وذلك في كتابه المذكور ، ص 494 إلى . 497
36) المناقب» لابن شهرآشوب ج 1 ، ص 503 ، الطبعة الحجريّة .
37) ناسخ التواريخ» تأليف الميرزا محمّد تقي سبهر : «لسان الملك» ، كتاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ج 5 ، ص 63 و64 ، طبعة إسلاميّة الحديثة 1383 ه .
38) شرح خلاصة الحساب» ، ص . 93
39) الكشكول» للشيخ البهائيّ ، ص 316 ، الطبعة الحجريّة ، القسم الأيسر . وقال في توضيح هذا الموضوع : الحاصل من ضرب (7) في (360) : . 2520 وهو المخرج [ الذي يقبل القسمة على ] نصفه 1260 ، وثلثه 840 ، وربعه 630 ، وخمسه 504 ، وسدسه 420 ، وسبعه 360 ، وثمنه 310 ، وتسعه 280 ، وعشره . 252 [ وهذا هو مخرج الكسور التسعة ] .
40) خلاصة الحساب» الطبعة الحجريّة ، من القطع الوزيريّ ، أوّل الورقة السابعة ، وفي ذيلها : وسئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن ذلك ، فقال : اضرب أيّام أُسبوعك في سنتك ! وذكر فرهاد ميرزا هذا الموضوع في شرح «خلاصة الحساب» ، ص 92 و93 وقال : المراد من الشهر الشهر الكامل وهو ثلاثون يوماً لا أكثر كالشهور الروميّة ، ولا أقلّ كالشهور التي عدد أيّامها تسعة وعشرون يوماً .
41) مروج الذهب» ج 2 ، ص 380 ، طبعة مطبعة السعادة ، 1367 ه .
42) المناقب» ج 1 ، ص 419 ؛ ونقلها العلّامة المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج 9 ، ص 583 ، طبعة الكمبانيّ ، عن «المناقب» عن «المحاضرات» للراغب الإصفهانيّ .
43) المناقب» ج 1 ، ص 268 و269 ، الطبعة الحجريّة .
44) ذكر السيّد محسن الأمين العامليّ المسألة المنبريّة في كتاب «عجائب الأحكام» ص 82 و83 ، وذهب إلى أنّها على قول العامّة والعول . والشيعة لا تقرّها ، وأنّ مذهب أمير المؤمنين بطلان العول أيضاً . ثمّ قال : قال الشريف المرتضى في «الانتصار» . أمّا دعوى المخالف أنّ أمير المؤمنين كان يذهب إلى العول في الفرائض ، وأنّهم يروون عنه أنّه سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة ، فقال بغير رويّة : صار ثمنها تسعاً فباطلة ؛ لأنّا نروي عنه خلاف هذا القول . ووسائطنا إليه النجوم الزاهرة من عترته كزين العابدين والباقر والصادق والكاظم . وهؤلاء أعرف بمذهب أبيهم ممّن نقل خلاف ما نقلوه . وابن عبّاس ما تلقّى إبطال العول في الفرائض إلّا عنه . ومعوّلهم في الرواية عنه أنّه كان يقول بالعول عن الشعبيّ ، والحسن بن عمارة ، والنخعيّ . فأمّا الشعبيّ ، فإنّه ولد سنة 36 ه ، والنخعيّ ولد سنة 37ه . وقُتل أمير المؤمنين سنة 40 ه . فكيف تصحّ رواياتهم عنه ؟ والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث . ولمّا ولَي المظالم ، قال سليمان بن مهران الأعمش : ظالمٌ وَلِيَ المَظَالم . ولو سلم كلّ من ذكرناه من كلّ قدح وجرح ، لم يكونوا بإزاء من ذكرناه من السادة والقادة الذين رووا عنه إبطال العول .
فأمّا الخبر المتضمّن ؛ صار ثمنها تسعاً ، فإنّما رواه سفيان عن رجل لم يُسَمّه ، والمجهول لا حكم له . وما رواه عنه أهله أولى وأثبت . وفي أصحابنا من يتأوّل هذا الخبر إذا صحّ على أنّ المراد أنّ ثمنها صار تسعاً عندكم أو أراد الاستفهام وأسقط حرفه كما أسقط في مواضع كثيرة .
45) ذكر المرحوم العامليّ كلام ابن أبي الحديد في «عجائب الأحكام» ص . 83
46) مطالب السؤول» ص . 29
47) مطالب السؤول» ص 29 ؛ وذكر ابن شهرآشوب المسألة الديناريّة في «المناقب» ج 1 ، ص 269 ، الطبعة الحجريّة . بَيدَ أنّه يبدو وجود حذف وإسقاط في هذه النسخة ، لأنّه قال بعدها : ومنه المسألة الديناريّة . قال : وصورتها : ولا شي‏ء يلوح في هذه النسخة .
48) وسائل الشيعة» في طبعة بهادري : ج 2 ، ص 650 ، وفي الطبعة الإسلاميّة الحديثة : ج 13 ، ص 284 ، رواه في آخر كتاب الإجارة عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن معاوية بن حكيم ، عن أبي شعيب المحامليّ الرفاعيّ ، وقال في آخره : رواه الشيخ الطوسيّ بإسناده عن سهل بن زياد . ورواه في النهاية» عن أبي شعيب المحامليّ .
49) المراد من حديث الأربعمائة هو مجموع التعاليم الأربعمائة التي ألقاها أمير المؤمنين على أصحابه في أحد المجالس . وذكر الشيخ الصدوق هذا الحديث في كتاب «الخصال» في أبواب المائة وما فوقه . ووردت هذه الفقرة التي نقلناها من كلام الإمام في ص 613 من طبعة المطبعة الحيدريّة . وجاء هذا الحديث في «وسائل الشيعة» عن «الخصال» في حديث الأربعمائة بهذا اللفظ : قال : لا يبولنّ أحدكم في سطح الهواء ، ولا يبولنّ في ماءٍ جارٍ ، فإن فعل ذلك فأصابه شي‏ء فلا يلومنّ إلّا نفسه ، فإنّ للماء أهلاً . وإذا بال أحدكم فلا يطمحنّ ببوله ولا يستقبل ببوله الريح . (ج 1 ، ص 47 من طبعة أمير بهادر ؛ وج 1 ، ص 249 من طبعة إسلاميّة الحديثة) . ورد في هذه النسخة النهي عن البول في الماء الجاري ، والنهي عن رفع الإنسان بوله إلى أعلى أو استقباله الريح به . وذكر «مستدرك الوسائل» ج 1 ، ص 38 روايات تنهى عن البول في الماء جارية وراكدة . منها ما نقله عن «غوالي اللآلئ» لفخر المحقّقين ، أنّ رسول الله قال : لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم . وفيه أيضاً : في حديث آخر ، قال أمير المؤمنين : والماء له سكّان فلا تؤذوهم ببول ولا غائط . وفيه كذلك : وروي أنّ البول في الماء الجاري يورث السّلَس وفي الراكد يورث الحَصْر . وروي في «تهذيب الشيخ الطوسيّ» ج 1 ، ص 34 في باب الأحداث ، الخبر 91 ، طبعة النجف ، بسنده المتّصل عن الإمام الصادق أنّ أمير المؤمنين قال : إنّه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلّا من ضرورة ؛ وقال : إنّ للماء أهلاً .
50) يدعو الإمام في الدعاء السابع والعشرين من أدعية «الصحيفة السجّاديّة الكاملة» لأهل الثغور الذين يتولّون حراسة ثغور البلاد الإسلاميّة ، ويدعو فيه على الكفّار أيضاً .
51) فروع الكافي» ج 7 ، 323 ، طبعة الحيدريّة الحديثة ؛ و«تهذيب الأحكام» ج 10 ، ص . 268

52) وسائل الشيعة» في طبعة أمير بهادر : ج 3 ، ص 504 ، وفي طبعة إسلاميّة الحديثة : ج 19 ، ص . 279 وقال الشيخ الحرّ العامليّ في‏ذيل هذا الحديث : ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين نحوه ، إلّا أنّه قال : ثلاث ديات النفس . وأمّا لفظ الإمام في نسخة «الكافي» و«تهذيب الأحكام» (ثلاث ديات) فهو مجمل ، ولا يعلم مقدار الدية .
53) مستدرك الوسائل» ج 3 ، ص . 284
54) فروع الكافي» ج 7 ، ص 323 ، الحديث ؛ و«التهذيب» ج 10 ، ص 266 ، الحديث 1047 ؛ و«وسائل الشيعة» في طبعة أمير بهادر : ج 3 ، ص 504 ، وفي طبعة إسلاميّة الحديثة : ج 19 ، ص 283 ، الحديث 2 ؛ و«مستدرك الوسائل» ج 3 ، ص 285 ، عن ظريف بن ناصح في كتاب الديات ؛ وذكره ابن شهرآشوب مختصراً في مناقبه ، ج 1 ، ص . 509
55) مستدرك الوسائل» ج 3 ، ص . 284

56) الذراع من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى . ويعادل نصف متر تقريباً .
57) مستدرك الوسائل» ج 3 ، ص . 284
58) تهذيب الأحكام» ج 10 ، ص 263 ، الحديث 1039 ، طبعة النجف ، ورواه في «وسائل الشيعة» في طبعة أمير بهادر : ج 3 ، ص 503 ، وفي طبعة إسلامية الحديثة : ج 19 ، ص 274 ، الحديث . 4
59) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن » المعروف ب « الملاحم والفتن » لابن طاووس ، ص 153 ، 154 ، طبعة النجف .
60) فروع الكافي» ج 7 ، ص 319 ، الحديث الأوّل ، طبعة المطبعة الحيدريّة .
61) مرآة العقول» ج 4 ، ص 203 ، الطبعة الحجريّة . 62) المناقب» ج 1 ، ص . 509
63) الإرشاد» ص 124 ، الطبعة الحجريّة .
64) أخبار الأئمّة الطاهرين في ضوء الآية القرآنيّة : الطّلَاقُ مَرّتَانِ وإجماع الشيعة على أنّ المرأة لا تحرم على زوجها إلّا إذا طّلقها ثلاث طلقات . وله أن يعود إليها بنكاح جديد أو بالرجوع إليها في عدّتها ، وذلك بعد كلّ واحدة من الطلقتين الأُوليين . بَيدَ أنّ العامّة يعملون بفتوى عمر ، إذ قال : طلّقوا ثلاثاً في آنٍ واحد للتيسير ، فيطلّقون نساءهم في مجلس واحد وبصيغة واحدة . بحيث لا يمكن الرجوع إليهنّ بدون محلّل . ويعدّ هذا الطلاق واحداً عند الشيعة هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى اليمين بالطلاق والعتاق باطل عندهم . أي : إذا حلف شخص بقوله : إذا كان كذا فزوجتي مطلّقة أو عبدي حرّ . فهذا اليمين باطل من أساسه . وإنّما أراد أمير المؤمنين من خلال تعيين وزن القيد بهذا الطريق ـ مع أنّ أصل اليمين باطل من الطرفين ـ أن يخلّص به الناس من أحكام من يجيز الطلاق باليمين .
65) بحار الأنوار» ج 9 ، ص 465 ، طبعة الكمبانيّ ؛ وذكره الشيخ الطوسيّ في «تهذيب الأحكام» ج 8 ، ص 318 و319 ، طبعة النجف ؛كما ذكره الشيخ الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه» ج 3 ، ص 9 ، طبعة النجف .
66) قُرْقور كعصفور : السفينة العظيمة أو الطويلة .

67) تهذيب الأحكام» ج 8 ، ص 318 ، الحديث 1184 في باب النذور ؛ ورواه المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج 9 ، ص 465 عن تهذيب الشيخ ، طبعة الكمبانيّ .
68) المناقب» ج 1 ، ص 497 ، الطبعة الحجريّة .
69) المناقب» ج 1 ، ص . 492
70) يقال للرجل : عِنّين إذا أُصيب بالعَنَن وهو عدم انتصاب إحليل الرجل عند مواقعة زوجته . ولذلك جعلت الشريعة الإسلاميّة المقدّسة فسخ النكاح بِيَدِ المرأة . فتفسخ وتتزوّج رجلاً آخر برغبتها حسب شرائط وأحكام مقرّرة في الفقه .
71) لا عدّة للمرأة المتزوّجة التي لم يواقعها زوجها فيما إذا أراد طلاقها ، ولها أن تتزوّج آخر فوراً .
72) المناقب» ج 1 ، ص 492 ، الطبعة الحجريّة .
73) إذا زنى المحصن أو المحصنة فعلى الحاكم الشرعيّ رجمهما بعد ثبوت الزنا برؤية أربعة رجال عدول . والإحصان يعني أنّ للرجل زوجة ويستطيع أن يقترب منها . أو للمرأة زوج وتستطيع أن تقترب منه . وأمّا إذا لم يكن إحصان بمعنى أنّ الرجل ليس له زوجة أو المرأة ليس لها زوج أو لا يستطيع كلّ منهما الحصول على صاحبه ، فالزنا حيئنذٍ ليس محصناً . ولذلك يقام الحدّ على الزاني بعد ثبوت الزنا بشهادة أربعة رجال عدول ، وحدّه مائة جلدة كما نصّ القرآن الكريم على ذلك .
74) المناقب» ج 1 ، ص 492 و . 493
75) المناقب» ج 1 ، ص . 493
76) إذا تزوّج رجل في العدّة ولم يعلم بالحرمة ولم يدخل ، فلا تحرم عليه زوجته حرمة أبديّة في المذهب الشيعيّ ، ويستطيع أن يتزوّجها بعد انقضاء العدّة . وأمّا إذا كان يعلم بالحرمة ، أو كان جاهلاً فدخل ، فإنّ زوجته تحرم عليه حرمة أبديّة . ولا يستطيع أن يتزوّجها بعد انقضاء العدّة . ونحن إنّما ذكرنا هذه الروايات هنا لا لاعتقادنا بمضمونها ومحتواها ، إذ هي مخدوشة السند عندنا ، بل كما قال جدّنا العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار» ج 9 ، ص 478 : إنّما ذكر ذلك مع مخالفته لمذهب الشيعة في كونه خاطباً من الخطّاب : لبيان اعترافهم بكونه أعلم منهم ـ انتهى .
77) المناقب» ج 1 ، ص 493 وروى الحديث كثير من علماء العامّة . منهم : الخوارزميّ في مناقبه ، في الطبعة الحجريّة : ص 57 ، وفي طبعة النجف الحديثة : ص . 50 وآخر الحديث : وردّوا قول عمر إلى عليّ ؛ ومنهم سبط بن الجوزيّ في «تذكرة الخواصّ» ص 87 ؛ ومنهم محبّ الدين الطبريّ في «الرياض النضرة» ج 3 ، ص 208 ، طبعة مكتبة لبندة ؛ وفي «ذخائر العقبى» ص 81 ، وقال في ذيله : أخرجه ابن السمّان في «الموافقة» ؛ ومنهم البيهقيّ في «السنن الكبرى» ج 7 ، ص 441 و442 ، إذ ذكر ثلاث روايات في رجوع عمر إلى أمير المؤمنين ، ونصّ في إحداها على أنّ عمر سأل الرجل والمرأة فيما إذا كانا عالمينِ بالمسألة أم جاهلينِ ، وأجابا أنّهما جاهلان بها ، لكنّه رجمهما . وورد في جميع الروايات المذكورة في «سنن البيهقيّ» أنّ عمر صادر الصداق وجعله في بيت المال . وذكر البيهقيّ رواية عن أمير المؤمنين قال فيها الشعبيّ : إنّ عليّاً فرّق بينهما وجعل لها الصداق بما استحلّ من فرجها . وقال الشافعيّ : ويقول عليّ نقول . وقال الشيخ : وعمر بن الخطّاب رجع عن قوله الأوّل وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان .

78) المناقب» ج 1 ، ص 493 ؛ وعرض المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج 9 ، ص 478 ، طبعة الكمبانيّ ، احتمالات أُخرى في بيان جواب فضّة بعد نقل هذا الحديث ؛ ورواه البحرانيّ في «غاية المرام» ص 531 ، الحديث 11 ، عن الخوارزميّ بسنده المتّصل عن ابن عبّاس قال : كنّا في جنازة ، قال عليّ بن أبي طالب لزوج أُمّ الغلام : أمسك عن امرأتك ! فقال عمر : ولِمَ يمسك عن امرأته ؟ اخرج عمّا جئت به ! قال : نعم ، نريد أن نستبرئ رحمها لا يبقى فيه شي‏ء . فيستوجب الميراث من أخيه ، ولا ميراث له ، فقال عمر : أَعُوذُ بِاللَهِ مِنْ مُعْضَلَةٍ لَا عَلِيّ لهَا .
79) المناقب» ج 1 ، ص 492 ، الطبعة الحجريّة .
80) المناقب» ج 1 ، ص 493 ؛ وذكر السيّد محسن الأمين العامليّ هذه الواقعة في مفتتح كتاب «عجائب الأحكام» (أحكام أمير المؤمنين ) ص 55 و56 ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن الوليد ، عن محمّد بن فرات ، عن الأصبغ بن نباتة .
81) المناقب» ج 1 ، ص . 496
82) القلوص : الناقة الشابّة التي تُركب حديثاً . وجمعها : قلائص .
83) خدجت الدابّة وأخدجت : ألقت ولدها ناقص الخلقة أو قبل تمام الأيّام فهي خادج ومُخدج . وولدها خديج وخدوج ومخدج .
84) ذخائر العقبى» ص 82 ؛ و«الرياض النضرة» ج 3ص 205 و206 ، طبعة مكتبة لبندة .
85) المناقب» ج 1 ، ص 497 ؛ ونقل العلّامة الأمينيّ هذه الواقعة في «الغدير» ج 6 ، ص 119 ، الحديث 22 بصورتين ، عن مصادر عديدة كأبن الجوزيّ في «سيرة عمر» ، وأبي عمر في «العلم» ، والسيوطيّ في «جمع الجوامع» نقلاً عن عبد الرزّاق ، والبيهقيّ ، وابن أبي الحديد في شرحه ؛ ورواه الشيخ المفيد في «الإرشاد» ص . 113
86) روى الكلينيّ في «الكافي» ج 7 ، ص 80 ، وا لشيخ الطوسيّ في «تهذيب الأحكام» ج 9 ، ص 249 ، والصدوق في «من لا يحضره الفقيه» ج 4 ، ص 188 عن الزّهريّ ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنّه قال : جالستُ ابن عبّاس ، فعرض ذكر الفرائض في المواريث . فقال ابن عبّاس : سبحان الله العظيم . أترون أنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً ، جعل في مالٍ نصفاً ونصفاً وثلثاً ؟ فهذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ فقال له زُفَر بن أوس البصريّ : يا ابن عبّاس ! فمن أوّل من أعال الفرائض ؟ فقال : عمر بن الخطّاب لمّا التفّتْ عنده الفرائض ودفع بعضها بعضاً قال : والله ما أدرى أيّكم قدّم الله وأيّكم أخرّ ؟ وما أجد شيئاً هو أوسع من أن أُقسم عليكم هذا المال بالحصص ! فأدخل على كلّ ذي حقّ ما دخل عليه من عول الفريضة . وأيم الله أن لو قدّم من قدّم الله ، وأخرّ من أخرّ الله ، ما عالت فريضة . فقال له زُفَر بن أوس : وأيّها قدّم الله وأيّها أخرّ ؟ فقال : كلّ فريضة لم يهبطها الله عزّ وجلّ عن فريضة إلّا إلى فريضة ، فهذا ما قدّم الله . وأمّا ما أخرّ الله ، فكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها ولم يكن لها إلّا ما بقي ، فتلك التي أخرّ الله . إلى أن قال : فقال زُفَر بن أوس لابن عبّاس : ما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر ؟ فقال : هِبْتُهُ . فقال الزهريّ [ راوي هذه الرواية ] : والله لولا أنّه تقدّمه إمام عدل كان أمره على الورع فأمضى أمراً فمضى ، ما اختلف على ابن عبّاس في العلم اثنان» . ومن طريق العامّة أورد هذا الحديث بتمامه وكماله حتّى آخره كلّ من البيهقيّ في سننه ، ج 6 ، ص 253 ، والحاكم في مستدركه ، ج 4 ، ص 340 ، والملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» ج 6 ، ص 7 ، وأبي بكر الجصّاص في «أحكام القرآن» ج 2 ، ص . 109
والعجيب هنا أنّ أتباع‏عمر يعدّون هذه المهابة من فضائله . قال ابن أبي الحديد : وكان عمر بن الخطّاب صعباً عظيم الهيبة ، شديد السياسة ، لا يحابي أحداً ولا يراقب شريفاً ولا مشروفاً ، وكان أكابر الصحابة يتحامونه ، ويتفادون من لقائه . إلى أن قال : وقيل لابن عبّاس لمّا أظهر قوله في العول بعد موت عمر ولم يكن قبل يظهره : هلّا قلتَ هذا وعمر حيّ ؟ قال : هبتُه وكان امرءاً مهيباً .
87) شرح نهج البلاغة» ج 1 ، ص 58 ، طبعة بيروت ، دار المعرفة ، دار الكتاب العربيّ ، دار التراث العربيّ .
88) المناقب» ج 1 ، ص 500 ، الطبعة الحجريّة .
89) مودّة القربى» ضمن كتاب «ينابيع المودّة» ص 254 ، المودّة السادسة ، طبعة إسلامبول سنة 1301 ، مطبعة اختر .
90) المناقب» في الطبعة الحجريّة : ص 78 ، وفي طبعة النجف الحديثة : ص 77 و . 78
91) الغدير» ، ج 2 ، ص . 299 ذكر هذا الحديث ضمن ترجمة شاعر الغدير : العبديّ الكوفيّ .
92) الآية 15 ، من السورة 64 : التغابن : إِنّمَا أَمْوَ لُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .
93) هذا القسم من الكلام باطل ، وقد ألحقه بالحديث القائلون بقدم القرآن انتصاراً لعقيدتهم ومذهبهم .
94) كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب» ص 218 و219 ، طبعة المطبعة الحيدريّة بالنجف ، سنة 1390 ه .
95ـ96) «الفصول المهمّة» ص 17 ، طبعة مطبعة العدل ، النجف .
97) المراد من السبع الطوال السور السبع الكبيرة الواقعة في أوّل القرآن وسمّاها رسول الله صلّى الله عليه وآله : السبع الطوال . وهي «البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف ، يونس» . وعندما جمع عثمان القرآن . ظنّ أنّ سورتي الأنفال والتوبة سورة طويلة واحدة بسبب خلوّ التوبة من البسملة . وقدّمهما في الكتاب «القرآن» على سورة يونس . لهذا تحسب هاتان السورتان عنده من السور الطوال . ولكن لمّا اعترضوا عليه بأنّ رسول الله جعل سورة يونس بعد سورة الأعراف ، وعدّها من السور الطوال . لم يعرف جواباً يقوله ، وقال : لا علم لي بما وضعه رسول الله . («مهر تابان» ( الشمس الساطعة) في ذكرى العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه ، القسم الثاني ، ص 89 ، 90) .
98) شرح نهج البلاغة» في طبعة دار إحياء الكتب العربيّة ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم : ج 12 ، ص 46 و47 ، وفي طبعة بيروت ، دار المعرفة : ج 3 ، ص . 105
99) آخر الآية 3 ، من السورة 5 : المائدة ؛ والآية هي : فَمَنِ اضْطُرّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإنّ اللَهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ . ومن هنا يظهر أنّ قول أمير المؤمنين : فلا إثم عليه ليس من القرآن ، بل من إنشائه ، وجعله خبراً للمبتدأ من أجل إكمال الموضوع .
100) المناقب» لابن شهرآشوب ، ج 1 ، ص 499 ؛ وذكرها محبّ الدين الطبريّ في كتابيه : «ذخائر العقبى» ص 81 ، و«الرياض النضرة» ج 3 ، ص 208 و209 ، طبعة مكتبة لبندة ؛ كما ذكرها البيهقيّ في «السنن الكبرى» ج 8 ، ص 236 ؛ ورواها الشيخ المفيد في «الإرشاد» ص 114 ، الطبعة الحجريّة ، وفي آخر الرواية : لمّا سمع عمر كلام الإمام ، أخلى سبيل المرأة .
101ـ102) «قضاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب » للتستريّ ، ص . 276
103) الآية 12 ، من السورة 49 : الحجرات .
104) الآية 189 ، من السورة 2 : البقرة .
105) أي : استأذنوا ، إذ جاء في التفسير أنّ معنى تستأنسوا : تستأذنوا .
106) تفسير الدرّ المنثور» ج 6 ، ص 93 ، في تفسير الآية المباركة 12 ، من السورة 49 : الحجرات : يَأَيّهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظّنّ إِنّ بَعْضَ الظّنّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسّسُوا وَلَا يَغْتَب بّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مِيتًا فَكَرِهْتُمُوهُ‏َ اتّقُوا اللَهَ إِنّ اللَهَ تَوّابٌ رّحِيمٌ .
والآية 27 ، من السورة 24 : النور .
107) شرح نهج البلاغة» في طبعة أُوفسيت بيروت ، دار المعرفة : ج 1 ، ص 61 ، وفي طبعة مصر ، دار إحياء الكتب العربيّة ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم : ج 1 ، ص . 182
108) تفسير « مجمع البيان » ج 5 ، ص 135 ، طبعة صيدا ؛ و« تفسير أبو الفتوح الرازيّ » عن الثعلبيّ ، ج 5 ، ص 123 و124 ، طبعة مظفّري .
109) قضاء امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب » للشيخ محمّد تقي التستريّ ، ص . 261
110) الآيات 9 إلى 11 ، من السورة 50 : ق :
وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مُبَرَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنّتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ * وَالنّخْلَ بَسِقَتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ * رّزْقًا لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتًا كَذَ لِكَ الْخُرُوجُ .
111) الآيتان 68 و69 ، من السورة 16 : النحل :
وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِى مِن كُل‏الثّمَرَ تِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبّكَ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَ بٌ مّخْتَلِفٌ أَلْونُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لّلنّاس إِنّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ .
112) الآية 4 ، من السورة 4 : النساء : وَءَاتُوا النّسَآءَ صَدُقَتُهِنّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْ‏ءٍ مِنهُ نَفسًا فَكُلُوهُ هَنِيًا مّرِيًا .
113) تفسير العيّاشيّ» ج 1 ، ص 218 ؛


توقيع خادم الزهراء ع

لوسألوني في يوم الحساب
بم أفنيت عمرك في الشباب
بدون تردد هذا جـــــوابي
أنا وجميع من فوق التراب
فداء تراب نعل أبي تراب
يااااااااا علي



إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc