اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم .
مناظرته في صدقة
لا ريب في أن الناس تقع بالجهل والتيه اذا اعتمدوا على أنفسهم دون أن يرجعوا الى أهل العلم الصادق، فيكون الجاهل تائهاً في قفار الجهل ويحسب أنه عالم بالشريعة، ومن الذي يرشده الى الهدى والناس مثله اذا لم يكن المرشد العالم بالشريعة كما جاءت.
ولقد كانت بين الصادق وبين جاهل يدّعي العلم مناظرة في صدقة يحدّثنا عنها الصادق نفسه فيقول:
إِن من اتّبع هواه واُعجب برأيه كان كرجل سمعتُ غثاء الناس تعظّمه وتصفه، فأحببت لقاءه حيث لا يعرفني، فرأيته قد أحدق به كثير من غثاء العامّة، فما زال يراوغهم حتّى فارقهم ولم يقر فتبعته، فلم يلبث أن مرَّ بخبّاز فتغفّله وأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة، فتعجّبت منه، ثمّ قلت في نفسي:
لعله معاملة، ثمّ أقول: وما حاجته إِذن الى المسارقة، ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرَّ بصاحب رمّان، فما زال به حتّى تغفّله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة، فتعجّبت منه ثم قلت في نفسي: لعلّه معاملة، ثمّ أقول: وما حاجته إِذن إِلى المسارقة، ثمّ لم أزل
أتبعه حتّى مرَّ بمريض فوضع الرغيفين والرمّانتين بين يديه.
ثمّ سألته عن فعله فقال: لعلّك جعفر بن محمّد، قلت: بلى، فقال لي: وما ينفعك شرف أصلك مع جهلك ؟ فقلت: وما الذي جهلت منه ؟ قال: قول اللّه عزّ وجل «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى إِلا مثلها» وإِني لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت الرّمانتين كانت سيّئتين، فهذه أربع سيّئات فلما تصدَّقت بكلّ واحدة منها كان لي أربعين حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات وبقي لي ستّ وثلاثون حسنة، فقلت: ثكلتك اُمّك أنت الجاهل بكتاب اللّه، أما سمعت اللّه تعالى يقول «إِنما يتقبّل اللّه من المتّقين» إِنك لمّا سرقت رغيفين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت رمّانتين كانت أيضاً سيّئتين، ولمّا دفعتها الى غير صاحبها بغير أمر صاحبها كنت إِنما أضفت أربع سيّئات الى أربع سيّئات، ولم تضف أربعين حسنة الى أربع سيّئات، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته.
قال الصادق : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يَضلّون ويُضلّون.
أقول: وما اكثر أمثال هذا المتأوّل ولا غرابة بعد أن أعرضوا عن المنهل واستقوا من السراب.
وهذه شذرات من مناظرات الصادق ومحاججاته مع مَن تنكّب عن سبيل الهدى، وحاد عن سنن الحقّ، وهي قطرة من غيث، جئنا بها نموذجاً من تلك الحياة العلميّة في الحجج والأدلّة.