اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم
الإمام الرضا سراج الله في خلقه
إن واجب شكر المنعم قضية فكرية وفطرية ، فلايشك أحد في حسن شكر المنعم ووجوبه ، وكذا في قبح كفر المنعم وتحريمه !
والمنعم علينا بالعقل والكتاب والسنة هو الله تعالى ، ثم الذي هو حرف الربط بيننا وبينه تعالى ، وهو النبي وسلم ، ثم الإمام .
فالله تعالى هو مبدأ النعم كلها ، والنبي والأئمة هم واسطة هذه النعم.
ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام ؟
إنها بحر المعرفة الذي لا قعر له ، فالإمامة التي نبحث عنها ليست إمامة جماعة ، بل هي إمامة العالم وإمامة البشرية ! فلابد أن نفهم ما هو العالم وما هي الإنسانية ، حتى نفهم إمامة الناس في هذا العالم . وكل البحوث في هذا الموضوع- وجزى الله كتابها خيراً وشكر سعيهم - إنما هي على قدر مؤلفيها وكتابها ، وليست على قدر الموضوع ، حتى تكون إجابة وافية على سؤال:
ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام؟ إن الأفق بينهما بعيد.
على أي حال إن المولود في مثل يوم الغد صلوات الله عليه ، واحد من أئمة العالم العظماء الذين يتحير فيهم العقل ، ليس تحيراً بمقياس الخطابة بل بمقياس الدليل والبرهان !
للإمام الرضا خمسة عشر لقباً ، ذكر بعضها صاحب البحار رحمه الله ، ولم يذكر البعض الآخر ، وأول لقب ذكره لقب: سراج الله.
سراج الله.. كلمة تكفي للفقيه المتعمق في فقه الدين ، والحكيم المتعمق في الحكمة ، أن يفكر ماهي الخصائص التي تميز بها الإمام الرضا حتى صار لقبه: سراج الله في خلقه !
إن للسراج صفتين: النور والحرارة ، وقد وصف الله تعالى الشمس بأنها سراج ، في قوله: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ( سورة الفرقان: 61) كما وصف النبي وسلم بأنه سراج فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً . ( سورة الأحزاب: 45-46) .
فكما أن منظومة الكون المادي لها سراج هي الشمس تعطيها الضوء والحرارة ، فكذلك المنظومة الإنساينة لها سراج أيضاً !
إني أتحسر لأننا حتى الآن لم نصل الى دقائق القرآن ولطائفه العظيمة ، وأن عمرنا مضى ولم نفهم شيئاً يذكر ! فكم هو عميق هذا الإرتباط بين سراجي منظومتي الكون والإنسان ، وكم بيَّنَ الله تعالى لنا بذلك من صفات سيد المرسلين عليهما السلام ؟! الشمس تعطي الضوء والحرارة ، فتأخذ منها الطبيعة غذاءها ونموها حسب استعدادها، وروح النبي وسلم تشرق على معادن الناس بالنور وحرارة الحياة، فتأخذ منها نموها وتكاملها حسب استعدادها ! والناس أيضاً معادن كمعادن الذهب والفضة والحديد..الخ.
وهذه الشمس النبوية لم تغب بعد رحيله وسلم بل تواصلت وتواصل إشراقها وإن حجبتها الغيوم ! والإمام الرضا هو امتداد شمس النبوة في الأرض ، وهو شمس له من بينهم خصوصيته التي أعطاه الله إياها !
والنقطة المهمة هنا إضافة السراج الى اسم (الله) تعالى من بين أسمائه الحسنى ،
فالإمام الرضا سراج مادي ومعنوي منسوب الى الله تعالى ! وهذا اللقب تعبير كاف لنفهم منه أن مكانة الإمام الرضا في أي أفق ؟!
لقد قرأنا أن الإضافة تكون مغلبة أو مغيرة، وأن الشئ ما لم يضف يبقى في حد نفسه وعنوانه لا يتجاوزه ، أما إذا أضيف فتصير له حيثيتان واحدة ذات المضاف ، والثانية ما اكتسبه بالإضافة .
ثم يصل الأمر الى المضاف اليه ما هو ؟ ومن هو ؟
والمسألة هنا أن الإمام الرضا بذاته سراج، يعني أن معدن روحه المقدسة ونفسه القديسة ، منبع للنور والحرارة، فأي نفس مقدسة هذه التي (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) ؟ أما عندما تضاف الى (الله) تعالى وتتصل بمنبع (كُنْ فَيَكُونُ) فإن صفتها تكون: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فالإضافة تعطيها نسبةً الى المضاف إليه ، وحيثية وجود آخر .
سراج الله.. وطرف الإضافة هنا اسم الله ، وليس اسم العليم أو الرحمن أو الوهاب مثلاً ! وخصوصية اسم (الله) أنه يجمع الألف اسم من أسماء الله الحسنى ، وبذلك يكتسب السراج من أشعة الأسماء الألف ! من أشعة العليم والرحمن والرحيم .. الخ. إنه أمر يتحير العقل في تفهمه واستيعابه !
تُعرف قيمة الكلام من نفس الكلام، وتعرف أيضاً من شخصية قائله، فكيف إذا كانت درجة الكلام بعد كلام الله تعالى وقائله رسول الله وسلم ؟
وهذا الكلام الذي سأذكره قاله رسول الله وسلم لولده الإمام موسى بن جعفر الكاظم في وصف ولده الإمام علي الرضا ..واستيعابه يحتاج الى تفكير طويل ، لكنا نامل في هذه الدقائق أن نفهم منه شيئاً !
قال الإمام الكاظم : (ولقد رأيت رسول الله وسلم في المنام وأمير المؤمنين معه ، ومعه خاتمٌ وسيفٌ وعصاً وكتابٌ وعمامة ، فقلت له: ماهذا؟ فقال: أما العمامة فسلطان الله تعالى عز وجل، وأما السيف فعزة الله عز وجل، وأما الكتاب فنور الله عز وجل ، وأما العصا فقوة الله عز وجل ، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور . ثم قال: قال رسول الله وسلم والأمر يخرج الى علي ابنك.... ثم قال أبو الحسن : ثم وصفه لي رسول الله وسلم فقال: عليٌّ ابنُك، الذي ينظر بنور الله، ويسمع بتفهيمه، وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطئ، ويعلم ولا يجهل، وقد ملئ حكماً وعلماً، وما أقل مقامك معه، إنما هو شئ كأن لم يكن، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه، ومجاور غيره، فاجمع ولدك وأشهد الله عليهم جميعاً، وكفى بالله شهيداً).
عليٌّ ابنُك،الذي ينظر بنور الله... إن كل واحدة من هذا الكلمات في صفات الإمام الرضا تحير العقول ! فدققوا فيها وافهموا منها لقب: سراج الله !
وأعلى هذه الصفات قوله وسلم : يصيب ولا يخطئ، ويعلم ولايجهل.. فلم يكتف وسلم بالإثبات حتى ضم اليه النفي، وختمه بصفة بليغة: وقد ملئ حكماً وعلماً ! فهذه الجملة يصعب إدراكها ، لأن من يعرف واقع تكوين الإنسان وأنه (بناءٌ) مهما استوعب من العلم لا يمتلئ ، ومهما استوعب من الحكمة والكمالات العملية لا يمتلئ ! وأن الإنسان منهومُ علمِ لا يشبع ، وطالبُ كمالٍ لا يقنع ، حسب ما يفهمه لنفسه من الكمال !
أما الإنسان الذي يمتلئ علماً فلا من مزيد ، ويمتلئ كمالاً وحكمة فلا من مزيد ، فهو سراج الله في خلقه ، وهو علي بن موسى الرضا !
فكيف نتصور أننا قد فهمنا الإمام الرضا ؟!!
كيف ندعي أنا عرفنا الإمام الرضا الذي قال فيه النبي وسلم لمن ذكر اسمه: قل: صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ؟!
كيف عرفنا أي تربة دفن فيها ، ومن الذي ثوى فيها ، وأي روضة من رياض الجنة في ذلك البستان النبوي العظيم؟!!
قال الصدوق قدس سره في عيون أخبار الرضا :1/313: (حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى المعاذي النيسابوري قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي البصري المعدل قال: رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم رسول الله وسلم فقال: يا رسول الله من أزور من أولادك؟ فقال وسلم : إن من أولادي من أتاني مسموماً، وإن من أولادي من أتاني مقتولاً ! قال فقلت له: فمن أزور منهم يا رسول الله ، مع تشتت مشاهدهم ، أو قال أماكنهم؟ قال وسلم : من هو أقرب منك ، يعني بالمجاورة وهو مدفون بأرض الغربة . قال: فقلت يا رسول الله تعني الرضا؟ فقال وسلم :
قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ، ثلاثاً ) .
صلى الله عليه عدد ما في علم الله ، صلاةً دائمةً بقوام ملك الله.