اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم .
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
كربلاء..ملحمة الهدى الإلهي مع الضلال البشري
(ملاحظة: بما أن منهجنا أن لانتوسع فيما كثرت فيه الكتابة ، لذا نكتفي بنقاط عن جرائم يزيد في كربلاء ، ثم في المدينة ، ثم في مكة ).
عندما يسمع المسلم إسم يزيد ، يتبادر الى ذهنه أعظم جرائمه ، وهي إقدامه في كربلاء على قتل عترة النبي وسيدهم سيد شباب أهل الجنة .
فقد كان لفاجعة كربلاء وقع الصاعقة على جماهير المسلمين جميعاً ، لأنهم لم يتصوروا أن يُقْدِم بنو أمية على قتل ابن بنت النبي وسفك دماء عترته صغاراً وكباراً لمجرد أنهم لم يبايعوا يزيداً ! خاصة وأن الأساليب الأموية التي نفذوا بها جريمتهم كانت سابقة في التاريخ ومخالفة لأعراف العرب !
لذلك كانت شهادة الإمام الحسين الفجيعة هزةً لوجدان الأمة كلها ، وجريمة كبرى ، ومأساة ، وشهادة على الطاغوت ، وتجسيداً لقيم الإسلام ، وشعلةً نبويةً جديدة دخلت في ثقافة الأمة وضميرها .
وبسبب هذا التأثير الواسع لقضية كربلاء ، شكلت في عصرها سداً أمام تعاظم موجة بني أمية التي هي أخطر موجة على الأمة ، وفتحت في العصور التالية باباً جديداً للتحرك والنهضة والثورة على النظام الجائر ، كان مقفلاً أو يكاد منذ انهيار الأمة في عهد أمير المؤمنين وخلافة الإمام الحسن !
فلولا ثورة الحسين لأكمل بنو أمية مشروعهم في تخدير الأمة وتدريبها على الذل والخضوع ، حتى تصل الى مرحلة العبودية الكافية لأن تحكمها سلالات أموية كسلالات الفراعنة ، بل أشد سوءاً !
لقد أثبت الحسين للأمة أن كل ادعاءات الأمويين بالإسلام كاذبة ، فهم حاضرون لأن يقتلوا أولاد نبيهم بل أن يقتلوا نفس نبيهم إذا لم يخضع لهم !
وأثبت للأمة أن الأمويين لايؤمنون بشئ من قيم العرب والعجم ، بل يمثلون حضيض الإنحطاط الذي قلما يصل اليه مخلوق بشري !
في المقابل رَسَمَ الحسين في عمق ذاكرة الأمة لوحات خالدة لمفاهيم إسلامية ، كان من أبرزها التضحية بالنفس للعقيدة ، في مناقبية إنسانية عالية .
كما صار أمثولة وقدوة للشعوب في نضالها من أجل حريتها وإنسانيتها .
وقد بلغ من قوة هزة كربلاء أنها وصلت الى البلاط الأموي ووجدان بعض الأمراء الشباب الأمويين ! وستعرف أن الخليفة الجديد ابن يزيد أعلن تشيعه وأراد أن يسلم الخلافة الى الإمام زين العابدين علي بن الحسين ، فقتلوه !
وكان ثاني تأثيراتها أن الأمويين المروانيين الذين حكموا بعد يزيد اعتقدوا أن زوال حكم آل أبي سفيان كان بسبب جريمة كربلاء ! روى البيهقي في المحاسن والمساوئ/39: (قال عبد الملك بن مروان للحجاج بن يوسف: جنبني دماء آل أبي طالب، فإني رأيت بني حرب لما قتلوا الحسين نزع الله ملكهم).
وفي مروج الذهب:3/179، وطبعة/811: (فإني رأيت الملك استوحش من آل حرب حين سفكوا دماءهم(بني عبد المطلب) ! فكان الحجاج يتجنبها خوفاً من زوال الملك عنهم لاخوفاً من الخالق عز وجل) ! ورواه في العقد الفريد/1103 وقال: ( فلم يتعرض الحجاج لأحد من الطالبيين في أيامه ).انتهى.
ولم ترو المصادر المتقدمة مناسبة هذا الكلام ، لكن غيرها كشف أنه كان جواباً على رسالة الحجاج الذي استأذنه في قتل الإمام زين العابدين لأنه خطر على ملكه ! ففي خاص الخاص للثعالبي/66: (ووقع أيضاً إلى الحجاج وقد شكا إليه نفراً من بني هاشم وحرضه على قتلهم: جنبني دماء بني عبد المطلب..الخ.). وفي الصراط المستقيم:2/180: (كتب الحجاج إلى عبد الملك: إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين! فرد عليه: جنبني دماء بني هاشم وبعث بالكتاب إليه سراً فجاء النبي في النوم إلى علي بن الحسين وأعلمه فكتب إلى عبد الملك: إنه قد شكره الله لك وثبَّت به ملكك وزاد في عمرك ، فلما قرأه وجد تاريخ الكتاب واحداً ) .
وفي الصواعق المحرقة:2/583: (ثم كتب عبد الملك للحجاج أن يجتنب دماء بني عبد المطلب وأمره بكتم ذلك ، فكوشف به زين العابدين فكتب إليه: إنك كتبت للحجاج يوم كذا سراً في حقنا بني عبد المطلب بكذا وكذا ، وقد شكر الله لك ذلك وأرسل به إليه فلما وقف عليه وجد تاريخه موافقاً لتاريخ كتابه للحجاج ووجد مخرج الغلام موافقاً لمخرج رسوله للحجاج ! فعلم أن زين العابدين كوشف بأمره فَسُرَّ به وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهم وكسوة ، وسأله أن لا يخليه من صالح دعائه) .
وفي الخرائج والجرائح:1/256 ، بنحوه وفيه: (ففرح بذلك(عبد الملك)وبعث إليه بوقْر دنانير وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه وحوائج أهل بيته ومواليه . وكان في كتابه : إن رسول الله أتاني في النوم فعرفني ما كتبت به إلى الحجاج وما شكر الله لك من ذلك ) ! انتهى.
وستعرف أن الذين كانوا على مذهب عبد الملك في هذه المسألة قلةٌ من ملوك بني أمية وبني العباس وليس كلهم ، فالذي قتل الإمام هو ابنه الوليد !
إذا درسنا أول حركات النهضة والثورة على الظلم في الأمة ، نجد أنها وقعت بعد كربلاء ، وأن شعارها كان: (يالثارات الحسين ) ! ومعناه أن أفكار كربلاء ومشاعرها انتشرت في بلاد الأمة بسرعة ، وظهرت في ثورة التوابين ثم في حركة المختار التي سيطرت على العراق نحو سنتين ، ثم في ثورة زيد بن علي بن الحسين ، ثم في ثورة العباسيين ، وعشرات الثورات والحركات في أنحاء العالم الإسلامي . بل ما زلنا نرى الى عصرنا أن غالب الحركات والثورات الإسلامية وغير الإسلامية إن لم نقل كلها ، تحرص على تشبيه نفسها بنحو وآخر بالإمام الحسين وملحمة كربلاء ، وقيمها الإنسانية الخالدة .