اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
روى بشير بن جذلم وقال : لما قربنا من المدينة حط علي بن الحسين رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شئ منه فقال : بلى يا ابن رسول الله ( ) إني شاعر فقال ( ) : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله .
قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي ( ) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار
قال : ثم قلت : هذا علي بن الحسين ( ) مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه ، قال : فلم يبق في المدينة مخدرة ولا محجبة الا برزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة ولاطمة فلم ير يوم أمر على أهل المدينة منه ، وسألوه : من أنت ؟ قال : فقلت : أنا بشير بن جذلم وجهني علي بن الحسين وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه .
قال : فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان على بن الحسين داخلا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسي فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته فعزاه الناس فاوما إليهم أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال : الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين بار ؟ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السموات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وجليل الرزء وعظيم المصائب .
أيها القوم ان الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان ، أيها الناس فأي رجالات يسرون بعد قتله ؟ أية عين تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار والسموات والأرض والأشجار والحيتان والملائكة المقربون وأهل السموات أجمعون .
أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام .
أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا الا اختلاق والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه فانا لله وإنا إليه راجعون .
فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان وكان زمينا فاعتذر إليه فقبل عذره وشكر له وترحم على أبيه.