السيد محمد علي الحكيم رحمه الله - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: الـمـقـاومـة وقـضـايـا السـاعـة :. ميزان أخبار الشيعة والمقاومة الإسلامية

إضافة رد
كاتب الموضوع مشرق الشبلي مشاركات 1 الزيارات 3600 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

مشرق الشبلي
الصورة الرمزية مشرق الشبلي
عضو مميز
رقم العضوية : 6860
الإنتساب : Nov 2009
الدولة : شيعة علي ( ع )
المشاركات : 629
بمعدل : 0.11 يوميا
النقاط : 211
المستوى : مشرق الشبلي is on a distinguished road

مشرق الشبلي غير متواجد حالياً عرض البوم صور مشرق الشبلي



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان أخبار الشيعة والمقاومة الإسلامية
افتراضي السيد محمد علي الحكيم رحمه الله
قديم بتاريخ : 01-Mar-2011 الساعة : 07:54 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.
ولادته ونشأته
ولد سيدنا المترجم في جمادى الأولى عام 1329هـ في بيئة أبرز سماتها الورع والتقوى، تحت ظل والده العلامة الجليل السيد أحمد، حيث التقى والورع والعلم والزهد، فنبت في تلك الرياض النضرة نبتة صالحة، سار من خلالها في طريق المعارف الدينية، حتى أصبح ـ بعد حين ـ شجرة باسقة، (تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها).
كانت أسرته الخاصة التي نشأ في بيئتها تضم والده، ذلك الشيخ المتعب الكبير، المبتلى بأمراض عديدة، لكنه مع ذلك كان يسقيه من معارفه، ويفيض عليه من أخلاقه، ويغدق عليه بعطفه، كما تضم أخواله الثلاثة الأعلام، وهم: آية الله العلامة السيد محمود الحكيم ، وآية الله السيد هاشم الحكيم ، وأشهرهم وأبرزهم وأكثرهم صِلةً به هو آية الله العظمى السيد المحسن الحكيم (تغمده الله برحمته).
فكانت نشأته الأولى بين هؤلاء الأعلام، يستفيد من تجاربهم، ويستقي من علومهم، ويتلقى منهم ما يَستَحسِنونه من غذاء روحي له ولأقرانه، وهو مع ذلك ليس بعيداً عن أسرته (أسرة آل الحكيم)، «وهم سادة نجباء، تبدو عليهم سمات الصلاح والدين... وهم منتشرون في محلات النجف، خرج منهم بعض أهل العلم ورجال الدين، وفيهم اليوم علماء وفضلاء، حازوا الرتبة السامية و المنزلة الرفيعة، كثر الله في رجال العلم أمثالهم».
كما أن البيئة العامة التي نشأ فيها هي بيئة النجف الأشرف العلمية، التي كانت ومنذ مهبط الشيخ الطوسيh بها مركزاً علمياً وجامعة دينية، ينتجع بتربتها كثير من طلاب العلم، حتى بدت مفعمة بروّاد العلم وأرباب الفضيلة، ومهبط العلماء ومنار الفكر، بحيث قد لا تجد أسرة تسكنها إلا ولها نصيب من العلم أو الأدب والفضيلة. هذه هي بيئته وهذا بلده ومجتمعه، ومنها أصحابه وأقرانه وأصدقاؤه وأخلاّؤه، نشأ بينهم وارتوى وأينع معهم.
أبوه وأمه
من الطبيعي أن يكون للأب والأم الحظ الأوفر في بناء شخصية وليدهم وتعليمه وتربيته، ولم يكن سيدنا بعيداً عن ذلك، فقد كانت أمّه تلك المرأة الصالحة التقيّة بنت العالم الجليل المقدّس آية الله السيد مهدي الحكيم وأختُ الأعلام الثلاثة السيد محمود الحكيم والسيد محسن الحكيم والسيد هاشم الحكيم.
وأمّا أبوه فهو السيّد أحمد بن السيّد محسن الحكيم، «كان عالماً جليلاً ورعاً مقدّساً، ومن فضلاء الحوزة العلمية، ابتلي بعدة أمراض منعته من مواصلة دراسته، فكان يحث ولديه على طلب العلم والالتحاق بركب الحوزة»، كما أنه كان صبوراً متواضعاً كريمَ النفس، تخرَّج في الأبحاث العالية على يد آية الله الشيخ محمد المظفر، المتوفى سنة 1322، إلا أنه أصيب بأمراض عديدة تركته جليس الدار، حتى قضى نحبه وقد نيَّف على السبعين من عمره، وكانت وفاته في الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة1350هجرية، ودفن في إحدى مقابر الصحن الحيدري الشريف.
دراسته العلمية
لم يكن سيدنا مختلفاً عن سائر أقرانه في الدخول إلى الكتاتيب (الملالي)، ليتعلّم هناك القراءة والكتابة حيث كان مألوفاً لدى الجميع، حيث يبتدئ الطفل بتعلّم الحروف الأبجدية، ثم قراءة القرآن الكريم، وهكذا يتدرج في معارفه وعلومه.
لكن سيّدنا لم يدُم هناك أكثر من شهر، لعدم استفادته منهم، فانتقل إلى التعلّم في البيت، حيث أصبح المعلّم الأوّل له ـ وهو ابن ست سنين ـ ولشقيقه السيد محمد الذي يكبره بثلاث سنوات تقريباً، أبوهما الجليل السيد أحمد، فكان يُقْرِؤهما القرآن الكريم، مع تركيزه على القراءة الصحيحة، بل حتى المحسّنات فيها،كموارد الوقف والإدغام وغيرهما، وكان السيد الحكيمh ـ ولحسن خطه ـ يكتب لهما في لوح نحاسي يعرف باسم(المشق)، فيتعلّمان الكتابة والخط في دارهما أيضاً، بإشراف أبيهما (رضوان الله عليه).
وما أن أتمّ ختم القرآن الكريم ـ وهو بعد لم يتجاوز التاسعة من عمره ـ حتى ابتدأ بدراسة الكتب الحوزوية.
فدرس عند خاله آية الله السيد هاشم الحكيم ـ مع شقيقه السيد محمد وابن خاله آية الله التقي السيد يوسف ـ الأجرومية وقطر الندى وشرح ابن الناظم على الألفية، ودرس عنده أيضاً القسم الأكبر من الباب الأول من مغني اللبيب، وكذا الباب الرابع منه، وإن كان خرج عنه في بعض الأقسام بالحضور عند حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن السيد ماجد الحكيم.
وشارك السيد يوسف بدرس كتاب الحاشية لملا عبد الله في المنطق عند المرحوم السيد الحكيم، فيما كان السيد الحكيم آنذاك مشغولاً بتدريس المكاسب والكفاية والرسائل، وأتمّ الحاشية وتمام الشمسية عند آية الله الشيخ محمد تقي ابن الشيخ صالح آل الشيخ راضي، كما درس معالم الدين عند آية الله الشيخ محمد رضا المظفر. ثم إنه درس الكفاية عند مجموعة من أهل العلم، منهم آية الله السيد محمد البغدادي، والعلامة الجليل السيد محمد أمين الصافي.
أما الرسائل فكان أستاذه فيها والذي استفاد منه كثيراً هو المرحوم آية الله السيد ميرزا حسن البجنوردي، وكان سيدنا المترجم على علاقة وطيدة به، كما درس عنده قسماً من المنظومة للسبزواري، وحضر المكاسب عند آية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي.
ثم إنه ابتدأ بحضور الخارج في الأصول عند آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني في دورته الأخيرة، كما حضر درس المرحوم آية الله العظمى الشيخ أغا ضياء العراقي في الأصول، حيث حضر عنده قاعدتي الفراغ والتجاوز، إلا أن الدرس كان باللغة الفارسية وسيدنا غير متقن لها، فترك الدرس، كما أنه حضر البحث الخارج في الأصول عند آية الله الشيخ حسين الحلّي في دورته الأولى، حيث إن ابتداء الشيخ المذكور بالبحث الخارج كان على هيئة درس كتتميم لدرس الميرزا النائيني، وبعدها أصبح درساً عاماً، ومن ثَمّ كان درسه أشبه بالتعليق على تقريرات الميرزا النائيني.
أما الخارج في الفقه فلم يحضر إلا عند السيد الحكيم، حيث ابتدأ معه من بدايات مباحث شروط لباس المصلي، ثم إنه أعاد البحث من أول أبواب الفقه، فكان الحضور لسيدنا المترجم عنده تمام المستمسك.
كما حضر عند السيد الحكيم البحث الخارج على المكاسب، والذي كانت حصيلته فيما بعد كتابه المعروف بـ(نهج الفقاهة).
ولم يقتصر سيدنا على ذلك، بل أخذ ـ ومن أجل حبّه للعلم ـ بدراسة الكتب الحديثة لشتى العلوم، زمالةً مع الشيخ محمد رضا المظفر، حيث درس الرياضيات ـ الحساب والهندسة والجبر وغيرها ـ والكيمياء والفيزياء والجغرافية والفلك وغيرها، فكان ولا زال له باع فيها واسع تُميِّـــزُه حتى على كثير من رواد هذه العلوم.
وكذلك ـ وبالرغم من كثرة مطالعاته للكتب العلمية الدينية بمختلف فنونها ـ كان كثير المطالعة لمختلف العلوم وأنواع الفنون، مستفيداً من ذلك سعة الأفق، ومكتسباً منها المعارف الجديدة التي تطرح في الساحة، بلا فرق في تناوله لما يقرؤه ـ إذا كان مناسباً لما تصبو إليه همّته ـ بين كتاب أو صحيفة أو مجلة، ومطّلعاً في الوقت ذاته على أكثر ما يدور من الأفكار في الساحة، محليةً كانت أو دوليةً، مع انتباه وحفظ لكل ما يجد فيه نفعاً وفائدة.
تدريسه
من المعروف في الحوزة العلمية أن الطالب حين يتم درسه للمادة وفهمه لها يكون معرّضاً ـ خصوصاً إذا كان من المشتغلين ومن ذوي البيان الجيد ـ لتدريسها إلى الطلاب المتأخرين عنه في المرحلة، فهو في الوقت الذي يكون فيه تلميذاً مستمعاً لأستاذه يكون أستاذاً يُنصَتُ إليه، ويستفاد منه في شرح مادة علمية، بلا فرق بين أن يكون ما يَدرسه ويُدرِّسه من علم واحد أو علوم مختلفة، بل ربما يوفق التلميذ بعدّة دروس أو عدّة حلقات لمادّة واحدة أو مواد مختلفة.
كما أن المألوف والمتعارف بين أبناء الحوزة العلمية أن الطالب حينما يكمل المادة التي يدرسها يبدأ بمباحثتها مع زميل له أو قرين، بأن يلقي الدرس عليه وكأنه أستاذه، ويكون الآخر طالباً مستمعاً، فإن وجد الطرف الآخر في المادة أو في شرحها وتوضيحها ما يثير إشكالاً أشكل عليها، وأوضح المطلب بالشكل الذي يرتضيه، وفي اليوم الآخر تتبدل الأدوار فالأستاذ في اليوم السابق تلميذ في اللاحق والتلميذ أستاذ، وهكذا يتدارسان المادة، حتى يأتوا على آخر الكتاب.
بل ربما يختار بعض المشتغلين من الطلبة طالباً أسبق منه مرحلة وأعلى درجة، بل قد تصل إلى أن يكون بمرتبة أستاذه، ليلقي عليه مادة الكتاب والآخر (الأكبر) مستمع ومنصت له، فإن أخفق أخذ بيده إلى الصواب، وإن أصاب أيّده وشدّ من أزره، وبالتالي يستفيد منه أكثر من حيث البيان، وفهم المادّة ونضوجها، بل قد يستفيد منه في الجانب التربوي أيضاً.
كل هذه الأساليب التي ذكرتها تكون منشّطة للطالب أكثر فأكثر، حتى تصقل موهبته، وتنضج مداركه، وتتضح المعلومة التي أخذها من أستاذه بسبب مرورها عليه مرةً بعد أخرى، بصور مختلفة وأساليب متعددة.
وكان سيدنا المترجم قد مارس ـ في مراحله الدراسية ـ الأساليب المتقدمة الذكر، فكان كثير المباحثة، حيث قد تباحث كتاب الحاشية ـ كما يذكر هو (مد ظله) ـ مع شخص واحد تسع مرات، مما أثّر في هيمنته عليها، وأصبح يدرّسها ـ بعد ذلك ـ من دون حاجة إلى تحضير، ولا زال اليوم ـ وهو تجاوز عمره المائة عام (مدّ الله في عمره) ـ يحفظ جلّ متنها، ويستشهد بمطالبها، ويسأل عن معضلاتها.
وكذا الحال بالنسبة لشرح ابن الناظم على الألفية، فهو ـ بالرغم من صعوبتها وتشتت مطالبها ـ لازال يفسّر مبهماتها، ويسأل من يلتقي به من طلابها عن معضلاتها وخصوصياتها. ولم يقتصر على هاتين المادتين، بل تتعدى حافظته حتى إلى مطالب الكفاية والمكاسب والمستمسك، والتي أخذها طالباً ومرّ عليها مباحثاً ثم أستاذاً، ولست مبالغاً في ذلك، بل يعرف ما أقول كلُّ من له أدنى علاقة به.
ومن الطريف هو أنه قد زاره قبل أيام جمع من طلبة الجامعة وخرّيجيها و أساتذتها، فيتوجّه (دام ظلّه) بالنصح لهم، ثم يبدأ ـ ممازحاً لهم ـ بعرض مسألة في الحساب والهندسة، فاستطاع بعضهم حلّها، فوجّه إليهم مسألة ثانية وثالثة، حتى عجزوا عن الجواب، ووعده بعضهم بأن يأتيه بالجواب لاحقاً.
ولا نبتعد كثيراً، فقد قام (دام ظله) بتدريس الكتب الحوزوية مرات كثيرة، وخصوصاً المقدّمات، كما أنه درّس الكفاية عدة مرات، كان أولها للشيخ الجليل الشيخ محمد الشيخ راضي، حيث كانت لسيدنا رابطة خاصة به، لا زالت آثارها إلى يومنا هذا.
وكان منهجه في تدريسه لتلك الكتب العلمية مختلفاً عما هو المألوف، من توضيح عبارة الكتاب فقط، بل كان يتوسع إلى حدّ قد يصل إلى مستوى البحث الخارج، خصوصاً في تدريس كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري ـ، حيث كان يلقي أولاً على طلابه مطلب الكتاب الذي يُدرَس، ويوضّح كل الخصوصيات التي تتعلق به، ثم يقوم ـ وبعد وضوح المادة للطالب ـ بمحاكمة رأي المؤلف، ومناقشة مبانيه، وإذا كانت تلك المادة موافقة لرأيه شيّدها ودعمها بقضايا وشواهد، ملاحظاً في كل ذلك قابلية الطالب وسعة إدراكه.
ثم إن وجد في الطالب القابلية على الإشكال على الكتاب الذي يدرسه شجّعه ونظَّم له إشكاله، أو بيَّن له موارد الخلل فيه.
وكان لأسلوبه هذا فوائد جمّة، أعطت لطلابه الحيوية والقابلية على التفكير والاستنتاج والجرأة العلمية.
ثم إن الطريقة المألوفة في الحوزة العلمية، من حرية الطالب في اختياره للمادة العلمية، وكذا حريته في اختيار الأستاذ ووقت الدرس، جعلت حصر الطلاب غير ممكن عادة، إذ قد تكبر الحلقة الدراسية وقد تصغر، نظراً لما يطرأ على الطالب والأستاذ من مشاغل وعوائق، قد تفصلهما عن بعضهما، أو تجمعهما في وقت آخر، ومن هنا أمكننا ذكر جملة ممن يحضر في الذهن
من طلابه..
1ـ السيد محمد حسين السيد سعيد الحكيم.
2ـ الشيخ محمد علي العمري.
3ـ الشيخ محمد الشيخ راضي.
4ـ السيد محمد تقي الحكيم.
5ـ السيد محمد صادق الحكيم.
6ـ الشهيد السيد محمد رضا نجل السيد الحكيم.
7ـ الشهيد الشيخ أحمد السماوي.
8ـ السيد علي السيد محمد حسن فضل الله.
9ـ السيد علي السيد حسين مكي العاملي.
10ـ السيد فخر الدين أبو الحسن العاملي.
11ـ الشهيد السيد مهدي نجل السيد الحكيم.
12ـ الشهيد السيد عز الدين بحر العلوم.
13ـ الشهيد السيد جعفر بحر العلوم.
14ـ السيد محمد جواد السيد عبد الرؤوف فضل الله.
15ـ ولده السيد محمد سعيد الحكيم.
16ـ الشيخ جعفر الشيخ محمد تقي آل صادق.
17ـ الشهيد السيد عبد الصاحب نجل السيد الحكيم.
18ـ ولده السيد عبد الرزاق الحكيم.
19ـ الشهيد السيد عبد الوهاب نجل السيد يوسف الحكيم.
20ـ السيد محمد جعفر السيد محمد صادق الحكيم.
21ـ الشهيد الدكتور السيد عبد الهادي نجل السيد الحكيم.
22ـ الشهيد السيد علاء الدين نجل السيد الحكيم.
23ـ الشهيد السيد محمد حسين نجل السيد الحكيم.
24ـ السيد عبد الأمير السيد محمد علي الحكيم.
25ـ السيد أمين السيد يوسف الحكيم.
26ـ السيد عبد المنعم السيد عبد الكريم الحكيم.
27ـ الشيخ سلمان اليحفوفي.
28ـ ولده السيد محمد تقي الحكيم.
29ـ ولده الشهيد السيد محمد حسن الحكيم.
30ـ ولده السيد محمد صالح الحكيم.
31ـ الشهيد السيد محمد حسين السيد موسى بحر العلوم.
32ـ الشهيد السيد محمد رضا السيد موسى بحر العلوم.
33ـ الشهيد الشيخ علي قبلة.
34ـ السيد محمد حسين السيد محمد صادق الحكيم.
35ـ الشيخ عبد الحسين آل صادق.
36ـ السيد عبد الصاحب السيد عباس الحكيم.
37ـ السيد حسين السيد عبد الصاحب الحكيم.
38ـ سبطه السيد عبد الحسين القاضي.
39ـ حفيده السيد حيدر السيد محمد سعيد الحكيم.
40ـ حفيده السيد مقداد السيد محمد صالح الحكيم.
41ـ الدكتور حسن الشيخ علي ثامر.
42ـ الأستاذ موسى الشيخ راضي.
43ـ الدكتور مهدي المخزومي الأكاديمي العراقي المعروف
44ـ الأستاذ السيد محمد رضا السيد جعفر الحكيم، وقد ذكر لي أنه سافر إلى إيران وسمع من جملة من المشايخ أن السيد محمد علي الحكيم من أفضل أساتذة الكفاية.
ثم إن جودة بيانه وسعة أفقه وسيطرته على المطالب العلمية أشاعت في الأوساط أن الذي يريد أن يوفق في الدراسة الأكاديمية فليحضر عند السيد محمد علي الحكيم فإنه يعطي المادة حقها، فقد ذكر لي ذلك بعض طلبة سيدنا الجد من الأكاديميين القدامى من آل سميسم.
واللافت للنظر هو الاختلاف الفاحش في طبقات طلابه، مما يشير إلى استمرار عطائه مدة مديدة من الزمن.
ولم يكتف سيدنا المترجم ـ في شبابه ـ على الدرس والتدريس، بل كان اهتمامه منصبّاً ـ أيضاً ـ على نشر التراث الديني، حيث كان يعيش آنذاك ـ لعدم تيسر الطبع والنشر ـ في زوايا المكتبات الخاصة أو العامة في النجف الأشرف، حيث المخطوطات القديمة التي كانت تعلوها الأتربة في زوايا مهملة.
لكن بهمّة الشباب الناشئ، يتقدمهم الشيخ المظفر وثلة من أهل العلم، منهم السيد الجد (مدّ ظله) أنشئ تجمع باسم (منتدى النشر)، والذي كان ذا محورين..
الأول: نشر المعارف الدينية، بتحقيق وطبع كتب الشيعة، حفاظاً عليها من الضياع والاندثار، وتيسيراً للاستفادة منها، فكان باكورة عملهم تحقيق كتاب (حقائق التأويل) ذلك السفر الخالد في تفسير القرآن، تأليف السيد الشريف الرضي، ولم يعثر إلا على الجزء الخامس منه، فأنجز تحقيقه من قبل الشيخ الجليل آية الله الشيخ عبد الحسين الحلي.
الثاني: تدريس المعارف الدينية والعلوم الأدبية، من النحو والصرف والبلاغة والمنطق والأصول وغيرها مما تتناوله الحوزة العلمية في بحوثها، وكان الهدف هو أن يتم التدريس فيها بشكل منظم ومنهجية جديدة، على أن بعض المعارف بقيت على المنهجية القديمة، فكان الشيخ المظفر يدرّس المنطق، والشيخ علي ثامر يدرّس البلاغة، وسيدنا المترجم يدرّس النحو.
وبعد مرور سنتين انحل ذلك التجمع، وشُكل بعده تجمعٌ آخر بنفس الاسم، ولم يدخل سيدنا المترجم فيه لظروف خاصة، وإن بقيت علاقته الوطيدة بجُل أفراد ذلك التجمع.
اهتمامه بالعلم ورجاله
لعله ليس غريباً أن يمرّ طالب العلم المجدّ والمشتغل ـ أستاذاً كان أو طالباً ـ بكل ما ذكرناه سابقاً مما مرّ به سيدنا المترجم، لكن أن تبقى عنده هذه الحيوية والروحية وهو في كهولته وشيخوخته، بل وحتى هرمه، فهذا أمر عجيب.
ترى سيدنا المترجم لازال ـ وقد تجاوز المائة سنة من عمره الشريف ـ على اهتمامه البالغ بالجانب العلمي والروحي، فتراه حين يتوسم في شخصٍ الخيرَ والاشتغالَ يطلب منه أن يترك كل ما بيده من عمل ويتجه لطلب العلم مشدداً على أهمية ذلك، مؤكداً على حاجة الدين إلى المخلصين والمتدينين، فيما تراه يسأل عن أبناء أحفاده وأسباطه أي منهم مهتم بالدراسة، فيحثه على أن خدمة هذا المبدأ الشريف، من خلال الدراسة الحوزوية.
ولا أنسى أيام اشتغال أحد أولادي في المدرسة الأكاديمية ـ وكان جيداً في تحصيله ـ كان سيدنا الجد (مد ظله) يصرُّ عليه أن يسلك طريق الحوزة، ويزهده في غيرها من التوجهات، ثم تبقى هذه القضيّة من همّه مدة متطاولة، وما أن استجاب ولدي لنصحه حتى أنَسَ سيّدُنا أشدَّ الأُنْس بقراره، ودعا له، ولا يكتفي سيدنا بذلك بل تراه يفعل هذا مع الآخرين من أبناء أحفاده وأسباطه وغيرهم بشكل ملفت، تشعر من خلال ذلك اهتمامه بخدمة هذا المبدأ، وقناعته التامة بما اختاره وما يختاروه لأنفسهم. نسأل الله تعالى لنا ولهم ولبقية إخواننا المؤمنين التوفيق والتأييد والتسديد والإخلاص لله تعالى في القول والعمل، إنه أرحم الراحمين.
كما أن سيدنا حين يلتقي بهم يمازحهم، ثم يسألهم سؤالاً تلو سؤال في ما يخصّ دروسهم، ويسأل عن اشتغالهم، وينصحهم، ويشير عليهم بالمنهج الجيد والطريقة الناجعة النافعة، ويختم الحديث معهم بالدعاء لهم. وهذا الذي ذكرته ليس من محدثات هذه الأيام، التي ربما يكون وضع أهل العلم فيها جيداً من حيث الجانب المادّي أو الأمني أو المعنوي، لكن سيدنا المترجم هو هكذا في حبه وتفانيه لهذا المبدأ الشريف في كل الأدوار وجميع الأزمنة، رغم السيل العارم والمدّ الجارف والأمواج المتعدّدة التي مرت عليه طوال قرن من الزمن، مليء بالأحداث المتضاربة المتغيرة.
فسيّدنا حينما مرت عليه المحنة الأولى في الخمسينيات الهجرية وهو بعدُ في شبابه، لم تثنه عن هدفه، بل أزادت في إصراره وطموحه في قبال التوجه اللاديني من جانب، والساخر من جانب آخر، والحرمان المالي من جهة ثالثة، حتى أخذ بدراسة الكتب الأكاديميّة، وكأنَّ الكتب العلميّة المتداولة لم تكن كافية في الإصرار على طلب العلم! بل لابد من إصرار بعد إصرار، حتى أنه (دام ظله) يذكر أنه في ذات يوم تذاكر هو والشيخ محمد رضا المظفر انصراف الناس عن طلب العلم ـ خصوصاً العراقيين ـ، فأخذ هو والشيخ المظفر يعدّون من يعرفونهم من الجيل الناشئ، فلم يتجاوزوا ـ في عدّهم ـ عدد الأصابع.
بل يذكر (مد ظله) أن أحد الوجهاء من رجال العلم لا أحب ذكر اسمه، نصح سيدنا الجد السيد يوسف ـ وهو المعروف باشتغاله ـ بأن يسلك مسلك الدراسة الجديدة، وما ذاك إلا لبريق الدعاية لتلك الدراسة، وأنها مفيدة، حيث تُطلع الطالب على علوم عديدة حديثة، وليس للحوزة إلا المناقشة حول مسائل قد أكل الدهر عليها وشرب.
وكذا كان في جانب هذا البريق العطاءُ السخيّ لمجرد السلوك في ذلك المسلك، في وقت كان سيدنا ـ وكذا أمثاله من أهل العلم ـ يقضي أيامه بالاقتراض من أجل لقمة العيش له ولعائلته، وفي ذلك يقول السيد الجد: «كنت أتمنّى أن أحصل في الشهر على دينار ونصف، وطبيعي لا أحصل عليه»، وفي قبال ذلك كان المعلم يحصل في الشهر على ستة دنانير، والمدرّس على خمسة عشر ديناراً، وهكذا تتصاعد الرواتب، لكن لم يكن للمخلصين من طلبة العلم سوى الإصرار على هذا المسلك، حفظاً له من الضياع، رغم المغريات الآنفة الذكر وغيرها.
وكذا يذكر سيدنا من صور الاستهزاء بالحوزة العلمية ما كانت تلهج به الإذاعة العراقية في بداية نشأتها، من إطلاق سراح الكلاب وتكبيل المومن، و المقصود بـ(المومن) في اللهجة العامية هو رجل الدين، بل قد وصلت الجرأة لبعضهم أن يطلب من صديقه الابتعاد عن تجمع فيه رجال الدين من أجل تدخين السيكاير في شهر رمضان، مع عبارة نابية بحقهم، لكن لم يلق من صديقه أُذُناً صاغية، بل كان من الرجال المصرّين على التديّن، رغم التحاقه بصفوف الدراسة الجديدة.
ويذكر عن شخص ثانٍ استهزاءه بالدين حيث كان في بعثة إلى مصر فوجد صديقاً له قد لبس في رجليه نعلاً أبيض، فقال ـ باستهزاء ومن دون اكتراث بكلامه ـ «ما لك اليوم لابس شباك العباس». ويخرج ثالث من الحوزة وهو من المتديّنين، فينشر في بعض الصحف قصيدة في ذم الحوزة ورجال الدين، فيلتقي به الشيخ صادق القاموسي فيعاتبه على فعله، فيقول له: «شيخنا صرت موظف»، وكأن الوظيفة تقتضي الخروج عن الدين، ولو في الظاهر، بل قد أصبح يُتحدث في الأوساط العلمية العامة عن مجموعة شبل شميل و مجموعة داروِن وغيرهما من الكتب المضلة التي تروجها المؤسسات الكافرة أو المشبوهة.
يقول سيدنا: كنت ذات يوم مع الشيخ المظفر في بيت الشيخ محمد جواد الشبيبي ـ والد الشيخ محمد رضا ـ، وكانت لآل المظفر مصاهرة معهم، نتدارس الكتب الحديثة، فسمعنا همهمة في البيت، وبعد لحظات أطل علينا الحاج عبد المحسن شلاش ـ وكان متواضعاً مثقفاً ترابياً، رغم وضعه الاجتماعي والمالي وكبر سنه ـ، ظناً منه أنَّ الشبيبي في البيت، لكن الشيخ المظفّر اعتذر إليه بأن البيت لا يسع فالتجأنا لهذا البيت، حيث إنهم في بغداد، ثم عرض الشيخ المظفر على الحاج شلاش ما يقومان به من دراسة الكتب الحديثة، فأبدى الحاج شلاش استئناسه، وأثنى على هذا العمل أشد الثناء، ثم التفت إليه الشيخ المظفر قائلاً: يا حاج، ما بال هذا الانقلاب على الدين من قِبَلِ هؤلاء، وليس في هذه الكتب ما يشير إلى الدين بشيء، بل كل لها موضوعها وبحثها، فالحساب ينظر في جانب الجمع والطرح والزوايا الهندسية، والأرض هي موضوع البحث في الجغرافية، وهكذا، فلم هذا التمرد على الدين؟!.
فابتسم الحاج شلاش وقال: إن الغرب حينما غزا بلادنا الإسلامية لم يكن بوسعه محاربة الإسلام واقتلاع جذوره، لقوة الإسلام وقوة أتباعه من رجال الدين، وحرمتهم في نفوس الناس، فكانت وسيلة حربهم للدين ورجاله بإدخال هذه العلوم الجديدة، ليبعد الناس عن رجال العلم بحجة افتقارهم لمثل هذه المعارف، مع إجراء حملة لتشويه صورهم، ومن وراء كل ذلك يضعف الوازع الديني لدى المسلمين، ومن ثَمّ تسهل السيطرة على أفكار المجتمع.
وتمضي الأيام، ويعود أبناؤنا إلى أحضان الحوزة، حتى الموظفون منهم، وترجع أواصر المحبة، بل يحمل بعضهم راية الدفاع عنها، ويندم آخرون على ما فرّطوا، وهكذا. لكن لا تختفي الفتن بذلك، بل تنشأ أفكار بصور مختلفة، وبأشكال جديدة، لا أقل من أنها مخالفة لمنهج السلف الصالح من رجال الحوزة، وكل منها تأخذ حيزها من الوقت والطاقة، وتصبح مثاراً للجدل، ويكثر الخلاف فيها والاختلاف منها، فهناك متبنّيات طالت الجانب العقائدي والفكر الديني، فجعلت تخفف كل ما لا يعجبها من فصول العقيدة، بل قد تطاولت في تماديها حتى على مقام الأئمة الأطهار ( ع) وهناك من لم ينتبه إلا للجانب الفقهي والأصولي، داعياً إلى تخفيف كل هذا الاهتمام بهما، والتوجه إلى ما يرتئيه هو من رؤى وخواطر، وثالثة كان همها الساحة الإسلامية، وليس المقصود منها الإهتمام بشأن المسلمين وكيفية تماسكهم وإعاشتهم الإعاشة الكريمة، بل جعلت من هذا العنوان ستاراً ترتديه، موجهة سهام التشكيك والدعاية المفبركة والأساليب الخادعة قبال الحوزة العلمية، منصبةً من نفسها الوصاية على الحوزة العلمية، آخذةً منها محوراً للنقد، مدعيةً أنه من النقد البنّاء، ولكنها في واقعها لا تُريد من نقدها ذلك إلا هدم صرح العلم والعقيدة، محاولة ستر كل تلك الأضواء البراقة بستار مخرّم من كل أسلوب الحياء، متناسية كل تلك الثمرات التي صاغها أجلة علمائنا (قدس الله أسرارهم) من أجل حفظ هذا المبدأ على أسس من التقوى والورع والإخلاص في القول والعمل والجد والمثابرة، من أجل التعمق في طلب العلم واستفراغ الوسع للوصول إلى الحكم الشرعي، باذلين زهرة حياتهم، ومضحين بالغالي والنفيس من أجل تحصين المجتمع بحصن أهل البيت ( ع )، مما جعلوا بجهدهم
الدؤوب ذلك راية الدين خفاقة وأعلامه واضحة ومفاهيمه ناصعة.
كما أنه قدس سره لم يرتضِ لكثير من الأفكار الداعية إلى الحزبية وما شاكلها، من دعوى تسييس الحوزة، وأخذ جانب السلطة لرجال الدين، بكل الصور التي تساق من أجل ذلك، راداً كلّ تلك الأفكار بشواهد وتجارب كانت محوراً لحياة مئات السنين لهذا المذهب المبتلى بفقد نبيه وغيبة إمامه ووليه المعصوم، الذي لا يتصوّر الخطأ في تصرّفه، ولا تقربه شائبة الإعجاب، ولا تنطلي عليه الأهواء. عصمنا الله من الزلل في القول والعمل.
ولم تصل الدعوى والأفكار إلى هذا الحد، بل تتعدى إلى قيام بعض الرجال بالتشكيك في كثير مما مرَّ على أهل البيت من أجل تقريب وجهات النظر مع الطرف الإسلامي الآخر، ولو بالتنازل عن بعض أصول المذهب، طالباً تنشئة جيل أو أجيال يبتعدون عن كل ما يعكّر صفو المحبة بين صفوف المسلمين، متناسين كل تلك الجرائم والآفات والمحن التي طالت أهل البيت ، والذي يهون الخطب أن بعض الأعيان ممن يتبنى هذا المنهج يرسل بعد عقدين من الزمن وبُعد الدار إلى سيدنا المترجم من يشكره على موقفه، وأن موقفه هو الموقف الصائب، وإن انطلت علينا نحن تلك الأفكار.
لكن انتباه واحد ورجوع آخر إلى الطريق المستقيم لا يكفي مع هذا السيل الجارف، وهذه الأجواء العاتية. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد لاقى سيدنا المترجم ـ على متبنّياته وإصراره على رؤيته ـ الكثير ممن لا تعجبه هذه النظريات، والتي أصبحت اليوم ـ ولله الحمد ـ مثار إعجاب الكثير، وانكشف زيف تلك الأفكار والأهواء، على اختلاف مسمّياتها، فاتُّهم منهم بِتُهم كان أيسرها أُمّيَّته، وأُشيع ذلك، حتى استغرب بعضهم كيف يقرّب السيد الحكيم رجلاً أمياً؟!.
وفي الليلة السادسة والعشرين من شهر رجب سنة 1403هجرية ـ وبعد إرهاصات متوالية من استعداد النظام البعثي للانتقام من أسرة السيد الحكيمh بعد دعوتهم (لمؤتمر إسلامي) يدعو فيه زيفاً إيران للمصالحة، ليتم بعد رفضها انطباقُ الآية الشريفة عليها (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)، فتكون بذلك هي الباغية، وبعد رفضهم الاشتراك في مثل هذه القضايا ـ اقتحمت دور السادة الأعلام من الأسرة، من جملتهم دار سيدنا الجد، حيث جاءت قوات الاقتحام من بغداد وضباط أمن النجف، واعتقلت سيدنا المترجم وأولاده وأحفاده، وأولاد وأحفاد السيد الحكيم، وعلى رأسهم آية الله التقي الورع السيد يوسف، وأولاد وأحفاد السيد سعيد الحكيم وغيرهم، حتى تجاوز العدد السبعين.
وتمر الأيام، ويعدم عدد غير قليل منهم، وتضم السجون الرهيبة العدد الأكبر، وتفرض الإقامة الجبرية ـ بعد اعتقال يسير ـ على شيوخ الأسرة، منهم سيدنا الجد.
إلا أن كل هذه المحن لم تثنِ سيدنا عن التواصل مع الكتاب والقرطاس، وقراءة خطاب أهل البيت لشيعتهم وسيرتهمb وهكذا.
بل لم تثنه المحن أيضاً عن حث قسم ممن بقي من رجال الدين من الأسرة على مواصلة الدرب، خصوصاً الشباب منهم، بل يدعو من لم يكن منهم ـ لصغره ـ من رجال الدين للالتحاق بهذا الركب، وكنت أنا ـ ولده وربيب بيته الكريم ـ من ضمن أولئك الملتحقين بهذا الركب، فاستعد ـ وهو في الثمانين من عمره ـ للابتداء معي في التدريس، فشرعت عنده بدرس الأجرومية، وقطر الندى وشرح ابن الناظم على الألفية.
ولم يكتف بذلك، بل لما رأى فقد المدرسين نتيجة حراجة الظرف، استعد لتدريس سبطه السيد عبد الحسين القاضي والسيد حسين السيد عبد الصاحب الحكيم كتب الكفاية وفرائد الأصول والمكاسب، كما ودرَّس حفيده السيد حيدر ابن العم السيد محمد سعيد كتاب أصول الفقه للشيخ المظفر، فيما تمر علينا بين الفترة والأخرى محنة تلو محنة ومصيبة تلو مصيبة، ولم يكن منه (مد ظله) سوى الصبر والتحمل، متحلياً بقوله تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
ولعل من الملفت ـ في باب اهتمامه بالجانب العلمي والتثقيفي ـ تثقيفه لبناته بثقافته الدينية والعلمية، فحصلن على قَدَر غير قليل من الثقافة والمعرفة الدينية والعلمية، رغم ما كان يستشري آنذاك من جهل وأمّية.
ولعل الأهم من كل هذا أنه يرى نشوء بعض حفيداته وليس لديهن من القراءة ما ينفع ـ في حين لا يرغب هو بدخولهن للمدارس الأكاديمية في تلك الظروف الحرجة على الأسرة والعراق ـ فيقوم هو بنفسه بمتابعة قراءتهن للقرآن الكريم ـ واحدة تلو الأخرى ـ حتى يتممن ختمة كاملة. ولا زلن يذكرن هذا الفضل له عليهن، كما نذكر ـ نحن أبناءه ـ فضله الكبير علينا.
ورغم كل ما ذكرته وما لم أذكره من المحن التي طالت الأسرة لم أكن أجد منه ـ وأنا حين ذاك كنت ساكناً معه في بيته ـ أيّ وهن أو ضعف معنوي في الجانب العلمي، بل كان يواصل مطالعاته اليومية، ويتذاكر في الجانب العلمي مع من يلتقي به من أهل العلم من الأسرة والقريبين منها، كما ويحمل هم رجال العلم وهو في إقامته الجبرية، فكان ـ رغم ظرف الأسرة الحرج من الجانب المادي وغيره ـ يرسل المساعدات لبعض رجال العلم، ومن ضمنهم من أصبح فيما بعد من المراجع، كما أن همّه لم يقتصر على طلاب العلم في العراق فقط، بل تعداه إلى سائر البلدان، لما كان يسمعه عن رجال العلم فيها من انشغالهم في القضايا الجانبية.
وهكذا ـ ومن أجل حبه لرجال العلم ـ موقفه واهتمامه لخدمة رجال العلم من الأفغانيين والهنود وغيرهم، وإن كان قد ناله من ذلك أذى كثير، فيذكرسيدنا أن رجال العلم من الأفغانيين والهنود وغيرهم كانوا في ضيق من معاشهم ـ خصوصاً قبل مرجعية السيد الحكيمـ حيث لم يعين لهم راتب، وليس هناك من يرسل حقوقه لهم من تجار بلادهم، فذاكره السيد الحكيم
حول وضعهم، وأنه هل تعطى لهم تقسيمية ـ بمعنى عطاء غير مرتّب بزمن ـ أم يعيّن لهم راتباً، والثاني بحسب تصور السيد الحكيم صعب، من جهة تشتتهم، وعدم معرفة المشتغل منهم، فأصر سيدنا على إعطائهم راتباً شهرياً، وعدم تمييز سائر الطلبة عنهم، وأنهم من خدام الإمام (عجل الله فرجه) كسائر الطلبة، فلا معنى لتفريق العطاء بين رجال الحوزة.
ومن ثَمّ كانت مسؤولية سيدنا أن يمتحن الطالب الأفغاني، ليميز هل هو بحق من أهل العلم أو لا، وكانت بالنسبة إليه عملية شاقّة نال منها أذىً كثيراً، إلا أن هذا لم يثنه عن هدفه، والذي كان فيما بعد ثمرة رائعة لرجال متميزين من أهل العلم، أصبح مجموعة منهم في مراتب عالية.
بل يذكر سيدنا أنه ذات يوم طرقَ عليه بابه مجموعة من رجال العلم الأفغانيين ـ وكانوا جميعاً من أهل الفضل ـ، فذاكروه قصور الراتب عن إعاشتهم الإعاشة الكريمة، وأن راتب السيد الحكيم ـ وكان آنذاك ثلاثة دنانير، وهو أعلى راتب لرجال الحوزة ـ لم يكن يكفيهم، فقال لهم ـ بعد كلام ـ: كم يكفيكم؟ فقالوا: في اليوم ربع دينار، فصرف لهم راتب سبعة دنانير في الشهر، وهو ـ فيما يحسبه سيدنا ـ أعلى راتب آنذاك على الإطلاق.
ومن كل هذه المواقف المشرّفة يقف معه بعضهم فيشكو له ضيق المعيشة ـ وذلك بعد وفاة السيد الحكيم ـ فيذكّره سيدنا تلك الأيام التي كان يعطيه فيها المال وهو غير راضٍ، فأجابه: سيدنا تلك الأيام لا تعود بعد مائة عام!!.
ولست في مقام استقصاء النوادر والقصص، إلا أني ذكرت بعضاً منها لأخذ العبرة والعظة من تقلبات الزمان وتغيّر الحوادث.
وختاماً لهذا الموضوع لا زال سيدنا ذاكراً لأهل العلم، ويخصص لهم ولأسرته من أهل العلم دعاءً مخصوصاً يدعو به في أوقات أدعيته.
وصاياه لطلاب العلوم
إن ما مر به سيدنا (دام ظله) في معترك هذه الحياة، حلوها ومرّها، ومضافاً لمراسه المعروف للعلوم الدينية وغيرها، طالباً وأستاذاً وعالماً كبيراً، تمر عليه هذه السنون الطويلة التي لا تقل عن تسعين عاماً عاشها بتقلّباتها، لجدير بأن تسجل كلماته بأحرف من نور، يستضيء بها طلاب العلم المخلصون، وينظرون إليها بعين البصيرة، فتكون مساراً ومنهجاً وطريقاً معبداً لأهدافهم النبيلة، ونواياهم الصالحة.
كان ولازال سيدنا يوصي طلبة العلوم الدينية ـ وفي مجالسه الخاصة والعامة ـ بالتحلّي بصفات لا يمكن لطالب العلم التخلي عنها، وربما أردف وصاياه بتجربة مرّت به تناسب المقام.
أولاً: تقوى الله عزوجل. وكلمة التقوى ـ رغم قلة حروفها ـ تحمل في طياتها معاني كبيرة سامية، وهي وصية الله في خلقه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته)، كما أنها وصية الأنبياء والرسل في أُممهم، وقد حثّ الأئمة الأطهارb شيعتهم عليها، وتعاهدها الأولياء فيما بينهم. وهي ـ بعدُ ـ ضرورية لطالب العلم، حيث تدور عليها رحى الدين الحنيف، فلولاها لتبدّلت الأحكام الشرعية تبعاً لرغبات النفس، أو محاباة للسلطان، ولكان العالم مرتعاً لنزعات الشيطان، ومن بابه تفتح أبواب كل شر، ولولاها لأصبح العلم مذمة لا مكرمة، والتفقه مزلّــة لا منقبة.
ثانياً: الإخلاص لله تعالى في العمل. فلابد أن يكون عمل طالب العلم خالصاً لوجه الله تعالى، كي يفيض عليه أسباب التوفيق، ثم يؤجره على عمله أعظم الأجر، وبذلك ترتفع درجاته ومنزلته عنده تعالى.
ثالثاً: الصبر. ولا يخفى ما في هذه الصفة من الأهمية في سبيل تحصيل النشاط العلمي والمعرفي.
رابعاً: الإصرار والمواظبة على طلب العلم، فإن طريق علوم أهل البيت طويل، ولا تظهر ثمراته بسهولة، فلابد لطالب العلم من الإصرار عليه، وعدم التساهل فيه، مهما مرّ به من فتن ومحن، بل عليه أن يستوضح طريقه، ويسير على طبق موازينه الشرعية. وهذه الصفة واضحة في مسيرة سيدنا المترجم، حتى وصفه بعض الأعيان من تلامذته بأنه: (مواظب على طلب العلم)، وكثيراً ما كان يردّد.. فآفة الطالب أن يضجرا أطلب ولا تضجر من مطلب في الصخرة الصماء قد أثرا ألا ترى الحبل بتكراره
وأما عدم التساهل في طلب العلم عند اشتداد المحن فهو من أبرز صفاته، ففي مجلس من المجالس وجّه إليه بعض الأعلام اللوم في إلباس أولاده وأحفاده العمامة ـ خصوصاً مع ذلك السيل الجارف الذي مرّ بالعراق على وجه العموم، وعلى الأسرة على وجه الخصوص ـ، فما بدا منه أيّ اكتراث بهذا الكلام، وأجابه بشكل هادئ: (هذا عملي وأنا أفخر به)، فكان كله إصراراً وقناعة بذلك. كما أنه لم يكن يكترث ولا ينهزم مهما كانت العناوين والصور المسلّطة عليه، ومهما كانت الدعاية مضادة له.
خامساً: على الطالب أن يتقن درسه ويتأمل في المادة التي يدرسها، ويهتم بشؤونها، من حفظ شاهد، أو دفع إشكال، أو فتح عبارة غامضة، أو غير ذلك من الموارد المختلفة وفي المراحل العلمية المختلفة.
ولعل من شواهد ما يذكره سيدنا المترجم هو حفظه لألفية ابن مالك، ولمتن الحاشية، ولمجموعة من القوانين الهندسية الرياضية، بل حفظه لكثير من نصوص وروايات الاستدلال الفقهي، بل لا زال إذا سئل عن الدليل لبعض الفروع الفقهية أجاب على الفور، فربما ذكر نص الرواية الدالّة على المطلوب، وربّما أيّد، وربما أشكل، وهكذا.
ومن الشواهد الطريفة في المقام ما يذكره سيدنا المترجم عندما كان يحضر درس الشيخ محمد حسين الأصفهاني وقد أشكل عليه مطلب الشيخ، فطلب منه أن يوضح له مطلبه، فاعتذر الشيخ عنه في الوقت الحاضر، وقال له: ألتقي بك في مجلس وأبينه لك، فقال له سيدنا المترجم: شيخنا أنا لا اجلس بقربكم، فأجابه الشيخ ممازحاً: أنا أجلس بجنبك.
وبالفعل، لم تمض إلا أيام قلائل حتى اتفق في مجلس من المجالس أن دخل الشيخ متأخراً فجلس بجنب سيدنا، وأوضح له خصوصيات مطلبه، حيث يلاحظ عدم إهمال سيدنا وكذا شيخنا الأصفهاني للمطلب، بل بقي في ذهن الأستاذ والتلميذ.
سادساً: لابد للطالب أن يلتزم بمذاكرة المسائل العلمية بمختلف المطالب والمراتب، ولا يتعالى على مادة نحوية كانت أو منطقية أو أصولية أو رجالية أو غير ذلك.
وكان سيدنا ـ ولازال ـ في هذا المسار، فهو يحاور اليوم الأطفال بمسائل نحوية، والكبار بمسائل مختلفة تليق بهم، ويشترك حتى في أدق تفاصيل العلم، رغم ضعف بصره وبُعده عن المطالعة، وكذلك هو يحاور من يزوره من أهل العلم بمختلف العلوم التي تطرق في مجلسه، تاريخية كانت تلك المسالة أو بلاغية أو لغوية أو رياضية أو غيرها، فضلاً عن العلوم المعروفة التي يتداولها أهل العلم.
سابعاً: تحديد الهدف لطالب العلم وعدم الاكتفاء بالمسمى، فلابد من أن يقوم طالب العلم بتحديد ما يصبو إليه، سواء كان من أهل العلم بالمعنى الخاص، أو من الخطباء وأهل الكتابة والتصنيف، وعدم الخلط في ذلك، كي يحافظ على هدفه.
ثامناً: من وصاياه التي كان يدأب عليها هي مطالعة المادة الدراسية قبل الحضور عند الأستاذ، ليستعين الطالب بذلك على فهم ما يمكن فهمه، ويتوجه ـ فيما لا يفهمه ـ لأستاذه، ليأخذ منه ما يشفي منه غليله.
نشاطه الاجتماعي
ظهرت مرجعية السيد الحكيم في ظرف حرج من الجانبين السياسي والاقتصادي، مضافاً إلى ذلك وجود مشاكل كانت محيطة بالحوزة العلمية وتعقيداتها.
ولم يكن هدف السيد الحكيم ـ وهو الرجل المحافظ على واقعيته ـ أن يتصدى للمرجعية لكسب المراتب والعناوين، بل كان تصديه (رضوان الله عليه) من أجل رفع الحيرة عن المؤمنين في التقليد، ومن هنا كان نشاطه المرجعي تبعاً للظرف الذي يحتاجه مقلّده منه.
كما أنه كان كثير الارتباط برجال العلم، أمثال السيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ باقر القاموسي وغيرهم الكثير، وكذلك كان كثير الارتباط بالعشائر النجفية التي كانت ولا تزال تُكنّ له كامل الاحترام والتقديس، بل له من تراثه ـ كما سبق ـ علاقات السيد أحمد الحكيم والد السيد محمد علي الحكيم وغيره من رجال الأسرة، علاقات ببعض المحترمين في بغداد وغيرها.
ولم يكن بوسع سيدنا الحكيم أن يتصدى لكل ذلك بمفرده، فكان لسيدنا المترجم صهرِه السيد محمد علي الحكيم الدور الكبير في رفع الكاهل عن السيد الحكيم، وتقضية جميع شؤونه، حتى الاجتماعية منها، فكان أثر ذلك واضحاً بعلاقته (دام ظله) المتميزة مع عدد من الأسر العلمية، كآل المظفر، وآل القاموسي، وآل الخرسان، وآل الجواهري، وآل الشيخ راضي، حيث كانت تربطه بهذه الأسرة الأخيرة علائق وثيقة، حيث لا زال رجالهم ونساؤهم يكنّون له كامل الاحترام والمحبة والتبجيل.
وكما كانت روابطه بآل بحر العلوم لا تقصر عن التي سبقتها، وكذا له علائق وترابط مع آل البلاغي والأعسم وزيردهام وزيني ومرزة ومحي الدين وشمسة وغيرهم من العوائل المعروفة.
ولا زلت أذكر ما رأيته من بعض الرجال المحترمين من بعض هذه الأسر من احترام وتبجيل لسيدنا منقطع النظير.
وهكذا كانت ولا زالت روابط بعض الأسر غير النجفية به.
كما أنه في فترات طويلة كان مرافقاً للسيد الحكيم ومسؤولاً بقضاء كثير من شؤونه الخاصة، كما كان(دام ظله) مكلّفاً بمسؤولية تهيئة وتمييز الطلبة الأفغانيين والهنود والباكستانيين، وعلاج ما ينتابهم من مشاكل، وتنظيم رواتبهم بعد امتحانهم بشكل فردي، كي يتميز المُجدّ منهم، وكانت ثمرة ذلك ـ كما أسلفنا سابقاً ـ هو بروز عدد غير قليل منهم يُشهد له بالفضل.
وكذلك كان مسؤولاً عن وضع العبادات، وهي الأموال التي تدفع من أجل قضاء الصلاة أو الصيام أو غيرها عن الأموات، وقد قام بها سيدنا على أفضل صورة، حتى عُرف بعد ذلك في الأوساط العلمية صحة صلاة من يأخذ العبادة من السيد محمد علي الحكيم.
ولم يقف عند هذا الحد من النشاط الاجتماعي، بل تعداه إلى الإصلاح بين الناس في جملة من القضايا، كما يأتي ما يتعلق بسفره إلى باكستان والهند ما يتعلق بالمقام.
ولم يكن اعتقال الأسرة في أيام المحنة وكبر سنه والظرف الحرج الذي كان يمر به العراق سبباً لتوقفه عن ذلك، بل كان يواصل الناس في ميادين شتى، من أفراح وأتراح وعيادة المرضى وغير ذلك من الحالات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع.
ولا زالت ذاكرتي تحتفظ بخروجي معه لمواصلة المؤمنين وارتباطه بالناس، بل كان في تلك الفترة ـ على شدتها ـ وهو الوحيد من الأسرة، ملتزماً بمواصلة الناس.
سفرة الهند وباكستان
كان السيد الحكيم كثير الاهتمام بوحدة الكلمة وتوحيد الصف، وكان كثيراً ما يحمل الهم عندما يسمع بنشوب نزاع وخلاف بين العشائر، على اختلاف أماكنها وألوانها.
لكن هذه المرة صكّ سمعه نشوب مشكلة في الهند كادت تخرق الصف الشيعي إلى نصفين، بين أسرتين علميّتين مهمّتين، أسرتي النواب والعبقاتي، وبعد وقوع الخلاف بين الأسرتين انضم إليهم الطلبة ومن يتعلق بهم، بحيث أصبح الشرخ واضحاً، يصل في بعض الأحيان إلى لعن جماعة لأخرى، ونشر المنشورات التي تحط من قدر هذه أو تلك.
كان اختيار السيد الحكيم لحل هذه المشكلة هو إرسال وفد من قِبَلِه، وقد ضم الوفد كلاَّ من سيدنا المترجم والمرحوم الشيخ محمد الرشتي.
وكان موفقاً في اختياره، حيث حُلّت الأزمة بشكل يكاد أن يكون مستغرباً، وبعد تمام الصلح بعث المتخاصمون بوثيقة شكر لسماحة السيد الحكيم مثمّنين اهتمامه الأبوي، وأنها أول التفاته من المرجعية لهذا الشأن، كما وأثنوا فيها على الجهود الجبارة التي قام بها الوفد، بحيث ذكر أحد القطبين أن هذه المشكلة لو لم يكن السيد الحكيم قد دخل في حلها أو كان الوفد الذي اختاره غير هذا الوفد لما كان لهذه القضية أن تُحل، وذلك لما يتمتع به سيدنا المعظم (دام ظله) والمرحوم الرشتي من حرمة وتقديس لدى المتخاصمين.
اهتمامه التبليغي
كانت سفرة باكستان والهند تجربة حية في المجال التبليغي، حيث وجد في نفسه القدرة على ارتقاء المنبر ووعظ الناس والتأثير فيهم والأخذ بمجامع قلوبهم، فهمّ على العودة إلى باكستان من أجل تبليغ الأحكام، خصوصاً عندما وجد الجهل مستشرياً فيهم إلى حد الضياع والجهل بجملة من الأحكام الضرورية.
وبالفعل، وبعد الاستخارة في الحرم الشريف كانت الآية: (أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين)، صمَّم على العودة إلى باكستان، فاستقبل هناك استقبالاً حافلاً قلّ نظيره، وبقي معهم مدة ثلاثة أشهر تقريباً، فكان نجاحه هذا معهم نجاحاً مبهراً، حتى أنّ المرحوم الخال الشهيد السيد مهدي الحكيم قال: «إنّ السيد محمد علي الحكيم ناجح في باكستان مائة بالمائة».
ولا زال ـ وبعد خمسة وأربعين عاماً ـ يذكره شبابهم قبل شيبهم، ويتواصلون معه مردّدين تلك الذكريات التي قضاها معهم أباً روحياً ومعلماً ومربياً، ولكن الظروف التي أحاطت بالعراق إبّان تلك الأيام حالت دون تواصله معهم.
ولم يقتصر في همه التبليغي إلى ذلك الحد، بل تعداه إلى نيّته السفر إلى الكويت، بعد طلب من بعض شخصياتهم، كما طُلب منه ـ بعد وفاة السيد الحكيم ـ السفر إلى الحلة، ليكون لهم هناك مرشداً ومبلّغاً، لكن حالت دون تلك السفرة ظروف قاهرة حالت دون ذلك.
ومن اهتماماته التبليغية ـ رغم الظروف الحرجة ـ التزامه بتوجيه كلمة ـ بعد صلاته الجماعة ـ إلى المصلّين، تتضمن تعليم الأحكام الشرعية، والحث على عمل الخير، وتربية النفس، فكان لها أثر كبير في نفوس مجموعة غير يسيرة، حتى أن بعضهم كان يقول: نحن تربية السيد محمد علي الحكيم. لكنه قطع ذلك عند اشتداد الأزمة التي حلت بالعراق في أواخر السبعينيات الميلادية.
ولم تقف اهتماماته التبليغية إلى هذا الحد، بل تعدت إلى علاقته الوثيقة بالشيخ حسين الموصلي، ومواصلته له، والسؤال عنه، وتفقده، ولازال أبناؤه يذكرون موقف سيدنا الجد الداعم لهم ولغيرهم من خيرة المبلغين في تلك المناطق النائية.
كما أنه (مد ظله) أحد الذين كان يرتبط بهم الشيعة في تونس، ويسترشدون برأيه، كالتيجاني وبشير المشري وغيرهم ممن كانوا يراسلونه للسؤال عن شبهة أو معرفة مصدر لرواية أو ما شاكل ذلك مما يحتاجه المستبصر.
كما أنه كان يشتري الكتب النافعة في الجانب التبليغي ويوزعه على من يحتاجه، كالمراجعات وغيره من كتب السيد شرف الدين.
وكذا كان اهتمامه المتواصل في نبذ الفرقة ووحدة الكلمة بين الأخبارية والأصولية، كما أنه حين سفره إلى الحج وجد وضع الحجاج ـ على اختلاف طبقاتهم ـ مثيراً للعطف، من الجهل بمسائل الحج ومشاكله، فكان ذلك داعياً له للحديث مع السيد الحكيم
عن إرسال بعثة دينية يكون همها إرشاد الناس وتعليمهم، ولم يكن آنذاك بعثة من قبل مرجع، فرجحت تلك الفكرة عند السيد الحكيم، وكان هو المتعين لتأدية تلك البعثة، لكن حالت دون ذلك ظروف خاصة منعته من أن يكون هو الممثل لتلك البعثة.
صلاته للجماعة
اعتاد المؤمنون ـ بمختلف طبقاتهم وشتى أصنافهم ـ أن يتخذوا من بيوت الله موضعاً لعباداتهم وصلواتهم، آخذين بنظر الاعتبار الحثّ المتواتر عن أهل البيت على التزام المساجد، والتردد عليها.
وكان لرجال العلم والحوزة العلمية الحظ الأكبر في ذلك، حيث زادوا على بقية المجتمع، بأن جعلوا المساجد محلّاً لدروسهم ومذاكراتهم العلمية. ومن الطبيعي في تلك المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة أن يكون الإمام هو القدوة فيها لغيره في سلوكه، وتزكيته لنفسه، وارتباطه بالله سبحانه وتعالى.
ومن هذا المنطلق وقع الاختيار على سيدنا المترجم للصلاة بأحد المساجد في النجف في منطقة الجدَيْدَة الثانية، وكانت المنطقة حيوية، تعجّ بالتجار والكسبة، حيث سوق النجارين وشارع السدير، فابتدأ بالصلاة هناك، وكانت صلاته ذات أثر في نفوس المصلين.
وبعدها صلى في المسجد المشرف على فلكة الميدان، الواقعة أول شارع الإمام زين العابدينa، ولم تطل المدة حتى انتقل بالصلاة إلى مسجد الهندي، أكبر مساجد النجف، فكان يصلي العشائين والسيد يوسف يصلي الظهرين، وحتى اعتقال الأسرة في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 1403هجرية.
ثم بعد خروج الأسرة من السجن عاد إلى الصلاة في مسجد الهندي الظهرين والعشائين، وذلك في شهر جمادى الأولى سنة 1413هجرية، واستمر بالصلاة فيه ولم يتركها حتى حلّ التدهور الأمني بعد سقوط النظام في العراق، وإثر الاعتداء الآثم بتفجير مكتب ولده آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم في السادس والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة 1424هجرية، فترك صلاة الجماعة، وبعدها عجز عن الخروج من المنزل لكبر سنه وشيخوخته.
كما أنه (دام ظله) كان يؤم المصلين ليلة الجمعة في رواق العباس قبل الاعتقال، ثم انقطعت بعده، حتى سنة 1413هجرية، فعاد إلى إقامة صلاة الجماعة في نفس المكان في الرواق الشرقي لضريح العباس، فكان المكان يكتظ بالمصلين، بحيث تصل إلى خلف الضريح المقدس، فضاقت الدولة بذلك ذرعاً ومنعته من الصلاة في المكان.
كما أنه كان يقيم صلاة الجماعة في حرم الإمام أمير المؤمنين
فجراً في شهر رمضان المبارك قبل الاعتقال.
ولاؤه لأهل البيت
لما كان أهل البيت هم الامتداد الحقيقي للنبي، وهم حفظة وحيه، وخزنة علمه، وباب حكمته، بصبرهم حفظ الدين، وبعطائهم وتضحياتهم كانوا رافداً لاخضرار شجرة الإسلام، وإيناع ثمره، رغم شرور المتسلطين، ومكر المنحرفين، وبغي الظالمين، فبهم شاء الله أن يتم نوره، ويحكم رسالته، ويصدق وعده، ولو كره المشركون.
وشخص مثل سيدنا المترجم من خدامهم ومواليهم والمخلصين لهم وبعد كل ما كان يعرفه عنهم من صدق وإخلاص وفضل وشرف فكان ولا زال أكبر همه كسب رضاهم وتأييدهم ونيل شفاعتهم.
فكان من المناسب سرد بعض النتف اليسيرة الحاكية عن ولائه لهم حيث تفيد في بعضها جانباً من تقوية الارتباط بهم،
كما تشير إلى نَواحٍ تربوية أخرى.
1ـ التزامه بالزيارة. في أيام شباب سيدنا المترجم كان الالتزام بزيارة الأمام الحسين من الصعوبة بمكان، حيث لم تكن الطرق معبّدة، ولا السيارات ميسرة، فمن كان يرغب بالزيارة آنذاك لابد من أن يقصد بذلك سفراً، ويهيئ بيتاً، وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة السفر. فلم يكن ذلك ـ وبنحو الالتزام ـ يسيراً على سيدنا الجد ولا على غيره من أهل العلم وغيرهم.
وإنما كان المعروف ـ آنذاك ـ هو الذهاب بين فترة وأخرى لأداء مراسم الزيارة والبقاء عدة أيام، ثم العودة إلى البلد.
ثم بعد ما تقارَب سيدنا الثلاثين من عمره، أي في حدود سنة 1358هجرية ابتدأ بالذهاب للزيارة في مواسمها ـ وهي الزيارات المخصوصة ـ، وبقي ملتزماً بهذه الزيارات إلى عهد عجزه وكبر سنه.
ومن الطريف ما يذكر في المقام أنه اتفق أن فقد مبلغاً من المال في شهر شوال، فكانت طلبه من الإمام الحسين في زيارة عرفة وفاء ذلك المبلغ، ولما حل المحرم ازدادت عليه الديون بطبيعة المدة، فذهب في عاشوراء وكرر الطلب بصيغة: «آنا أطلبك يا أبا عبد الله كذا مبلغ»، وما أن حل الأربعين حتى قصد الزيارة ماشياً على الأقدام، وكان الطقس بارداً، فوجه كلامه للأمام الحسين أن سهّل عليّ الزيارة وأنا أتنازل عن جزء من الدين، ثم التفت في نفسه أن الزيارة قيمتها أكثر من ذلك الدين، فتنازل عن ربعه، ثم عن نصفه، ثم عنه جميعه، نظراً لأهمية الزيارة عنده، وان كان الدين عليه عسيراً جداً، إذ يبلغ في ذلك الوقت ثلاثين ديناراً، فيقول سيدنا الجد: «وصلت وزرت الأربعين وأنا قد تنازلت عن جميع ديني على الحسين من أجل زيارته، ولكن شاء الله وبفضل الأمام الحسين أن لا يخرج شهر صفر إلا وقد وفي الدين بأكمله».
وهكذا كان التزامه بزيارة الحسين في ليلة الجمعة، وإن كانت متأخّرة نوعاً ما، حيث ابتدأ بالالتزام بها في حدود في سنة 1391هجرية، وظل ملتزماً بها حتى في أقسى الظروف وأحرجها، ولم ينقطع في أيام الاعتقالات، إلا في أيام اعتقال الأسرة وفرض الإقامة الجبرية عليه.
وما أن رفع الحظت، وبعد أربع سنين عجاف، عاد من جديد في التزامه، وكنت في خدمته في الزيارة في حرم العباس ومواظبته عليها، رغم كبر سنه، مع التزامه ـ كما أسلفت ـ في بعض السنين بصلاة الجماعة في حرم العباس ليلة الجمعة.
وأما التزامه بزيارة أمير المؤمنين فقرب الدار وسهولة المزار تسهلان عليه ذلك، بل كان من ديدنه الزيارة في اليوم مرتين، وكان ملتزماً مع بعض الشخصيات العلمية بالخروج فجراً للزيارة.
كما أنه كان يقول: «إني أخرج إلى الشارع أو أصعد أعلى السطح فأنظر قبة الإمام وأسلم عليه، فتسر نفسي بذلك»، ومن أجل ذلك كان يفضل السكن في داره العامرة على الخروج إلى أحياء النجف والسكن فيها.
والشيء الملفت في المقام ما التزم به ـ رغم شيخوخته ـ من الخروج يومياً والزيارة عند باب الصحن الشريف في الشارع، عند غلق الحرم الطاهر إبان انتفاضة شعبان، وكان يقول: «ينبغي أن يعرف هؤلاء مدى تعلّقنا بهذا المرقد الطاهر، وليعرفوا أننا نخرج للزيارة حتى لو كانت عند الشارع».
وانعكس التزامه وحثه هذا على أولاده والمقربين إليه، حيث كان التزامهم بالزيارة ـ بكل أصنافها وأوقاتها ومواسمها ـ أمراً ملحوظاً.
2ـ مشاركته للزوار في المشي على الأقدام لزيارة الأمام الحسين في المواسم المعروفة. وكان قد اعتاد عليها سنين متطاولة في شبابه وكهولته، بل وحتى في شيخوخته، رغم الظروف المتعبة وتقلبات الطقس، فلم يثنه ذلك من المشاركة للزوار في المشي، بل هو لا زال يخرج في موسم زيارة الأربعين يشارك الزوار المشاة بالممكن، ببعض الخطوات، وللتبرك بهذه المسيرة المباركة.
ويضاف على ذلك أنه (دام ظله) ملتزماً بلبس السواد في تمام شهري محرم وصفر حزناً على الحسين، ويشارك في كثير من النوادي والمجالس التي تقام في تلك الأيام، بل حتى مجالس اللطم كان يشارك فيها ويلطم، بل كان يهتم بسائر الشعائر التي تقام، ويسأل مَن مِنْ أولاده وأحفاده قد تطبَّر فيُقَبِّل موضع الطبرة من رأسه، تبرُّكاً وحثّاً على الفعل.
وهكذا حاله في سائر مراسيم أهل البيت يتطلع أخبار الزوار ويحمل همومهم، وينقل باستبشار ما يلاحظ من الكرامات التي تمر عليهم في أعمالهم الخدمية لأهل البيت، ويشارك بمساعدات مالية لبعض المواكب، ويدعو لهم، ويشد من عزيمتهم.
كما أنه (دام ظله) لا زال يقيم مجلسي عزاء في وفاة الصديقة الزهراء على الروايتين الثانية والثالثة.
وإلى جانب ذلك كله لا يكتفي بفعله فقط، بل يحث الجميع على ذلك، وفي ذات يوم كلّف شاعراً بمدح أهل البيت مشيراً إلى أن ما قيل فيهم هو الخالد ذكره من الشعر، ويمتثل ذلك الشاعر، ويجعل نصف ثواب قصائده لسيدنا المترجم. إلى غير ذلك مما لا يحصى. بل كان ولا زال يحث أولاده على حفظ خطبة الزهراء والخطبة الشقشقية، ويعطي للحافظ جائزة.
ومن غريب ما هو ملتزم به من أجل حبهم إبراؤه ذمة كل من له عليه حق إذا كان مرتبطاً بأهل البيت وله صلة معهم، حتى تعدى إبراؤه هذا إلى الشرطة والأمن وغيرهم من رجال الدولة الذين كانوا موكلين باحتجازه أيام الإقامة الجبرية وغيرها، رغم الأذى الذي كان يراه منهم طوال تلك الفترة.
الجانب التربوي
تحمل نفسه المباركة من الصفات الخلقية ما يعجز الوصف عنها، ولست مبالغاً في ذلك، ثم هو مع ما يحمله يحاول أن يربي الآخرين عليه، ويوصيهم به، فهو دائماً فياّض على ولده وأهل بيته، بل وحتى من يرتبط به.
ثم نراه لا يفرض إرادته على أهل بيته بما يراه، بل يتعامل معهم بسجيّته المعروفة من كظم الغيظ وعدم الانفعال، ويبين لهم الفعل الصحيح أو الممدوح شرعاً أو غير ذلك، على اختلاف المناسبات، ونتيجة ذلك تتولد عند أهل بيته القناعة التامة بما يختاره، ونرى ذلك بوضوح عند جميع أفراد عائلته، حيث تتضح فيهم وفي من يرتبط به سمة وحدة الفكرة والقناعة.
وتبقى هذه أخلاقه مع كبر سنه وشيخوخته، ومن جميل ما قال فيه أحدهم: «ينبغي أن يُحتفظ به كَأَب، لا كعالم، ولا كغيره من الصفات»، فهو أب في جميع الحالات، رغم زخارة علمه وتنوع معارفه وسعة اطلاعه، هو أب مع أولاده، وهو أب مع أرحامه، والمقربون إليه من معارفه يشعرون بأبوته، وهو أب مع أحفاده حتى الصغار منهم، بل تبقى أبوَّته حتى مع أبناء أحفاده، فيأنسون به أشد الأنس، ويأخذون من نميره العذب كلما كانوا بمحضره المبارك.
نماذج من سيرته
أحاول في هذا الفصل أن أسجل مجمل مسيرته المباركة، وانطباعي حول شخصيته، خصوصاً الذاتية منها والتربوية..
الأول: التزامه بكثير من الآداب والعادات الحسنة، وهي عديدة..
1ـ التزامه بكثير من آداب الطعام التي حث الشارع عليها، إذ هو لا يبتدئ بطعام قبل غسل اليدين، ثم الابتداء بالبسملة وأكل الملح قبل الطعام، كما أنه دائم الشكر والحمد أثناء الطعام وبعده، وكذلك هو ملتزم ببعض ما هو مذكور من آداب الطعام، كاحترام الخبز، ووضعه على الفخذ، والأكل باليمين، وأكل العنب مثنى مثنى، وأكل ما يوضع على المائدة، كائناً ما كان، فلا يتبطر على أكل بعدم الرغبة فيه أو ما شاكل.
كما أنه يحرص كل الحرص على تنقية الآنية مهما أمكن، اللهم إلا إذا زاد فيها شيء من الطعام فيأمر بحفظه إلى وجبة أخرى، كذلك يتتبّع ما تساقط من فتات الخبز وغيره فيأكله، ويرشد أهله بأكله، ويقول: «إن أكل هذا من مظاهر الشكر».
وكذلك كان يلاحظ أبناءه وكيفية أكلهم وجلوسهم على المائدة، فيوصيهم ويرشدهم لما هو أصوب، كما يوصيهم بعدم أخذهم بآنيتهم الطعام الكثير، بل يحثّهم على أخذ ما يعلم من نفسه أنه سيتمه، فإن لم يُتم بعضهم طعامه يؤنبه، ويظهر له انزعاجه، ويعظه بأن هذه نعمة لابد من تنقيتها.
كما يوصي بأكل الطعام الذي يفضل من وجبة سابقة، ويشارك الآخرين بأكل الطعام الزائد، ثم يبتدئ بالطعام الجديد، وإن تبطّر بعض أطفاله على الطعام يقوم هو بنفسه بأكل ذلك الطعام من دون أن يُظهرَ الإنفعال، وبالتالي يربّي ولده على لزوم التنقية وأكل الطعام الزائد، ونحو ذلك، كما يؤكد دائماً على قراءة الدعاء التالي عند ابتداء أكل فاكهة في أول أوانها: «اللهم كما أريتنا أوّلها في عافية أرِنا آخرها في عافية».
ثم هو يحرص عل اجتماع عائلته على المائدة، حتى الصغير منهم، ويؤاكل الجميع حتى الصغير، ثم من عادته أن يجعل من سفرة الطعام مدرسة له، يلاطف بها أبناءه، ويسألهم بمختلف المسائل النافعة، ويروي لهم طرفاً من روايات أهل البيت، أو يقرأ مقطعاً من المنظومة الأعسمية في الأطعمة، أو يقص عليهم القصص النافعة الهادفة، أو التجارب المثمرة المؤثرة، فتكون مدرسته هذه وسيلة تربوية هادفة إلى كثير من القضايا بشكل عفوي، وغنية بأنواع المعارف، يشترك في اقتطاف ثمرها الكبير والصغير والمرأة والرجل.
ولم يكن سلوكه التربوي خاصاً بسفرة الطعام فحسب، بل كان (دام ظله) ـ وحتى في أيام شيخوخته ـ يدخل المطبخ فيلاحظ من ربّات بيته الإفراط ـ بحسب منظوره طبعاً ـ بتنقية أوراق الخس مثلاً، فيقوم هو بنفسه بغسل أوراقه الملقاة وأكلها، من دون أن يتكلم بشيء، ويكون بعمله هذا ـ وهو المحبوب في بيته ـ قد أعطى درساً بذلك، وهكذا الحال في الفاكهة والخضار وغيرها، فتراه حين يقوم بتقشير التفاح أو الخيار لا يزيل منهما شيئاً، وإنما يرفع القشر فقط.
وأذكر ذات مرة فعل ذلك، ثم التفت إليّ مازحاً: «أتعرف أن تقشر هكذا»؟، فقلت ـ وأنا وقتذاك طفل ـ: نعم، فقال: «أعطيك جائزة إن فعلت»، وبالفعل حاولت وحاولت فلم أفلح، لكنني استفدت منه الدرس الذي أراده.
وذات يوم قال لي: «أتعرف كيف تقشر الرمان بشكل صحيح»؟ قلت ـ وقد عرفت قصده ـ: لا، فقال: «إن قطع الرمانة من أركانها يوجب الحفاظ على قلبها». وكذلك الحال بالنسبة لدرسه في تقشير البيض والبرتقال، وغيرهما الكثير، كل ذلك يغذي به من يعاشره ليستفيد منه عدم إتلاف أو تبذير للنعمة، مضافاً إلى المعرفة الصحيحة في مجال الحياة.
2ـ التزامه في مجمل حياته بالكفاية وعدم التبذير بما يزيد على كفايته، حتى ولو كان مما لا قيمة له، فتراه حين يقف على المغسلة للوضوء يأخذ مقدار ما يحتاجه من الماء، ولا يرضى لنفسه أن يفتح الحنفية بشكل يوجب هدر الماء، وكذا حاله بالنسبة للأوراق التي يستخدمها للكتابة، فهو يحتفظ بما يزيد عن مقدار الحاجة، وكذلك في مثل ورق السيكاير وعود الثقاب ونحو ذلك مما لا قيمة له بنظر الناس، إلا أنه يرى عدم إمكان الانتفاع بالشيء هو السبب الوحيد لطرحها في القمامة.
3 ـ التزامه بقضاء حوائجه بنفسه، ويحرص كل الحرص على ذلك، وتبتدئ هذه السجيّة من أصغر الأشياء وأهونها في حياته حتى أكبرها، ما دام قادراً على قضائها بنفسه، بل حتى في الحالات التي يمكن أن يقوم بعض أفراد أسرته بقضائها لا يكلفهم بها.فمثلاً: كان في عصر كل يوم يجتمع عنده في بيته أولاده وأحفاده ـ وربما غيرهم ـ لشرب الشاي، وهو يحتاج قبل شرب الشاي لقدح من الماء، وربما ينسى من يقوم بتحضير الشاي ذلك، فلا يكلف أي شخص بجلب الماء له، بل يقوم هو بنفسه لشربه رغم وجود عائلته حوله. وأيضاً هو معتاد على استعمال الملح ـ كما تقدم ذكره ـ قبل الطعام وبعده للاستحباب الشرعي، فإن لم يُجلب على المائدة يقوم هو فيجلبه.
وهكذا بالنسبة لكثير من قضاياه، فتراه حين يتلف كتابه يقوم هو بخياطته وتجليده، وحين يحتاج في البيت أمراً معيّناً يقوم هو بإحضاره أو إصلاحه، وما شاكل ذلك، طبعاً هذا في وقت غير وقته اليوم بعد أن أصبح عاجزاً.
بل حتى أيام شيخوخته، وفي أيام المحنة المعروفة للأسرة، كان لا يرضى أن يتّخذ خادماً ليقوم بالتسوق لأهله، بل يقوم هو بنفسه لشراء ما تحتاجه العائلة، ويأخذ معه بعض أحفاده فيعلمه كيفية اختيار الفاكهة والثمرة الجيدة.
وتمر أيام المحنة، ويخرج أبناؤه وحفدته من السجن، ولم تتغير حاله، فكان ـ وإلى عهد قريب، أيام استقلاله بحركته ـ يذهب بنفسه إلى الحرم الطاهر ـ على عادته المألوفة ـ وليس معه خادم أو ملازم، حتى من ولده وأحفاده، مع شدة علاقته بهم وعلاقتهم به، بل كان في بعض الأحيان بحاجة لأحد معه يقضي بعض حوائجه، كتأجير سيارة أو عبور الطريق أو ما شاكل ذلك.
أما اليوم ـ وهو عاجز إلا عن قليل من الحركة ـ فالأمر الذي يمكنه أن يقوم به بنفسه يفعله، ولا يكلف أحداً بذلك، إذ تراه له طريقته الخاصة في قيامه من سريره أو جلوسه على مصلاه أو ما شاكل ذلك.
4ـ التزامه بالآداب الشرعية اليومية وغيرها، كالدعاء للإمام(عجل الله فرجه)، والذهاب لحرم أمير المؤمنين، وقراءة القرآن، والذهاب ليلة الجمعة لكربلاء، كما هو ملتزم أيضاً بآداب المنام والجلوس والذهاب ـ فترة من عمره ـ إلى الحرم قبل الفجر. وكذلك ملتزم بقراءة سورة الفاتحة لكثير من أعلام الطائفة، والصدقة عنهم، وعن جملة من أرحامه، ومجموعة من خلص أصحابه، ولا ينسى في دعائه اليومي طلاب العلم، بل لهم فصل خاص من دعائه، ويخصص جملة منهم بذلك طلبة الأسرة.
5ـ التزامه بكل ما يراه مهماً في حياته أو وضعه أو لمن يحيط به، فلا تراه يملّ ولا يكلّ، فمثلاً: ابتلي السيد الحكيم في سنة 1378هجرية بمرض سيولة الدم، فكان بحاجة إلى متابعة خثورة الدم من خلال التحليل، وكان آنذاك يُفحَصُ في بغداد، فكان سيدنا المترجم كل يومين يأخذ الدم بنفسه ويذهب إلى بغداد لفحصه، ومعرفة مقدار حاجته إلى الدواء، وما شاكل، واستمر على هذا مدة طويلة، فلم يتخلف عن ذلك ولا يوماً واحداً.
وكذا حينما التفت إلى أن أوقات الصلاة لا تسهل معرفتها بالضبط أخذ بالالتزام بالإشراف على الأفق، بالصعود إلى السطح، لمعرفة وقت شروق الشمس وغروبها، ثم هناك فصولٌ من السنة لا تكون داره مشرفاً على نقطة الغروب، فيذهب إلى الجبل المعروف بـ(جبل الحويش) كل يوم، لمعرفة وقت غروبها، بلا ملل أو كلل منه، ونتيجة عمله هذا كانت أوقات الصلواة في النجف الأشرف تؤخذ منه.
وهكذا الحال بالنسبة إلى جميع ما يتعلق به، فهو يلتزم بكل ما يوصف له طبيّاً وبشكل دقيق، من دون تضجّر أو ملل أو جزع، ففي أيام الإقامة الجبرية كان ملتزماً بالمشي اليومي، ويحدّه بحدّ معين، وهكذا حين يبتلي ببعض الأمراض، فيحتمي عن بعض الطعام، ولا يتخلف عنها يوماً واحداً، وهكذا الحال في التزامه في تدخينه السيكاير، فهو ملتزم بعدد معين، حتى إذا مُنع من أجل عارض انتابه، استجاز من الطبيب استخدامها بعدد ـ لفائدتها له من نواح أخرى ـ، فأجاز له الطبيب عدداً معيناً، فلم يخرج عنه لسنوات. وهكذا الكثير الكثير.
وقد ذكرت هذا محاولاً بيان كم هو محافظ على الدقة في شؤونه، ويعرف هذا منه من له أدنى معرفة به.
الثاني: انضباطه في عموم وضعه.
فكان لا يرضى لحياته الفوضويةَ، فهو ملتزم بقراءة القرآن، وهو أمر يمكن أن يكون طبيعياً لأمثاله، لكن له ختمة خاصة يقرؤها في البيت، وثانية في المسجد، وثالثة في الحرم، ثم لا يكتفي بقراءة القرآن، بل له قائمة من الأسماء يهدي الختمات لهم. وكذلك حاله بالنسبة للصدقة، فهو ينظم الصدقة عن أشخاص معينين، ويدفعها بصورة ووقت معيّنين، ونوع آخر من الصدقة عن آخرين، وهكذا.
ومثله الحال في دعائه، فهو منظّم في تحديده، وإهداء ثواب الفاتحة أيضاً لها حدود وضوابط، والأموال التي ترده غير مستعد لأن يضعها أين ما كان، وإنما لها وضعها وظرفها الخاص ومصارفها الخاصة.
الثالث: اهتماماته التربوية.
بعد ما ذكرنا من شدة اهتمامه بطلب العلم فهو دائب على تربية أبنائه وغيرهم عليه، ولا يقتصر في كلامه معهم على خصوص المناهج المعروفة، بل يتعدى لغيرها من العلوم والمناهج، كما أنه لا يقتصر في حثه على ذلك للذكور، بل حتى للإناث، ونتيجة اهتمامه بذلك تراه يتابع الجميع في شؤونهم، فالصبي أو البنت قبل البلوغ يصحح له قراءته، ويحثه على حفظ مقطوعات معينة من الشعر أو الخطب أو نحو ذلك، وبالخصوص الخطبة الشقشقية وخطبة الزهراءd، ثم يتابع، إن ختم أحدهم القرآن يهديه نسخة من القرآن الكريم، وكذا يهدي الكتب الدراسية، وهكذا تراه مع أبنائه في جميع مراحلهم.
ومن الطريف ما ذكر بعض أحفاده من أن سيدنا الجد سافر إلى إيران سنة 1395هجرية، فاشتقنا إليه، فقمنا بالاتصال به، وعند سؤاله عن أحوال الجميع ابتدأ يسأل أحفاده إلى أين وصلت؟ وهل أنت مجدّ في دروسك؟ وهل وهل، وكأنه هو المسؤول المباشر عن حفيده، كل ذلك حرصاً منه على تربية أبنائه وأحفاده ومحبيه أفضل تربية.
بل كان إذا وجد صبياً من أحفاده ذا خصلة غير جيدة في مجلس ما يأتي إلى الدار فيكلمه، ويظهر له خطأ تلك الخصلة أو ذلك الفعل وهكذا.ولا زالت متابعته ـ وهو بهذا السن ـ لعموم أبنائه وأُسرته، والسؤال عنهم في الشاردة والواردة، بل تعدّت متابعته لبعض الأسر الأخرى، كآل ميرزا وآل فخر الدين.
الرابع: تُرابيّته.
ربما يكون هذا العنوان غامضاً على القارئ الكريم، لكن هذه صفة تلازم سيدنا الجد (دام ظله)، فهو لا يرى لنفسه أهمية تجاه الآخرين، فتراه يبدي النصيحة، ويزور وإن لم يُزَر، ويجالس الكبير والصغير، والغني والفقير، والعالم والعامي، ويخدم من يمكن أن يخدمه، ويصل من يمكنه أن يصله، ويتفقد الجميع، أرحامه وغيرهم، كبيراً كان أو صغيراً، ويفكر بالجميع، ومع ذلك لا يجد لنفسه تميّزاً على الآخرين.
وخذ مثالاً على ذلك..
ذهب إلى طهران، وحلّ ضيفاً عند بعض الأعلام، وكانت تتوافد عليه جموع من المؤمنين، إلا أنه افتقد بعض الأعلام، فبلغه أنه ذاهب إلى العمرة، فلما أن عاد عرض سيدنا على مضيفه زيارته، فأجابه مضيفه: «سيدنا أنت ينبغي أن تُزار، أنت ضيف على البلد، وذلك هو ابن البلد»، فأجابه سيدنا بأجوبة ظريفة ثم قال له: «إذا استحكمت المحبة سقطت التكاليف».
وكانت هذه وأمثالها مثار إعجاب جماعة من الإيرانيين، فطلبوا منه البقاء عندهم، لجزمهم بنجاحه في ذلك المجتمع، لكنه أبى إلا العود إلى العراق. ثم إنه بعد خروجه من السجن ومجيء الأرحام والأصدقاء لزيارته ـ وكان آنذاك جميع أبنائه وبقية الأسرة في السجن ـ افتقد بعض أرحامه ممن هو كولده، فصمم سيدنا على زيارته، إلا أن ذلك السيد ـ ولخوفه في تلك الأيام من النظام ـ اعتذر عن استقباله.
وهكذا في جميع شؤونه الاجتماعية، فهو يواصل الجميع، ومثلها بعد أحداث النجف في سنة 1991 الميلادية، واعتقال جمهرة كبيرة من الأعلام في النجف، ومجموعة من الأرحام، منهم الخال المرحوم الشهيد السيد محمد رضا الحكيم، استدعاني معه لزيارة المرحوم سماحة السيد محمد تقي الحكيم محبة له، وليطمئن على حاله، وإن كانت التكاليف ساقطة بينهما، فلم يلاحظ كونه أكبر منه، أو أنه أستاذه، أو غير ذلك مما قد يقال، بل أكثر من ذلك، فإنه حينما سمع أن سماحة السيد مهدي الخرسان ـ في تلك الأيام ـ جليس الدار، ولا يخرج، لأنه قد آلى على نفسه أن لا يخرج من الدار حتى يبتدئ بزيارة الإمام أمير المؤمنين استدعاني للذهاب معه لزيارته، رغم الظروف الحرجة آنذاك.
الخامس: صبره.
ورد في الحديث: «ورد عن علي قال: قال رسول الله: الصبر ثلاثة؛ صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش».لعل من المناسب في المقام ذكر نماذج من صبره على تنوّع ما يصبر عليه، لكن لما كان الصبر على طاعة الله وعن معصيته مما يختص به هو (دام ظله) لنفسه، أو يعرفه بعض المقربين، آثرت عدم إشاعة ذلك، وكان لزاماً ذكر طرف من صبره في خصوص البلاء المقدر عليه.
ولنأخذ شطراً مما مرَّ به أيام شبابه، تلك الأيام المرة التي أحاطت به، ومع ذلك بقي على مسيرته وحياته الطبيعية، ولم تبدر منه أي بادرة، سوى شكر الله على حسن بلائه.
بعد خمود نار الحرب العالمية الثانية دبَّ في الساحة العراقية الخمول الاقتصادي بشكل ملحوظ، مما أثر سلباً على الوضع المالي بالنسبة لرجال الدين عموماً، بعد أن لم يكن في ذلك الوقت راتب شهري، ولخصوص مثل سماحة سيدنا الجد، ممن ليس لهم ارتباط بجهات متموّلة، وليس لهم سفر تبليغي، مما أوقع البلاء الشديد على الحوزة العلمية، رغم استمرار البلاء الذي أصابها عند نشوء الدولة العراقية، من عزوف المجتمع عن الحالة الدينية، والاستهزاء المستمر برجال الدين وأهل العلم، وتمرّد جمع كبير من أبناء الحوزة عليها، حتى بلغ الحال ما ذكرناه سابقاً من تعبير بعضهم عن المتدينين ـ وهو يريد شرب سيكارة في شهر رمضان في تجمع حاشد ـ بأنهم أوباش، وبلغت السخرية إلى حد نشر الإذاعة العراقية ـ الفتيّة آنذاك ـ الأغاني المهينة لرجال العلم.
ولم يكن هذا الوضع مختصاً بالعراق، بل كان سائداً أيضاً في إيران، حتى وصل الأمر إلى طرد الشيخ الجليل الشيخ عباس القمي ـ ذلك الرجل التقي ـ من سيارة أُجرة بعد أن توقفت عن العمل، معتبرين أن وجوده موجب للافتقار(باداغر)، فإلى هذا الحد وصل الأمر من التجري والاستهزاء. وتمر الأزمة المالية فتزيد في الطين بلة، فيصبح كبار الأساتذة أمثال السيد محمد الفشاركي ـ مع علو مقامه وشهرته العلمية ـ في حيرة من أمر معاشه، حتى شكى ذلك لأمير المؤمنين مغتماً لأمر وِلْده بعد وفاته، وربما كان غمّه من أجل ما ورد عن النبي: «غمُّ العيال سترٌ من النار... وأن أغم الغم غم العيال»، وهكذا الحال بالنسبة لعشرات العلماء من أمثاله.
فالشيخ عبد الحسين الحلي ـ أستاذ سيدنا الجد ـ كانت غرفه بلا أبواب، لعدم تمكنه من شراء الأبواب ـ مع زهادة سعرها ـ لها، وبقيت كذلك حتى وفاته. وسيدنا (السيد الحكيم) تمرُ عليه الأيام وليس له من الطعام سوى قسب ـ تمر يابس ـ وخبز يأكله، وهو معروف آنذاك في الأوساط، وهكذا العديد من الحكايات المؤثرة في هذا المجال.
وإذا كانت هذه الطبقة وبهذه المعروفية تعاني هذه المعاناة، فكيف الحال بمثل سيدنا الجد (دام ظله) وهو بعد في سن مبكرة، وقد فقد أباه، وابتدأ بتكوين عائلة له؟! فقد مرّ عليه عام كامل بين عقد القِران والبناء بزوجته، مع أنها من أرحامه ـ كما هو معلوم ـ، وذلك لعدم استطاعته تكوين مستلزمات الزواج، بالرغم من بساطة ما يهيّأ للزواج آنذاك، حتى ظن بعضهم انصراف نظره عن الموضوع.
وهكذا بعد زواجه لا تزال أبواب الرزق مغلقة، حتى مرّ عليه تسعة وعشرون يوماً لا يأكل فيها سوى الخبز و اللبن، وكلاهما عن طريق الاقتراض، في حين كان طلابه يحصلون على وظيفة ومراتب عالية ورواتب جيدة.
كل هذه الأزمات المالية وغيرها لم تفتّ من عضد سيدنا المترجم، بل صبر عليها أشد الصبر، حتى أنه لم يُخبر خاله ووالد زوجته ـ السيد الحكيم ـ أنه مرَّ بتلك الأزمة إلا بعد فترة من الزمن، وبقي ـ مع كل ذلك ـ يواصل السير على طريقه، مشاركاً أصحابه ـ ممن هم على نهجه ـ مسيرتهم العلمية، ومجالسهم الأدبية، تاركين وراءهم الدنيا بضجيجها وعجيجها، ولا همّ لهم سوى كتابهم وعقائدهم ومسائلهم العلمية، شاكرين الله عزوجل على ما آتاهم من فضله، راضين بما قسم لهم، ذاكرين فضله وإحسانه الجميل عليهم.
وتتبدد تلك السنون العجاف، وتظهر ـ وبعد عقود من الزمن ـ ثمرة ذلك الصبر، لمن بقي من ذلك الجيل وغيره، بعد أن وعدهم الله بذلك، فقال: (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة ...أولئك لهم عقبى الدار)، بعد خمول ذكر عدد كبير ممن لم يواصل تلك المسيرة. شكر الله سعي المخلصين الذين أناروا الطريق للأجيال، وسلّموا الراية بكل فخر واعتزاز.
وأما صبره على ما حل عليه من ظلم الظالمين فلست أدري كيف ابتدئ وأنا أستعرض لقطات مريعة من أيام المحنة وشدة الضغط، وسيدنا لم يقابل ذلك إلا بصمود واطمئنان قلّ نظيره، بل ربما لا نظير له.
فقد زرت ذات يوم سماحة الشيخ الجليل الشيخ باقر القرشي فجرى ذكر سيدنا وصبره، فأثنى عليه جميل الثناء، ثم قال: «إني طالعت التاريخ كثيراً، وصفّحت المحن التي جرت على المسلمين، فلم يحضرني كصبر السيد محمد علي، كان ذا صبر عجيب، حيث اعتقال أرحامه وأولاده، خصوصاً ولده (السيد محمد سعيد) وما كان يلاحظ فيه من المستقبل، لكنه كان ـ حين يقابلنا ـ يصبّرنا قبل أن نصبّره».
صدق شيخنا القرشي، فقد كان سيدنا يصبّر الثكلى الفاقدة لأبيها أو زوجها أوأولادها، فلا تخرج من عنده إلا وقد توشّحت بجلباب الصبر والتسليم.
كان (قدس سره ) في تلك المحنة محور الأزمات التي تمرّ على الأسرة، حتى النساء اللاتي عندهنّ من يسلّيهن كُنّ يلجأن إليه ويأنسن بحديثه، وتشويقه للآخرة ودرجاتها، فكان يطالبهن بالالتفات إلى الآيات القرآنية والروايات الشريفة التي يتلوها عليهن، ويقرأ لهن فقرة الزيارة الكريمة زيارة أمين الله، وهي: (اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك)، كما يذكر لهن ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين: «إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور).
وهكذا يعدّد لهن الفقرات القرآنية والأحاديث الشريفة والفصول التاريخية المؤلمة التي مرت على أهل البيت وأصحابه.
وما من قضية أو مشكلة تمرُّ عليهن إلا ويبادرن بطرحها عليه ليجدن عنده العلاج المناسب والحل الناجع.
كان بيته أكثر بيوت الأسرة ابتلاءً، من جهة عدد المعتقلين منه، فكان عدد أولاده وأحفاده المعتقلين يبلغ الأربعة عشر، ومع هذا قد يصل صبره إلى أن يظن الظانّ أنه غير متأثر لفقدهم، فلا مصيبة لديه ولا خسارة عنده.
بل جبهه بعضهم بذلك، وهو مع ذلك لم ينزعج منه، بل أخذ بتأنيبه برحابة صدر، وروح رياضية.
ومن جميل صبره ما كان يذكره مكرراً فترة اعتقالهم، وهو أنه لما أدخلوهم إلى مديرية أمن النجف أرادوا شدّ أعينهم، ولم تكن هناك قطع قماش تكفي لذلك العدد الكبير، فأُخذت عمامة أحد السادة، وخرقت، ولُفّت بها أعين الجميع، بعد أن قال بعض الجلاوزة: «ما دام عمايم چذب خلي نمزقها وانلف بيها عيونهم»، فلم يكن من سيدنا إلا الاستهزاء به بقلبه واستذكار البيت المشهور..
فهي الشهادة لي بأني كامل وإذا أتتك مذمتي من ناقص
وعند وصولهم ـ فجر يوم الاعتقال ـ إلى مديرية أمن بغداد، وحيث لم يكن شدّ عينيه محكماً، نظر إلى لوحة على باب المديرية مكتوب عليها قوله تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). فكان يذكر هذه الآية وموضعها محل تندّره مدة من الزمن.
كما أن من المعلوم أنّ علاقته مع كثير ممن أُعدِم من الأسرة ـ ومعروف التحابب بين الأسرة ـ كانت علاقة الأبوة والبنوة، ولا زال وإلى اليوم يذكرهم، ولكن بصبر واطمئنان وتسليم ورضا. بل إن أول اجتماع للنساء المفجوعات في قضيّتَيْ إعدام الوجبة الأولى (الستة) والوجبة الثانية (العشرة) كان في بيته، مع أن علقتهنّ النسبيّة كانت بغيره أقرب منها به، لكن روابطه وجامعيته لنساء الأُسرة جعلت من بيته مركزاً ومحوراً لتلك الآلام والمحن.
وأصبح صبره جليّاً باستشهاد ولده عمّناالمرحوم السيد محمد حسن، حيث استشهد في السجن، ودعي سيدنا في نهار شهر رمضان ـ وكان صائماً ـ إلى مديرية الأمن، ومن ثَمّ إلى وادي السلام، ليرى ولده مسجى قرب لحده، فيصلي عليه، ويُمنع من البقاء ريثما يدفن، فيترك أمر تجهيزه إلى الدفان.
ويعود سيدنا إلى البيت بصبر وتسليم عجيبين، جعلته ـ وفي تلك الأزمة ـ يكون هو الملجأ والسلوة للآخرين.
وليس بعيداً عنا فقده لولده عمنا الجليل آية الله السيد عبد الرزاق، الذي كان من أهل العلم المتوقع لهم الارتقاء لمراتب عالية، حيث كان مدرساً جليلاً معروفاً ببيانه الرائع وسيطرته على المطالب العلمية، فقد وافته المنيّة فجأةً فجر الخامس من شهر رمضان سنة 1413هـ.
ولم يكن نبأ وفاته بالنسبة لسيدنا الجد إلا صدمة مؤلمة، خصوصاً وأنه كان في بيت والده قبل ساعات قليلة من وفاته، لكن لم يكن من سيدنا المترجم سوى الصبر. وهكذا الحال بالنسبة لفقده لزوجته (رحمها الله)، مع شدة تعلقه بها، لما أبدته له من كمال الطاعة والصبر على ما مر به في حياته، فكانت (رحمها الله) شديدة الأحترام له ولكلمته، حافظة لبيته وحرمته بين أبنائه وأسرته، ولم يكن منه بفقدها سوى الصبر وتجديد الشكر والرضا بما قسم الله عز وجل.
وتعدى صبره على المحن والبلاء إلى الصبر على ما مرَّ به من الاضطراب في صحته.
ومن غريب ما ينقله في هذا المجال أنه ابتلي في كهولته بمرض وآلام في معدته، وكان قد اشتكى بعض أصدقائه نفس الشكوى، وما لبث ذلك الصديق حتى توفي بالسرطان، ثم تبعه آخر من أصدقائه أيضاً، واشتكى نفس الشكوى، وأصيب بنفس المرض حتى لحق بصاحبه، فظل سيدنا متقيداً من إعلان آلامه وشكواه، ثم انتبه إلى أنه لا فائدة في إخبار أهله، إذ لو كان مبتلى بمرض إخوانه فلا فائدة في إخبارهم، وسيكون سبباً في قلقهم، وإن لم يكن فيه من ذلك المرض شيء فما الداعي لإخبارهم، فكتم ما عنده وصبر على آلامه وبكل بساطة، حتى صادفه طبيب هندي عالجه ببعض الأدوية، وشفي تماماً، ولم يُعلِم أهله بذلك إلا بعد حين.
وأبتلي أيضاً في أيام المحنة بماء في عينيه، إذ كان من المحتمل أن يُفقِده بصره، فلم يكن منه إلا التسليم والصبر العجيبين، بل كانت تظهر على قسمات وجهه أمارات الرضا بقضاء الله، حتى منّ الله عليه ـ بعد حين ـ بشفاء وعافية.
السادس: اطمئنانه وتسليمه.
ورد في بعض النصوص التاريخية أن أبرهة حينما قدم مكة المكرمة لهدم الكعبة المعظمة أخذ جيشه إبلاً لعبد المطلب وبكل اطمئنان قدم عبد المطلب عليه طالباً منه إرجاع ما أُخذ منه، فعجب أبرهة أشد العجب، وكلمه باستغراب كيف تطلب مني أن أرجع لك الإبل ولم تكن أنت ـ وأنت سيد قومك ـ شافعاً عن ترك هدم ما تقدسه وتحترمه وتحتمي بظله؟ فأجابه وبكل اطمئنان بالله عزوجل وسكينة: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه.
بهذه الروحية وبهذا الاطمئنان والسكينة كان سيدنا يقابل صعاب الحوادث التي تطرأ عليه، أو تمرُّ على الساحة، وبمثل هذه النظرة والتسليم تنقشع ـ بإذن الله عز وجل ـ تلك الملمات، وينكشف للعيان حسن ذلك الاطمئنان.
فقد واجه الفقر والحرمان ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بذلك الاطمئنان، حيث كان هو بعدُ في مقتبل العمر وبداية مسيرة حياته وقلة تجربته لمعتركها، فلم تهزّه تلك الأزمة عما استوضحه من الطريق، كما واجه الاستهزاء والسخرية والحملات الدعائية ضد هذا الدين والمذهب بذلك الصمود والتسليم.
ثم تلوح في أُفق العراق حملات الضلال من المد الشيوعي المسنود من أعتى دولةٍ في العالم آنذاك، حتى أخذ حيزاً كبيراً في الساحة، فلم يرهقه ذلك المدّ، ولم يخرجه عما يحمله من اطمئنانه برعاية الله عز وجل لهذا الدين والمبدأ، حتى عرف عنه قوله ـ مطمْئناً الآخرين ـ: «إنكم في خطاباتكم ولقاءاتكم ارفعوا أصواتكم لاستنهاض الرجال للحفاظ على الدين، وأعلنوا خوفكم عليه مما هو قادم، لكن لتكن قلوبكم مطمئنة بانحسار هذه الحملات أمام الإسلام والتشيع، فإنهما محروسان محفوظان من كل ما يمرّ عليهما».
كما عاصرنا اطمئنانه وتسليمه حينما مرَّت الحملات الشرسة التي قاومت مسيرة الشعائر الحسينية وغيرها مما اعتاده أبناء هذا المذهب، من المجالس والطقوس العبادية والصلوات في المساجد، بل تعدت الحملات الشرسة الشعائر والمظاهر الدينية إلى استرخاص دماء الأبرياء، والتعدي على أموالهم وأعراضهم، بل تعدّت حتى على رجال العلم والعلماء، بل حتى أُسرته الكريمة، فلقي المجتمع الديني آنذاك هجمة ربما كانت أشرس هجمة مرَّت عليه، كادت تحرق بوهجها الأخضر قبل اليابس، ومع كل ذلك كان سيدنا قويّ القلب، مطمئناً بقدر الله عز وجل، عارفاً بانحسار ذلك وذوبانه أمام صلابة وقوة الدين الحق، الذي ثبَّت دعائمه أمير المؤمنين بعد أن غرسه رسول اللهf بيده المباركة، وحافظ على كماله الأئمة الأطهارb، وتعاهده هذه المدة الطويلة حجة الله في أرضه وأمل المستضعفين (عجل الله فرجه الشريف).
السابع: تفقده للآخرين.
امتاز سيدنا عن الكثيرين في تفقده لأرحامة وغيرهم، وفي أحلك الظروف وأشدها، ولنا بذلك شواهد ونماذج غريبة في بابها..
منها: أنه كان في تلك الأيام المظلمة يفكّر في مصارف بعض رجال الأسرة من الحوزويين، حيث اختفوا في دورهم، فكان يرسل لهم مساعدات، ويتفقد أحوالهم، بل كان يتفقد حتى غير رجال الأُسرة في تلك الظروف، فيرسل لهم المال، كما كان يصل نساء الشهداء وغيرهم.
منها: أنه كان بعض الشباب من الأسرة قد فرّ من الجيش ـ وكان حكمه آنذاك الإعدام ـ، فكان سيدنا يسأل عنهم، حتى عرف اختفاءهم تحرّجاً من الدولة، فبقي يواصلهم بالمال، بل كان يلتقي ببعضهم بشكل سرّي، فيكلمه ويؤمّنه ويصبره ويشد من عزيمته. ولا زال بتفقد كل من له علاقة به، فهو يعرف أنّ فلان في الصف الفلاني، وآخر في كلية الطب، وثالث في الصيدلة، وأن دراسته جيدة، وهكذا الحال بالنسبة لنساء الأسرة، فهو مطّلع على أحوالهن، ويدعو للجميع من دون أن يكون ذلك سبباً للقلق عنده.
الثامن: كتمانه للسر.
ورد عن أمير المؤمنين قوله: «من كتم سره كانت الخيرة بيده».
كثيرة هي القضايا التي إن خرجت للعيان وعلم بها الناس أوجبت مشاكل وآثاراً سلبية ربما لا تحمد عقباها، ومن هذا المنطلق كان سيدنا كثيراً ما يوصي بكتمان السر، وعدم إشاعة ما يُعلم، كما عُرف سيدنا بالتحلي بهذه الصفة الحسنة، ولنا على ذلك شواهد عديدة..
منها: اطّلاعه في تلك الأيام المظلمة على انتقال سجناء الأسرة إلى سجن أبي غريب، بعد أن كانوا مدة سنتين في سجن الأمن العامة في بغداد، وكان انتقالهم هذا موجباً لانقطاع أخبارهم، حيث لا يدخل داخل إلى سجن أبي غريب ولا يخرج منه خارج، كما أنه هناك (مواجهة) ولقاء بين السجناء وأهاليهم.
نعم كان بعض السادة الأعلام وهو المرحوم السيد محمد الطباطبائي يختص من بين الجميع بمواجهة مع أهله، ومن خلال النساء تم إطلاع السيد الجدّ على وجودهم في ذلك المكان، فابتدأ سيدنا ـ ومن خلال ذلك السيد ـ يوصل لهم الأموال، وتصله منهم الأخبار، فكان بين فترة وأخرى يخبر العائلة بوجود خبر معيّن حول السجناء، تطميناً لهم، من غير أن يخبر عن مصدره الخبر أو عن صلته بهم، حتى تمت سمحت السلطات بمواجهة السادة من الأسرة فانكشف السر حينذاك
التاسع: اغتنامه الفرص المناسبة للوعظ والاتّعاظ.
وهذه سيرة الصالحين ممن تكون الآخرة بين أعينهم، ويرونها في وجدانهم، فقد عُرض على سيدنا ـ وللمرة الأولى ـ الكامرة التلفزيونية، فكانت تصوّر حركاته وكلامه، فانتبه إلى أن المورد مورد وعظ، فتوجه إلى الحاضرين بقوله: «يكثر في القرآن الكريم والروايات الشريفة أن الله عزّ وجل في يوم القيامة يعرض أعمال الخلائق، فكانت العقول لا يمكنها أن تدرك كيفية إعادة الأعمال والتصوير، لكن لنا بهذه الآلة عبرة فإنّ لله عزّ وجل علينا كامرة كبيرة تصور أعمالنا ويعرضها يوم القيامة على مرأى ومسمع من الخلائق(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً)، فينبغي لنا التقوى وملاحظة أفعالنا».
ويمر بلندن هو وسماحة السيد محمد تقي الحكيم في طريقهم إلى المستشفى، حيث رقد سيدنا الحكيم، فيجد ـ في طريقه ـ بعض الألعاب، فنظر إلى لوحة فيها بعض الثقوب، وكرات صغيرة تخرج بسرعة وتسير بشكل دائري، ثم تسقط في تلك الثقوب، فيسرع بالانتباه للآخرة، فيقول للسيد محمد تقي: «سيدنا هذه اللوحة تمثل الدنيا، والكرات الصغيرة تمثل البشر، وهذا البشر بعض يطول عمره، وبعض يموت في مقتبل العمر، وهكذا».
وكثيراً ما كان يمرّ في طريقه على بعض البيوت القديمة ويردد: أين بانوك؟! أين ساكنوك؟!، ثم يسرد بعض القصص المثيرة، أو ذات العبرة ببعض الدور.
العاشر: إصراره على نبذ الخلاف والتواصل بين المؤمنين.
فإن سيدنا كثيراً ما كان يوصي بنبذ الخلاف ومواصلة الآخرين، ويقول بأنه لا ينبغي أن ينزه الإنسان نفسه عن الخطأ، بل حتى لو كان خصمه هو المعتدي، فليعذره كما يعذر نفسه لو بدرت منه بادرة سوءٍ أو خطأ.
ومع كل هذه المفاهيم التي يحملها وقعت قضايا أوجبت القطيعة مع بعضهم، لكنه كان كثيراً ما يبادر للتواصل.
ومن نماذج ذلك ما حصل مع بعض السادة من الأسرة، حيث كان مقاطعاً لجلّ رجال الأسرة مدّة مديدة، من دون أن يعرفوا سبب ذلك، وتمرّ الأيام، ويقف سيدنا على رأسه في الحرم الشريف، فيقول له: «سيدنا سيد(فلان) إن كنتُ مخطئاً بحقك فاغفر لي، وإن كنتَ أنت المخطئ فقد غفرت لك، إلى متى هذا الخلاف ونحن أخوة وأسرة واحدة»، فيقف ذلك الرجل ويعتنقه وتنقشع عنه تلك الوساوس التي أوجبت قطيعة للأسرة، وتمر مدة ويُتوفى فيكون سيدنا هو المسؤول عن تجهيزه ومراسيم دفنه وفاتحته.
ومثلها موقفه مع بعض المشايخ الذين كان لهم بعض المواقف من السيد الحكيم، وكانوا على خلاف مع الأسرة، فيمر عليه سيدنا ـ بعد أن سمع أنّ به مرضاً معيناً ـ فيطرق عليه الباب، فيدخل ويسلم عليه، فلم يكن بوسع ذلك الشيخ إلا الاعتذار من سيدنا، ورجوع المحبة والمواصلة بينهما.
الحادي عشر: المطالب العلمية.
قد سبق منا ذكر الجانب العلمي لسيدنا الجد (دام ظله)، وما كان عليه من المواظبة والمثابرة والالتزام بالدروس، فحصل عنده ـ نتيجة كثرة خبراته العلمية، وتكرار سبره لمطالبها ـ عدة فروع فقهية، امتاز بها عن غيره، وكانت له فيها آراؤه ومطالبه، بل حتى في المباحث الأصولية والرجالية، ومن ذلك ما هو مسجل في تقرير تلامذته، وما نعرفه نحن أبناؤه من آراءه التي لم يقدّر لها أن يدوّن منها إلا القليل.
لكن الذي برز للعيان منها والتي كان فيما بعد هو المرجع فيها أمران..
الأول: تصحيح قبلة النجف الأشرف، حيث كانت مثار جدل كبير، حتى أصبح اليوم جلّ أهل العلم يلتزمون بما تنبه له، خصوصاً بالصلاة في الحرم المطهر للإمام أمير المؤمنين.
الثاني: تصحيح مقدار المثقال الشرعي، الذي كان سبباً لخلافه لما هو المشهور بين فقهاء العصر في كل ما يعود للموازين الشرعية، من المد والصاع، في حساب الكرّ وزكاة الفطرة والكفارات وأمثالها.
وهناك كثير من المسائل والآراء العلمية التي تبنّاها أو شيّدها تبعاً لأساتذته الكرامj.
ولم يكن يسعفه المجال، ولا كانت الظروف مؤاتية لأن يكتب ويؤلّف، لكنه كتب في أيام شبابه شرحاً استدلالياً على كتاب الشفعة من تبصرة المتعلمين، ثم بعد تمامه عرضه على السيد الحكيم، وبعد اطلاعه عليه جزّاه خيراً وأثنى عليه.
كما كانت عنده بعض الكتيّبات المتفرقة، فله رسالة في الوقت والقبلة، وبعض البحوث في الهيئة، وفي الرياضيات بأنواعها، ورسالة في المثقال الشرعي، وله كتاب في الميراث على نهج الرياضيات الحديثة، وكتابات فقهية متفرقة بمواضيع مختلفة، وأيضاً كتابات في التفسير، كتبها بمشاركة سماحة آية الله الشيخ محمد رضا المظفر وسماحة آية الله السيد يوسف الحكيم، كما أنه
كان أحد أفراد اللجنة المشكّلة من قِبل السيد الحكيم لتحقيق رجال كتاب الكافي للشيخ الكليني، يشاركه فيها الأعلام الأجلاء السيد يوسف الحكيم والسيد محمد حسين الحكيم والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ صادق القاموسي، رحم الله الجميع وأطال عمر سيدنا الجد (دام ظله).
مقداد الحكيم
1/شعبان المعظم/1430هـ
ملحق رقم (1)
أولاً: أولاده..
1ـ السيد محمد سعيد الحكيم.
2ـ السيد محمد تقي الحكيم.
3ـ المرحوم السيد عبد الرزاق الحكيم.
4ـ الشهيد السيد محمد حسن الحكيم.
5ـ السيد محمد صالح الحكيم.
ثانياً: أحفاده الذين أصبحوا من أهل العلم..
1ـ السيد رياض السيد محمد سعيد الحكيم.
2ـ السيد محمد حسين السيد محمد سعيد الحكيم.
3ـ السيد علاء الدين السيد محمد سعيد الحكيم.
4ـ السيد عز الدين السيد محمد سعيد الحكيم.
5ـ السيد حيدر السيد محمد سعيد الحكيم.
6ـ السيد علي السيد محمد سعيد الحكيم.
7ـ السيد هاشم السيد محمد تقي الحكيم.
8ـ السيد رضا السيد محمد تقي الحكيم.
9ـ السيد نور الدين السيد عبد الرزاق الحكيم.
10ـ السيد ميثم السيد عبد الرزاق الحكيم.
11ـ السيد علي السيد عبد الرزاق الحكيم.
12ـ السيد مقداد السيد محمد صالح الحكيم.
13ـ السيد عمار السيد محمد صالح الحكيم.
ثالثاً: أسباطه الذين أصبحوا من أهل العلم.
1ـ السيد محمد السيد كاظم القاضي.
2ـ السيد عبد الحسين السيد كاظم القاضي.
3ـ السيد صادق السيد كاظم القاضي.
4ـ السيد أسعد السيد كاظم القاضي.
5ـ السيد محمود السيد مجتبى الخلخالي.
6ـ السيد إحسان السيد مجتبى الخلخالي.
7ـ السيد عادل السيد عبد الزهرة الحكيم.
رابعاً: أولاد أحفاده ممن ساروا على الطريق..
1ـ السيد محمد السيد رياض السيد محمد سعيد الحكيم.
2ـ السيد حسين السيد علاء الدين السيد محمد سعيد الحكيم.
3ـ السيد حسن السيد علاء الدين السيد محمد سعيد الحكيم.
4ـ السيد علي السيد مقداد السيد محمد صالح الحكيم.
5ـ السيد حسين السيد مقداد السيد محمد صالح الحكيم
خامساً: أولاد أسباطه ممن ساروا على الطريق..
1ـ السيد علي السيد محمد القاضي.
2ـ السيد محمد السيد عبد الحسين القاضي.
3ـ السيد أحمد السيد أسعد القاضي.

منقول وكالة براثا للانباء

توقيع مشرق الشبلي


اللهم صل على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها



مشرق الشبلي
الصورة الرمزية مشرق الشبلي
عضو مميز
رقم العضوية : 6860
الإنتساب : Nov 2009
الدولة : شيعة علي ( ع )
المشاركات : 629
بمعدل : 0.11 يوميا
النقاط : 211
المستوى : مشرق الشبلي is on a distinguished road

مشرق الشبلي غير متواجد حالياً عرض البوم صور مشرق الشبلي



  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : مشرق الشبلي المنتدى : ميزان أخبار الشيعة والمقاومة الإسلامية
افتراضي
قديم بتاريخ : 01-Mar-2011 الساعة : 07:59 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


صور مجلس الفاتحة فيالنجف الاشرف قرب مرقد الامام علي ()







توقيع مشرق الشبلي


اللهم صل على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها


إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc