اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
فضائيات إخبارية وحرب إعلامية ضد سورية
تتعرض الجمهورية العربية السورية لأسوأ أنواع الحروب الفكرية والتحريضية في القرن الحادي والعشرين. وتُشنّ على هذا البلد عاصفة إعلامية وسياسية هوجاء شرسة تهدف إلى زعزعة استقراره وضرب وحدته الوطنية وبالتالي تحويل سورية إلى دولة فاشلة ليتم فرض شروط معينة عليها ودفعها للتخلي عن مواقفها القومية والوطنية.
والحرب المستعرة على سورية تأخذ أشكالاً عدة؛ طائفية، تزوير الحقائق على الأرض وقلبها، تلفيق الأخبار ونشر المندسين، وتخويف المواطنين من بعضهم البعض لدب الخلاف بينهم وإضعاف معنوياتهم... الخ. وتتجنّد للأسف فضائيات عربية وعالمية وصحف عربية دأبت منذ وقت بعيد على مهاجمة سورية ومواقفها وتخصص رساميل هائلة لو أنفقت في مجال الخير والتعمير لطوّرت الوطن العربي بمجمله.
ومن يتابع قناة العربية والبي بي سي، على سبيل المثال، وصحف عربية مثل الشرق الأوسط والراي والحياة وغيرها، يمكنه أن يلاحظ بسهولة حملة التحريض الشرسة والضارية التي تشنها هذه الجهات على سورية وشعبها وقيادتها.
ولكن، بعد مرور قرابة عشرة أيام على بدء الأحداث في سورية، اكتشف الشعب السوري اللعبة التي تريد العبث بأمنه واستقراره والنيل من صموده وتخريب مكتسباته، فانتقل إلى مرحلة الهجوم والتفّ خلف قيادته معبّراً عن وعي كبير للمخاطر التي تتهدده، وللتحديات التي يواجهها وتواجهها سورية قيادة وشعباً. وهو ما كان يراهن عليه الرئيس السوري دائماً: الشعب الوفي والواعي..
وتعبيراً عن هذا الوفاء والوعي، تكاد في كلّ لحظة تنطلق مسيرة تأييد تضم كلّ أطياف الشعب السوري، للخطوات التي تتخذها القيادة السورية ورئيسها، وبدأ الشعب يتنبّه إلى الدعوات المشبوهة التي تصدر على الفيس بوك والمواقع الالكترونية الأخرى، والتي تدعو إلى التظاهر والتخريب، ويرفض تلبية هذه الدعوات.. وفهم الشعب أن أصحاب هذه الدعوات لا يريدون الخير له.
وبدأ الشعب يسأل بحكمة وتعقل: لماذا التظاهر إذا كانت القيادة السورية تقول إن المطالب التي نريدها محقة وهي تعهدت بتحقيقها خلال أيام!! وتوقفت تقريبا أي حركة احتجاج ، مما استفز المخربين الذين أرسلتهم جهات عربية ودولية معروفة وبدأوا يأكلون أنفسهم ويحاولون بشتى الوسائل إثارة المشاكل، وقد تم أسر العديد منهم والقبض عليهم، وستكشف الأيام القادمة حقيقة ما يجري بوضوح أكبر وأجلى.
لقد عرفت سورية بفضل حكمة أهلها وعلمائها ورجالات أديانها وطوائفها وكلّ فئات الشعب السوري المعطاء الذي يقفون إلى جانب قيادتهم الرشيدة، كيف تجتاز المحن والصعاب وكيف تقلب الطاولة على رؤوس الأعداء، وكيف تعلّم العالم دروس الوطنية والإباء والحضارة.. وهي تفعل ذلك الآن وستخرج من هذا المخاض والامتحان الصعب أكثر قوة ووحدة وتضامنا وكبرياء وسيخسر المتربصون والحاقدون والأعداء رغم أموالهم وفضائياتهم وصحفهم القذرة.
الفضائيات الإخبارية والسقوط المريع
قبل قرابة عقد من الزمن ومع انتشار الثورة الرقمية والتكنولوجية سطعت في سماء الوطن العربي أعداد كبيرة من الفضائيات من كلّ الأنواع والمشارب؛ فنية وترفيهية وغنائية ودين وسياسة... الخ.
وبدأت قناتا الجزيرة والعربية احتكار الساحة الإعلامية الإخبارية بدون منازع تقريباً، بسبب الأموال التي تنفق عليهما، وبسبب استقطابهما الكفاءات المعروفة في العالم العربي. ووسط هذا الاحتكار، عمدت الدول الغربية الاستعمارية أيضاً الى إحداث قنوات إخبارية تضخ الأخبار والمعلومات كما تريد على العالم العربي الذي بات تحت موجات لاسلكية وسياسية تعكس رغبة الفرنسي والأميركي والروسي والصيني...
وظن الكثيرون أن قناتي العربية والجزيرة تحترمان المهنة وتسلكان المهنية طريقاً لهما، وتريدان الخير والتنوير في الوطن العربي.. وتابعهما المشاهد العربي بكثير من الاهتمام، لاسيما بسبب ضعف الإعلام الرسمي العربي وعجزه عن مجارات التطورات في عالم الإعلام الحديث، وبسبب تحجر خطابه وقلّة المعلومات التي يقدمها... وبعد مرحلة من التسليم بقضاء هذه الفضائيات، بدأ الناس يفكرون، فيما يُعرض ويُبث لهم.
وحتى لا نطيل كثيراً، وحتى لا نبقى في العموميات، نود أخذ حالة معينة ومناقشتها لكشف زيف ما تدعيه هذه القنوات من موضوعية وحيادية.
فقبل يومين كنت أتابع قناة العربية، وحاولتُ متابعة القناة طوال اليوم تقريباً. وقد لفتتني أشياء عدة، تُظهر أن هذه القناة موجهة بشكل كامل وهي تشارك في حملة تحريضية شرسة تُشن على سورية:
أولاً، ذكرت القناة في تغطيتها للأحداث في سورية، أن السلطات السورية منعت وسائل الإعلام من دخول مدينة درعا وتغطية ما يجري هناك. وقد استمرت بتكرار هذا الخبر وبثه طوال فترة الصباح وحتى الظهيرة. وبناء عليه اعتمدت على شاهد عيان ادعى أن اسمه فهد. وتحول هذا الفهد المجهول النسب والهوية والجنسية والميل والخبرة والقدرة على قراءة الأمور إلى مراسل ميداني للقناة طوال ما قبل الظهر.. والأكثر دهاء أن فهد، كان يعلم ما يجري في المحافظات والقرى الأخرى في سورية وكأنه مركز إخباري..
ولكن عند الساعة الثالثة بعد الظهر اتصلت القناة بمراسلها في سورية حنّا حوشان وسألته عن الأوضاع، فقال إنه كان في درعا طوال فترة ما قبل الظهر وأن الأوضاع هادئة وقد حصلت مظاهرات سلمية أثناء تشييع جنازات هناك، ولم يتعرض لها أحد، وكذّب بالتالي ما دأبت قناته على بثه طوال النهار..
وعندما سأله المذيع عن الأوضاع في بقية المدن السورية، أكد حوشان أنه سمع كذا وكذا... ولكنه لم يستطع التأكد مما يقال لأنه كان طوال الصباح في درعا.. إذن هو كان في درعا، ولكن الشاهد فهد الذي ربما يمتلك قمراً فضائياً أو بساطاً سحرياً، رأى كلّ شيء ونقل كل شيء وعلّق على كلّ شيء..
ثانياً، وبالعودة إلى مراسل العربية حنّا حوشان، فقد سأله المذيع عن الأوضاع في دمشق، فقال "إن شوارع دمشق تغص بالمظاهرات المؤيدة للرئيس السوري".. والسؤال بعد ذلك هو، ماذا عرضت قناة العربية؟!! لقد عرضت تجمعاً لبضعة أشخاص قالت إنها المظاهرة التي خرجت تؤيد الرئيس السوري. ولكن الأدهى والأوقح من كل ذلك، أن هذه القناة بدأت تعرض المظاهرات المؤيدة للرئيس السوري على أنها مظاهرات مناوئة للحكم في سورية، في قلْب وقح ومتعمد للحقائق والوقائع وتزوير لها.
ثالثاً، لقد اكتشف الشعب السوري هذه المفارقات بسهولة لأنه ليس شعباً ساذجاً كما تخيّل أغبياء العربية ، وبالتالي لم تنطلِ عليه الحيلة المكشوفة، ولأنه هو الذي يسير على أرض الواقع وهو من يتحرك ويقوم بالمظاهرات المؤيدة للإصلاحات في سورية. وهذا منطقي جداً؛ إذ من الصعب أن يكذّب المرء نفسه ويكذّب ما يرى وهو وسط الحدث في الزمان والمكان، ليصّدق ما يسمع ويقال وينقل له.. لاسيما وأن سمعة العربية كانت موضع شك منذ الحرب الإسرائيلية في تموز على لبنان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وثورة الشعب المصري الأخيرة ضد حسني مبارك.
رابعاً، لقد أدرك الشعب السوري الحرب المستعرة عليه، وأدرك رموزها وأدواتها وغاياتها، فالتفّ حول بعضه وحول قيادته بكلّ فئاته ومكوناته واتجه إلى إعلامه المحلي ـ على ضعفه ـ ليعبّر عن هذا التضامن والوحدة والتناغم والوعي والحكمة..
ولقد أسقط الشعب السوري أسطورة العربية وسطوتها والأموال التي أنفقت على تقتيله وتخريب منجزاته... أمام وعي الشعب السوري وأمام تلاحمه وإدراكه لمصالحه وإيمانه بقضاياه العادلة ومعرفته لأعدائه وتوجهاتهم الحاقدة عليه!!