اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
سطيح الكاهن
حدثنا أحمد بن محمد رزمة القزويني قال : حدثنا الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي الطائي قال : حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله قال : حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي ، عن أبيه وقد أتت له مائة وخمسون سنة قال :
لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ارتجس أيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة ، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها ، فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبر عليها تشجعا ، ثم رأى أن لا يسر ذلك عن وزرائه ، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى ، فبينما هم كذلك ، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس ، فازداد غما إلى غمه وقال الموبذان : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ، ثم قص عليه رؤياه في الابل والخيل ،
فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ ـ وكان أعلمهم في أنفسهم ـ فقال : حادث يكون في ناحية العرب ،
فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر : أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني فلما قدم عليه
قال : عندك علم ما أريد أن أسألك عنه ؟
قال : ليسألني الملك أو ليخبرني فان كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام
يقال له : سطيح ، قال : فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك ، فخرج عبد المسيح حتى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه ، فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاز فاز لم به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن * وكاشف الكربة في الوجه الغضن
أتاك شيـخ الحي مـن آل سنن * وأمـه من آل ذئب بــن حجن
أروق ضخم الناب صـرار الاذن * أبيض فضفاض الرداء والبـدن
رسول قيل العجم كسرى للوسـن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
تجوب في الارض علنداة شجـن * ترفعني طورا وتهوي بي وجن
حتى أتى عاري الجآجي والقطن * تلفه في الريح بوغاء الدمن
كأنما حثحث من حضني ثكن فلما سمع سطيح شعره فتح عينيه وقال : عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح ، وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان ، وخمود النيران ، ورؤيا الموبذان ، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، قد قطعت الدجلة ، وانتشرت في بلادها ، وغاضت بحيرة ساوة ، فقال : يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة ، وبعث صاحب الهراوة ، وفاض وادي سماوة ، وغاضت بحيرة ساوة فليس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكلما هو آت آت ، ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح إلى رحله ويقول :
شمر فانك ماضي العـزم شمير * لا يفزعنك تفريـق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * فان ذا الدهر أطوار دهارير
وربما كان قد أضحوا بمنـزلة * تهاب صولهم الاسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمـن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور
وهم بنو الام لما ان رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونـان في قرن * فالخيـر متبع والشـر محذور
قال : فلما قدم على كسرى أخبره بما قال سطيح فقال : إلى أن يملك منا أربعة
عشر ملكا قد كانت أمور ، قال : فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى إمارة عثمان .
وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس وذلك أكثر من ثلاثين قرنا ، وكان مسكنه بالبحرين فيزعم عبد القيس أنه منهم وتزعم الازد أنه منهم ، وأكثر المحدثين قالوا : هو من الازد ولا يدرى ممن هو ، غير أن عقبه يقولون : نحن من الازد .