اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث - 7
بعد أن ضاق به الحال، خوف فقدان مبادئ اللغة الأجنبية التي اكتسبها، خلال دراسته في الغرب، لتواجده المكثف بين ظهراني بني وطنه. لإصرارهم على استعمال لغتهم الأم والتمسك بها، حتى أثناء تواجدهم في حرم الجامعة. فقرر التضحية بتلك الصحبة الطيبة، التي خففت عليه غربته وابتعاده عن أهله. ولكن الهدف الذي جاء من اجله، يستحق هذه التضحية، ولو لبعض الوقت.
اتصل بمكتب الطلاب الأجانب، طالبا المساعدة في البحث عن عائلة غربية، تستضيفه حتى يتمكن من إتقان لغتهم. فانتقل في وقت قصير ليعيش بين أحضان عائلة، مكونة من والدين وابن وابنة. وقال يكلم نفسه متفائلا بالانجاز الذي حققه: هكذا أستطيع اخذ اللهجة من أفواههم، وأتعرف على عاداتهم وتقاليدهم. فتنفتح الحضارتان على بعضهما، ويتعرف كل منا على الآخر عن قرب.
مضت به الأيام، ورغم انه لم يترك زيارة أصحابه وبني بلده، من وقت لآخر. أتقن أشياء كثيرة، من بينها للغة الأجنبية. وأشياء كان يعتمد فيها على بعض أصحابه، مثل تجهيز أكله، وترتيب منامه وتنظيم غرفته. كما وتعلم بعض الأكلات الشعبية الغربية، وتطلع على العادات الحسنة التي عندهم، مع حسن العشرة التي شملوه بها.
لكن الحياة الدنيا لا تكتمل، ولا بد أن يبرز في البين ما ينغصها. كخروج ثمرة فاسدة بين الأخرى الصحيحة، وإذا لم نعمل على إقصائها، يسري الخراب والدمار للبقية. فربة البيت متدينة وممن يرتادون الكنيسة، ومهمتها هناك العزف على البيانو. فكانت تتدرب على العزف طوال النهار، وخلال تواجدها في البيت. ولم تترك ذلك، رغم معرفتها بوجوده في البيت، وانه يحتاج للهدوء، ليتمكن من كتابة فروضه، ومراجعة دروسه. فكانت كالغراب الذي ينعق، فخرب عشه، لاعتقاده بجمال صوته. لذا قرر البحث عن مسكن آخر.
بقلم: حسين نوح مشامع