اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مفكرة مبتعث -11
واصل المبتعث حياته الجديدة، رغم مواجهته للكثير من المتاعب والمصاعب، محاولا التأقلم معها قدر استطاعته. ولكن رغم محاولات تأقلم والتكيف، يبقى في الافق اشياء لا يستطيع التنبؤ بها، ولا يتمكن من تفاديها.
في احد اجازاته الصيفية، قرر عدم الرجوع لبلده، والبقاء حيث هو. وذلك لقصر الإجازة، وللحرارة العالية التي تتمتع بها بلاده، على عكس البلاد الذي هو فيها. فقرر مع احد زملاء الدراسة وبني الوطن، القيام برحلة سياحية في ربوع تلك الديار.
تحركا باتجاه احد الولايات المعروفة بالسياحة، وبمدنها وقراها الترفيهية الجميلة. لعبا ومرحا ورفها عن نفسيهما، ولما يتركا متعة مباحة الا وقارفاها، وأخذا منها بسهم وافر.
قاربت ايام اجازتهما على الأفول، ونضبت مواردهما المالية، قفلا راجعين. عادا بالفرحة والبهجة، استعدادا لبدء واجباتهما المدرسية. يسابقان الطيور العائدة الى أوكارها، والرياح المندفعة لمناطق هبوبها. تركا زمام القيادة لمركبتهما، تطير بهما تسابق سرعة الصوت. وهما في عظيم نشوتهما، وكثير فرحتهما. كفرخ بط خرج للتو للحياة، بعد طول رقدته، ونزع عنه ثقل بيضته. يقفز هنا وهناك، وقد هاله عظيم المنظر، وغرابة المخبر.
بقربهما من مدينة سكناهما، احسا بتغير في الأجواء، وتبدل في الانحاء. كأنما غيمة سوداء منذرة بأمطار غزيرة ورياح عاتية، قد تكورت فوق رأسيهما. وأصوات كما الرعد، تخرق أذناهنا، وأنوار كما البرق تخطف عيونهما.
ما هي إلا دقائق حتى تطوقت عليهما الدنيا، وأخذت عليهما اقطار الارض وأجواء السماء. ولما يستطيعا الافلات من تلك القبضة، كأنما فكي وحش يحاول افتراسهما.
ما هو أسمك؟
تردد كثيرا قبل ان يجيب، فلقد اخذته بهتت السؤال، ورهبة الموقف والمقام.
انا .... انا .
انزلا من مركبتهما وأوقفا جانبا، لفحصهما اذا كان تحت تأثير مشروب مخدر. فتشوا جسميهما رأس لعقب. نفضت ملابسهما، كأنما للتخلص من بق أو ناموس. ادخل كلب لأيم سيارتهما، ينظر اليهما بشزر. احسا لو اطلقه مدربه، لما تردد دقيقة عن الفتك بهما. جاب خلال سيارتهما، ركب فوق المقاعد بقوائمه القذرة. ينظران اليه بكراهية شديدة، يتمنيان لو يتركا ليقابلانه الإساءة بالإساءة. وانى لهما ذلك، وهما تحت وطأة القانون، وعجرفة النظام.
اقتيدا الى مكان سكناهما، وهما لا يعلمان ماذا سيحلب بهما. وقد انساهما هول الموقف، كل المتعة والرفاهية التي كانا فيها. يتطلع كل منهما لصاحبة بعيون الدهشة والاستغراب، عله يخبره نهاية كل هذا!
وبعد أن انهت القوة تفتيشها، اقتادهما لمخفر الشرطة، لإكمال بقية الإجراءات.
بقلم: حسين نوح مشامع