عضو
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
هل كان علي عليه السلام أسعد إنسان في آخر لحظة من حياته ؟
بتاريخ : 05-Aug-2012 الساعة : 02:01 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسمه تعالى
اللهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها والعن أعدائها وأعداء شيعتها
هل كان علي أسعد إنسان في آخر لحظة من حياته ؟
لنحسب حساب علياً وهو في آخر لحظة من لحظات حياته () حينما قال: فزت ورب الكعبة. هل كان علي أسعد إنسان أو أتعس إنسان؟
يمكن أن نقارن ونحسب على أساس مقياسين:
أحدهما مقياس الدنيا.
والآخر مقياس الله سبحانه وتعالى...
لو كان قد عمل كل عمله للدنيا، لنفسه، فهو عندما ضرب كان أتعس إنسان, ومَن أتعس من علي () الذي بنى كل ما بنى وأقام كل ما أقام من صروح ثم حُرِم من كل هذا البناء؟
هذا الإسلام الشامخ العظيم الذي يأكل الدنيا شرقاً وغرباً بُنِي بِدم علي (), بُنِي بخفقات قلب علي, بُنِي بآلام علي، كان علي () شريكاً للنبي بكل محن هذا البناء, وكوارث هذا البناء, ومآسي هذا البناء. أي لحظة محرجة وُجِدت بتاريخ هذا البناء لم يكن علي () فيها؟ هو الإنسان الوحيد الذي تتجه إليه أنظار النبي () ونظر المسلمين جميعاً لأجل إنقاذ عملية البناء.
إذن فعلي () كان هو المضحي دائماً في سبيل هذا البناء، هو الشخص الذي أعطى ولم يبخل, الذي ضحى ولم يتردد, الذي كان يضع دمه على كفه في كل غزوة وفي كل معركة، في كل تصعيد جديد لهذا العمل الإسلامي الراسخ العظيم.
إذن فقد شُيِّدت كل هذه المنابر بيد علي (), واتسعت أرجاء هذه الدولة بسيف علي (), لكن ماذا حصَّل علي من كل هذا البناء في مقاييس الدنيا؟ ماذا حصَّل من التضحيات؟ من كل هذه البطولات؟ من الحرمان الطويل؟ ماذا حصل غير الاقصاء عن حقه الطبيعي؟ بقطع النظر عن نص أو تعيين من الله سبحانه وتعالى, كان حقه الطبيعي أن يحكم بعد أن توفي النبي (), لأنه الشخص الثاني عطاءً للدعوة وتضحيةً في سبيلها, اُقصي عن حقه الطبيعي, قاسى ألوان الحرمان, أُنكِرت عليه كل امتيازاته، معاوية بن أبي سفيان هو الذي يقول لمحمد بن أبي بكر: كان علي كالنجم في السماء في أيام رسول الله () ولكن أباك والفاروق ابتزا حقه وأخذا أمره، وبعد هذا نحن شعرنا أن بإمكاننا أن ندخل في ميدان المساومة مع هذا الرجل. الإمام نفسه يتحدث عن نفسه، ويحدِّث عن مقامه في أيام النبي () وكيف أن مقامه أخذ يتنازل بالتدريج نتيجة لمؤامرات الحاكمين عليه، حتى قيل: علي ومعاوية.
إذن فعلي () حينما واجهه عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- بتلك الضربة القاتلة على رأسه الشريف، كان ماضيه عبارة عن ماضي حرمان وألم وخسارة, ولم يكن قد حصل على شيء من هذا البناء العظيم.
لكن الأشخاص الذي حصلوا على شيء عظيم من هذا البناء هم أولئك الذين لم يساهموا في هذا البناء, هم أولئك الذين كانوا على استعداد دائم للتنازل عن مستوى هذا البناء في أية لحظة من اللحظات, أولئك حصلوا على مكاسب عريضة من هذا البناء
أما هذا الإمام المُمْتحن الذي لم يفرَّ لحظة, الذي لم يتلكَّأ في أي آن، الذي لم يتلعثم في قول أو عمل، هذا الامام العظيم لم يحصل على أي مكسب من هذا البناء بأي شكل من الاشكال.
انظروا! إن هذه الحادثة يمكن أن تفجر قلب الإنسان دماً، غير العامل حينما ينظر في حال إنسان عامل على هذا الترتيب يتفجر قلبه ألماً لحال هذا العامل المسكين، لحال هذا العامل التعيس الذي بنى فغيَّر الدنيا ثم لم يستفد من هذا التغيير.
نظرة الإمام () للمستقبل:
ثم تعالوا انظروا إلى المستقبل الذي ينظره الامام علي () بعين الغيب, هذا ماضيه، فماذا عن مستقبله؟ كان يرى بعين الغيب أن عدو الإسلام معاوية سوف يطأ منبره، وسوف يطأ مسجده، سوف ينتهك كل الحرمات والكرامات التي ضحَّى وجاهد في سبيلها, سوف يستقل بهذه المنابر التي شُيِّدت بجهاده وجهوده ودمه، سوف يستغلها في لعنه وسبِّه عشرات السنين, هو الذي كان يقول لبعض الخلَّص من أصحابه: إنه سوف يعرض عليكم سبي ولعني والبراءة مني, أما السب فسبوني, وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني.
إذن فهو كان ينظر بعين الغيب إلى المستقبل بهذه النظرة. لم يكن يرى في المستقبل نوعاً من التكذيب يتدارك به هذا الحرمان، كانت الأجيال التي سوف تأتي بعد أن يفارق الدنيا، هذه الأجيال كانت ضحية مؤامرة أموية جعلتها لا تدرك أبداً دور الإمام علي () في بناء الإسلام.
هذا هو حرمان الماضي, وهذا حرمان المستقبل, وبالرغم من كل هذا قال (): "فزت ورب الكعبة", لأنه لم يكن إنسان الدنيا, ولو كان إنسان الدنيا لكان أتعس إنسان على الاطلاق, لو كان إنسان الدنيا لكان قلبه تفجر ألماً وحسرة, ولو كان إنسان الدنيا فسوف يندم ندماً لا ينفعه معه شيء، لأنه بنى شيئاً ثم انقلب عليه ليحطمه, أي شيء يمكن أن ينفع هذا الشخص؟ إذا فرضنا أن شخصاً أراد أن يربي شخصاً لكي يخدمه فلما ربى ذاك الشخص الآخر ونما واكتمل رشده جاء ليقتل مربيه, ماذا ينفع المربي غير أن يموت ندماً؟
لكن هذا الرجل العظيم قال: "فزت ورب الكعبة", كان أسعد إنسان ولم يكن أتعس إنسان, لأنه كان يعيش لله ولم يكن يعيش للدنيا، كان يعيش لهدفه ولم يكن يعيش لمكاسبه, لم يتردد لحظة وهو في قمة هذه المآسي والمحن، في صحة ماضيه، وفي صحة حاضره، وفي أنه أدَّى دوره الذي كان يجب عليه.
العبرة التي يجب ان نأخذها.
وهذه هي العبرة التي يجب أن نأخذها, يجب أن نستشعر دائماً أن السعادة في عمل العامل لا تنبع من المكاسب التي تعود إليه نتيجة لهذا العمل, يجب أن لا نُقَوِّم سعادة العامل على أساس المكاسب التي تعود إلينا نتيجة هذا العمل, لأننا لو قوَّمناه على هذا الأساس فقد يكون حظنا كحظ هذا الإمام من دنياه, حيث إنه بنى إسلاماً غيَّر دنيا, ووجَّه أُمَّة، ثم بعد هذا انقلبت عليه هذه الأمة لتلعنه على المنابر ألف شهر, نحن يجب أن لا نجعل مقياس سعادة العامل في عمله هو المكاسب والفوائد التي تنجم عن هذا العمل, وإنما هو رضى الله سبحانه وتعالى, ونجعل المقياس حقانية العمل وكفى، وحينئذ سوف نكون سعداء, سواء أثَّر عملنا أم لم يُؤثِّر، وسواء قدَّر الناس عملنا أم لم يقدِّروا، سواء رمونا باللعن أو بالحجارة, على أي حال سوف نستقبل الله سبحانه وتعالى ونحن سعداء, لأننا أدَّينا حقنا وواجبنا, وهناك من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
لَئِن ضيَّع هؤلاء السعادة, ولَئِن ضيَّعوا فهمهم، ولَئِن استولى عليهم الغباء حتى خلطوا بين علي وعمر, وبين علي ومعاوية.
لَئِن انصرفوا عن علي () وهم في قمة الحاجة إليه فهناك من لا يختلط عليه الحال، بل هناك من يُميِّز بين علي () وبين أي شخص آخر، هناك من أعطى لعلي () نتيجة لعمل واحد من أعماله مثل عبادة الثقلين, ذاك هو الحق, وتلك هي السعادة.
اللهم احشرنا معه, واجعلنا من شيعته والمتوسمين خطاه, والحمد لله رب العالمين.
المصدر: كتاب أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر -رفع الله درجته-
|