أصول العقيدة(5) في العدل - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام

إضافة رد
كاتب الموضوع زائر الأربعين مشاركات 0 الزيارات 2022 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي أصول العقيدة(5) في العدل
قديم بتاريخ : 24-Apr-2013 الساعة : 02:16 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


يقول المرجع السيد الحكيم في كتابه ( أصول العقيدة) :

-[ 403 ]-

المقصد الرابع
في العَدْل

لا يُظَن بمسلم أنْ يَنْسِب للهِ عزّ وجلّ ظُلْمَ العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك فلا يُظَن أنه يستطيع أنْ يُعْلِن عنه ويَجْهَر به بعْد أمرين:
الأول: التأكيد في الكتاب المجيد والسنّة الشريفة على تَنْزِيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة وأحاديث مستفيضة.
الثاني: ما ارْتَكَز في العقول وجُبِلَت عليه النفوس مِن كمال الله عزّ وجلّ المطلق وحكمته، واستغنائه عن الظلْم، وكَوْنه مُنَزَّهاً عنه وعن كل رذيلة. ووضوحُ ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.
نعم وقع الخلاف بين المسلمين في أمرين:
الأول: التحسين والتقبيح العقليين.
والثاني: الجبر والاختيار في أفعال الإنسان، وكيفية القضاء والقدر.
وهذا الخلاف في هذين الأمرين قد ينتهي بالآخرة للخلاف في عَدْل الله سبحانه وتعالى.
-[ 404 ]-
ومن هنا يحسن التعرض في المقام للخلافين المذكورين، لبيان ما عليه الإمامية الاثني عشرية رفع الله تعالى شأنهم، وأنه هو الحق.
وذلك في مبحثين:
-[ 405 ]-

المبحث الأول
في التَّحْسِين والتَّقْبِيح العَقْلِيَّيْن

وقع الخلاف بين المسلمين في التحسين والتقبيح العقليين،فقالت العَدْلِيَّة - كالشيعة الإمامية والمعتزلة -: إنّ بعض الأفعال حَسَنٌ بالذات بِغَضّ النَّظَر عن تَحْسِين الشَّرْع له، كالوفاء بالعهد والصدق وأداء الأمانة والثواب على الطاعة، والعدل في الحكم، واللطف بالعباد بهدايتهم لِمَا فيه صلاحهم وفسادهم، وغير ذلك.
كما أنّ بعض الأفعال قَبِيحٌ بالذات بِغضّ النظر عن تقبيح الشرع له، كنقض العهد، وخيانة الأمانة، والكذب، والتكليف بما لا يُطَاق، وعِقَاب الجاهِل القاصِر، والثواب على المعصية، والعقاب على الطاعة.
ونتيجة ذلك يَجِب على الله تعالى القسمُ الأول، ويمتنع عليه القسمُ الثاني، لحكمته وكماله المُطْلَق.
وقال غيرُهم: لا حَسَنَ إلا ما حَسَّنَه الشرعُ، ولا قَبِيحَ إلا ما قَبَّحَه.
واللهُ سبحانه وتعالى حيث كان مالِكاً لِكلّ شيْءٍ وغير مَحْكُومٍ لأَحَد و ((لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ)) (1) فلا حسنَ ولا قبيحَ في حَقِّه، وله أنْ يَفْعَل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 23.
-[ 406 ]-
ما يشاء ويحكم كما يريد، وليس في شيْءٍ مِن ذلك ظلْمٌ منه، بعد أنْ كان مالِكاً للأشياء، ومِن حَقّ المالِك أنْ يَتَصَرَّف في ملكه، ولا يمتنع عليه شيء، بعد أنْ كان قادراً على كل شيء.
هذا،والرُّجُوعُ للعقل والوجدان قاضٍ بصحة القول الأول، ومُجَرَّدُ ملْكِه سبحانه للأشياء لا يُنَافِي حُسْنَ بعضِ التصرُّفات في حَقِّه لأنها حَسَنَة بالذات، وقُبْحَ بعضِها في حقِّه لأنها قبيحة بالذات.
ولا يُرَاد بِوُجُوب الشيءِ عليه أو قبْحِه منه أنه مَسْؤُول به، بحيث يُكَلَّف به، ويُحَاسَب عليه، لِيُنَافِي كوْنَه لا يُسْأَل عما يَفْعَل، كمَا لا يُرَاد بِلُزُوم الشيء في حقِّه أنه عاجِز عن تَرْكِه، وبامْتِنَاعِه عليه أنه عاجِز عن فعْلِه، لِيُنَافِي قدْرَتَه على كل شيء.
بل المُرَاد في جميع ذلك أنه بعد ثبوت الحسن والقبح في بعض الأمور، فكَمَالُه عز وجل المُطْلَق لا يَتَنَاسَب مَعَ تَرْكِ الحسن وفعْلِ القبيح، ولأجل حكمته وكماله يكون حُسْنُ الشيء داعِياً له لفعْله وقُبْحُه داعِياً له لتَرْكه، وإنْ كان تعالى قادِراً على ترْك الأول وفعْل الثاني.

معنى أنّ الله تعالى لا يُسْأَل عمّا يَفْعَل

وأما قوله تعالى: ((لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ)) فالمراد به أحد أمرين:
الأول: أنه تعالى الأعلم بالصلاح والفساد، ولا يتجاوزهما ليحاسب على فعْله.
-[ 407 ]-
الثاني: أنه ليس له نظير أو رئيس، ليقف في وجهه ويحاسبه على فعْله، كما قد يُنَاسِبُه السِّيَاقُ. قال تعالى: ((أم اتَّخَذُوا آلِهَةً مِن الأرضِ هُم يُنشِرُونَ* لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ* لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ)) (1).
وكيف كان، فكوْنُه تعالى لا يسأل عما يفعل لا يُنافي أنْ يكون فعلُه سبحانه وترْكُه تابِعَيْن للصلاح والفساد، وفي حدود الموازين العقلية.
وعلى ما ذكرنا يجري قوله تعالى: ((وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُم إنَّ اللهَ قَد بَعَثَ لَكُم طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أحَقُّ بِالمُلكِ مِنهُ وَلَم يُؤتَ سَعَةً مِن المَالِ قَالَ إنَّ اللهَ اصطَفَاهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَالجِسمِ وَاللهُ يُؤتِي مُلكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (2).
فهو في الوقت الذي ذكَرَ بيانَ حكمة جَعْل طالوت مَلِكاً وتميُّزه بما يؤهّله مِن بسطة العلم والجسم نَبَّه على أنّ الملْك لله عز وجل يؤتيه مَن يشاء، وأنه تعالى واسِع عليم، رَدْعاً لهم عن الاعتراض عليه، واستنكاراً لذلك.
وفي الدعاء الثامن والأربعين من أدعية الصحيفة السجادية، وهو دعاء يوم الأضحى والجمعة: "إلهي إنْ رفعتني فمَن ذا الذي يضعني؟! وإنْ وضعتني فمَن ذا الذي يرفعني؟! وإنْ أكرمتني فمَن ذا الذي يهينني؟!
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 21ـ23.
(2) سورة البقرة آية: 247.
-[ 408 ]-
وإنْ أهنتني فمَن ذا الذي يكرمني؟! وإنْ عذبتني فمَن ذا الذي يرحمني؟! وإن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك، أو يسألك عن أمره؟! وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، وإنما يعجل مَن يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علواً كبيراً".
وهو كما ترى قد تضمن التأكيد على انفراد الله عزوجل بالسلطان، وأنه لا يسأل عن فعله، ومع ذلك نزَّهه عن الظلم وذكر أنه مُسْتَغْنٍ عنه.
وفي حديث أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سأله لِـمَ صارت الإمامة في ولد الحسين (عليه السلام) دُونَ ولد الحسن (عليه السلام) ؟ قال (عليه السلام) :
"إنّ موسى وهارون كانا نبيَّين أخوين، فجعل الله عز وجل النبوةَ في صُلْب هارون دُون صُلْب موسى (عليهم السلام)، ولم يكن لأحد أن يقول: لِمَ جَعَله الله في صلب الحسين دون صلب الحسن (عليهم السلام)، لأنّ الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" (1).
فانظر كيف منع الاعتراض على الله تعالى في فعله وسؤاله عن وجهه، وعلَّلَه بأنه سبحانه حكيم في أفعاله.
وعلى كل حال لا يُراد بقوله تعالى: ((لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ)) أنّ أفعاله تعالى لا يجب أن تتقيد بضوابط الحسن والقبح،كيف وقد أكد القرآن المجيد على حكمة الله عز وجل
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين وتمام النعمة: 345.
-[ 409 ]-
وقال الله تعالى: ((أفَحَسِبتُم أنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثاً وَأنَّكُم إلَينَا لاَ تُرجَعُونَ)) (1). حيث استنكر عليهم أنْ يحسبوا أنّ الله تعالى خلقهم عبثاً من دون حكمة.
وقال عزّ من قائل: ((رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ)) (2). فإنه كالصريح في أنه تعالى لو كان يؤاخذ الناس بأفعالهم مِن دون إرسال الرسل لكانت للناس عليه الحجة، وكان خارجِاً عن الموازين العُقَلائِيَّة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرًا. وبذلك استفاضت النصوص عن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم).
كما أنه يظهر مما ورد عنهم (عليهم السلام) في موارد مختلفة المَفْرُوغِيَّة عن التحسين والتقبيح العقليين. وإنْ كان الأمر أوضح من ذلك بعد إدراك العقل للحسن والقبح في كثير من الأمور بالبداهة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المؤمنون آية: 115.
(2) سورة النساء آية: 165.
-[ 410 ]-

المبحث الثاني
في القَضَاء والقَدَر

مما يتعلق بالخلاف المتقدم الخلاف في الجَبْر والاخْتِيَار في أفعال الإنسان، وفي كيفية تَعَلُّق القضاء والقدر بها.
فالمُجَبِّرَة - الذين هم لَيْسُوا مِن العدلية، ولا يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين - ذَهَبُوا إلى أنّ الله سبحانه وتعالى كما خَلَق الإنسانَ(فإنه) خَلَقَ أفعالَه، فالإنسانُ كالآلة، مُسَيَّرٌ مَجْبُور في أفعاله، لا سلطانَ له عليها، بدَعْوَى: أنه لو كان مُخْتَاراً فيها، وهو الفاعِل لها، لَزِمَ أنْ يكون شرِيكاً لله تعالى في الخَلْق والتدبير.
وذكروا أنه إنما يَصِحّ مِن الله تعالى تكْليفُ الإنسان بالفعْل والتَّرْك، ثم ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية، مع كوْنه مجبوراً في أفعاله، لأنّ الله سبحانه وتعالى لَمّا كان هو المالِك لكلّ شيء فله أنْ يفعل ما يشاء، مِن دُون أنْ يكون ظالِماً في ذلك، ولا يسأل عن فعله وهم يسألون، ولا حسَن ولا قبيح في حقه.
وذهب المُفَوِّضَة - وهم قِسْمٌ مِن العدلية - إلى أنّ الله سبحانه خلقَ الإنسانَ ثم فَوَّض إليه أفعالَه، فالإنسانُ مُسْتَقِلٌّ في فِعْله خارِجٌ فيه عن
-[ 411 ]-
تقدير الله وتدبيره، بدَعْوَى: أنّ فِعْله لو كان مخلوقاً لله تعالى وبتدبيرٍ منه لكان تكليفُ الله تعالى له وعقابُه على المعصية ظُلْماً وقَبِيحًا، بِناءً على ما سبق - وعَلَيه العدلية - مِن ثُبُوت التحسين والتقبيح العقليين، واللهُ عزوجل مُنَزَّه عن الظلم وعن كل قبيح.
وبذلك يَظْهَر أنّ المجبِّرة حافظوا على عموم سلطان الله تعالى وتدبيره، وفَرَّطُوا بعدله، وإنْ حاولوا التخلُّصَ مِن ذلك بإنكار التحسين والتقبيح العقليين، وبمَنْع صِدْق الظلم في حق الله تعالى، لأنه المالك لكل شيء.
أما المفوضة فإنهم وإنْ حافظوا على عدْل الله عزوجل، إلا أنهم فَرَّطُوا بعموم سلطانه وتدبيره، بحيْث يَقْصُرَان عن أفعال الإنسان.

بُطْلان القوْل بالجَبْر

لكن القول بالجبر مُخَالِفٌ للبداهة والوجدان، كيف ولو سُلِّمَ جَدَلاً أنّ الله عزّ وجلّ غيْر مُلْزَم بالجَرْي على الضوابط العقلائية المشار إليها آنفًا- لأنه الحاكِم عليها، والمالِك لكل شيء- فلا إشكال في أنّ الناس في تعاملهم بعضهم مع بعض مَحْكُومُون لتلك الضوابط العقلائية، وهم يُفرِّقون في حُسْن توجيه التكليف، وفي اسْتِحْقاق المدح والذم، والثواب والعقاب، وما يستتبع ذلك مِن الرضا عن النفس بالموافقة وتأنيبها - الذي هو عبارة عن الندم - بالمخالفة، يُفرِّقون في ذلك كله بين فعْل المجبور وفعْل المختار.
وليس ذلك إلا لوضوح حصول الاختيار مِن الإنسان عندهم.
مع أنّ قُبْحَ عقابِ المقهور العاجز، وكوْنَه تَعَدِّياً وظلْماً يُنَزَّه اللهُ عزوجل
-[ 412 ]-
عنه(يُعَدّ) مِن البديهيات العقلية التي لا يحسن بالعاقل التشكيك فيها، ومجرّدُ كونه تعالى هو المالك لكل شيء لا يَكْفي في مَنْع كوْن ذلك تعدِّياً وظلْمًا.
هذا مضافاً إلى ما استفاض من النصوص في الكتاب المجيد والسنة الشريفة مِن نِسْبَة الأفعالِ للناس، وأنّ أفعالهم سَبَبٌ لاستحقاقهم الثوابَ والعقاب، وأنه لولاها لكان عقابهم ظلمًا، وأنهم سوف يندمون على ما فرّطوا في أمرهم.

بطلان القول بالتفويض

كما أنّ البِنَاء على التفويض أمْرٌ غيْر ممكنٍ في نفسه، إذ كيف يُعقَل أنْ يخلق الله سبحانه شريكاً له يُطْلِق له في قدرته، بحيث يُضَادّه في تدبيره وسلطانه، ويغلبه على أمره؟!
قال عز وجل: ((ضَرَبَ لَكُم مَثَلاً مِن أنفُسِكُم هَل لَكُم مِن مَا مَلَكَت أيمَانُكُم مِن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقنَاكُم فَأنتُم فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُم كَخِيفَتِكُم أنفُسَكُم كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ)) (1).
هذا مضافاً إلى ما استفاض في الكتاب المجيد والسنّة الشريفة مِن التأكيد على توقُّف أفعالِ الناس على مشيئة الله تعالى، وأنها تقَع بإذنه، وعلى سعة سلطانه، وأنه لا يعجزه شيء.
وكذا ما استفاض أيضاً في النصوص الشريفة مِن إنكار الجبر والتفويض معاً أشدّ الإنكار، والوعيد على القول بكلٍّ منهما بأشد العقاب. مع منافاة
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الروم آية:28.
-[ 413 ]-
الجبر لعدل الله سبحانه، ومنافاة التفويض لسلطانه تعالى وشمولية تدبيره.
وذلك كله يكشف عن أنّ كِلا القولين ناشئ عن شبهاتٍ عَجِزَ الناسُ عن حَلِّها بأنفسهم، فتخبَّطوا، ولم يرجعوا فيها لأهل البيت (صلوات الله عليهم) الذين جعلهم الله تعالى مرجعاً للأمة في دينه، وأماناً لها من الاختلاف والضلال، والذين هم النّمْرقَة الوسطى التي إليها يَرْجع الغالي، وبها يَلْحَق التالي.

الأَمْر بيْن الأَمْرَيْن

أمّا الإمامية (رفع الله شأنهم) فقد اهتدوا بهدى أئمتهم (صلوات الله عليهم)، وجَمَعُوا بيْن قدْرة الإنسان واخْتياره في أفعاله وعموم سلطان الله تعالى وتقديره، وذلك بالبِنَاء على كوْن الإنسان قادِراً على الفعْل وفاعِلاً له باختياره، إلا أنه لا يَخْرُج عن سلطان الله عزّ وجلّ، بل هو جلّ شأنه الذي أَقْدَرَه، وكلُّ ما يفعله بإذنه ومشيئته وقضائه وقدره.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل أنه أكَّد على القضاء والقدر، وعلى اختيار الإنسان في فعله وعدم اضطراره، ثم قال: "إنّ الله تبارك وتعالى كَلَّفَ تخييرًا، ونهى تحذيرًا، وأعطى على القليل كثيرًا، ولم يُعصَ مغلوبًا، ولم يُطَع مكرِهًا، ولم يُمَلِّك مفوِّضًا..." (1).
وفي حديث أحمد بن أبي نصر عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "فقال لي: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قال علي بن الحسين: قال الله عزّ وجلّ: يا
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 155.
-[ 414 ]-
ابن آدم: بمشيتي كنتَ أنت الذي تشاء، وبقوتي أدّيتَ إلي فرائضي، وبنعمتي قويتَ على معصيتي، جعلتُك سميعاً بصيرًا..." (1).
وفي الدعاء الثاني والعشرين من أدعية الصحيفة السجادية، وهو دعاؤه (عليه السلام) في الشدة: "اللهم إنك كلفتَني مِن نفسي ما أنت أمْلَك به منّي وقدرتُك عليه وعليّ أغلَبُ مِن قدرتي"، ونحوها غيرها مما هو كثير.
وإلى ذلك يرجع الأمر بين الأمرين والمَنْزِلة بيْن المَنْزِلَتَيْن التي أَكّدت عليها النصوص الكثيرة.
فعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه سُئل عن القدر فنهى عن الكلام فيه، ولَمّا أصرّ عليه السائل عنه قال: "لَمّا أَبَيْتَ فإنه أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض" (2).
وفي حديث المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) : "قال: لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين..." (3).
وعن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) : "قالا: إنّ الله أرحم بخلقه مِن أنْ يجبر خلقه على الذنوب. والله أعزّ مِن أنْ يريد أمراً فلا يكون.
قال: فسُئلا (عليهم السلام) : هل بيْن الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قالا:
نعم، أوسع مما بين السماء والأرض" (4).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 160.
(2) بحار الأنوار 5: 57.
(3) بحار الأنوار 5: 17 / ورواه في الكافي بإرسال 1: 160.
(4) الكافي 1: 159.
-[ 415 ]-
وعن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "سئل عن الجبر والقدر. فقال: لا جبر ولا قدر، ولكن منزلة بينهما فيها الحق. التي بينهما لا يعلمها إلا العالِمُ أو مَن علَّمَها إيّاه العالِمُ" (1). ونحوها غيرها.
وبالمناسبة التقيتُ في سفرتي إلى لندن للعلاج بأستاذ أوروبّي له اختصاص في دراسة الأديان، وكان قد أسلم وتشيّع، فسألتُه عما دعاه إلى الإسلام وإلى التشيع بالخصوص، فذكر أمرين:
الأول: أنه رأى الصلاة موجودة في بقية الأديان بوجه موزع ومتفرقة الأجزاء، أما في الإسلام فهي مجموعة في عمل عبادي واحد بما له مِن كيان متميز.
الثاني: الأمر بين الأمرين.
وقد أَدْرَك - بما له مِن خبرة في هذا المجال - أنّ التنبّه في تلك العصور للأمر بين الأمرين، والاطلاع على هذا السرّ الإلهي الغامض، معجزةٌ للأئمة (صلوات الله عليهم) تشهد بإمامتهم وخلافتهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته، لتعتصم بهم مِن الزيغ والضلال. بينما بقي مخالفوهم مِن المسلمين وغيرهم في حيرة من أمرهم يتخبطون في الشبهات والضلالات.
و ((الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولاَ أن هَدَانَا اللهُ))، وله الشكر أبداً سرمدًا. وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 159.
-[ 416 ]-

ما يجب معرفته مِن أمر القضاء والقدر

بقي شيء، وهو أنه لا دليل على وجوب العلْم بهذه التفاصيل، فضلاً عن كونها من أصول الدين.
بل ورد النهي عن الكلام في القضاء والقدر، كما سبق، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عن ذلك: "طريقٌ مُظلِم فلا تسلكوه، وبحرٌ عميق فلا تَلِجوه، وسِرُّ الله فلا تتكلفوه" (1).
ولعل ذلك لتعقّد الموضوع بنحوٍ تَقْصُر كثير مِن العقول عن الإحاطة به واستيعابه، ويُخشى على أصحابها من الانحراف عن الصراط المستقيم إلى الإفراط أو التفريط.
ومِن هنا يكفي الاعتقاد بكمال الله تعالى المطلق، وبعدله عز وجل وتنزيهه عن الظلم إجمالاً مِن دون دخول في التفاصيل. وعلى ذلك عامّة المؤمنين.
نعم لا إشكال في حرمة القول بكلٍّ مِن الجبر والتفويض، كما يظهر من النصوص الكثيرة الواردة في المقام. بل فيها مِن التشديد في ذلك ما يناسب كونَهما كفرًا، أو كالكفر.
والله سبحانه ولي العصمة والسداد، وهو الموفق للهدى والرشاد.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 4: 69.


إضافة رد


أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

بحث متقدم

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc