ردا على قناة المستقلة(مظلومية الزهراء في كتب البكرية)
بتاريخ : 09-Aug-2008 الساعة : 02:24 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية السرمدية على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.
هذا عبارة عن بحث حول ماجرى على الزهراء البتول صلوات ربي وسلامه عليها من الكتب البكرية والوهابية، أرجو التركيز على الهامش لأن فيه ردود قوية ومفحمه لما جرى على القناة الناصبية الوهابية المستقلة البغيضة.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
حيث إنَّ هذين الشهرين ( جمادى الأولى وجمادى الثانية ) يتعلَّقان بسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين الصدِّيقة الكُبرى فاطمة بنت رسول الله (ص)، لذلك نتحدَّث باقتضاب حول الظُّلامات التي وقعت عليها (ع) بعد شهادة أبيها رسول الله (ص).
ونجعل حديثنا بإذن الله تعالى ضمن نقطتين:
النقطة الأولى: منهج البحث .
النقطة الثانية: منطلقات البحث والشُّبهات المُثارة .
النقطة الأولى: منهج البحث.
أمَّا بالنسبـة إلى منهـج البحـث فمقـدمـةً نقـول: إنَّ إحـدى المشكلات التي تعاني منها الأمَّة هي مشكلة التشكيك في الحقائق التأريخية، وهذه الظاهرة لا تقتصر بالطبع على الحقائق التأريخية ولا تتوقَّف عندها وإنَّما تتعدَّاها لتشمل مجالات أخرى .
فحالة التشكيك لها أول وليس لها آخر؛ إذ قد يبدأ شخـص بالتشكيك في حقيقة تأريخية، ولكن حيث إنَّ هذه الحالة لها اطراد، نرى التشكيك يتقدَّم عنده ليشمل الحقائق التأريخية والفقهية والعقائدية والفكرية، حتى يلفَّ التشكيك أخيراً جميع الأسس الدينية وكلَّ شيء.
يقول أحد الفلاسفة عن التشكيك: « الشكُّ مَعْبَرٌ رائع ولكنَّه موقِفٌ سيِّئ » .
إنَّ الشخص إذا شكَّ ثمَّ قامَ بالبحث والتحقيق ليعبرَ من الشكِّ إلى الحقيقة، فهذا معبر رائع، ولكن أن يتردَّد في حالة الشكِّ وأن يتحوَّل الشكُّ عنده إلى منهج في الحياة بأن يشكِّك في كلِّ شيء ويظلّ يدور في حلقة مُفرغة فهذا موقف سيِّئ..، ولكي يتمَّ التغلُّب على التشكيك في الحقائق التأريخية نذكر ملاحظتين:
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الملاحظة الأولى:
إنَّ كلَّ عِلمٍ مِنَ العلوم له منهجٌ معيَّنٌ..، وأهمُّ شيء في كلِّ عِلمٍ هِي المنهجية المستخدمة فيه. فالقضايا العقلية -مثلاً- لها منهج مُعيَّن، وقد يكفي لبحث وتحليل قضية عقلية أن تجلس في غرفتك المغلقة وتقوم بذلك..، ومِنَ الخطأ أن يقوم الباحث بتطبيق منهج عِلم على منهجِ عِلْمٍ آخر، وهذا خطأ وقع فيه بعض الفلاسفة الأقدمين حين حاولـوا أن يُحلِّلوا القضايا الطبيعيـة وفق المنهج العقلي والطريقـة التي يتبعونها للوصول إلى الحقائق.
إنَّ القضايا الطبيعية لها منهج آخر، ولا يُمكن أن تُحلَّل بالتحليل العقلي. فمهما كان الفيلسوف كبيراً وعظيماً في علمهِ ولكن بالمنهج العقلي والتفكير المجرد لا يمكنه معرفة الأكوان والمادَّة التي تألَّفت منها..، يقول الإمام أمير المؤمنين علي (ع): (فِي التَّجَارُبِ عِلْمٌ مُسْتَحْدَثٌ)[1]، وهذا هو منهج بحث القضايا الطبيعية.
أمَّا أن تجلس في غرفتك أو في بُرجِك وتُفكِّر:ما هي المادة التي تتألف منها الكواكب والشمس والقمر؟ فهذا المنهج خاطئ لا يؤدِّي إلى نتائج صحيحة ولو كانَ صاحبه مفكِّراً عظيماً، ومن ثم ينتهي -كما انتهوا بالفعل- إلى قاعدة « الخرق والالتيام »، وأنَّ هذه الأفلاك مكوَّنة من ذرَّات غير قابلة للخرق والالتيام، فتحيَّروا في تفسير قضية المعراج عندما بلغتهم، إذ كيف عرج النبي (ص) إلى السماوات؟ فالمفروض في المعراج أن السماوات تنشقُّ، ثم يلزم أن تلتئم بعد ذلك، فكيف هذا والخرق والالتيام مُحالان من الناحية العقلية -كمازعموا-!
نقول: هذا خطأ في المنهج، ومن يُخطئ في المنهج ينتهي إلى نتائج خاطئة ولو كان فيلسوفاً عظيماً؛ بينما نرى عالماً بسيطاً قد لا يُقارَن بذلك الفيلسوف وربما لا يُمثِّل واحداً بالألف بالقياس إليه، يتوصَّل إلى نتائج صحيحة؛ لاتِّباعهِ المنهج الصحيح في الطبيعيات.
فها هي الطائرات اليوم تخرق هذه الأجواء وَتَسْخَر بنظرية الخرق والالتيام التي اختلقتها عقول فلاسفة كبار، اتبعوا منهج عِلمٍ في مجالِ عِلمٍ آخر.
من الموارد الأخرى التي أتذكَّرها في تطبيق الفلاسفة المنهج العقلي في البحوث الطبيعية وتحليل ظاهرة طبيعية بمنهج عقلي -كما جاء في كتاب شرح حكمة الإشراق- معرفة حقيقة هذه الصور التي نشاهدها في المرآة، حيث كان الفيلسوف يختلي بنفسه ويفكِّر ثمَّ يذكر عدَّة احتمالات: الاحتمال الأول، الاحتمال الثاني، و.. لينتهي بعد ذلك إلى أنَّ هناك عالَماً يُقال له عالم المثال، فيه توجد الحقائق، وأنَّ حقيقتنا موجودة فيه، وأننا عندما نشاهد المرآة إنما نرى الحقائق الموجودة في عالم المثال ذاك!
أيضاً: يُنقل أنَّ الحاج السبزواري عندما قيل له إن الغربيين اخترعوا آلة للتصوير عجِب وقال: لقد تحوَّلَ علمُنا جهلاً لأنَّنا بنينا -من الناحية العقلية- على استحالة انفصال العكس عن العاكس والظلِّ عن ذي الظل، فكيف فصلوا العكس عن العاكس بأن تكون صورة الشخص موجودة هنا وهو في مكان آخر، أو أنَّ صاحب الصورة تحوَّل إلى تراب وصورته موجودة؟
لقد تحوَّلَ علمهم جهلاً لأنهم طبَّقوا المنهج العقلي على العلوم الطبيعية، وهذا خطأ؛ فالقضايا الطبيعية لا تُحلَّل وفق المنهج العقلي، بل إنَّ منهجهم في القضايا العقلية والإلهيات لم يخلُ -هو الآخر- من خطأ في كثير من موارده، ولقد انتهوا فيها إلى نتائج عجيبة..، وذلك بحث آخر لا شأن لنا به الآن.
إذاً يجب أن نبحث -في كل علم- عن المنهج الصحيح أولاً؛ والبحث في الحقائق التأريخية له منهجية مُعيَّنة، أمَّا إذا حاول فرد أن يطبِّق منهجَّية عِلم آخر على عِلم التأريخ فقد أخطأ الطريق.
ولكن هذا شيء متداول الآن مع الأسف، حتى أنك ترى بعض الشباب المبتدئين الذين لا باع لهم ولا إلمام سِوى قليل من الثقافة ولا يعرفون منهج تحليل القضايا التأريخية يريدون أن يحللوا قضية تأريخية مهمَّة!
مِنَ القضايا التأريخية المهمَّة التي نريد بحثها هي ظُلامة الزهراء (ع) والعدوان الذي وقع عليها، فلننظر كيف وبأيِّ منهجٍ حلَّلوا هذا القضية التاريخية؟
قالوا -في الإطار السُّـنِّي-: هل يوجد في صحيح البخاري دليل على ذلك؟
كما قالوا -في الإطار الشيعي-: هل هناك رواية كل رواتها عدول إماميُّون ضُبَّاط تُثبت هذا المطلب؟
وهذا برأيي خطأ منهجي؛ لأنهم تصوَّروا أنَّ التحليل التأريخي يعتمد على منهج علم الفقه، فإذا كُـنَّا نبحث في علم الفقه -عادةً- عن روايةٍ ما هل هي صحيحة؟ فلماذا نأتي ونُطبِّق في التأريخ هذا المنهج أيضاً ونقول: هل هناك رواية في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تدلُّ على هذا المطلب الذي تزعمونه وهو قضية الهجوم على بيت فاطمة (ع(؟
أقول: هذا المنهج خطأ في الأصل، فإن المُهاجم أخطأ حين طَرَحَ السؤال بهذهِ الطريقة، وكذلك أخطأ المُدافِع أو بعض المُدافعين أيضاً حِينَ وَقَعُوا في شَرَكِ هذا السؤال والبحث عن رواية بهذا الخصوص؟
إننا نسأل هؤلاء: كم رواية توجد في البخاري؟
وهل احتوى البخاري كل الروايات الصحيحة؟
يحتوي البخاري على زهاء سبعة آلاف وخمسمائة رواية..، هذا كُل ما في البخاري، أي أقلَّ من ثمانية آلاف رواية.
أمَّا صحيح مسلم فيحتوي على ثلاثة آلاف وثلاثٍ وثلاثين رواية، فالمجموع عشرة آلاف رواية تقريباً.. وهذا شيء قليل.
فهل الدين كلُّه بُنِي على عشرة آلاف رواية ونيِّف؟
إنَّ البخاري نفسه -كما كتبوا في كتبهم- كان يقول: إني أحفظ مائة ألف حديث صحيح [2]..! فأين ذهبت هذه الروايات؟
ولِمَ ينبغي أن يتلخَّص الدين في الروايات التي رواها هو -أي البخاري- ومسلم فقط؟
إنَّ للتأريخ منهجاً آخر، يعتمد تجميع القرائن الذي يقوم به المحلِّلون الجنائيون حين تقع جريمة في مكانٍ ما.
ما الذي يفعل المحقق القانوني لو وقعت جريمة قتل؟
إنه يجمع القرائن؛ ينظر مثلاً: مَن كان يُعادي هذا المقتول؟
ومع من احتدَّ في الكلام في الأيام الماضية؟
من المستفيد من قتله؟
من هو آخر شخص التقى به الضحية؟[3]
وهكذا يجمع القرائن..، وليس كلُّ قرينة لها قيمة قطعية، إنَّما القرينة الواحدة تُمثِّل قيمة احتمالية وقد تكون قيمتها الاحتمالية متواضعة في منطق حساب الاحتمالات، ولكن هذه القرينة الأولى لها قيمة احتمالية على أيِّ حال، مهما ضَؤُلَت، ولو كانت واحداً بالألف، وبضمِّ القرينة الثانية والثالثة، والرابعة و.. ينتهي المحقق الجنائي إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي.
اليقين العلمي هو اليقين الذي بُنيت عليه العلوم المتداولة، حيث الاحتمال يصل إلى مرحلة لا يُعتنَى بخلافها، أي أنَّ الاحتمال المضادَّ تقـل نسبتـه إلى حـدٍّ لا يَعتنِـي به العُقـلاء،ولا يعتني به العلـم، كالواحد بالمليون -مثلاً-.
فنحن عندما نركب الطائرة ألا نحتمل سقوطها؟
بلى يوجد احتمال، لكن كم قيمة هذا الاحتمال؟
إنه احتمال لا يَعتنِي به العُقلاء لأنَّ نِسبتهُ الاحتمالية ضئيلة.
فبعد تجميع القرائن نصل إلى اليقين العلمي أو اليقين الرياضي الذي لا يمكن أن يتطرَّق إليه الشك ولا يوجد احتمال مضادٌّ له، ولا بنسبة واحد إلى عشرة ملايين -مثلاً-..، هذا هو المنهج.
إذاً نحن عندما نريد أن نبحث في ظُلامة الزهراء (ع) وقصة الهجـوم على دارهـا، لا ينبغي أن نسأل عـن وجود رواية صحيحة في البخاري، فإنَّ هذا الكلام غلط من الناحية المنهجية، بل علينا أن نقوم بعملية تجميع القرائن، فمثلاً: ندرس أولاً شخصية المُهاجم ونفسيَّته؛ أي نفسية هذا الشخص الذي هاجم الدار وانتهك حرمة رسـول الله (ص)،[4] فإذا اكتشفنـا عبـر تجميع القـرائن مـن خـلال الحقـائق التأريخية أنَّ هذا الرجل المُهاجم رجل فضٌّ غليظ؛ فلا نستبعد أنَّ المرأة الحامل عندما تراه تسقط حملها[5].
ونحن لا نكتشف هذا من موقف واحد بالطبع، بل من الأشباه والنظائر أيضاً أي ننظر في المواقف المماثلة مع مَن اعتبرهم خصوماً له، ونرى كيف تعامل معهم؟
لست الآن في صدد البحث التفصيلي،ولكن كمجرَّد نموذج، أُشير إلى ما ذكره أحد علماء العامَّة وهو ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، فهو ينقل قضايا عجيبة حول شخصية هذا الرجل وتصرُّفاته في المواقف المشابهة؛ يقول: «إن أخت عُمر وبعلها أسلما سِرّاً من عمر، فدخلَ إليهما خباب بن الأرت يُعلِّمهما الدين خفية، فوشى بهم واشٍ إلى عُمر، فجاء دار أخته، فتوارى خباب منه داخل البيت، فقال عمر: ما هذه الهينمة عندكم؟ قالت أخته: ما عدا حديثاً تحدَّثناه بيننا. قال: أراكما قد صبوتما. قال ختنه: أرأيت إن كـان هـو الحقّ! فـوثبَ عليه عمـر فوطئهُ وطئاً شـديداً، فجـاءت أختـه فدفعته عنه، فنفحها بيده، فدمي وجهها..»[6].
وهذا يعني أنَّ منطق الوطء والدوس بالأرجل والإدماء كان موجوداً عنده من البداية ومستمرّاً لديه إلى النهاية.
يقول ابن أبي الحديد أيضاً: «لما مات رسول الله (ص)، وشاع بين الناس موته، طاف عُمر على الناس قائلاً: إنه لم يمت، ولكنه غاب عنَّا كما غاب موسى عن قومه، ولَيَرجَعنَّ فليُقطِّعنَّ أيدي رجال وأرجلهم، يزعمون أنه مات، فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه [أي يضربه] ويتوعَّده»[7].
وهذا موقف يثير الشكوك،وهو الآخر بحاجة إلى تحليل،لأنه يخالف صريح القرآن: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُم..}[8].
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ [1]) وفي لفظٍ آخر: (وَفِي التَّجَارُبِ عِلْمٌ مُسْتَأنَفٌ)، راجع (الكافي)، (مَن لا يحضره الفقيه)، (تُحف العقول)، (وسائل الشيعة)، (مصباح البلاغة)، (بحار الأنوار)، (جامع أحاديث الشيعة)، (موسوعة أحاديث أهل البيت)، (نهج السعادة)، (الدر النظيم)، (غاية المرام)، (كنز الفوائد)، (شرح النهج) لابن أبي الحديد المُعتزلي، (نظم درر السمطين) للزرندي الحنفي، وغير ذلك. [2]) كما جاء في (سبل السلام) للكحلاني، (مُقدمة فتح الباري) لابن حجر، (تغليق التعليق) لابن حجر، (عمدة القاري) للعيني، (مقدمة ابن صلاح) لعثمان عبد الرحمن، (الكامل) لابن عدي، (تأريخ بغداد) للخطيب البغدادي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (الإمام البخاري) للندوي، (تذكرة الحفاظ) للذهبي، (تأريخ الإسلام) للذهبي أيضاً، (فيض القدير) للمناوي، وكانَ البخاري يحفظ في أيَّام الصبا سبعين ألف حديث كما زعم الكثير من مؤلفيهم مثل شيخهم المباركفوري في (سيرة الإمام البخاري) والندوي في (الإمام البخاري) وغيرهما، ومما جاء في كتاب (فيض القدير) أنَّ أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، ومُسندهُ ليس فيه إلا ما يُقارب سبعة وعشرين ألف ومائة حديث، وأيضاً جاء في نفس الكتاب أن مُسلم -صاحب الصحيح- يقول: صنَّفتُ الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث! والموجود بيننا لا تتجاوز أحاديثه الأربعة آلاف، فأين ذهبت البقيَّة؟! ربما أكلها الذئب! أو أكلها الجِن الذينَ قتلوا سعد بن عُبادة! ألا يشعر هؤلاء بالخجل؟ نعم.. قالَ بعضهم: بأنَّ قصد مُسلم أنه استخرجَ واستخلصَ أحاديث الصحيح من مجموع أحاديث يبلغ عددها ثلاثمائة ألف حديث، وهذا زعمُ الأغبياء، لأنَّ الدكتور رجاء الزحيلي -وهو من علمائهم- يقول في كتابه(أعلام المُسلمين) -بعد التحقيق- ما نصه: ( إن ما قاله مُسلم يُشير إلى الحذف الذي تعرَّض له كتاب الصحيح، وهذا مما يُثير الدهشة والاستغراب..) . ولسنا بصدد التحقيق في هذا الميدان، وسنأتي لاحقاً لذكر بعض الأمثلة على التحريف الفوضوي في كتبهم. [3]) للتفصيل حولَ هذا الموضوع راجع الكتب: (التحقيق الجنائي) للدكتور الجناحي، (الجريمة وأساليب التحقيق) للعقيد محمد البيومي، (تأريخ الجريمة في العالم) للدكتور جوزيف صموئيل، (المُخابرات الدولية.. حقائق ووثائق) وغير ذلك. [4]) سنأتي لبيان وحشيَّة عُمر بن الخطاب في الصفحات الآتية، مع مُلاحظة أننا نختصر التهميش لأنَّ المجال لا يسمح بالتفصيل والبحث الدقيق. [5]) ففي كتاب ابن تيمية (منهاج السنة)، جاء الكلام حولَ قضية الحامل التي أسقطت حملها خوفاً من عُمر عندما استدعاها، ولم ينفِ ابن تيمية القضية، وإنما علَّق على موضوع الدِّية وماذا يترتب على عُمر شرعاً -كما يزعم طبعاً-، عِلماً أنَّ الدكتور عبد الباقي قطب قالَ في كتابهِ (تأريخ الدولة الأموية) ما نصه: (وهذه القصة ثابتة في حياة الخليفة رضي الله عنه، ولكنها تُشير إلى التفريط في الغلظة والشدة مما يُنافي الدين). [6]) راجع (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد، (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (تأريخ المدينة) لابن شبه النميري، (تأريخ الإسلام) للذهبي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (الدر المنثور) للسيوطي، وعشرات الكتب الأخرى. إذاً فقد ثبت بأنَّ له سوابق، ولم يكن ما فعلهُ مع الزهراء (ع) شيئاً جديداً، ومَن قالَ أنه فعلَ ذلك في أيَّام الجاهلية ولم يسلم بعد. نقول: كفاكَ جهلاً -هذا أولاً-. ثانياً: إننا بصدد أنَّ له سوابق أم لا، لكي يُحتمل منه وقوع ذلك. ثالثاً: حتى بعدما أسلم بل عندما كانَ خليفة -كما تزعمون- فإنه ما زالت سوابقه وإنجازاته الوحشيَّة مُمتدَّة، ويكفيك -إن كنت عاقلاً- ما جاء في (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر و(سنن الدارمي) و(كنز العمال) للمتقي الهندي و(الدر المنثور) للسيوطي و(تفسير الآلوسي) وغيرهم مِن أنَّ سائلاً جاء إليه يسأل عن بعض الآيات فأمرَ بضربه [وفي بعض الأخبار أنه هو الذي ضربه بنفسه]، ثم تركهُ في غرفة حتى برئ، ثم دعاه وأمرَ بضربه، ثم تركه في غرفة حتى برئ، ثم دعاه وأمرَ بضربه، وفعل ذلك ثلاثاً، فقالَ السائل، إن كنت تُريد لي الشفاء من الضرب فقد شُفيت، وإن كنت تُريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، فأمرَ عُمر بنفيهِ وتسفيرهِ خارج المدينة. فهل يتمكن أتباع هذا الخليفة أن يعرضوا هذه القصة على العالَم، ليرى الناس كيف يتعامل خليفة المُسلمين مع السائل -وإن كانَ مُستهزءاً-؟! أليس هذا هو الإرهاب الفكري؟! أم أننا نحنُ الإرهابيون المُشركون لأننا رفضنا أمثال هذه الأفعال الوحشية؟! ومع الأسف تقرأ في كتاب (تفسير الآلوسي) تبريراً بارِداً لا يرقى إلى مُستوى العُقلاء، فيقول: (ويدل هذا أن الرجل -أي السائل- لم يكن سليم القلب، وأنَّ سؤاله لم يكن طلباً للعلم، وإلا لم يصنع به عُمر ما صنع)! هل هذا التبرير مقبول؟! ولو سلَّمنا أنه كذلك، فهل هذا أُسلوب الجواب، وعلى أي أساس يُقام عليه الحد؟! وهل هذا التبرير يُلغي التأريخ الوحشي من حياة خليفتهم؟ وإليك أيها القارئ بعض الشواهد الأخرى على وحشيَّته، الشاهدالأول: جاء في كتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة و(فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي، ما نصه: (فدخلَ عليه -أي على أبي بكر- المُهاجرون والأنصار حينَ بلغهم أنَّه استخلفَ عُمر، فقالوا: نراكَ استخلفتَ علينا عُمر، وقد عرفتهُ وعلمْتَ بوائقهُ فينا، وأنت بينَ أظهرنا، فكيف إذا ولَّيت عنَّا وأنتَ لاقٍ الله فسائلُك، فما أنتَ قائل؟ فقال أبو بكر: لئن سألني الله لأقولنَّ: استخلفتُ عليهم خيرهم في نفسي)، ومعنى كلمة (بوائقه) أي: غوائلهُ وشرورهُ، أو ظُلمه وغشمه، كما جاء في (لسان العرب) لابن منظور و(تاج العروس) للزبيدي و(النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير وغيرهم، وكلمة (في نفسي) لها دلائل كثيرة يفهمها العاقل، ولا مجال للتفصيل. الشاهدالثاني: جاء في (تأريخ الخلفاء) للسيوطي و(كنز العمال) للمتقي الهندي و(الطبقات الكُبرى) لابن سعد و(تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر و(أُسد الغابة) لابن الأثير و(تأريخ المدينة) للنميري وغيرهم ما نصه: (دَخَلَ عليه -أي على أبي بكر- بعض الصحابة، فقالَ له قائل منهم: ما أنتَ قائل لربِّكَ إذا سألكَ عن استخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقالَ أبو بكر: أباللهِ تخوِّفني؟ أقول:اللهم إني استخلفتُ عليهم خيرَ أهلك، أبلغ عنِّي ما قلت مَنْ وراءَكَ)، إنَّ كلمة (فقالَ له قائل منهم) تُشير إلى أنَّهم يتنكَّرون ويتلاعبون بالألفاظ كي لا يقولوا بأنه (طلحة)، وقد صرَّح غيرهم باسمه كما سيأتي، فلماذا يتنكَّرون له؟! هل لأنه صحابي؟! ولكن يكفينا أنَّهم قالوا (دخلَ عليه بعض الصحابة) أي أنَّ المُتكلم صحابي؟!، وكلمة (ما أنتَ قائل لربك إذا سألك؟) تُشير إلى أنَّ الصحابة يرونَ أنَّ استخلاف أبي بكر لِعُمر فيهِ إشكال شرعي يُحاسب عليه، وكلمة (أبلغ ما قلت مَنْ وراءَكَ) تُشير إلى أنَّ طلحة مرسول من أُناسٍ لا يقبلون باستخلاف عُمر، وتُشير إلى أنَّ طلحة جاسوس، وتُشير إلى أنَّ أبا بكر يعلم الغيب، وإلا كيف عرف أنهُ مرسولٌ ووراءهُ جماعة لا تقبل بِعُمر، إذاً فلماذا يقولون عنَّا كُفار ومُغالون إذا قُلنا بأنَّ أئمتنا (ع) يعلمون الغيب بفضل الله تعالى، ثُمَّ أين بقيَّة الحديث يا مَن تدَّعون الأمانة العلمية؟!وسنأتي لذكر بقية الحديث في الشاهد الآتي. الشاهدالثالث: جاء في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد المُعتزلي ما نصه: (دخَلَ طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقالَ له: بَلغني أنكَ ياخليفة رسول الله استخلفتَ على الناس عُمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيفَ بهِ إذا خلا بهم، وأنتَ غداً لاقٍ ربك فيسألك عن رعيَّتك؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، ثم قال: أباللهِ تخوفني! إذا لقيت ربي فسألني قلت استخلفت عليهم خير أهلك. فقال طلحة: أعُمر خير الناس يا خليفة رسول الله؟! فاشتدَّ غضبه وقال: أي واللهِ هو خيرهم وأنتَ شرهم، أمَا واللهِ لو وَلَّيتُكَ لجعلتَ أنفكَ في قفاك..)، ولا تحتاج هذه السطور إلى تعليق . الشاهدالرابع: في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد أيضاً، وبلفظٍ آخر في (المعيار والمُوازنة) للإسكافي ما نصه: (دخَلَ عليه -أي على أبي بكر- قوم من الصحابة منهم طلحة، فقال له: ما أنت قائل لربك غداً وقد ولَّيت علينا فظّاً غليظاً تفرق منه النفوس، وتنفض عنه القلوب. فقال أبو بكر: أسندوني -وكانَ مُستلقياً- فأسندوه فقال لطلحة: أباللهِ تخوفني!..). الشاهد الخامس: جاء في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد و(تأريخ الطبري) و(الكامل في التأريخ) لابن الأثير ما نصه: (دَخَلَ طلحة على أبي بكر فقال: استخلفتَ على الناس عُمر! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيفَ إذا خلا بهم وأنتَ مُلاقٍ ربَّك؟!). الشاهدالسادس: جاء في (المُصنَّف) لابن أبي شيبة و(تأريخ دمشق) لابن عساكر و(تأريخ المدينة) للنميري و(فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي ما نصه: (لما حضرت أبا بكر الوفاة أرسَلَ إلى عُمر ليستخلفهُ، فقالَ الناس: أتستخلف علينا فظّاً غليظاً، فلو مَلَكَنَا [وفي رواية "وَلِيَنَا"] كانَ أفظ وأغلظ، ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد استخلفته علينا، فقال: تُخوفوني بربي![وفي رواية "أبربي تخوفونني"]..). الشاهد السابع: وجاء في ( تأريخ دمشق ) لابن عساكر ما نصه: ( أنَّ رجُلاً من المُهاجرين دخلَ على أبي بكر..، فقال:يا أبا بكر أُذكِّركَ الله واليوم الآخر، فإنَّك قد استخلفتَ على الناس رجُلاً فظّاً غليظاً أعتى الناس، ولا سُلطانَ له وإنَّ الله يُسائلك..). الشاهد الثامن: وجاء في (تأريخ الخميس) للدياربكري ما نصه: (فقالَ طلحة والزبير: ما كُنتَ قائلاً لربك إذا ولَّيتهُ مع غلظته. وفي رواية قالَ طلحة: أتولِّي علينا فظاً غليظاً، ما تقول لربك إذا لقيته؟! فقالَ أبو بكر:.. أباللهِ تُخوِّفني..). وعشرات الشواهد الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها، ولكن نكتفي بآخر شاهد. الشاهد التاسع وفيه النتيجة: قالَ رسول الله: (لا يدخل الجنة الجَوَّاظُ. قيلَ يارسول الله وما الجواظ؟ قال: الفظُّ الغليظ)!! فَافْهَم إن كُنتَ تَفْهَم يا مَن تدَّعي الإسلام..، وقد وردَ هذا الحديث في (مُسند أحمد)، (مُسند أبي يعلى)، (سنن أبي داوود)، (مجمع الزوائد) لابن حجر وقالَ: إسنادهُ حسن، (عون المعبود) للعظيم آبادي، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (القول السديد) لابن حجر، (الفايق في غريب الحديث) للزمخشري، (مُنتخب مُسند عبد بن حميد) لابن نصر، (كنز العمال) للمتقي الهندي، (تفسير الثعلبي)، (تفسير القرطبي)، (تفسير ابن كثير) وغيرهم، وربما يقول قائل: ليس المعنى لكلمة (الجواظ) هو هذا. فنقول: راجع (تفسير القرطبي)، (لسان العرب) لابن منظور، (مُسند أبي يعلى)، (سُنن أبي داوود)، (عون المعبود)، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (مُنتخب مُسند عبد بن حميد)، (الفايق في غريب الحديث)، (القول السديد) وغيرها من المصادر، فإنهم ذكروا المعنى بعد ذِكر الحديث، عِلماً أننا التزمنا الاختصار، ولسنا بصدد التفصيل والتحقيق في هذا الميدان، وإلا فالشواهد كثيرة جداً. [7]) وقد وَرَدَ إلى قوله: (يزعمون أنه مات) في (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (صحيح ابن حبَّان)، (كنز العمال) للمُتقي الهندي، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (عُمر بن الخطاب) للدكتور الصَّلاَّبي، (سيرة عمر بن الخطاب) لابن الجوزي، (عُمر بن الخطاب) للدكتور محمد النابلسي، (قبسات من حياة الخليفة الثاني) للشيخ كمال الأسيوطي، (تأريخ الخلفاء) للدكتور الدمياطي، وغيرهم. [8]) سورة آل عمران.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
لسنا في مجال الانتقاد الآن، إنما نحن نقوم بدراسة شخصية هذا الرجل -المسؤول عن قضية الهجوم على دار فاطمة (ع) - وكيف كان يتعامل مع مَن يقول ما قاله القرآن؟
يقول ابن أبي الحديد أيضاً: «وعمر هو الذي شدَّ [أو شيَّد] بيعة أبى بكر، ورقم المخالفين فيها، فكسر سيف الزبير لما جرَّده، ودفع في صدر المقداد، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة، وقال: اقتلوا سعداً، قتل الله سعداً. وحطَّمَ أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجَّب. وتوعَّدَ مَن لجأ إلى دار فاطمة من الهاشميين، وأخرجهم منها. ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر، ولا قامت له قائمة»[9].
لاحظوا الأشباه والنظائر..
فوطء السقيفة كالوطء الأول والوطء الأخير..
وهكذا هي نفسية الرجُل.
وما ذكرناه يصلح لأن يكون قرينة أولى، ولا يهمُّنا التبرير، فنحن في مقام دراسة نفسية الرجل لا الردِّ على التبريرات، فليبرِّر من شاء أن يبرِّر له..، المهم أنَّ الرجُل عنده منهجية تنظيم القاعدة الإرهابي، والأدقُّ أنَّه يمثِّل منهجية القاعدة، ففكر القاعدة يستند إليه ومنهجها يبتني على منهجيته[10].
القرينة الثانية -حول معاملة الرجُل خصومه بمنتهى الشدَّة والعنف- هي تصرُّفه مع سعد بن عبادة، هذا الذي وطئووه في السقيفة، لقد قتلوه بعد ذلك وقالوا: قتله الجنُّ، ووضعوا بيتين على لسان الجنِّ أنَّهم قالوا:
نَحنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْرَجِ سَعْدَ بنَ عُبَادَة
وَرَمَـيْـنَــاهُ بِسَهْـمَيـنِ فَـلَـم تُــخْـطِئ فُــؤادَه
يبدو أنَّ الجنَّ يرمون بدقَّة، لذا لم تُخطئ الرمية فؤاده![11]
القرينةالثالثة حول عنفه وغلظته هي:خصوصية رواة روايات الهجوم على الدار. لقد روى هذه الرواية الصديق والعدوُّ، فَكَون العدوِّ يروي رواية فهذا له قيمة احتمالية مُعيَّنة.
ولكن إذا كان الصديق يروي..
والمُدافع يروي..
والذي يعتقد بهِ يروي..
والذي تكون الرواية فيها ضررهُ يروي..، و..
فالقيمة الاحتمالية لهذه الرواية -والحال هذه- ترتفع ارتفاعاً كبيـراً؛ لأنه حسـب القاعدة الفقهيـة والقانونيـة: إقرار العُقلاء عـلى أنفسهم نافذٌ أو جائز.
إن أردتم أن تعرفوا مَن الذي روى هذه الروايات، فلاحظوا كتاب «الهجوم على بيت فاطمة (ع)»، ففي أكثر من 60 صفحة من هذا الكتاب (من صفحة 154 إلى صفحة 217) يذكر الكاتب اعترافات أربعة وثمانين من عُلمائهم، أحدُهم ابن تيمية المعروف بتشدُّده ضدَّ أهل البيت (ع) وأتباعهم والذي له منهجية خاصَّة.
وإذا كان ابن تيمية يعترف فهل هناك مجال للتشكيك؟
وهل يتمكن أحد أن يأتي ويردَّ علينا بدعوى أنَّ هذه القضية غير موجودة في صحيح البخاري؟
إنَّ ابن تيمية يعترف في كتابهِ (منهاج السُّنة النبوية) المجلد الثامن صفحة 219، بالهجوم على الدار فهو لا ينكر أصل الهجوم وإنَّما يبرِّره.
أقرأ لكم عبارة ابن تيمية بالنصِّ، يقول: «نحن نعلم يقيناً أنَّ أبا بكر لم يُقدم على عليٍّ والزبير بشيء من الأذى،بل ولا على سعدبن عبادة المتخلِّف عن بيعتهِ أوَّلاً وآخراً، وغاية ما يُقال إنه كَبَسَ البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسِّمهُ وأن يعطيه لمستحقِّه»[12].
إنَّه يزعم أنَّ هناك احتمالاً أن توجد أموال مجمَّدة من أموال المسلمين في بيت علي وفاطمة (ع) اللذين قال الله تعالى عنهما:{..إِنمَّـَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَــيْتِ وَيــُطَهِّرَـكُمْ تَطْهِيرًا}، فلعلَّ فاطمة (ع) خبَّأت في بيتها أموالاً من أموال المسلمين![13]
حسناً: لعلَّ في بيت فاطمة (ع) أموالاً، ولكن من أين جاءتها هذه الأموال؟ إذا كان في بيت فاطمة (ع) أموال فرسول الله أعطاها إيَّاه.
ثم -لو سلَّمنا بذلك- فلِم لَم يرسلوا وفداً أو هيئةً لكي يذهبوا ويفتِّشوا الدار؟! ولماذاالهجوم؟! أم أنَّ ابن تيمية يرى أنَّ علياً وفاطمة (ع) حبسا هذه الأموال عن مستحقِّيها وأنَّ ذلك الرجُل كان يفكِّر في الفقراء أكثر من الباقين لئلا يتضوَّروا جوعاً وألماً سيَّما في وقت الظهيرة! فأطفالهم جائعون! وزوجاتهم تطالبهم بالمال! ومن ثم فهو يريد أن يأخذ هذه الأموال من بيت علي وفاطمة (ع) المانعين لها ويعطيها لمستحقِّيها؟!!
يُضيف (ابن تيمية): «وأمَّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى فهذا ما وقع فيه قطُّ باتفاق أهل العلم والدين، وإنما ينقل مثل هذا جهَّال الكذَّابين»[14].
الحاصل: عندما تجمعون تينك القرائن وقرائن أُخرى لا مجال لذكرها الآن -لأننا لسنا بصدد البحث التفصيلي بل هذه مجرَّد أمثلة- تصلون إلى مرحلة اليقين العلمي بل تصلون إلى مرحلة اليقين الرياضي وإن لم توجد رواية في صحيح البخاري أو صحيح مسلم بهذا المعنى.
أما ما يقوم به البعض هذه الأيام من تطبيق المنهج الروائي على المنهج التأريخي فهو خطأ علميٌّ فاحش.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ [9]) سيأتي الحديث عن الهجوم على بيت الزهراء (ع)، وما فعله هذا الرجل من وحشيَّة، بالأسلوب الذي يجدونه -بجهلهم- صحيحاً، والذي عنده اطلاع على كتب التأريخ سيجد الكثير من الشواهد والحقائق، فلا ينبغي أن ننكر كل شيء بحسب مزاجنا وأهوائنا، بل إنَّ العِلم والتحقيق والاطلاع تكفَّلوا بإثبات مظُلوميَّة الزهراء (ع)، ولهذا نجد مِنَ الغريب أن يأتي صعلوك وينفي وجود شيء امتلأت به كُتبهم. [10]) وما فعلته القاعدة في أفغانستان من قتل ووطئ وذبح وتشريد وبقر للبطون شاهد حقيقي على ذلك، وللمزيد راجع الإصدار الضخم لمؤسسة الوصي (ع) بعنوان (مسيرة الخلود) ففيه الكثير من الأرقام والحقائق العجيبة والغريبة مع المصادر والوثائق، وكتاب (مُذكراتي في أفغانستان) للشيخ عبد الرحمن الكابلي، ففيه قصص مؤلمة جداً، وأيضاً راجع كتاب (تحت النار) للدكتور سعيد البشارة. [11]) هل هُناك عاقل يقبل هذه السخافة، وقد نقلَ هذه التخريفات (المستدرك على الصحيحين)، (عمدة القاري)، (مُصنَّف الصنعاني)، (بغية الباحث)، (الطبقات الكبرى)، (البداية والنهاية) وغيرهم، عِلماً أنَّهم يقولون في كُتبهم بأنَّ سعد بن عُبادة وطؤوه في السقيفة وأمرَ عُمر بقتله ثم يقولون قتله الجن! فهل هذا كلام العُقلاء أم المجانين -هذا أولاً-. ثانياً: مِنَ البلاء الفكري الكبير الذي عندهم هو أنهم يقولون -بكل وقاحة- بأنَّ سعداً ذهبَ لِيبول وهو واقف فقتله الجن!. ثالثاً: هُناك روايتان فقط تقول بأنَّ سعد بن عبادة قتله الجن تناقلتها كتبهم، الأولى عن "محمد بن سيرين" والثانية عن "قتادة" وكِلاهُما لم يُدركا سعداً أصلاً..! وقد قال بذلك ابن حجر في كتابه المعروف (مجمع الزوائد)، فكيف جعلتم منها قضيَّة تُطنطنونَ بها بين الناس البُسطاء الذين لم يستنيروا بنور العِلم والمعرفة. فلا أدري ما معنى هذه الفوضى؟!. [12])أولاً: هل فاطمة وعلي(ع) -والعياذ بالله- لصوص، إلا إذا كان اللص يرى الناس لصوصاً، فهذه جريمة وتُهمة لسيدة نساء العالمين (ع) وتُهمة لنفس الرسول (ص) وهو الإمام علي (ع). ثانياً:إذا كانَ عندهم شيء من أموال المُسلمين فلماذا تركهُ النبي (ص) في بيت علي (ع)؟! هل لأنه لا يثق بأحد كما يثق بعلي (ع)؟! أم ماذا؟! ثالثاً: إن كنتم عُقلاء فماذا تعني كلمة (كَبَسَ)؟! أليس معناها: (كَبَسَ البيت أو الباب أي الهجوم على الدار والإحاطة به) كما قال الزبيدي في (تاج العروس)؟! أليس معنَى (كَبَسَ) أي (اقتحمَ) كما قالَ الزمخشري، والاقتحام معناهُ الهُجوم بقوة؟! أليسَ الهجوم والإحاطة بالبيت والتفتيش من أساليب المُخابرات وليس من الدين في شيء؟! لأنَّ التفتيش يُعتبر شكٌ في نزاهة صاحب البيت..، لماذا تتجاهلون ذلك وتضعون المُبررات الواهية يا أتباع السقيفة لأسياد السقيفة؟!. [13]) انظروا إلى وقاحة ابن تيمية، فإنه يتهم فاطمة وعلي (ع) في سبيل تبرئةصاحبه! وإذاكانَ في بيت الإمام (ع) شيء فلماذا لَم يطلبه منه؟! لماذا الهجوم مُباشرةً! وقوله في (منهاج السنة): (وغاية ما يُقال:إنه كَبَسَ البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله)، فكلمة (وغاية ما يُقال) فيها مُحاولة للتهوين من حجم البلاء، ويُريد منها التخفيف من المسألة، واعتبارها ليست ذات أهمية، وأسلوب التهوين للأمور موجود بكثرة في كتابه، (وغاية ما يُقال) أي أمرٌ عاديٌّ، وهذا من بغضهِ لأهل البيت (ع)، وأمَّا المواقف التي فيها أقل موقف ضد أبي بكر أو عُمر أو غيرهما فتجدهُ يثور وينزعج، فهل هذا شأن العُقلاء؟! وأمَّا قوله: (كَبَسَ البيت لينظر هل فيه شيء)، فنقول: هل يجوز في دين ابن تيمية وصاحبهِ أن يهجم على بيوت الناس بدافع الظن فقط لا اليقين؟! لأنَّ كلمة (هل فيه شيء) تُشير إلى أنه غير مُتأكِّد، ثم هل قالَ لنا ابن تيمية أنهم عندما كبسوا البيت وهجموا ماذا وجدوا في بيت الإمام (ع)؟! وماذا أخرجوا معهم؟! فإن كان ابن تيمية يُريد التبرئة لصاحبه فلماذا لا يُكمل ويقول لنا ماذا وجدوا في الدار؟! وقوله بأنهم: (كَبَسوا البيت) يُشير إلى أن الهجوم من كل جانب وليس من الباب فقط. وبعد هذا الكلام يقول ابن تيمية ما نصه: (ثُم رأى -أي أبو بكر- أنه لو تركه -أي المال- لهم لجاز، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء)، نقول -أولاً-: إذاً لماذا هجموا؟! ثانياً:لم يُجب على سؤالنا، هل وجدوا مالاً أم لا؟! ثالثاً: أنتم تقولون لا يوجد حديث صحيح حول مظُلوميَّة الزهراء (ع)، فهل في البخاري أو غيره حديث يقول أن أبا بكر تركَ البيت بعد الهجوم وقالَ بجواز إبقاء المال في بيت علي وفاطمة (ع)؟! أم أنَّه كلام الأهواء والسياسة، وإذا قُلنا بمظلُوميَّة الزهراء (ع) تقولون: هل في ذلك حديث؟! فأين حديث ابن تيمية فيما قاله؟! ما هذه الفوضى؟!! كونوا عُقلاء! وحتى قوله: (كَبَسَ البيت) فإننا نقول لكم: أينَ الحديث الصحيح الذي جاء فيه أن أبا بكر كبسَ بيت فاطمة (ع)، لأنَّ هذا قول ابن تيمية وليسَ حديثاً، فأينَ الحديث الذي اعتمدَ عليه ابن تيمية في أنهم كبسوا وهجموا على بيت فاطمة (ع)؟! فإذا كانَ قولُه بلا حديث مقبولاً عندكم، فقولنا بما جرى على الزهراء (ع) مقبولٌ أيضاً -مع أنَّ فيهِ أحاديث كثيرة-، فإن قلتم بصحة ماقاله ابن تيمية فذلك يُشير إلى نقطتين: النقطة الأولى: أن الهجوم على بيت الزهراء (ع) ثابتٌ. النقطة الثانية: أنَّ الأحداث التأريخية لا تتطلَّب حديثاً صحيحاً لثبوتها. رابعاً: يقول: (فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء)، نقول: ألَم تكن (فدك) فيء بيد فاطمة (ع)؟! لماذا تتخبَّطون يا أتباعَ عُمر؟! هل كُل ذلك حُباً للمُجرمين؟! أم بُغضاً لعلي وفاطمة (ع)؟! خامساً: وعن الحديث الذي قالَ فيه أبو بكر: (وددتُ أني يوم سقيفة بني ساعدة ألقيتُ هذا الأمر -أي الخلافة- في عُنق هذين الرجُلين -يعني عُمر وأبا عُبيدة- فكانَ أحدهما أميراً وكُنتُ وزيراً، ووددتُ أني لم أكشف بيت فاطمة..) يقول ابن تيمية: (فهذا -أي الحديث- لم يَذكر له سنداً، ولم يُبيِّن -أي القائل- صحته)، نقول: إن ابن تيمية جاهل حتى في الأحاديث المشهورة، فكيف لا يعرف سند هذا الحديث، ولا يعرف إن كانَ صحيحاً أم لا؟! فقدوردَ هذا الحديث في العشرات من كُتبهم بسندٍ صحيح -وسنأتي لبيان ذلك-، ولكن.. -كما قُلنا سابقاً- لأنَّ الحديث فيه مظلُوميَّة فاطمة (ع) فلهذا يتجاهله، ولوكانَ فيه شيء لأبي بكر لكانَ الحديث صحيحاً ومُسنداً مِن أبي بكر إلى الله تعالى!. [14]) يقول ابن تيمية: (وإنما ينقل مثل هذا جُهَّال الكذَّابين، ويُصدِّقهُ حُمقى العالمين، الذين يقولون: إنَّ الصحابة هدموا بيت فاطمة وضربوا بطنها حتى أسقطت)، أقول: يا بن تيمية: هل هجموا أو -كما تقول- كبسوا بيت فاطمة أم لا؟! وسنأتي لأقوال علمائكم في مظلُوميَّة الزهراء (ع) لنعرف أن عُلماء دينك يقولون بماجرى على الزهراء (ع) فبالتالي هُم أيضاً كذَّابون، وأمَّا أنت وأتباعك المُخرِّفونن هُم الصادقون فقط! عِلماً أننا سنستخدم في بيان مظلوميَّة الزهراء (ع) منهجهم الأعوج في البحث والاستدلال، وليس ذلك إيماناً منا بمنهجهم، بل حتى نصل مع الكذَّاب إلى باب الدار، ولا يخفى على العاقل مِن أنَّ أي إنسان يقرأ كتابه المعروف (منهاج السنة) يعرف أن صاحبه أراد تحطيم الإسلام من جذوره، لِما فيه من الجهل والأهواء، فكل شيء في حق الإمام علي (ع) أو أهل البيت (ع) يرفضه ولو اتفق المسلمون عليه، وعندما يأتي إلى أي حديث صحيح لا يخدم أهواءه ومزاجه فإنه يتجاهل الحديث أو السند -كما أشرنا سابقاً-.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الملاحظة الثانية:
لا يصح الحكم بعدم وجود رواية ما قبل البحث المستفيض..، إنَّ علينا أن نبحث وسوف نجد روايات صحيحة في هذه المجالات.
لقد قرأت قبل عدَّة أيام مقالة كتبها شخص ينفي قضية عقائدية لأنه كان قد راجع كتاباً لأحد الأشخاص وقد رأى فيه روايات هي في زعمهِ ضعيفة، مع أنَّه كانت هناك أكثر من ثلاثة آلاف رواية حول ذلك الموضوع، لكن هذا الشاب طالعَ كتاباً واحداً وشاهد بضع روايات ثم شرع يُفنِّدها بزعمهِ وينتهي إلى بطلان عقيدة مُهمَّة..
فهل هذا منهج علمي؟
الخلاصة:
أولاً: التحليـل التأريـخي يعتمـد على منهـج تجميـع القـرائـن وحساب الاحتمالات .
ثانياً: إننا لو بَحثنا فسوف نَجـد الروايات الصحيحـة في كلِّ الحقائق التأريخية والعقائدية أو في كثير منها .
هذاباختصار -مع أنني ارتأيت حذف مجموعة من الملاحظات الفنية حول النقطة الأولى- [لضيق الوقت] .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
النقطة الثانية: منطلقات البحث والشُّبهات المُثارة.
القضية المثارة هذه الأيام هي: أنَّه لماذا هذا البحث؟
فالأشخاص التأريخيون ماتوا ووفدوا على ربِّهم ولم يعد لهم وجود الآن، فلماذا ننبش التأريخ ونبحث في طبائع الأشخاص؟
أي: ثَمَّة سـؤال بل مطلـب مُلحٌّ بـأن نتـرك التأريخ وننشغـل بهموم الحاضر.
للإجابـة على هذه الإثـارة أُحيلكـم إلى كتاب (نهج البلاغة) ففيه كلمة من أروع الكلمات تُجيب على هذا السؤال.
طبعاً هناك أجوبة كثيرة على هذا السؤال ولكني أقرأ لكم هذه الكلمة من نهج البلاغة فهي تُبيِّن جانباً من الإجابة.
يقـول الإمـام أميـر المـؤمنيـن (ع):(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَـتَّـى تَـعْـرِفُوا الَّـذِي نَـبَـذَهُ. فَالْـتَـمِسُـوا ذَلِكَ مِـنْ عِـنْـدِ أَهْـلِـهِ،
فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ..)[1].
لا تَقُل أنا أَسير في طريق الحقِّ ولا شأن لي بالذين يرفعون راية الباطل، لأن الإمام (ع) يقول: كلا (لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ)، أي يلزم أن تعرف بأنَّ فلاناً على حقٍّ أو على باطلٍ حتى تعرف الحقَّ، وإلا لن تعرف الحقَّ.
فمن يقول أنا أسير في طريق الحقِّ ولا أعرف أن فلاناً على حقٍّ أو باطل، فهذا لم يعرف الحقَّ.
أمَّا: ما هي الرابطة بين عرفان الحقِّ والرشد ومعرفة الذين حملوا راية الباطل؟
في شروح نهج البلاغة كلمات ذكروها للإجابة عن هذا التساؤل؛ ولكنَّ الشيء الذي يبدو في بادئ النظر أنه إذا لم يعرف الشخص أئمة الضلال وأن فلاناً منهم فهو لا يعرف الحقَّ، وذلك لأن هؤلاء الأئمة -أعني أئمَّة الضلال- سوف يتحوَّلون عنده إلى مصادر إلهام واستلهام.
فهذا الاسم اللامع؛ وذلك الصحابي الكبير، الذي عاش مع النبي (ص)، سيعطي الأمة خطّـاً.
فإنْ أنتَ لم تعرف أنَّ معاوية -مثلاً- من أئمة الضَّلال ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار فسوف تأخذ دينك منه بالطبع، فيكون مُلهِماً لك،أمَّا إذا كُنتَ تعرف بأنه من أئمة الضلال فستبتعد عنه وتبتعد عن خطِّهِ ولا تستلهم منه ولا ترى قيمة لا لكلِمَةٍ منه ولا موقف.
سأضرب لكم مثلاً وهو مثالٌ خطير جداً! لقد قرأت لأحد الكُـتَّاب المعاصرين مقالة تنتهي إلى هدم الدين كلِّه.
هذا الكاتب يقول:لماذا نعيش حالة الجمود على النصِّ الدِّيني؟ يجب أن تكون عندنا حالة انطلاق، بل يجب أن تكون عندنا شجاعة الروَّاد الأوائل..، لنكن نحن شجعان مثلهم.
إنه في الحقيقة يريد أن نَكونَ شجعاناً أمام الله تعالى والقرآن الكريم والنبي (ص)، لأن الذين يقتدي بهم كانوا هكذا.
لذلك تراه يقول:لقد ألغى أولئك الروَّاد العمل ببعض الآيات فضـلاً عن العمـل بأقـوال الرسـول (ص)، فمثـلاً -كما يقـول-:
ألغـى الأوَّل[2] آيـة المـؤلَّفـة قلـوبهـم؛ فالله تعـالى يقـول: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ..}[3]، والنبي (ص) عمل بذلك، ولكن جاء الأوَّل وبكلِّ شجاعة (!!) شطبَ على هذه الآية وقالَ بإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، لأنهُ رأى اختلاف الظرف، ففي أوَّل الأمر كان الدين ضعيفاً وكان يجب أن نُعطي للمؤلَّفة قلوبهم مائة بعير -مثلاً- حتى نكسبهم، أمَّا الآن والدين قويٌّ فلا نحتاج للعمل بالآية.
والثاني[4] كان شجاعاً (!!) أيضاً عندما شطبَ آية من القرآن، وهي قوله تعالى[5]: { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }، الآيـة واضحـة..، وهـو كـذلك يقـول إنهـا واضحة، فالطلقات الثلاث تعني ثلاث تطليقات حقيقية،ولكن-يقول الكاتب- وقَّف الثاني العمل بهذه الآية لَمَّا رأى بأنَّ الناس أكثروا من الطلاق؛ وقال: يجب أن نردعهم، فكلُّ من قال بعد الآن لزوجته: « أنتِ طالق ثلاثاً» حرمت عليه،وإنما عمل بهذا ردعاً عن ظاهرة الطلاق[6].
وهكذا نرى أنَّ القرآن يقول بثلاث مرَّات لكنَّ الثَّاني يقول تكفي مرة واحدة بأن يقولها الرجل ثلاثاً، فهذا يؤدِّي مؤدَّى ذاك .
فالكاتب يدعونا للاقتداء بهؤلاء الروَّاد الأوائل الذين كانوا شجعاناً وجريئين على الله ورسوله، ويقول فلنكن نحن كذلك.
فهنيئاً للطواغيت جميعاً!
-فمثلاً- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [7]، يعود لظرف سابق، فما البأس لو أنَّ حاكِماً مُسلِماً اتَّبعَ الروَّاد الأوائل في شجاعتهم وقال إنَّ الصَّوم يؤثِّر هذه الأيام في معدَّلات الإنتاج ويؤدِّي إلى تدهورها فلنلغي الصيام![8]
وبالمناسبة هذه قضية حقيقية،فقد رفعَ أحد الحُـكَّام[9]في إحدى البلدان الصيام عن العُمَّال بجرأة وشجاعة (!!) .
وهكذا بالنسبة إلى الحج، فما المشكلة في أن يأتي حاكم شجاع ثانٍ فيلغي الحج..، فلئن ألغى الأوَّل حُكم المؤلفة قلوبهم مع قُدسهِ وورعهِ وتقواه -كما يقول الكاتب- فلماذا لا نُلغي نحن الحج؟ ولماذا يصـرف الإنسان الأموال ويذهب إلى حج بيت الله الحرام بمكـة؟ يمكنـهُ أن يأتي ويطوف حول قصر الخليفة كما قال عبد الملك الأمويّ [10].
وهذا يعني أن كل طاغوت يتسلَّط يقوم بشطب بعض الدين حتى لا يبقى منه شيء .
وهؤلاء الإرهابيون الذين شوَّهوا اليوم صورة الدين في العالم وأعطوا انطباعاً سيئاً عنه، ممن يستلهمون؟
أليسوا يستلهمون من أولئك الروَّاد الأوائل؟
ولكن كلٌّ يعمل بما يتناسب مع عصره..، فذاك يضرب من يُخالفه الرأي على أنفه فيحطِّمهُ، وهذا يصنع أو يرتدي حزاماً ناسِفاً فيقتل حتى من لا يخالفه الرأي..!
أليس المنهج نفس المنهج؟
إذاً لابدَّ أن تعرفوا من هُم أئمة الضَّلال لئلا تتأثروا بهم ولكيلا تأخـذوا ديـنكـم منهـم، وهـذا معنـى قـول الإمـام أميـر المؤمنيـن (ع):(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ).
لو كان هناك ولد فاسد في المنطقةِ فماذا تقول لطفلكَ عنهُ؟ قد يقول لك شخص معوجُّ الفهم: تستَّر على ولد الجيران.
لكنكَ إذا تستَّرت عليه فإن ابنك هذا لن تكون لديه مناعة ويذهب ويصادقه فيفسد، إذاً يلزم أن تقول لابنك إنَّ ابن الجار هذا خطير وإنه فاسد ومفسد وإنَّه يدمِّر دينك ودنياك.
وقد يأتي شخص آخر ويقول لك: يلزم أن تصمت حفاظاً على وحدة المنطقة ولا تقل شيئاً عن هذا عند ابنك.
ولكنك تـرى أن مصلحـة ابنـك وصـونه عن الانـحراف، بل المصلحة العامَّة أيضاً تقتضي منك أن تخبره بالحقيقة.
وهل هناك أهمّ من صورة الدين في العالم؟ إنَّ من أهمِّ مصادر الإرهاب العقائدية تلك الكلمات التي قرأتُها؛ أعني ذلك الوطئ الأوَّل وذلك الوطئ الأخير وذلك التجاسر على بيت النبي (ص) نفسه! هذه المواقف تَمُدُّ الإرهاب مَدّاً.
لا تقولوا هذه بحوث تأريخية بل هي بحوث الحاضر وبحوث المستقبل، فـ(إنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ) كما قال مولانا أمير المؤمنين (ع).
وقال (ع): (وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ).
مَن الذي نقض الكتاب؟
مَن الذي غيَّرَ وضوء النبي (ص) مع أنه كان يتوضَّأ أمام المسلمين؟
ومَن الذي غيَّر صلاته (ص)؟
قدِمَ معاوية إلى المدينة ووقف للصلاة فقال: «الله اكبر،الحمد لله رب العالمين..»،فحذفَ البسملة،وبعدما أكمل اعترضَ المسلمون عليه، قائلين: لماذا يا معاوية أنسيت أم سرقت؟[11]
قد يقولون: لا لا، لا تتكلم عن معاوية.
فأقول: من لا يعرف حقيقة معاوية يأخذ من معاوية دينه ويُصبح عنده كاتِبُ الوحي فيحذف البسملة أيضاً اقتداء به.
ثـم إنَّ إشكالكم هـذا إشكـال عـلى أميـر المؤمنيـن (ع)..، والطريف في الأمر أنه في الخطبـة التي بعـدها ينتقد الإمـام (ع) طلحـة والزبير بكلِّ صراحة.
يقولون: لا تنتقد طلحة والزبير..
وأقول: أوليس الإمام علي (ع) انتقدهما؟
قبل أيَّام كان شخص يقول إنَّ الزبيرصحابيٌّ كبير فلا تجرحوا قلوبنا بتجريحه.
فأقول له: ماذا نفعل وأمير المؤمنين (ع) هو الذي جرَّحهُ.
انظروا كيف تحدَّث الإمام (ع) عنه -أي الزبير-وعن طلحة؛ قال: (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الأمْرَ لَهُ) أي يريد أن يصبح هو الحاكِم، (وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ، لا يَمُتَّانِ إِلَى اللّهِ بِحَبْلٍ، وَلا يَمُدَّان ِإِلَيْهِ بِسَبَبٍ..) أي ليس لهم أي ربط بالله تعالى.
ثمَّ يأتي ابن أبي الحديد في شرحه الخطبة ويقول: «قالها في شأن طلحة والزبير رضي الله عنهما»!
ولا أعرف كيف يستقيم..!
(لا يَمُتَّانِ إِلَى اللّهِ بِحَبْلٍ) مع «رضي الله عنهما»؟!
ثم يُضيف الإمـام (ع) في وصفهمـا:(كُـلُّ وَاحِـدٍ مِـنْـهُمَـا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ)،والضبُّ رمز الحقد في اللغة العربية،أي أنَّ الواحد منهما يحقد على الثاني، الاثنان هذان قائدا جيش واحد ويحقد أحدهما على الثاني، وحين أرادا أن يُصليا صلاة الصبح، صار هذا يدفع ذاك، وذاك يدفع هذا، وظلاَّ هكذا حتى كادت الشمس أن تشرق، فنادى الناس: الله الله يا صحابة رسول الله ستشرق الشمس، فعيَّنوا شخصاً ثالثاً صلَّى بهم.
يقـول الإمـام (ع) عنهمـا أيضاً: (وَعَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ! وَاللّهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هذَا نَفْسَ هذَا، وَلَيَأْتِيَنَّ هذَا عَلَى هَذَا..)[12]، أي إذا أصبحت القدرة بيدهما فهذا يقتل ذاك و ذاك يسعى لقتل هذا.
انظـروا أيضاً إلى الخطبـة الشقشقيـة فإن كـان عندكـم انتقـاد فانتقدوا أميرالمؤمنين (ع)،فهو القائل عن الأوَّل: (وَإِنَّهُ ليَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ..)، إلى أن يقول (ع) عنه -أي الأول- وعن الثاني: (لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا!..)، ويقول (ع) عن الثاني أيضاً:(فَصَيَّرَهَا فِي حَوزَةٍ خَشْنَاء..)،إلى أن يقول (ع): (إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ، بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ..) فهل هناك أمضّ من هذا الذنب؟![13]
أنقل لكم هذه القضية وأختم بها الحديث . هذا القضية ينقلها ابن أبي الحديد المعتزلي السُّـنِّي في شرح نهج البلاغة[14]؛ يقول:
«وحدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قطفتا [اسم مكان] بالجانب الغربيِّ من بغداد، وأحد الشهود المعدَّلين بها، قال: كنت حاضراً الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام بن ابن المنى، وكان الفخر إسماعيل بن علي هذا، مقدَّم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، ويشتغل بشيء في علم المنطق،وكان حلو العِبارة وقد رأيته أنا وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفَّى سنة عشر وستمائة.
قال ابن عالية: ونحن عنده [أي عند مُقدَّم الحنابلة ببغداد] نتحـدَّث، إذ دخـلَ شخـص من الحنابلـة، قـد كان لـه دَين على بعـض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبهُ به، واتَّفقَ أن حضرت زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور بالكوفة، وهذه الزيارة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين (ع) من الخلائق جموع عظيمة،تتجاوز حدَّ الإحصاء.
قال ابن عالية:فجعل الشيخ الفخر -أي مُقدَّم الحنابلة- يُسائل ذلك الشخص: ما فعلت؟ ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك يجاوبه، حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجرى عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة وسبِّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة من غير مراقبة ولا خيفة!
فقال إسماعيل:أيُّ ذنب لهم! والله ماجرَّأهم على ذلك ولا فتح لهم هذا الباب إلاَّ صاحب ذلك القبر!
فقال ذلك الشخص: ومن صاحب القبر؟
قال: علي بن أبي طالب!
قال: يا سيدي، هو الذي سنَّ لهم ذلك، وعلَّمهم إياه وطرَّقهم إليه!
قال: نعم والله.
قال: يا سيدي فإن كان مُحِقّاً فما لنا أن نتولَّى فلاناً وفلاناً؟!
وإن كان مُبطلاً فما لنا نتولاَّه؟!
ينبغي أن نبرأ إمَّا منهُ أو منهما!
قال ابن عالية: فقام إسماعيل مُسرعاً، فلبس نعليه، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة.
ودخل دار حرمه، وقمنا نحن وانصرفنا».
تعليقي على هذه القضية التي ينقلها ابن أبي الحديد أنَّ علي بن أبي طالب (ع) ليس هو الذي فتح لهم هذا الباب، بل الله فتح لهم هذا الباب، فإن كان عندكم انتقاد فانتقدوا القرآن الكريم، إنَّ في القرآن الكريم هجوماً لاذعاً وحادّاً على بعض صحابة رسول الله (ص)، ففي سورة الأحزاب يقول الله تعالى: { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا }، فَمَن هُم هؤلاء المنافقون الذين قالوا إن الله خدعنا؟
أليسوا من صحابة رسول الله -أي بعضهم-؟
طبعاً بعضهم وإلاَّ فأبوذر وسلمان ومقداد وعثمان بن مظعون وأمثالهم هؤلاء لهم مقام شامخ عظيم.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ [1]) ما أروع هذه الكلمات الذهبيَّة! ولقراءة الخطبة الشريفة كامِلةً راجع (نهج البلاغة)، (الكافي)، (مصباح البلاغة)، (عيون الحِكم والمواعِظ)، (كتاب الأربعين)، (بحار الأنوار)، (المُراجعات)، (مُستدرك سفينة البحار)، (موسوعة أحاديث أهل البيت)، (الهجوم على بيت فاطمة)، (ينابيع المودة) للقندوزي الحنفي، (سيد البُلغاء) للمقريزي، (معرفة التأريخ) للدكتور البابلي المالكي، وغير ذلك. [2]) أي أبو بكر. [3]) سورة التوبة، وإلغاء أبي بكر لسهم المؤلَّفة قلوبهم ثابتٌ في التأريخ، وجرى عليه فقههم، وللاطلاع راجع (أصول الفقه) للدكتور الدواليبِي، (الجوهرة النيِّرة على مُختصر القدوري في الفقه الحنفي)، (معرفة التأريخ) للدكتور البابلي المالكي وقالَ بعد إثبات أن الخليفة ألغى سهم المؤلفة قلوبهم ما نصه: (وهذا اجتهاد مُقابل النص، وفيه شيء من التجاوز، لأنَّ القرآن أقرَّهُ والنبي مارسهُ..)، (تأريخ الدولة الأموية) للدكتورعبدالباقي قطب، (كتاب الأم) للشافعي، وعشرات المصادر الأخرى التي تُشير إلى ذلك، ولا علينا بالذي يتجاهل ويتعصَّب ويقول: اجتهاد.. والاجتهاد مُحترم!. [4]) أي عُمر. [5]) في سورة البقرة. [6]) راجع: (نيل الأوطار) للشوكاني، (صحيح مسلم)، (فتح الباري) لابن حجر، (أضواء البيان) للشنقيطي، (السنن الكبرى) للبيهقي، (تأريخ الدولة الأموية) للدكتور عبد الباقي قطب، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة، (الناسخ والمنسوخ) للدكتور الشيخ عبد العالي الشامي، (صور من حياة الصحابة) للشيخ عبد الله المدني. [7]) سورة البقرة. [8]) ولا غرابة في ذلك، لأنهم فعلوها، ففي عام 1400هـ، قال مُفتي الحِجاز: لا بأس بأن يتأخر مَن يأمر الناس بالصلاة في الشوارع والأسواق عن الصلاة، بل ويجوز له أن يُصلي الفرائض اليوميَّة كُلها في وقت واحد..! ليتفرَّغ في بقيَّة اليوم للأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر!. وللاطلاع على هذه الفتوى الفارغة وغيرها راجع كتاب (الفتاوى الإسلامية) للدكتور الشيخ عبد الغفار الخليوي المدني. [9]) وهوالمُجرم المقبور "أبو رقيبة"حاكم تونس، وقد دعا الحاكم المُجرم "مُعمَّر القذَّافي" إلى دراسة رأيهِ والبحث فيه لأنهُ ربما يكون صالحاً لهذا الزمان. [10]) فقد دعا الحجاج إلى زيارة قصر الخليفة الأموي عبد الملك وترك زيارة قبر الرسول (ص)، وللتفصيل راجع (تأريخ الدولة الأموية) للدكتور عبد الباقي قطب. [11]) واعتراض المُسلمين عليه يُشير إلى أنَّ البسملة كانت ثابتة في الصلاة وفي القرآن وجرى العمل بها في زمن الرسول (ص) وما بعده، ولكن مُعاوية لا يعترف بالرسول ولا بالصلاة أصلاً، وللاطلاع على تحريف مُعاوية للصلاة راجع الكتب التالية: (كتاب الأم) للشافعي، (كتاب المُسند) للشافعي أيضاً، (المُستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري، (المجموع) للنووي، (السنن الكبرى) للبيهقي، (معرفة السنن والآثار) للبيهقي أيضاً، (عمدة القاري) للعيني، (المُصنَّف) للصنعاني، (الاستذكار) لابن عبد البر، (التمهيد) لابن عبد البر أيضاً، (نصب الراية) للزيعلي، (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) لابن حجر، (كنز العمال) للمتقي الهندي، (الثقات) لابن حبَّان، (سنن الدارقطني)، (تفسير الثعلبي)، (فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي، (تأريخ الدولة الأموية) للدكتورعبد الباقي قطب،(سيد البُلغاء) للمقريزي،(معرفة التأريخ) للدكتور البابلي المالكي، وعشرات الكتب الأخرى نتركها مُراعاةً للاختصار. [12]) راجع (نهج البلاغة)، (بحار الأنوار)، (الغدير)، (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد، (تأريخ الدولة الأموية) للدكتور عبد الباقي قطب، (سيد البُلغاء) للمقريزي، (معرفة التأريخ) للدكتور البابلي المالكي، وقد نقلَ مقطعاً مُختصراً مِنَ هذه الخُطبة كتاب (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير، (لسان العرب) لابن منظور، (تاج العروس) للزبيدي، (أصدق المقال) للنابلسي الشافعي، (طلحة والزبير تحت الضوء) للشيخ الدكتور أحمد محمود الحلبي، وغير ذلك من المصادر نتركها للاختصار. [13]) (نهج البلاغة)، وعشرات الكُتب الأخرى لا داعي لذكرها مُراعاةً للاختصار، ويكفينا ما نقله الثقفي في كتاب (الغارات)، وما قاله ابن أبي الحديد في (شرح النهج) بخصوص هذه الكلمات للإمام (ع): (واعلم أنه قد تواترت الأخبار بذلك). [14]) وأيضاً كتاب (الغارات) للثقفي، (طلحة والزبير تحت الضوء) للشيخ الدكتور أحمد محمود الحلبي، وعشرات الكتب الأخرى.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
هناك سورة كاملة باسم المنافقين، وكذلك في سورة التوبة ورد ذكر كثير عنهم حتى قالوا إن بعض الصحابة كانوا يخافون من سورة التوبة ويقولون إن الله ما أبقى أحداً من المنافقين في هذه السورة إلاَّ وفضحه، يقول الله تعالى في سورة التوبة: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ}، أي إنَّ فـي صحابـة النبي مُنافقين فيهـم مَن أخلف الوعـد مع الله تعالى، وإن فـي صحابـة النبي فسقـة، لاحظـوا سـورة الحجرات:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
فمن هذا الفاسق؟
إنه أحد صحابة النبي (ص) وهو الوليد بن عقبة[1].
إذاً فالذي فتحَ لهم هذا الباب ليس الإمام علي (ع) في الخطبة الشقشقية وإنما الله في القرآن الكريم..،يقول الإمام (ع): (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ)،فمن أين نعرف ذلك؟ يقول (ع): (فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ)، وابن أبي الحديد يقول شارحاً: «عَنَى نفسه» أي: خذوه من علي بن أبي طالب.
ويضيف (ع): (فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ، هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِم، لا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ)، بل كلامهم كلام واحد لأنَّهُ كلَّهُ عن منبع الوحي (فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ)[2].
وصلَّى الله على محمد وآله الطاهرين
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ [1]) إن الله قالَ عن الوليد أنه فاسق، ويقولون رضي الله عنه! ومَن يتكلَّم عليه يُحكم عليه بالإعدام، وهو أخو عُثمان بن عفان لأمه، ومع أنَّ الإجماع القاطع في أنَّ الوليد بن عُقبة فاسق إلا أنَّ بعض النواصب لا يعترف بالله ولا بالقرآن أصلاً، وسنأتي لذكر أقوالهم بعد ذكر المصادر التي تقول بأنها نزلت في الوليد وأنهُ فاسق، وإليكَ أيها القارئ بعض المصادر: (تفسير ابن زمين)، (تفسير الثعلبي)، (تفسير القرآن) للصنعاني، (أسباب النزول) للواحدي، (تفسير ابن أبي حاتم)، (جامع البيان) للطبري، (تفسير السمعاني)، (أحكام القرآن) للجصاص، (تفسير البغوي)، (تفسير السمرقندي)، (تفسير النسفي) وقال: أجمعوا أنها نزلت في الوليد، (أحكام القرآن) لابن العربي وقال: مَن ثبت فسقه بَطَلَ قوله في الأخبار إجماعاً، لأنَّ الخبر أمانة والفسق قرينة تبطلها. (المحرر الوجيز) لابن عطية الأندلسي، (زاد المسير) لابن الجوزي، (تفسير العز بن عبد السلام)، (تفسير القرطبي)، (تفسير البيضاوي)، (تنوير المقباس) للفيروز آبادي، (تفسير ابن كثير)، (مسند أحمد)، (البرهان) للزركشي، (تفسير الجلالين)، (تفسير الثعالبي)، (الدر المنثور) للسيوطي، (لباب النقول) للسيوطي أيضاً، (تفسير أبي السعود)، (فتح القدير) للشوكاني، (تفسير الآلوسي)، (أضواء البيان) للشنقيطي، (الجرح والتعديل) للرازي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (أُسد الغابة) لابن الأثير، (تهذيب الكمال) للمزي، (الاستيعاب) لابن عبد البر وقال: ولا خلاف بين أهل العِلم بتأويل القرآن فيما علمته أنَّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة، (الإصابة) لابن حجر، (تهذيب التهذيب) لابن حجر، (الوافي بالوفيَّات) للصفدي، (إمتاع الأسماع) للمقريزي، (التسهيل لعلوم التنزيل) للغرناطي، (شرح نهج البلاغة) للمُعتزلي، (الدر) لابن عبد البر، (المعجم الأوسط) للطبراني، (مجمع الزوائد) لابن حجر، وعشرات الكتب الأخرى نتركها مُراعاةً للاختصار، ومع ذلك فإنَّ عُثمان جعلَ الوليد الفاسق والياً على الكوفة! وهذا تحدي صريح للقرآن، وبعد هذه المصادر وبيان الإجماع على فسقه نأتي إلى قول النواصب، يقول الناصبي محمد بن عبد الوهاب -شيخ الوهابيَّة- في كتابهِ (تفسير آيات من القرآن الكريم) ما نصه -بعدَ أن ذَكَرَ الآية-: نزلت في رَجُلٍ أخبرَ النبي عن بعض المُسلمين أنهم منعوا الزكاة فَهَمَّ -أي النبي- بغزوهم، وكانَ كاذباً -أي الرَّجُل-. انظروا كيف يتنكَّر ابن عبد الوهاب لمولاهُ الفاسق الوليد بن عقبة! لماذا هذا الطغيان؟! إنه لا يمتلك ذرةمن الأمانة العلمية! ويقول الناصبي الثاني وهو شيخهم الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ما نصه -بعد ذِكر الآية-: نزلت في الوليد..، وكانَ مع فسقه -سامحه الله- شجاعاً قائماً بأمر الجهاد. إن الله يقول عنه (فاسق) والذهبي يقول (سامحه الله)! الله يقول عنه (فاسق) في كتابهِ الكريم على مدى الأيام والدهور وحتى تقوم الساعة.. والذهبي ما زالَ يقول (سامحه الله) فقط كي لا يقول (لعنه الله) لأنَّ اللعنة ستشمل أناساً آخرين!. يا أتباع ابن عبد الوهاب أليسَ الوليد صحابيّاً؟! فلماذا هذه القداسة والعدالة والعصمة التي تجعلونها لهم؟! إنَّ فيهم الصادق وفيهم الكاذب، وفيهم المؤمن والمُنافق، وفيهم الطيب والخبيث..، ولكن ماذا عسى أن نقول ونح ننسمعهم يصيحون ويُطنطنون في قنواتهم الفضائية بهذه الآية الكريمة: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}، ويقولون:كيفَ يغضب الله على أُناسٍ رضيَ عنهم؟ وكيف نلعن الصحابة والله قد رضي عنهم؟ وغير ذلك من الأسئلة والهيجان الجاهلي..، نقول لهم بأنَّ الجواب على هذه الطنطنة في النقاط التالية: النقطة الأولى: إنَّ ممن شهِدَ بيعة الرضوان الوليد بن عقبة! والآية التي تقول بفسقهِ نزلت بعد الآية التي تقول بالرضا عنه -كما تزعمون-! فهل الرضا يُعتبر أبديّاً؟! . وقال بعض الجهَّال لكي يُخرج الوليد من بيعة الرضوان: أن الوليد كانَ صغيراً آنذاك ولم يشهد البيعة. الجواب: لقد كفانا الإجابة عليكم عالمكم الكبير ابن عساكر في (تأريخ دمشق الكبير) حيث قال: أن هذا الكلام كذب بل كانَ الوليدكبيراً وقد أرسله النبي إلى بني المصطلق. وقالَ ابن عساكر في كتابهِ (بيعة الرضوان) والدكتور عبد الباقي قطب في كتابه المعروف (تأريخ الدولة الأموية): أنَّ الوليد ممن شهِد بيعة الرضوان تحت الشجرة. فلا تنزعج يا وهَّابي من هذه الحقائق. النقطة الثانية: أنتم تقولون بعدالة كُل الصحابة، ولَم يكُن كُل الصحابة في البيعة تحت الشجرة، فعلى هذا يكون القانون سارياً في هؤلاء فقط، لأنَّ البقيةلم تشملهم الآية، فعدد الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة 1400 وقيل 1300 وقيل 1500 [ألف وخمسمائة صحابي]، وأمَّا عدد الصحابة الكُلِّي يتجاوز 114000 [مائة وأربعة عشر ألف صحابي]، فما هو حُكم البقيَّة؟! عِلماً أنَّ عُثمان بن عفان لم يشهد البيعة تحت الشجرة لأنه كانَ في مكة والمصادر الكثيرة عندكم تؤكد ذلك، راجع (كنز العمال) للمتقي الهندي،(شرح نهج البلاغة) للمُعتزلي، (المحرر الوجيز) لابن عطية الأندلسي، (تفسير النسفي)، (تفسير السمرقندي)، (تفسير ابن أبي حاتم)، (جامع البيان)للطبري، (تفسير العز بن عبد السلام)، (تفسير البيضاوي)، (التسهيل لعلوم التنزيل) للغرناطي، (تفسير البحر المُحيط)، (تفسير ابن كثير)، (الدر المنثور) للسيوطي، (فتح القدير) للشوكاني، (تفسير الآلوسي)، (تيسير الكريم) للسعدي وغيرها، كُل هذه المصادر تنفي وجود عثمان في بيعة الرضوان. النقطة الثالثة: ألا تعلم بأن في نفس السورة آية أُخرى نزلت في بيعة الرضوان تُشير إلى أنَّ هناك شرطاً لتحقق الرضا؟! وهو الوفاء بالعهد الذي عاهدوا عليه النبي (ص) تحت الشجرة، والآية هي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، والعهد كانَ على عدم الفِرار من المعارك والحروب كما جاء في الروايات الصحيحة عندهم، فعن جابر قال: بايعناهُ تحت الشجرة على أن لا نفرَّ، ولم نبايعهُ على الموت. وهذا الحديث جاء في (المجموع) للنووي، (مسند أحمد)، (سنن الدارمي)، (سنن الترمذي)، (صحيح مُسلم)، (سنن النسائي)، (السنن الكبرى)، للبيهقي، (معرفة السنن والآثار) للبيهقي أيضاً، (السنن الكبرى) للنسائي، (مجمع الزوائد) لابن حجر الهيثمي وقالَ: إسناده جيد، (عمدة القاري) للعيني، (تحفة الأحوذي) للمباركفوري، (مسند الحميدي)، (بغية الباحث) لابن أبي سلامة، (مُسند أبي يعلى)، (صحيح ابن حبان)، (المعجم الأوسط) للطبراني، (المعجم الكبير) للطبراني أيضاً، (التمهيد) لابن عبد البر، (كنز العمال) للمتقي الهندي، (جامع البيان) للطبري، (تفسير ابن زمين)، (تفسير الثعلبي)، (تفسير البغوي)، (المحرر الوجيز) لابن عطية الأندلسي، (تفسير البحر المُحيط)، (تفسير ابن كثير)، (البداية والنهاية) لابن كثير، (الدر المنثور) للسيوطي، (فتح القدير) للشوكاني، (تفسير الآلوسي)، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (أُسد الغابة) لابن الأثير، (لسان الميزان) لابن حجر، (تأريخ الطبري)، (تأريخ الإسلام) للذهبي، (الوافي بالوفيات) للصفدي، (إمتاع الأسماع) للمقريزي، (السيرة النبوية) لابن هشام، (سُبل الهدى والرشاد) للصالحي وغيرهم..، كل هذه المصادر وَرَدَ فيها هذا الحديث، بأنهم بايعوا رسول الله على أن لا يفرُّوا، فالنتيجة المُستخلصة من هذا الحديث هي أن البيعة إنما تكون مفخرة لِمن وفَى بها من الصحابة، والوفاء بها هو عدم الفرار، فهل فرَّ منهم أحد؟! الجواب عند البخاري ومُسلم في صحيحيهما يقولان: لما كانَ يوم حُنين.. كانَ مع النبي عشرة آلاف.. فأدبروا عنهُ حتى بقيَ وحده. العشرة آلاف -يا وهابية- أليسوا صحابة؟! أليست حُنين بعد بيعة الرضوان تحت الشجرة؟! إننا نتعجَّب من تخريفاتكم! هذا ما يقوله البخاري إمامكم، وهو حُجة عليكم، ولكن.. بغض علي وفاطمة (ع) هو سبب غبائكم..، ولم يأتِ هذا الحديث في البخاري ومُسلم فقط، بل جاء في (عمدة القاري) للعيني، (صحيح ابن حبَّان)، (البداية والنهاية) لابن كثير، (السيرة النبوية)، لابن كثير أيضاً، (السيرة الحلبية) للحلبي، (فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي، وغيرهم..، وفي (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري حديث آخر عن ابن مسعود أنه قال: (كنت مع النبي يوم حُنين فولَّى عنه الناس، وما بقي معه إلا ثمانون رجُلاً..) . وقد وردَ هذا الحديث الصحيح في (تفسير ابن أبي حاتم)، (تفسيرابن كثير)، (الدر المنثور) للسيوطي، (فتح القدير) للشوكاني، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (أُسد الغابة) لابن الأثير، (تأريخ الإسلام) للذهبي، (إمتاع الأسماع) للمقريزي، (سُبل الهدى والرشاد) للصالحي وغيرهم الكثير..، فهل تبقى كلمة (رضي الله عنهم) لهؤلاء؟! أليسَ فيهم ممن بايع تحت الشجرة؟! ولَم يفروا في حُنين فقط بل في أُحد وخيبر كما هو واضح، فقد فرَّ الشيخان في خيبر وأُحد فراراً كبيراً، ولِذا قالَ النبي (ص) في خيبر: إني لأعطينَّ الراية غداً..، والعشرات من كتب التأريخ شاهدة على ذلك، ولا نريد التفصيل لأنَّ اللبيب المُطَّلِع يفهم بالإشارة، عِلماً أنَّ بيعة الرضوان حَدَثت بعدَ فرارهم من المشركين، فعاهدهم النبي بالبيعة ثانية تحت الشجرة على أن لا يفرُّوا. النقطة الرابعة: إنَّ ممن بايع تحت الشجرة "عبدالرحمن بن عديس البلوي" وهو ممن قتلَ عثمان بن عفان، فإذا كانَ عُثمان مؤمناً -عندكم- فالذي قتله يكون مؤمناً أيضاً؟! وإذا كانَ عثمان مؤمناً -كما تزعمون- فلماذا نسيتم قولَ الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، إذاً ما هو مصير "عبد الرحمن بن عديس" يا وهابيَّة؟! فإمَّا عبد الرحمن ملعون! وإما أنَّ عثمان ليس مؤمناً؟! وربما يقول جاهل: إنَّ عبد الرحمن تابَ بعد ذلك. الجواب: أوَّلاً: إننا ابتُلينا بالجهال! . ثانياً: ألم يقرأ في العشرات من كتبهم بأن عبد الرحمن بن عديس بقيَ يفتخر بمقتل عُثمان حتى قُبض. ثالثاً: أينَ الحديث الصحيح في البخاري أو غيره الذي فيه بأنه تاب؟. ولن أُعطي هذا السؤال قيمة لأنَّ السائل ليسَ لدية قيمة علمية. وممن حضَرَ بيعة الرضوان "أبو العادية" أو "أبو الغادية" وهو الذي قتلَ عمار بن ياسر في معركة صفين، فهل الله يرضى عن عمار أم عن أبي العادية؟! بل إنَّ أبا العادية يفتخر بذلك، فعندما جاء إلى مُعاوية وقالَ له مَن أنت؟ قال: قاتل عمار! وفي الحديث الصحيح كما في(المستدرك على الصحيحين) وفي (مجمع الزوائد) وقال: رجال أحمد ثقات. وفي (مسند أحمد) أن النبي (ص) قال: (قَاتِلُ عَمَّارٍ وَسَالِبُهُ في النَّارِ). وروى هذا الحديث الكثير من علمائهم مثل (الجامع الصغير) للسيوطي، (كنز العمال) للمتقي الهندي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (سير أعلام النبلاء) للذهبي، (الإصابة) لابن حجر، وعشرات الكتب الأخرى لا نريد ذكرها مُراعاةً للاختصار، فهل أبو العادية من أهل الرضا أم من أهل النار؟! فقد شَهِدَ البيعة، وقتلَ عماراً؟ فصارَ باغياً ومن أهل النار بصريح الأحاديث الصحيحة. وقالَ النبي (ص): (يَا عَمَّارُ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ). كما في (صحيح البخاري)، (صحيح مسلم)، (مسند أحمد)، (سنن الترمذي)، (فضائل الصحابة) للنسائي، (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري، (السنن الكبرى) للبيهقي وغيرهم..،فهل بقيَ دين أو إسلام لأبي العادية حتى تُطنطنوا بالبيعة تحت الشجرة؟! وهل حصَّنتهم بيعتهم من الخطأ أو الانحراف أو الفسق أو الكفر أو البغي أو الخلود في النار على مرِّ الدهور كما يدعي ذلك الجهال من أتباع المذاهب الأربعة؟!. النقطة الخامسة: لقد تلاعبَ الكثير من أصحاب البيعة تحت الشجرة بالدِّين وبالإسلام وزوَّروا الأحاديث وأحْدَثُوا بعدَ النبي (ص) الشيء الكثير، فهل تبقى لهم عدالة؟! ولم نأتِ بهذا الكلام من البقالة..! بل هذا ما جاء في (صحيح البخاري) عن العلاء بن المُسيَّب عن أبيه أنه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحْدَثْنا بعده. وهذا الحديث يُشير إلى أنَّ الصحابة يؤمنون بأن الآية في البيعة ليست عاصِمة لهم، بل وفيها إشارة إلى انحرافهم بعد النبي (ص)، وأيضاً فيها إشارة إلى أنهم أحْدَثُوا وتلاعبوا في سُنَّة النبي (ص) قطعاً، فمن هُنا يعرف القارئ مُستوى العقلية التي يتعامل بها أتباع المذاهب الأربعة؟! وهذا الحديث جاء في كتابهم الأعلى وهو البخاري، وأيضاً جاء في الكثير من كتبهم مثل (عمدة القاري) للعيني، (الكامل) لابن عدي، (تأريخ دمشق الكبير) لابن عساكر، (الإصابة) لابن حجر، (فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي وغيرهم..، وماذا قالَ النبي عن الذي يُحْدِث في الدين؟! فعن رسول الله أنه قال: شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتهُا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدعَةٍ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ في النَّارِ. أي أنهم مثل "أبي العادية" في النار. فهؤلاء أصحاب النبي (ص) -أولاً-، وبايعوهُ -ثانياً-، ومع ذلك أحْدَثُوا بعده وأصبحوا من أهل النار بحسب الحديث. وقد ورَدَ هذا الحديث بألفاظٍ مُختلفة في المئات من كتبهم مثل: (صحيح البخاري)، (صحيح مسلم)، (السنن الكبرى) للبيهقي، (المجموع) للنووي، (مسند أحمد)، (سنن الدارمي)، (سنن ابن ماجة)، (مجمع الزوائد) للهيثمي، (السنن الكبرى) للنسائي، (صحيح ابن حبَّان)، (رياض الصالحين) للنووي، (نصب الراية) للزيعلي، (كنز العمال) للمتقي، (الدر المنثور) للسيوطي، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (نيل الأوطار) للشوكاني، (أحكام الجنائز) للألباني، (عمدة القاري) للعيني، (مسند أبي داوود)، (المصنف) للصنعاني، (المصنف) لابن أبي شيبة، (المعجم الكبير، والأوسط، والصغير) للطبراني، (الجامع الصغير) للسيوطي.. وغيرها، -وإني آسف- ربما تعب القارئ من كثرة المصادر، ولكن -الله يساعدك-، ولو كانَ المجال واسعاً لكتبت خمس صفحات من مصادرهم فقط، وإليك أيها القارئ حديثاً آخر عن الرسول أنه قالَ لشهداء أُحد: هَؤُلاءِ أَشهَدُ عَلَيهِم، فَقالَ أبو بكر: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم! أسلمنا كما أسلموا!وجاهدنا كما جاهدوا؟! فقالَ النبي: بَلَى، وَلَكِن لا أَدرِي مَا تحُدِثُونَ بَعْدِي. هل يريدون كلاماً أوضح من هذا؟! والخِطاب لأبي بكر! وهذا الحديث وردَ في (الموطأ) لمالك، (المصنف) للصنعاني، (الاستذكار) و(التمهيد) لابن عبد ربه، وقال: هذا الحديث مُرسل هكذا منقطع ثم جميع الرواة للموطأ، ولكن معناهُ يستند من وجوه صحاح كثيرة، (فلك النجاة) لفتح الدين الحنفي، وغيرهم..، فأيَّة بيعة هذه التي تُثرثرون بها في القنوات الفضائيَّة؟! ولا نريد التفصيل في هذا الموضوع لأنَّ هناك حديث الحوض وإقصاء الصحابة عنه يوم القيامة وغيره من الأحاديث الصحيحة، ثُمَّ إنكم تكتبونَ وتطبعون في بلادكم، فهل إذا كَتَبنا ردّاً عليكم ستسمحون بطباعتهِ في بلادكم؟! أو -على الأقل- السماح بدخولهِ؟! فعندما تتكلمون تُريدون من الناس أن يسمعوا فقط، وإذا تكلَّمنا حكمتم علينا بالإعدام، فلماذا؟! إنكم تتعاملون بمنطق القوة! ونحن نتعامل بقوَّة المنطق! وكم مكتبة للشيعة تم إغلاقها؟! إن كنتم على حق فلماذا تخافون من كتب الشيعة؟!. النقطة السادسة: قالَ الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ}، فالآية تتكلم عن المؤمنين فقط، ولا تشمل المُنافقين الذين حضروا بيعة الرضوان تحت الشجرة، وإني أتحدَّى أي صعلوك من صعاليكهم أن يُجيب على سؤالي: هل "عبد الله بن أُبي بن سلول" مؤمِنٌ أَم مِن كِبار المُنافقين؟! وهل "أوس بن خولى" مؤمِنٌ أَم مِن كِبار المُنافقين؟! وهل "حاطب بن أبي بلتعة" مؤمِنٌ أَم مِن كِبار المُنافقين؟!وهؤلاء كلهم كانوا في بيعة الرضوان. راجع كتاب (المستدرك على الصحيحين)، (صحيح البخاري)، (صحيح مُسلم)، (إمتاع الأسماع)للمقريزي، (سُبل الهدى والرشاد)، (السيرة الحلبية)، (المجموع)، (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية) لأحمد بن عبد الرزاق الدويش، وعشرات الكتب الأخرى. النقطة السابعة: "عمرو بن الحمق الخزاعي" ممن خرجَ على عثمان، وهو من أصحاب بيعة الرضوان!..، وهناك العشرات من النقاط لا يسع المجال لذكرها. [2]) ونقول لِمن يُشكك في (نهج البلاغة): اقرأ كتاب (مصادر نهج البلاغة وأسانيده) من أربعةِ مُجلَّدات للسيد المحقق عبد الزهراء الحُسيني، فإنَّ فيه ما يكفي لإقناع المُنصف.
مقدمة:
إننا ننقل للقارئ بعض الحقائق التي يتجاهلها أعداء فاطمة (ع)، أو يُحاولون وضع غَشاوة على عيون الناس تجاه مظلوميَّة فاطمة (ع)، بل ويُحاولون طمسها نهائيّاً، فعلى القارئ التَّأمُّل والتركيز، وقبلَ أن نبدأ بذكر النصوص نحتاج إلى بيان مُلاحظتين:
الأولى: إننا سنلتزم الاختصار الشديد جداً، كي لا يتحوَّل هذا الكتاب الصغير إلى مُجلَّدات ضخمة.
الثانية: قبلَ أن نذكر النصوص التي تُشير إلى مظلُوميَّة الزهراء (ع) وانحراف الصحابة، نُشير إلى أنَّنا اعتمدنا في استخراج هذه الأحاديث على الطبعات القديمة جداً للمصادر المذكورة، فعلى القارئ الرجوع إليها لكي يأمَن التحريف والحذف والتزوير الذي مارسته الأيادي المجرمة في الطبعات الجديدة وحتى بعض الطبعات القديمة، وإذا قُلنا (الطبعات الجديدة) فلانعني التي قبلَ سنتين أو ثلاث،كلا بل قبلَ ثلاثين سنة أو خمسين أو ستين أو أقل أو أكثر، وسيتبين لنا ذلك في الأمثلة الآتية، ولِذا نأمل مِن القارئ مُلاحظة ذلك بشدة،إذاً..قبل أن نُشير إلى بعض النصوص نذكر بعض الأمثلة على التحريف والتزوير والخيانة العلمية التي استخدمها أتباع بني أُمية، ونرجو من القارئ التدقيق والتَّأمل:
المثال الأول:
راجع الكتاب المشهور (تأريخ الخلفاء) للسيوطي، فإنك سترى العجب العُجاب..، ومما يُثير الاستغراب ويُؤيد ما ذكرناه هو أنَّ مُحقق الكـتاب "إبراهيـم صالـح" قالَ في مُقدِّمـة الكـتاب ما نصـه: (وهذه الطبعة -وهي الأكثر تداولاً بين أهل العلم- تعجُّ بالأخطاء والتَّصحيف والتَّحريف والنقص والتشويه، في الآيات القرآنية والأحاديث الشريف والأخبار والأشعار!)، وأشارَ المُحقق إلى أنَّ الذينَ سبقوه بتحقيق هذا الكتاب استخدموا أُسلوب التدليس على الناس بمختلف طبقاتهم، ثم بدأ بنصحهم قائلاً: (فاتقوا الله، عِباد الله، ولا تستهينوا بأمانة العِلم فإنها مِن أثقل الأمانات).
وإليك أخي القارئ المثال الذي يُشير إلى خيانتهم العلمية وتدليسهـم وتحريفهـم لكتبهـم حسـب أهوائهـم المُنحـرفـة وخدمتهـم العمياء لسياسة حُكامهم، فعلى الناس من أتباع المذاهب الأربعة أن يقرَؤوا ويبحثوا ولا يُطنطنوا كما يُطنطن عُلماؤهم الكذابون.
ففي (تأريخ الخلفاء) الطبعة القديمة (دار صادر- بيروت) الطبعة الأولى 1417هـ، 1997م: راجع ص245 السطر التاسع عشر تجد ما نصه: (وأخرجَ الرّوياني في مُسنده عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: سَمِعتُ رسول الله يقول: أوَّلُ مَن يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِن بَنِي أُميَّةَ يُقَالُ لَهُ يزِيد)، وقد اعتبرَ المُحقق هذه الطبعة هي الأولى لأنَّها الأصح عنـدهُ، وهذه الطبعـة القديـمة الموثَّقة موجـودة في (مكتبة الأسد) بمدينة الشام في سوريا، وفي (مكتبة الأزهر) و(دار الكتب المصرية) بمدينة القاهرة في مصر، وفي (مكتبة الأمير سلمان المركزية بجامعة الملك سعود) بمدينة الرياض في السعودية، وفي بعض المكتبات الأخرى القديمة.
الطبعة الجديدة، وكُل الطبعات الموجودة في الأسواق: (لا وجود لهذا الحديث أصلاً).
فعلى العاقل أن يُدرك كيف استغفلهُ قومهُ وخدعوه، وأمَّا إذا كانَ غير عاقلٍ فهذا واقع الحال! ومما يُثير الدَّهشة هو الكذب الصريح عند مُنافقيهم، فمثلاً كتاب (تأريخ الخُلفاء) للسيوطي، مطبعة (دار الكتاب العربي) الطبعة الثانية 1420هـ، 1999م، بتحقيق "أحمد إبراهيم زهوه" و "سعيد بن أحمد العيدروسي" يقولان في مُقدمة الكتاب أنه أصح الكتب، ثم يكذبان بقولهما أنهما اعتمدا على النسخة الموجودة في (دار الكتب المصرية)، فلماذا لم يذكرا الحديث السابق في الكتاب؟! لأن النسخة الموجودة في دار الكتب المصرية موجود فيها الحديث، أم أنَّ السياسة والمصالح الدنيويَّة وحُب يزيد وبغض العترة الطاهرة (ع) يقتضي ذلك؟!
المثال الثاني:
راجع كتاب ( حياة محمد (ص)) لـ محمد هيكل، تحت عنوان: (عشيرته (ص) الأقربون) جاء ما نصه:
الطبعة الجديدة سنة 1360هـ وإلى اليوم: (دعا محمد عشيرته.. وقال لهم: ما أعلم إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به،قدجئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر؟ فأعرضوا عنه وهمُّوا بتركه، لكن علياً نهض وهو ما يزالصبياً دون الحلم،وقال: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت، فابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم، وجعل نظرهم ينتقل من أبي طالب إلى ابنه، ثم انصرفوا مستهزئين).
وهذه الطبعات المحرَّفة هي المتوفرة في الأسواق، وتُباع على الناس! بل هي المُنتشرة بين الناس!
لله أين الأمانة العلمية؟!
وأين العدالة؟!
وأين المسؤولية؟!
وإلى متى هذا النوم الذي يغرق فيه أتباع المذاهب الأربعة؟! ولكن.. التأريخ تكفَّل بفضحهم.
أمَّا الطبعة القديمة للكتاب، (القاهرة - دار الكتب المصرية) سنة 1354هـ: (..وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيِّ وخليفتي عليكم؟ فأعرضوا عنه وهمُّوا بتركه، لكن علياً نهض وهو ما يزال صبياً دون الحلم، وقال: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت، فابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم، وجعل نظرهم ينتقل من أبي طالب إلى ابنه، ثم انصرفوا مستهزئين).
وهذا مثال واضح لا يحتاج إلى تعليق، وهذه الطبعة القديمة الموثَّقة موجودة أيضاً في (مكتبة الأسد) بمدينة الشام في سوريا، وفي (مكتبة الأزهر) بمدينة القاهرة في مصر، وفي (مكتبة الأمير سلمان المركزية بجامعة الملك سعود) بمدينة الرياض في السعودية، وفي بعض المكتبات الأخرى القديمة، فعلى الحُر العاقل أن يبحث ويقرأ قبل الحِساب والعِتاب والعِقاب.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ [1]) كُل ماتحت هذا العنوان هو إضافة من: المنظَّمة العالميَّة الإرشاد الجماهيري -قسم المطبوعات- لجنة التحقيق، وذلك بياناً للحقيقة التي تُريد إنكارها بعض الفضائيَّات.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
المثال الثالث:
حديث الرسول الأعظم (ص): (أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُها)، كانَ موجوداً في الطبعات القديمة لكتاب (سنن الترمذي)، وقد أشارَ إلى وجوده الكثير من عُلمائهم ومُحققيهم، مثل ابن حجر في (الصواعق المحرقة) والسيوطي في (تأريخ الخلفاء) وابن الأثير في (جامع الأصول) وابن عدي في (الكامل) وغيرهم..، وأمَّا في الطبعات المُتداولة في الأسواق وفي أيدي الناس فلا يوجد فيها هذا الحديث أصلاً، لأنَّ الترمذي روى في كتابهِ حديثين،وقدأشارَ ابن حجر في الصواعق أنهما حديثان في الترمذي،الأول:(أنا مدينة العلم..)، والثاني: (أنا مدينة الحكمة..)، فالثاني موجود، والأول محذوف.
ولولا ضيق المجال، ولأننا لسنا بصدد هذا الموضوع، لذكرنا مئات الأمثلة العجيبة والمذهلة على التلاعب والتحريف في كتبهم، ناهيك عن الفضائح الواضحة التي يكتشفها المتتبع بدقة لمؤلفاتهم، فتجد كثيراً من الأحاديث في فضل أهل البيت (ع) أو غيرذلك يرويها السيوطي أو النبهاني أو ابن حجر الهيثمي وحتى ابن تيمية وغيرهم، ويقولون بأنها في الصحيحين أو في أي كتاب آخر، فإذا راجعنا الكتاب لا نرى للحديث وجوداً أبداً.
فإن كانَ ذلك نسيانٌ منهم، فالنسيان في حديث أو حديثين وليس في عشرات الأحاديث،وإن كان نسيانٌ فلماذا اجتمعت العلماء على نقله والإشارة إلى المصدر نفسه، فهل أنهم جميعهم نسوا؟!
وإن كان نسيانٌ أيضاً فلماذا يقول بعض المحققين لكتبهم بعد نقل الحديث: (ربما حذف من المصدر)؟!
وإن كانَ نسيانٌ فلماذا يقول مُحقق كتاب (مجمع الزوائد) الدكتور علي البوطي: إن التحريف أخذ مأخذه في كُتُبنا!
وإن كانَ نُسيانٌ فما تقولون فيما قاله الشيخ محمود أحمد الخليوي عندما سافرَ إلى لندن في مقابلة صحفية ما نصه: ( عندنا في السعودية مطابع متخصصة في تحريف الكُتب الإسلامية وقلب الحقائق).
عِلماً أنَّ هُناك الكثير مِنَ الألفاظ البذيئة التي كانَ يقولها عُمر أو عثمان أو غيرهما عَمَدوا لها وحذفوها أو بدَّلوها، ليتَ شعري إنهم مهما حذفوا وبدَّلـوا فإن الكُتب مشحـونة بقبائحهم، بل إنَّ الكثير مِن عُلمـاء النفس بدؤوا يتناولون كلمات الصحابـة بشيء من الدراسـة والتحقيق، فمثلاً: لَمَّا طُعِنَ عُمر بن الخطاب قال -كما أجمعَ عليه عُلماؤهـم-: (آه قتلني الكلب)، وفي رواية أُخـرى قال:(آه أكلني الكلب)، وفي رواية أُخرى قال: (آه دونكم الكلب فقد قتلني).
ولَمَّا ضُرِبَ بطلُ الإسلام الأوَّل علي بن أبي طالب (ع) في محرابهِ قال -كما أجمعَ عليه المسلمون-: (فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِ).
من هُنا يتبيَّن لنا الفرق بين ألفاظ التربية الجاهليَّة، وألفاظ الذي تربَّى بين يدي زعيم البشريَّة النبي الأعظم محمد (ص)، ويقول عُلماء النفس أنَّ كَلِمَة عُمر تُشير إلى رغبتهِ في الدنيا، وتُشير إلى أنَّ في داخلهِ بذور الرفض للقضاء الإلهي، وتُشير إلى أنه في أقل درجات الإيـمان، وأنه يـخاف المـوت بسبب بعض المُلاحظات التي أحْدَثها في حياته..وغير ذلك من الأمراض النفسيَّة الخطيرة، ولمعرفة المزيد راجع كُتب عُلماء النفس الذينَ لا ينتمون إلى الشيعة، مثل (علم اللغة النفسي) للبروفسور جمال محمد عيضة، (عِلمُ نفس الألفاظ) للدكتور محمود الدهيمة، (موقف وكلمة) للدكتور برهان ضيجة، (عِلمُ نفس الإشاعة) للدكتور هارل كانتر، (سيكولوجيا الكلمة) للدكتور محمد علوان الحلبي، (سيكولوجيا الإرهاب) للدكتور الشيخ أحمد الرابح الزهراني، وغير ذلك.
وإذا أرادَ القارئ مُراجعة الكلمة التي قالها عُمر أو معرفة الهستيريا الخطيرة التي صارت عند ولده عبيد الله وكيف أنه أخذ يقتل الناس الأبرياء عشوائياً من أجلِ دم أبيه، فليقرأ الكتب التالية: (صحيح البخاري)، (تأريخ الإسلام) للذهبي، (عمدة القاري) للعيني،(شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز الحنفي،(المبسوط) للسرخسي،(بدائع الصنائع) لأبي بكر الكاشاني، (السنن الكبرى) للبيهقي، (فتح الباري) لابن حجر، (المُصنَّف) لابن أبي شيبة الكوفـي، (صحيح ابن حبـان)، (كنـز العمـال) للمتقـي الهنـدي، (الطبقات الكبرى) لابن سعد، (تأريخ مدينة دمشق) لابن عـساكر، (تـاج العـروس) للزبيـدي، (نيل الأوطـار) للشوكانـي، (بغية الباحث) للحارث بن أبي أسامة، (تأريخ المدينة) لابن شبه النميري، (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة الدينوري، (عمر بن الخطاب) للبكري، (فقه السُّنة) للسيد سابق، (أُسد الغابة) لابن الأثير، وعشرات الكتب الأخرى.
وفي المُقابل اسألوا عُلماء النفس عن: (فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِ) الكلمة التي قالها الإمام علي (ع) حينما ضربه ابن مُلجم،وانظروا ماذا كتبوا حولها، حتى تعرفوا عظمة إمامنا (ع).
وقد قالَ أحد الحاقدين في كتابهِ بأنَّ الإمام علي (ع) قالَ نفس الكلمة التي قالها عُمر، وهذا كذبٌ صريح، ومُخالِف لِما جاء به السنة والشيعة، وقد ردَّ عليه الكثير من السنة في أنَّ هذه الكلمة لم تجرِ على لسان الإمام (ع)، وإنما جرت على لسان عُمر بن الخطاب.
وقالَ بعض الناس الذين اشتبهوا في النَّقل أنَّ الإمام علي (ع) قالَ حين ضَربهُ ابن مُلجم: (فزت ُورب الكعبة قتلني ابن اليهوديَّة)، وهذا خطأ كبير لم يذكرهُ أحدٌ من عُلمائنا الأعلام في كتبهم المُعتبرة، وهُناك بعض الكتب غير المُعتبرة والشاذة نقلت ذلك اشتباهاً، وإذا كانَ هُناك خطيبٌ يقول هذه العِبارة فهو مُخطئ قطعاً وعليه أن يُحقق حتى لا يظلم نفسه، لأنَّ إجماع المُسلمين أنه قال (ع): (فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِ) فقط وفقط..، فتأمَّل.
نعود.. فلهذا السبب وأسباب أُخرى أيضاً عمَدوا إلى كُـتبهم فحرَّفوها وتلاعبوا فيها.
وبعـد هـذه المُقـدِّمـة البسيطـة نعـود إلى أصل الموضـوع لنـذكـر للقارئ بعض النصوص الدَّالة على مظلُوميَّة فاطمة الزهراء (ع)، مع التزامنا بالاختصـار الشديد، لكي تبقى هـذه الصفحات كُرَّاساً صغيـراً، سهل القِراءة، ولأنَّ الوقت كانَ ضيّقاً جداً، فقد كتبنا هامش المُحاضرة السابقة مع هذا المُلحق حول مظلُوميَّة الزهراء (ع) في أربعة أيَّام فقط ونعتذر على الإطالة، ونسأل من الله القبول.