|
عضو
|
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
دروس عرفانية - الدرس الأول - فلسفة الموت عند ولي الله
بتاريخ : 04-Jul-2007 الساعة : 12:15 AM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
دروس عرفانية ...
{ معراج الروح }
الدرس الأول ؛؛؛
فلسفة الموت عند ولي الله
{ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين }
سورة الجمعة : الآية [6] .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض ، ذي الجلال والإكرام ، والفضل والإنعام ، الأول الذي لا أول لأوليته ، والآخر الذي لا آخر لآخريته ، خلق الليالي والأيام وقسم فيما بينهما الأقسام .
وصل اللهم وسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، روح الحقيقة ، ورائد وأستاذ أهل الطريقة ،محمدصلى الله عليه وآلهوعترته أهل بيته ، المعصومين الميامين المكرمين الأطيبين الأطهرين .
وإلعن اللهم أعدائهم أعداء الله وأعداء الدين وجاحديهم ومنكريهم ومنكري فضائلهم وفواضلهم وشعائرهم ، دهر الدهور وعصر العصور ، أبد الآبدين من الآن إلى يوم الدين .
Qاللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ، ولياًّ وحافظاً ، وقائداً وناصراً ، ودليلاً وعيناً ، حتى تسكنـه أرضك طوعاً ، وتمتعه فيها طويلاً E
أيها الرفقة أيها الأحبة ، نلتقي هذه المرة لنحاول التحليق بأرواحنا ، حتى نصل إلى المقصد الأسنى والهدف الأسمى والغاية المنشودة ( الملأ الأعلى ) ، وذلك من خلال دروس عرفانية في :
(معراج الروح) .
الدرس الأول :
فلسفة الموت عند ولي الله
جاء في الحديث عن الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم :
" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر "
إن تفسير هذه الجملة العظيمة ، بالصورة المقبولة عند الخواص والعوام ، هو أن هذه الحياة الدنيا مع وصفها المشاهد ، لو قيست بالمقام الأخروي للمؤمن ، حيث مقره الدائم هناك ، فهي تشبه السجن ؛
وحتى لو كانت حياة هذا العارف بالله هادئة ونيرة ومليئة بالأفراح والمسرات ، وخالية من المشاكل والهموم والمصائب والبليات وجميع المنغصات ، فإنها بالقياس إلى جنة الخلد ودار الحيوان التي يصفها القرآن بقوله تعالى : "وجنة عرضها السماوات والأرض" ، بل "وإنا لموسعون" ، وأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بل وفيها من كل فاكهة زوجان ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وما تلذ الأعين ، فإن هذه الحياة بالنسبة إلى هذه الجنة تشبه سجناً ضيقاً مظلماً ، بل هي كذلك حقيقة ؟!!
وعلى عكس ذلك تماماً الكافر وصاحب السلوك الرديء ، فإنه مهما كانت حياته مليئة بالمشاكل والمصائب والمنغصات ، ومحاطة بالمآسي والشقاء ، لو قيست بالعذاب الأبدي والجحيم السرمدي الذي إدخر له في الآخرة ، تعتبر جنة ورخاء ...
كان الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه
– والقصة معروفة ومشهورة – كان يمر ذات يوم في أزقة المدينة المنورة ، في موكب حافل بالعظمة والجلال ، حيث الموكب الفاخر والمرافقون في وقار وبهاء ، وإذا برجل يهودي مسكين بائس ، عليه ملابس رثة ، يعترض طريق الإمام .
قال اليهودي للإمام :
لقد قال جدك : أن الدنيا سجن لكم أنتم المؤمنون ، وجنة لنا نحن الكفار ، ولكن ! انظر إلى وضعنا في الوقت الحاضر ، فهو على العكس تماماً ، فأنت في عزك ونعمتك ورخائك ، وأنا في بؤسي وشقائي ومحنتي !!
فأجابه الإمام بقوله :
إن هذه الدنيا التي أعجبتك تعتبر سجناً وجحيماً بالنسبة إلى الدرجات العالية التي وعدنا إياها الباري عز وجل في الجنة .
وهذا الوضع المزري الذي أنت عليه وفيه ، يعتبر فردوساً ونعيماً بالقياس إلى السجِّين ودركات الجحيم التي هي المقر الدائم للكفار والمنحرفين .
فهذا يؤيد صدق ما قاله جدي صلى الله عليه وآله .
وروى الإمام أحمد بن حنبل في كتاب (الزهد) عن نوف البكالي ، قال : انطلق رجل مؤمن ورجل كافر يصيدان السمك ، فجعل الكافر يلقي شبكته ويذكر آلهته فتمتلىء سمكاً ، ويلقي المؤمن شبكته ويذكر اسم الله تعالى فلا يصطاد شيئاً .
قال : ففعلا ذلك إلى مغيب الشمس ، ثم إن المؤمن اصطاد سمكة فأخذها بيده فاضطربت فوقعت في الماء ، فرجع المؤمن وليس معه شيء ، ورجع الكافر وقد امتلأت سفينته ، فأسف ملَك المؤمن الموكل به ، وقال : ربِّ عبدك المؤمن الذي يدعوك رجع وليس معه شيء ، وعبدك الكافر رجع قد امتلأت سفينته ؟
فقال الله عز وجل لملَك المؤمن :
تعال ، فأراه مسكن المؤمن في الجنة ، فقال : ما يضر عبدي هذا المؤمن ما أصابه بعد أن يصير إلى هذا ، وأراه مسكن الكافر في النار ، فقال : هل يغني عنه من شيء ما أصابه في الدنيا ؟ قال : لا واللهِ يا ربِّ .
أقول :
وللجملة الواردة عن لسان رسول الله صلى الله عليه وآله معانٍ وتفسيرات أعظم وأعمق وأدق مما ذكر ، وقطعاً لم تكن خافية ولا غائبة عن الإمام الحسن ، ولكنه أجاب اليهودي انطلاقاً من الحديث القائل : "أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم" ، وأنه وكما قيل : "لكل مقام مقال" ، وأنه "ليس كل ما يعلم يقال" .
ومن هذه التفسيرات والمعاني :
أن المؤمن حليف المصائب والمشاكل في الدنيا !! وكأن الخالق الحكيم شاء أن يكون أحباءه محاطين بالبلاء والمحنة في حياتهم دوماً .
إن عليهم أن يرزحوا تحت وطأة المحن البلاء ! وكما جاء في الحديث القدسي : [من أحبني فاليستعد للبلاء]، وفي المثل المعروف : "البلاء للولاء" ، وأيضاً : "البرايا أهداف البلايا" .
فكما يهدي الناس إلى بعضهم البعض هدايا وتحف ، يهدي الله تبارك وتعالى لعباده المقربين ، البلايا والمصائب ، وكلما كان العبد من الله أقرب ، كان للبلاء منه أوجب .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل"
وأيضاً : "ما أوذي نبي كما أوذيت"
إذ من الواضح جلياًّ أن هذه الحياة الفانية سجناً ودار مصائب للمؤمن ، وإذ يحتمِلُ هذه المشكلات على فداحتها بقوة الإيمان وبالصبر واليقين ، فإنه يلاقي بعد أن يُنقل من هذه الدار وهذه الحياة عالماً رحباً من الألطاف الإلهية .
بينما الكافر على عكس ذلك تماماً ، إذ تتسم حياته بالدعة والسعة والراحة ، وكما يقال : "حظ الكافر وافر" .
إلتقى ملكان في الفضاء ، فسأل كل منهما عن الواجب الذي كلف به الآخر !
فقال أحدهما : تمنى كافر لحظات موته سمكةً نادرة ، فأمرني ربُّ العزة أن أحضر له تلك السمكة النادرة من البحار البعيدة ، حتى يتناولها .
وقال الآخر : لقد حصل مؤمن على الزيت الذي كان يشتهيه لحظة موته ، وكان يريد أن يتناوله ، فقربه من فمه ، فأمرني الباري جل جلاله بأن أكفىء إناء الزيت على الأرض بجناحي .
نعم ؛ هكذا يعامل الله تعالى محبيه بالبلاء والمحنة ، ولا نصيب للكافر والملحد في شيء من هذا القبيل ، إنه خائض في غَيِّه ولهوه ولعبه .
والحق أنه عندما يمتحن الباري جلا وعلا عباده المؤمنين المطيعين وأهل ولايته بأنواع المصائب والمحن ، فذلك عين اللطف منه تعالى ومنتهى الرحمة .
لأنا نرى أن الإنسان إذا احتضن الثروة والصحة والمقام والجاه ، وهكذا ... فسيصاب بالغرور ، سيتجه نحو الطغيان ، سيبدأ خطواته الحثيثة نحو الظلم والتعدي والجور والتمرد ،وسينسى ربه حينئذ ، بل لعله أن يقتدي بفرعون في قوله : "أنا ربكم الأعلى" ، أو على الأقل لعله يقتدي بقارون في قوله : "إنما أوتيته على علم عندي" ، عندها سيشقى في الدارين ، وسيصاب بالخسران المبين .
وهذا ما أكده القرآن بقوله : §إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى¦.
أما لو وقعت هذه النفس الشرسة في وادي البلايا والمصائب ، وواجه الإنسان الغافل أنواع المحن وضروب المآسي ، فأصيب بالمرض والبؤس والفقر والوحدة والغربة ، فإنه سيبحث عن العون والعضد ، وحيث لا يجد ضالته في أمثاله وأقرانه ، فسيصاب باليأس ، وحينئذ يتوجه إلى ما وراء الطبيعة ، فيتعرف على مسبب الأسباب وعلة العلل ، والباري الخالق المصور سبحانه ، ففي الحديث القدسي : " أنا عند المنكسرة قلوبهم" .
أجل ؛ فلا يوجد مقام أسمى ورتبة أعلى من أن يحط سلطان الكونين وخالق العوالم كلها ، فيها إلا في هذا الكوخ المتواضع لهذا العبد والولي الفقير البائس الذي لا يملك شيئاً ، وإنما الملك كله لخاقه وباريه .
معنى ثالث من معاني هذه الجملة العظيمة والرائعة : هو أن نفس المؤمن سجينة في قلعة الإيمان ، ومقيدة بأغلال التكاليف الشرعية ، وقيود العبودية ، إذ هو يضع نصب عينيه وفي كل لحظاته وشؤونه من حركاته وسكناته ، قوله تعالى :§ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد¦.
على خلاف الكافر الذي يعيش حياة الإنفلات والحرية واللامبالاة .
يلتزم المؤمن عدة مرات يومياًّ بالإعراض عن كل شيء في أوقات الصلوات اليومية الخمس ، والتوجه إلى محراب العبودية للمثول بين يدي الرحمان في بعض آناء الليل .
وكذلك يقضي شهراً كاملاً من السنة (شهر رمضان) في العطش والجوع نهاراً ، والدعاء والصلاة والإبتهال ليلاً ، إنه يؤدي الخمس والزكاة ، ويقوم بالحج والجهاد ، ويلتزم بالواجبات الأخرى وبسائر المستحبات ، بل إن جميع ساعات المؤمن ودقائقه ، وأقواله وأفعاله خاضعة لمنهج دقيق تنظمه الشريعة الإلهية .
على خلاف الكافر والملحد الذي يجد نفسه طليقاً إزاء هذه القيود والحدود !
ومعانٍ أخرى ... قد نعرض لها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى .
لكن التفسير الأعمق والبيان الأرقى لهذه الجملة العظيمة ، هو :
أن الدنيا نفسها حجاب سميك بين المؤمن وحضرة الرب سبحانه ، لذلك فإن الذي يبلغ الكمال في حبه لمولاه ، غايته القصوى ومنيته السامية ، هي البلوغ إلى مقام الوِصال مع الحبيب والمحبوب الأسنى !!
عندئذ يرى الحياة الفانية ضيقة ومظلمة ، فهي تشبه السجن ن ولا يريد المؤمن في تلك الحالة شيئاً غير لقاء ربه الكريم .
لكن الكافر والملحد أشد شيء على نفسه هو أن ينقل من هذه الدار إلى تلك الدار §يوم يعض الظالم على يديه¦ .
كان شعيب النبي على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام يبكي ليله ونهاره ، حتى فقد بصره ، فرد الله تعالى بصره إليه ، ومع ذلك فقد بصره ثانية من شدة البكاء ، وهكذا منَّ الله عليه بالنظر حتى المرة الرابعة .
وعندها خاطبه الله سبحانه وتعالى قائلاً : يا شعيب ! إذا كان بكاؤك خوفاً من النار فقد حرمت الجحيم عليك ، وإذا كان شوقاً إلى الجنة فقد وهبتك النعيم الأبدي فيها ، أما آن لبكائك أن ينقطع ؟
فأجاب شعيب : ما دمت لم أودع الدنيا ولم أنل لقائك ، فسأبقى دائماً على هذا العمل ، فليس بكائي جزعاً من النار ، ولا لوعتي شوقاً إلى الجنة !!
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله كانت نفسه تواقة إلى التخلص من سجن هذه الحياة ، وحيث كان طريق وسبيل التحرر منه هو الموت ، فقد كان صلى الله عليه وآله يرجو الموت ويتمناه ، حيث لما أنزل الله عليه سورة النصر
d إذا جاء نصر الله والفتح a استبشر وبان السرور في وجهه ، فلما سئل عن سبب ذلك ؟ قال : نعيت إلي نفسي في هذه السورة .
وكذا أمير المؤمنين لما ضربه ابن ملجم المرادي على هامته بسيف مشرب بالسم ، نادى برفيع صوته : " فزتُ وربِّ الكعبة " يعني أنه تخلص من سجن الدنيا وفاز بلقاء محبوبه ومعشوقه ، لا أنه فاز بالجنة ، كيف ولم تخلق الجنة إلا له ، إذ هو " قسيم الجنة والنار " بل " الجنة تشتاق إلى علي أشد من شوق علي إلى الجنة " .
أما ولده سيد الشهداء عليه آلاف التحية والثناء فإنه كان يناجي ربه يوم عاشوراء ، وهو في مصرعه والمحن والمصائب حافة به من كل جانب ، فكان يقول في الساعات الأخيرة من حياته الشريفة : " إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى " وأيضاً : " هوَّنَ ما نزل بي أنه بعين الله " ، بل كان وكما قال الشاعر الموالي عن لسان الحسين :
تركت الخلق طراً في هواكا
وأيتمت العيال لكــــي أراكا
فلو قطعتني في الحـب إربا
لما مال الفـــــؤاد إلى سـوكا
ومن أصدق من الله قيلاً ، فإنه سبحانه وتعالى يقول :
{ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين }
سورة الجمعة : الآية [6] .
فأولياء الله لهم سمة وعلامة ، وعلامة أولياء الله – كما في هذه الآية المباركة وغيرها – ( تمني الموت ) ، وهي دليل وبرهان صدق الولاية لله عز وجل .
فحقيقة الولاية لله عز وجل هي تمني الموت ، تمني لقاء الله سبحانه ، وإلا فمن يدعي الولاية لله سبحانه ، ثم لا يتمنى الموت ولقاء الله ، فهو زاعم وكاذب لا غير .
وهل رأيت محباً يكره لقاء محبوبه ؟!!
وإلى درس آخر من دروس (معراج الروح) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
" اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ، ولياًّ وحافظاً ، وقائداً وناصراً ، ودليلاً وعيناً ، حتى تسكنـه أرضك طوعاً ، وتمتعه فيها طويلاً " .
والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله على محمد وآله طاهراً فطاهراً .
|
توقيع النجفي |
الذي يشكك أو يتوقف في مظلومية الزهراء() فانظروا في دينه وإيمانه
|
|
|
|
|