مقابلة خاصة مع الشاعر الكبير
الأستاذ مهدي جناح الكاظمي
الحلقة الثانية :
نتابع أيها الإخوة الأعزاء في منتديات الميزان هذا اللقاء المبارك والحوار ألأخاذ مع شاعرنا الكبير الأستاذ مهدي جناح الكاظمي ...
السؤال الخامس ( صفوان يسأل ) : لكل مبدع حالات خاصة وطقوس إبداعية ، أذكر أن حافلة النقل الداخلي كانت تلهمني الشعر ، والبعض يكتب على ضوء الشموع ، والبعض وهو يغمر قدميه بالماء ، سمعت أن شاعرنا كان يكتب في المطبخ وسقفه ينز بالماء ، هل كان طقساً من طقوس الشعر أم ماذا ؟ .
الأستاذ مهدي : لم يكنْ ذلك غريباً عليَّ ، فأنا كتبتُ الشعر العمودي والحر في ظُلمة السجن المغلق ، دون ورقة أو قلم ، حيث كنتُ أحفظه ، وأُحفِّظَه لمن معي من المقربين لي ، وعندما خرجنا دوَّنته ، ومنه قصيدة ( الكاظمية الحلم المستحيل ) ، فالمطبخ كان هو المكان المتيسر لضيق الشقة التي أسكنها ، بالرغم من أن سقفه كان يُسرِّبُ ماء الأمطار ، ولكنني كتبتُ أروع قصائدي فيه ، فأنا لا يُعيقني المكان لأن بداخلي عوالم تتيه فيها الأرض ، وأنا أعي ما أقول واعني .
وللعلم ما أزال وفي سورية الحبيبة أكتب في مطبخ البيت تيمناً بأخيه السابق .
السؤال السادس ( صفوان يسأل ) : مهدي جناح الكاظمي : العبد القن .. وقعت بهذا التوقيع في ديوانك عدداً من قصائدك ، متى اكتشفت هذه العبودية ، وكيف أثرت في شعرك ؟.
الأستاذ مهدي : كان ذلك في الوجود الأول ، وفي الدنيا هي التي اكتشفتني حيث وُلدْتُ عاشقاً متمسكاً بعبوديّتي لمولاي علي صلوات الله عليه ، لأنها درسُ الحرية الأمثل حيث تمَّ استقراء روحي ذاتيّ لهذه العبوديّة ، ولم تكن هِزَّةً عاطفيّةً ، أو بيئية ، كذلك وجدْتُ والديَّ عليها ، فإذن أنا العبد القِنُّ ( المملوك ، هو ووالداه ) .
من هنا هي وليدةٌ مع القصيدة ، لا إني اكتشفتها ، ولا متى ، لأنَّ العقيدة لا تخضع للزمان والمكان ، فأنا خُلِقْتُ شاعراً ولائياً متآلفاً ومنسجماً مع ما أكتب .
السؤال السابع ( صفوان يسأل ) : هناك نقلة نوعية في حياة مهدي جناح الشعرية ، هي تحوله إلى الشعر الإنشادي ، عبر ثنائية رائعة مع الملا باسم الكربلائي ، حدثنا كيف بدأت هذه العلاقة ، وكيف تطورت ؟
الأستاذ مهدي : هذا التحول تقتضيه خدمة الحسين (ع) ، فالطرق إلى الله سبحانه عددَ أنفاس الخلائق ، وعالم الطريقة في القصيدة الحسينية خصوصاً باللغة الفصحى ومن بداية القصيدة إلى نهايتها غير متداول عند شعراء الساحة لصعوبته ، واستعصائه في توصيل جمالية الفكرة والموضوع ، بحيث يلامس فهم وانفعالات كثير من السامعين ، حتى أنّ أحدَ الشعراء المعروفين قال لي مرة : " القصيدة الحسينية الفصيحة وبالطريقة ( تُقصِّر العمر ) " حيث أنَّ أكثرها لا تأتي على بحرٍ مُعيّن من بحور الشعر العربي المعروف ، إنما تعتمد على توليفة إيقاعية ، يأتي بها المنشد ، وعلى الشاعر أن يُحولها إلى تفعيلات تتمشى مع النسق الذي يرتب المنشد ُ ترديدَه على المنبر ، وهذا امتحانٌ استثنائي للشاعر غير مقصود .
- الواضح أن تأكيدك على الفصحى في الشعر المنشد أثرى الحالة الإنشادية ، لكن هل كل الجمهور يتذوق القصائد المنشدة أو اللطميات باللغة الفصحى .
الأستاذ مهدي : بفضل الله نجحتُ فيه والتجربة أعطتْ ثمارها ، بنقلة نوعية ، تُعطي لشعراء هذه الساحة الجرأة وعدم التردد من كتابة قصيدة الحسين (ع) ، بلغة الحسين الفصيحة ، وبالتالي هي اللغة العالمية التي نخاطب بها العالم ، والجيل الآتي كفيلٌ باستقصاء التجربة ، وللعلم كتَبْتُ عدةَ قصائد في الشعر الحرِّ ، واحدة منهنَّ أنشدها المنشد القدير ملا باسم الكربلائي ، والقصيدة كلامٌ مع الحجة المنتظر ، بشكل غير مباشر ، فهي تتحدث من خلال الذات ، وصولاً إلى مباشرة الموضوع ، والتحرك الغني من خلال معطيات عقائدية تزخر بالفن الحلال :
" أنا والجرحُ والكلماتُ والمدنُ البعيدةْ .... ،
وأحداقي خطىً للناظرين ، وينحني جسدي قصيدةْ !
سبايا نقطع الزمنا ،
ونحمل جرحنا معنا .... "
مداخلة من صفوان : إذن نعود للعلاقة مع ملا باسم كيف بدأت ؟
الأستاذ مهدي : أما علاقتي مع الملا باسم بدأت بقصيدة ( أقصدوني فأنا اسمي الحسين ) ، وهذه القصيدة كتبتها قبل أن ألتقي الملا بسنين ، لكن بعض محبي شعري أوصلها إليه دون علمي ، إسهاماً منه بخدمة الحسين ، فأُعجبَ بها الملا ، وقال لي بعد لقائي به إنها تطرح فكرة جديدة ، وبلُغة لم أعهدها من قبل ، لذلك قرأتها .
هل من الممكن أن تسمعنا بعضاً من أبياتها :
" جذوة من طور الحسين "
( سيدي أنت قرآن محبة ورحمة ، صاغه الله للناس أجمعين ، ليستشفوا بك من أدوائهم ، وليتعلموا من طفك درساً تفتقر إليه عقولهم )
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
وأنا قبرِيَ إحدى القبلتينْ
وأنا مغزى حديث الثقلينْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
أقصدوني فأنا كهف الخائفينْ
ويدي مبسوطة للسائلينْ
وضريحي صار للعرش قرينْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
أقصدوني فأنا غيث السماءْ
فيكمُ داءٌ وفي قبري الشفاءْ
ودمي علمكم معنى الإباءْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
أقصدوني فأنا فلكُ النجاةْ
وأنا سطّرتُ سِفرَ المعجزاتْ
إنما تأتي من الموت الحياةْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
أقصدوني فأنا غوث الطريدْ
وأنا سيفٌ على كلِّ يزيدْ
أنا من حرَّرَ هامات العبيدْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
إنَّ عشاقَ المعالي شيعتي
عرفوا أني قتيلُ العبرةِ
زائري من زارني في غربتي
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
يا إمام العصر والكيلُ طفحْ
شِمْرُهُمْ عادَ وللطفِّ نزحْ
مرَّةً أخرى وللنحر ذبحْ
أقصدوني فانا اسمي الحسينْ
+++++++++++++++++++++
مداخلة من صفوان : هذه القصيدة الرائعة المحلقة في عالم الأسماء والصفات والتي وصفتها بأنها جذوة كتبتها عام 2000 على ما أذكر وكانت فاتحة العلاقة ، ولكن كيف بدأت العلاقة المباشرة ؟
الأستاذ مهدي : في سنة 2006 كلمني الملا باسم بالهاتف ، وأنا في النجف الأشرف ، وكنت عازماً على الخروج من العراق ، والاستقرار في سورية الحبيبة ، فقال لي أُخرجْ ، وأنا سأكون معك ، وسآخذ ديوان شعرك وأدخله الأستديو ، وأريد منك أن تكتب لي قصائد ، أنا أُجهزكَ بأطوارها ، ولا تقلق من الغربة والعازة .
كان له معي موقف طيب ، وللعلم إنَّ الملا باسم يتمتع بذائقة شعرية فذَة ، حيث أنه يعي ويشرب الكلمة حدَّ البكاء ، سواء على المنبر أو في الشارع ، فهو أحدوثة لم تشهد الساحة لها مثيل ، وهذا ليس إطراء ، ولا لأنه يقرأ لي ، إنما هذا رأيٌ نقدي ، لا علاقة له بعلاقتي به ، وكل علاقة أساسها حبُّ الحسين (ع) ، ووعي قضيته تكون مثمرة ، وممتدة إلى ما شاء الله تعالى .
- ماذا أضافت لك تلك التجربة المميزة مع الملا باسم ؟
الأستاذ مهدي : الذي أضافته لي التجربة مع ملا باسم هو أني اكتشفت في نفسي قدرة استثنائية في التميّز بكتابة قصيدة الطريقة بالفصيح ، مما لم أكتبه من قبل ، وأنا غير متفاجئ بنجاحي ، فأنا بفضل الله حشدٌ من شعراء ، والذي أسعدني إعجاب المثقفين وغيرهم بشكل كبير ، وهذا ما شهد به الواقع الذي يُغني عن الإشارة .
- طبعاً لا بد أن نسأل أيضاً ماذا أضافت للملا باسم ؟
أستاذنا الشاعر الكبير مهدي جناح سأترك لكم الإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة الزاخرة في حلقة قادمة إنشاء الله .
+++++++++++++++++++++++++++
أسرة الميزان الحوار مع شاعر كبير بمستوى الأستاذ مهدي حوار ممتع لكنه صعب ، لأن مسؤولية التحدث إلى جملة من الشعور والثقافة والروحية السامية والولائية المتدفقة هي مسؤولية جليلة ، وتضعك أمام التنبه والحذر ، بقدر ما تضعك أمام النشوة والبهجة .
سنواصل هذا الحوار مع أستاذنا الكريم في حلقات قادمة ، ولعلنا ما زلنا في منتصف الطريق .
أخوكم صفوان بيضون
من دمشق العقيلة
السبت : 30-1-2010