اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم وفرج عنا بهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر ،،
قال الأمام الصادق
" ضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً
وأنت تجد لها في الخير محملاً "
" أدبني أبي بثلاث قال لي : با بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم
و من لا يقيد ألفاظه يندم و من يدخل مداخل السوء يُتهم "
أسباب ضحالة الفكر
إنّ ما يعيق الإنسان دون استثمار عقله أو أن يفكّر في عاقبته أمران؛
الأوّل: الجهل. والثاني: الشيطان. فهذان العاملان غالباً ما يتسبّبان في ضحالة
الفكر وعيب السلوك.
فالشيطان من ناحيته خبير بكيفيّة تحقيق أهدافه المشؤومة، دون أن تتضاءل رغبته
في التسلّط على الإنسان والتحكّم به أبداً، ولكنّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل له
سلطاناً أو سبيلاً على ابن آدم يجبرانه على الخنوع له. كما أنّ إرادة الكائن البشريّ
وعلمه كفيلان بأن يستطيع وفقهما مواجهة الوساوس الشيطانية والتحصّن دون أذاه
ومؤامراته المتعدّدة الأشكال والألوان.
إنّ الله جل ثناؤه قد جعل في داخل الإنسان (مصباحاً) يضيء له الظلمات التي
قد تحيط به، فيعرف ويتحسّس به طريقه القويم من الطرق الملتوية، وجعل مفتاح هذا
المصباح بيد الإنسان دون سواه، وهو الذي ينبغي له أن يفعّل هذا المصباح بإرادته
فيستطيع أن يوقده أو يطفئه، وهذا المصباح هو (العقل) القادر على هداية الإنسان
ومن ثم يمكن القول بأن العقل هو جناح ابن آدم، بينما الشهوة جناح الشيطان.
لقد سئل أمير المؤمنين سلام الله عليه عن خير خلق الله بعد أئمّة الهدى ومصابيح
الدجى، فقال صلوات الله عليه:
«العلماء إذا صلحوا».
قيل: ومن شرّ خلقٍ بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد
المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتأمّرين في ممالككم؟
قال:
العلماء إذا فسدوا، هُمُ المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق...».
لم يقل الإمام سلام الله عليه ـ وفق هذا النصّ الشريف ـ بأنّ أفضل الناس من يؤدّي
صلاة الليل، أو يعطي الخمس من أمواله، وغير ذلك ممّن يقومون بالأعمال الصالحة
رغم فضلها وعظمتها، ولكنّه أكّد أنّ أفضل عباد الله تعالى هم العلماء إذا فعّلوا عقولهم
وأطاعوا مولاهم وأصبحوا صالحين.
العالم الصالح والعالم الطالح
الحسين بن روح والشلمغاني هما من علماء الإسلام. وكانا يتمتّعان بمستوى
من العلم الرفيع، إلا أنّ جوهر الصلاح نما في الحسين بن روح فقط، على عكس
شخصيّة الشلمغاني الذي أخذ يبتعد تدريجياً عن الصلاح، رغم أنّه كان أكثر شهرة
من ابن روح، كما كان الناس يرجعون إليه في المسائل الشرعية، ولكننا نرى في نهاية
المطاف أنّ الحسين بن روح أصبح النائب الخاصّ الثالث للإمام صاحب العصر والزمان
عجل الله تعالى فرجه الشريف.
لقد كان هذان الشخصان وفي سنين مديدة متصدّين لحلّ مشاكل الناس ويفتونهم
بمسائلهم الشرعية، ولكن كلّما مرّ الوقت كان الحسين بن روح يقترب من الخير والصلاح
درجاتٍ، بينما الشلمغاني يبتعد عن الحقّ وتضيع عليه الحقائق وتلتبس، إلى أن بلغ
الأمر أن خرج التوقيع الشريف من الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف يقضي
بلعن الشلمغاني والتبرّؤ منه.
هنا لا ينبغي التصوّر بأنّ الحديث المتقدّم عن أمير المؤمنين سلام الله عليه قد ورد بحقّ
المراجع وعلماء الطراز الأوّل فقط، بل هو حديث يشمل جميع الذين يكتسبون العلم، كلٌّ
بمستواه؛ ما يعني أنّ على طلاب العلوم المختلفة ـ من جامعيين وحوزويين وغيرهم ـ أن
يطبّقوا هذا الحديث الوارد عن أمير المؤمنين سلام الله عليه على أنفسهم ويجعلوا منه
نبراساً وضياءً ملهماً لهم.
لا ننسى أنّ موضوع «العالم» أمر نسبيّ، أي أنّه مع وجود تفاوت كبير بين درجات
العلماء، فإنّهم يجتمعون في تسميتهم علماء. فالطالب المبتدئ يجب عليه أن يحذر ويتّقي
الابتعاد عن الصلاح والنزاهة، بنفس المقدار الذي يتوجّب على أكبر العلماء وأشهرهم.
فالجميع ينبغي لهم أن يسعوا إلى الجمع بين العلم والصلاح، وبين التربية والتعليم
في أنفسهم.
ولإنجاز هذه الفريضة لا تكفي مجرّد النيّة والقرار، وإنّما لابدّ من السعي المتواصل
وبذل الجهود الحثيثة اللازمة في عمليّة التطبيق.
إنّ الدعاء بمنزلة التصميم، وهو من ضرورات إنجاح العمل، ولكنّه لا يكفي وحده، كما
لا يصحّ الاكتفاء بالدعاء في تنفيذ أيّة مهمّة.
يتحتّم على الإنسان أن يخوض صراعاً مريراً مع الشيطان ومع نفسه الأمّارة وشهواته
طيلة عمره.
إنّ الجميع يتمتّع بوجود المؤهّلات الذاتيّة لبلوغ منزلة الحسين بن روح، بل أعلى منها
أيضاً، لاسيّما إنّ هذا النائب العظيم لم يتلقَّ أيّة ضمانة في عدم بلوغ شخص مّا درجة
أسمى من درجته، ولكنّ مفتاح الوصول منوط بالإنسان ذاته.
ففي الحديث المتقدّم المرويّ عن الإمام، أمير المؤمنين سلام الله عليه تمّت الإشارة
إلى أنّ شرّ الناس عند الله هم «العلماء إذا فسدوا»؛ ومن ثمّ فإنّ تحديد واقع العالِم
ومصيره مرتهن به ومتعلّق بإرادته، فإذا سعى وجاهد ونجح في مهمّة الجمع بين العلم
والصلاح، أصبح من أفضل الناس، أمّا إذا فشل في جمع الصلاح والخير إلى علمه، وسقط
في الصراع مع النفس الأمّارة بالسوء والشيطان، فإنّه لاشكّ سيصبح الكائن الأسوأ
في المجتمع البشري برمّته.
وهاتان العبارتان ـ خير الناس، وشرّ الناس ـ دليلان واضحان على ما لإرادة الإنسان
من دور أساسيّ مهمّ ومؤثّر في تحديد مصيره. ولابدّ من الأخذ بعين الاعتبار الظروف
الاجتماعية والتربويّة في صياغة الشخصيّة وتحديد نوعها، لأنّ لكلّ منهما تأثيره ودوره
في تنمية الإنسان، ولكنّهما ـ مع ذلك ـ ليسا العاملين الأكبرين.
مثال ذلك: إنّ شهر رمضان المبارك فرصة رائعة من حيث الزمان لكي يستفيد منها
الإنسان لتسهيل المهمّة القاضية بتربية نفسه وتهذيبها، مع ملاحظة ما ورد في الروايات
المأثورة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين والقائلة بأنّ الله عزّ وجلّ سيحبس
الشياطين بالحديد عن أن توسوس لبني آدم في هذا الشهر الفضيل، ولكن هل تكفي
فرصة شهر رمضان في استغلال هذا الاستثناء الرائع لكي ينجز الإنسان مهمّته الكبرى
والتي من أجلها قد خُلق؟!
الشيطان في شهر رمضان
بين أيدي المسلمين خطبة شريفة متواترة عن النبيّ المصطفى
جاء فيها أنّ الله تعالى يحبس الشياطين في شهر رمضان، ثمّ خاطب المسلمين
قائلاً: «فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم».
وبناءً على إشارات وتعابير كثير من العلماء، فإنّ الشياطين بمثابة أشياء تتحرّك باتجاه
الإنسان بواسطة جاذبيّتها الذاتيّة وجاذبيّة النفس الأمّارة بالسوء لها، إلا أنّ مانعاً كبيراً
يصدر من قبل الله تعالى في شهر رمضان المبارك يحول دون إتمام عملية التجاذب، ولهذا
المانع قدرة أكبر من قوّة الجاذبة الشيطانيّة، ولكن تبقى جاذبة الشهوات والنفس الأمّارة
بالسوء قادرة على الاقتراب من الشيطان في شهر رمضان، ولولا وجود جاذبيّة الشهوات
والنفس الأمّارة، لما كان هناك من يقترف ذنباً طيلة هذا الشهر.
ولنا أن نفهم من خلال روايات أخرى، حقيقة الوسائل والأسباب التي تحطّم أغلال
الشياطين، التي هي مظهر من مظاهر العناية الإلهيّة.
روي عن أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال:
الفتن ثلاث: حبّ النساء، وهو سيف الشيطان. وشرب الخمر، وهو فخّ الشيطان.
وحبّ الدينار والدرهم، وهو سهم الشيطان.
كما أنّ لبعض أصحاب المعصومين سلام الله عليهم تفاسير وتحاليل وآراء في
روايات المعصومين بصورة عامّة.
ومثال ذلك: أنّ علي بن إبراهيم القمّي رضوان الله عليه وهو من أصحاب الإمام الرضا
والجواد سلام الله عليهما، ولعلّ له صحبة للإمام الهادي سلام الله عليه، وكذلك يعتبر
أستاذاً للعالم المحدّث الشيخ الكليني أورد أن من جملة الأسباب التي تفكّ القيود عن
الشيطان وتمنحه القدرة على النفوذ مرّة أخرى. الرياء والعجب وعدم إخراج الخمس
والزكاة، فما يستفاد من مجموع هذه الروايات أنّ شهر رمضان المبارك هو شهر خاصّ
واستثنائيّ.
ولعل سائلاً يسأل قائلاً: اذا كان هذا فعل الشيطان، فلماذا أنظره الله تعالى وأطلقه
ثم يحبسه في شهر رمضان؟
وفي معرض الإجابة نقول: إن الله عزّ وجلّ قد أطلق الشيطان ليبتلي به الإنسان
ويمتحنه، ولكن الإنسان قد عفي عن هذا الابتلاء والامتحان في شهر رمضان المبارك
خاصّة، فهو يتلقّى البركات بلا جهد بذله أو عمل قدّمه.
قصة حبال الشيطان
قيل إنّ شخصاً جاء إلى الشيخ الأنصاري وقال: لقد رأيت الشيطان في عالم
الرؤيا وكان معه مزيد من الحبال والسلاسل بأحجام مختلفة، فسألته عنها
فقال: إنّها وسائل عملي حيث أجذب الناس بها وأجرّهم إليّ، فبعض منهم بالحبال
أسحبهم، وآخرون بما دقّ منها، ومنهم بالسلاسل الغليظة، أيّ أنه يستخدم وسائله
بما يناسب كل إنسان حسب مستوى إيمانه ومقاومته.
قال: ثم رأيت سلسلة محطّمة متناثرة قطعاً صغيرة، فسألته عنها؟
فقال: لقد ألقيت هذه السلسلة الكبيرة على عنق الشيخ الأنصاري لأقيّده بها، ولكنه
قاوم حتى تحطّمت وتناثرت.
ثمّ إنّ هذا الرجل صاحب الرؤيا قال: فسألت الشيطان في المنام نفسه عن أيّ
الحبال قد خصصّها لجذبي نحوه،
فأجابه الشيطان بأنّك لا تحتاج إلى واحد منها، لأنّك تستجيب لي بإشارة بسيطة منّي!!
أقول: إنّ أمام الإنسان فرصة مواجهة النفس الأمارة بالسوء والشيطان ـ ما دام على
قيد الحياة ـ ليحفظ نفسه ويصونها دون الاضطرار إلى الانحراف، حيث لا يجد لنفسه
فرصة الندم عند الموت، ولات حين مناص.
المصدر كتاب يا أباذر لآية الله العظمى سيد محمد صادق الشيرازي