وبعد ما تقدم نقول:
أدلة عدم وجود الأولاد للإمام ():
فالروايات الآنفة الذكر جميعها إذن ليست صالحة للدلالة على وجود أولاد له (
) بالفعل.
وهذا يؤيد صحة ما ذهب إليه الشيخ المفيد، والبياضي والطبرسي، وغيرهم رحمهم الله تعالى ومما يدل عليه بالإضافة إلى ذلك، ما يلي:
أولاً: روى المسعودي: أن علي بن أبي حمزة وابن السراج، وابن أبي سعيد المكاري دخلوا على الإمام الرضا (
)، فقال له علي بن أبي حمزة:
روينا عن آبائك… إلى أن قال:
«فإنا روينا: أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه؟
فقال له الرضا: أما رويتم في هذا الحديث بعينه: إلا القائم.
قالوا: لا.
قال الرضا: بلى قد رويتموه. وأنتم لا تدرون لم قيل، ولا ما معناه.
قال ابن أبي حمزة: إن هذا لفي الحديث.
فقال له الرضا: ويحك، تجرأت على أن تحتج علي بشيء تدمج بعضه بعضاً؟
ثم قال: إن الله تعالى سيريني عقبي»
(1).
ثانياً: عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز، قال:
«دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا ()، فقال له:
أنت إمام؟.
قال: نعم..
فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (
)، يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب .
فقال: أنسيت يا شيخ، أو تناسيت، ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر:
لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (
)، فإنه لا عقب له.
فقال له: صدقت، جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول»
(2).
وواضح: أن المقصود هو الإشارة إلى رجوع الإمام الحسين (
) وخروجه من قبره في عهد الإمام المهدي (
).
«لما روي سابقاً في أحاديث كثيرة من رجعة الحسين (
) عند وفاة المهدي ليغسله»
(3).
وثالثاً: وأما ما يذكر من أنه سيكون لأولاد المهدي (
) دولة من بعده، فإنه أيضاً موضع شك وريب فقد قال المفيد (رحمه الله):
«وليس بعد دولة القائم (
) لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك
(4) ولم يرد به على القطع والثبات. وأكثر الروايات: لن يمضي مهدي الأمة إلا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج
(5)، وعلامات
خروج الأموات، وقيام الساعة للحساب»
(6).
وعبارة الطبرسي قريبة من عبارة المفيد، إلا أنه قال:
«وجاءت الرواية الصحيحة بأنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد الخ..»
(7).
وقال البياضي بعد أن وصف الرواية الواردة عن ابن عباس وأنس، وظاهرها بأنه سيكون بعد المهدي دولة، بأنها شاذة: «وأكثر الروايات أنه لن يمضي إلا قبل يوم القيامة بأربعين يوماً، يكون فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات للحساب»
(3).
وبعد أن ذكر البياضي (رحمه الله) الرواية التي تقول: إنه سيكون بعد الأئمة الاثني عشر اثناعشر مهدياً قال:
«قلت: الرواية بالإثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة، والمتواترة الشهيرة، بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لن يمضي من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة..»
(9).
وأما بالنسبة لروايات الأربعين يوما، المشار إليها آنفاً، فقد قال الحر العاملي عنها:
«أقول: أما حديث وفاة الإمام المهدي (
) قبل القيامة بأربعين
يوماً، فقد ورد من طرق متعددة لا تحضرني الآن»
(10).
ويمكن أن يكون المقصود هو الروايات التي تقول: إن الأرض لا تخلو من حجة ولا ينقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل القيامة
(11).
ويمكن تأييد ذلك بما روي عن رسول الله
أنه قال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
فسئل: ثم يكون ماذا؟.
قال: ثم يكون الهرج
(12).
ويظهر أن هذا الأمر قد كان من اعتقادات الشيعة بصورة عامة، فقد روي عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال:
اجتمعت أنا والشيخ أبا عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق. فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له:
يا أبا عمرو، إني أريد أن أسألك عن شيء، وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني: أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجة، وأغلق باب التوبة الخ..
(13).
والمقصود بالحجة هو الإمام، كما يظهر من سياق الرواية، وكما يظهر من الروايات الأخرى، تقول: «إن الأرض لا تخلو من حجة»
(14).
ومما يدل على عدم وجود دولة بعد المهدي ما ورد أنه لو بقي اثنان على وجه الأرض لكان أحدهما الإمام
(15).
وبعد كل ما تقدم: فإننا لا نستطيع أن نؤكد صحة ما يقال: من أن للإمام (
) أولاداً في «الجزيرة الخضراء»، أو في غيرها، ولا أن نطمئن إلى الروايات «التي وصفت بالشذوذ» التي تقول: إن له أولاداً سيحكمون من بعده.
وشكنا بوجود الولد له قبل الظهور يستند إلى الروايتين اللتين ذكرناهما تحت عنوان: أولاً وثانياً.
وشكنا في هذا الأخير يستند إلى هذا الذي ذكرناه ثالثاً وأخيراً.. لا سيما مع وجود النفي القاطع من هؤلاء الأعلام، وقولهم: إنه توجد روايات صحيحة تدل على ذلك.
وحسبنا ما ذكرناه حول هذا الأمر، والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً.
ـــــــــــــــ
(1) إثبات الوصية ص 201.
(2) الغيبة للطوسي ص 134 /135 ودلائل الإمامة للطبري ص130/131 والإيقاظ من الهجعة ص 354/355.
(3) الإيقاظ من الهجعة ص 404 وراجع بعض الروايات في ص 306 و 310 أيضاً.
(4) لعل الصحيح: بذلك.
(5) عبارة البحار عن الإرشاد: الهرج. وكذا عبارة الطبرسي والبياضي.
(6) الإرشاد ص 366 [الصفحة الأخيرة] والبحار ج 53 ص 145 عنه وأشار إليه في الإيقاظ من الهجعة ص 397.
(7) إعلام الورى ص 466.
(8) الصراط المستقيم ج 2 ص 254 وعنه في الإيقاظ من الهجعة ص 397.
(9) الصراط المستقيم ج 2 ص 152.
(10) إعلام الورى ص 466.
(11) راجع: كمال الدين ج 1 ص 229 والمحاسن للبرقي ص 236 والإيقاظ من الهجعة ص 296 عن الأول.
(12) الخصال ج 2 ص 470 /471 /472 وراجع ص 474 وراجع: الإيقاظ من الهجعة ص 395.
(13) الكافي ج 1 ص 265 والإيقاظ من الهجعة ص 392.
(14) راجع على سبيل المثال: البحار ج 23 ص 56 باب الاضطرار إلى الحجة، وراجع المصادر التي نقل عنها.
(15) راجع المصدر السابق.
يتبع>>>