جواب الرسالة الثامنة
الحق أمانة الله عند العلماء:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
الأخ الكريم العالم الفاضل، والعلامة الكامل الشيخ (ص..) زاده الله تعالى عزاً وتوفيقاً..
السلام عليكم وعلى جميع من تحبون ورحمة الله وبركاته..
و بعد..
فإن كل ما أتمناه لكم هو دوام الصحة والعافية، وأن ينيلكم الله تعالى ما تقر به عيونكم من مراتب القرب والرضا، والحصول على التوفيقات والألطاف والبركات، وأن يصونكم ويحفظكم، ويدفع عنكم كل سوء إنه سميع مجيب.
[الحق ليس سنياً ولا شيعياً:]
أخي العالم الجليل..
إن الحق ليس شيعياً ولا سنياً، بل هو أمانة الله عند العلماء الأصفياء من خلقه..
كما أن المفروض هو: أن يكون الاستدلال المقنع والصحيح، والكاشف عن الحق هو المعيار، من دون أن يكون لتوصيف هذا الدليل بـ «العقلي» أي أثر في الانتقاص من قيمة الحقيقة المكتشفة.. وما أكثر الآيات القرآنية التي تشير إلى التعقل، والعقلاء؛ مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾، ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾، ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ وغيرها من الآيات..
والكلام حول هذا الموضوع طويل ومتشعب، ولست بصدد البحث فيه، ولكنني أحببت أن أشاطرك تعجبك من تلك الإجابة التي لا أرى لها وجهاً إلا إذا أردت أن أعتبرها مجرد مداعبة أتحفك بها صديقك.
[حقيقة ابن سبأ!!:]
أما فيما يتعلق بسؤالك عن ابن سبأ، فإني أقول:
سواء أكان لعبد الله بن سبأ حقيقة، أم كان شخصية مخترعة كما ألمحْتَ إليه، وحاول العلامة الكبير البحاثة السيد مرتضى العسكري إثباته في كتابه المعروف باسم «عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى»، فإن ذلك لا يعنينا في شيء؛ لأن الشيعة إنما يستدلون على عقائدهم بأدلة من الكتاب والسنة وأحكام العقل الصريحة، والتاريخ القطعي، وغير ذلك من وسائل الإثبات المعتمدة عند عقلاء البشر.
فلابد من محاكمة تلك الاعتقادات على أساس صحة تلك الأدلة أو فسادها.. فإن كانت الأدلة فاسدة أو باطلة، فلا يجوز الالتزام والتدين بتلك الاعتقادات.
والتهمة بمجردها لا تُحق حقاً ولا تُبطل باطلاً، بل توجب الفرقة، وتؤدي إلى طمس الحق، بركام الأهواء، والأحقاد، والكيد، والطيش، والرعونة، وقلة الدين..
[رأي العلامة العسكري رحمه الله]
أخي الكريم..
إنني أفيدك بكل صدق وصراحة..
أن العلامة الكبير، والبحاثة القدير السيد مرتضى العسكري «رحمه الله»، قد حاول إثبات أن عبد الله بن سبأ أسطورة، وقد أثبت ذلك في كتاب من مجلدين..
ولكنني لا أشاطره الرأي في هذا الموضوع، وأعتقد أنه قد كان ثمة رجل بهذا الاسم. ولكن الدور الذي أعطاه إياه سيف بن عمر وكثرة مخترعاته حوله هو الذي أدهش العلامة العسكري، ودعاه إلى أن يشك في أصل وجود هذا الرجل من الأساس.
[نجاح العلامة العسكري:]
ونحن وإن كنا لا نوافقه على رأيه هذا.. ولكننا نقول: إنه «رحمه الله» قد نجح نجاحاً باهراً في فضح جعليات وأكاذيب سيف بن عمر، المعروف بالكذب والمتهم بالزندقة. وهذه خدمة كبرى أسداها للحق والحقيقة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير جزاء وأوفاه..
أخي الكريم:
لا أريد أن أطيل عليك في أمر ابن سبأ، ولذلك اكتفي بإرسال مناقشتي لما كتبه العلامة العسكري، والتي أوردتها في الجزء السادس والعشرين من كتابنا: الصحيح من سيرة الإمام علي «».. لتروا كيف أن أبواب البحث العلمي في مدرسة أهل البيت «» مشرعة أمام الجميع، وأنه لا حرج عندنا من مناقشة أي موضوع مع أي عالم، وفق الضوابط والمعايير الصحيحة.لأن هدفنا جميعاً ـ إن شاء الله تعالى ـ هو الوصول إلى الحق، أينما كان، وفقاً لما روي عن رسول الله «»، من أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها..
وفقنا الله وإياكم إلى كل خير، وجنبنا وإياكم كل شر وضير، وحفظكم الله ورعاكم، وسدد على طريق الحق والخير خطاكم..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حرر في يوم الجمعة
بتاريخ 13 ـ 2 ـ 1431هـ. الموافق 29 ـ 1 ـ 2010 م.
أخوكم جعفر مرتضى العاملي..
إشارة:
ملحق حول >عبدالله بن سبأ< وضعناه في آخر الكتاب يرجى من القارء مراجعته..