في معنى « سيدة النسوان »

إعلم أن هذا اللقب العظيم مأخوذ من الحديث الشريف المتفق عليه بين الفريقين « فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين » ، وهو حديث لا ينكره أهل السنة والجماعة ، بل يستندون عليه في تفضيل هذه المخدرة الكبرى على جميع النساء ، وقد ورد في أغلب الأخبار بلفظ « سيدة النساء » ، وورد في بعضها بلفظ « سيدة النسوان » والمعنى واحد .

والسيدة من ألقاب فاطمة الزهراء ، وقد تبين معناها فيما مضى ، والفرق بين « السيدة » و « سيدة النسوان » في العموم والخصوص .

فلفظ « السيدة » مطلق لا قيد فيه ، والظاهر أن سيادتها حينئذ لا تختص بالنسوان ، بل تعم الرجال وهي أفضل منهم ، بينما « سيدة النساء » لقب يختص بالنساء .

ومن تتبع أخبار الأئمة الأطهار وجد أن الغالب استعمال هذا اللقب لفاطمة ( عليها السلام ) خاصة ، إلا أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أطلق هذا اللقب الشريف على خديجة ( عليها السلام ) أيضا في مرثيته ، ومن الواضح أن خديجة كانت تستحق هذا اللقب في زمانها دون غيرها من النساء .

ولقبت بالطاهرة أيضا ، وكأنها ورثته لابنتها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بالاستحقاق . ويدل على ثبوت هذين اللقبين لخديجة ( عليها السلام ) قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

أعيني جودا بارك الله منهما * على هالكين لا ترى لهما مثلا

على سيد البطحاء وابن زعيمها * وسيدة النسوان أول من صلى

مهذبة قد طيب الله خيمها * مباركة والله ساق لها فضلا

قال أبو بكر تعقيبا على خطبة الصديقة الطاهرة التي خطبتها في المسجد في قصة فدك فأبكت الحاضرين وفضحت الأدعياء وكشفت النقاب عن ظلمهم : « وأنت سيدة أمة أبيك والشجرة الطيبة لبنيك » .

وفي كتاب الأمالي وغيره قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - في عدة مواضع - : « فاطمة سيدة النساء » و « سيدة النسوان » وهذا كلام سيد الأنام حيث قال : « أما ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين والأولين والآخرين وهي بضعة مني » .

ولا بأس بذكر بعض مضامين الأخبار الدالة على المراد في الباب من كتب الخاصة والعامة : روى السيد علي الهمداني الشافعي في « مودة القربى » عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي ( عليه السلام ) ، وأفضل نساء الأولين والآخرين فاطمة ( عليها السلام ) » .

ولا تنافي بين هذا الخبر الناص على أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أفضل رجال العالمين في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبين الخبر الذي يقول [ بأنه ] « خير رجال العالمين في كل زمان ومكان » .

أيضا في الكتاب المذكور عن ابن عمر : خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبانكم الحسن والحسين ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

وفي خصائص النسائي ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة [ أما ترضين إنك ] تكوني سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء العالمين ، فضحكت .

وفيه أيضا : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أمتي وسيدة نساء المؤمنين .

وفيه أيضا : إن فاطمة بنتي سيدة نساء أمتي ، وإن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما .

وعن مقاتل والضحاك عن ابن عباس : حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأفضلهن عالما فاطمة .

على أى حال ففاطمة ( عليها السلام ) سيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء عالمها ، وسيدة نساء المؤمنين ، وسيدة نساء الأولين والآخرين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، وسيدة نساء المسلمين ، وسيدة النساء يوم القيامة ، وسيدة النساء عموما دون استثناء أو تخصيص .

وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة متظافرة .

 ولما كانت فاطمة ( عليها السلام ) سيدة نساء أهل الجنة ، صارت أفضل نساء الأولين والآخرين ، ولما كانت هذه الأمة خير الأمم بمفاد قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وكانت الزهراء الصديقة خير نساء هذه الأمة ، فهي - بطريق أولى - خير نساء الأمم جميعا .

تفصيل فيه تفضيل لا بأس بذكر مراتب فضل نساء العالمين بعد السيدة الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، وبيانه لا يخلو من فائدة إن شاء الله تعالى .

لا يخفى أن المعصومات من نساء العالمين من الأولين والآخرين هما امرأتان فقط : الأولى مريم ( عليها السلام ) بصريح الآية الكريمة ( إن الله اصطفاك ) .

والأخرى : فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بظاهر آية التطهير .

ولم يكن في سائر النساء معصومة سواهن ، فلا تصل إليهن امرأة لعصمتهن ، وإن وصلت إلى الكمال في مرتبة الأنوثة ، ويشهد لذلك الحديث الشريف « ما كمل من النساء إلا أربعة » .

نعم ; ذهب جماعة إلى تفضيل خديجة على مريم ، وقالوا : إن فضائل خديجة لا تقل عن فضائل مريم ، واستشهدوا لذلك بحديث « فضلت خديجة على نساء أمتي ، كما فضلت مريم على نساء العالمين » ونظائره ، واستدلوا أيضا بأدلة قوية أخرى .

أقول : هذا الحديث يفيد المثلية والتساوي ، ولا يفيد الأفضلية .

ثم إن قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا كان في وقت لم تكن فيه فاطمة ( عليها السلام ) ، فلما ولدت ( عليها السلام ) خصها به النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن كانت خديجة أفضل ، فهي أفضل نساء زمانها كمريم بنت عمران ، ولكنها نالت شرف التلقيب ب‍ « أم المؤمنين » حتى بعد وجود العصمة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

وقد ذكرنا سابقا أن خديجة كانت معروفة ب‍ « سيدة النسوان » كما نعتها بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في شعره .

ففاطمة ( عليها السلام ) أفضل نساء العالمين بما فيهم خديجة ( عليها السلام ) .

ولما كانت مريم مخصوصة بموهبة العصمة ، كانت أفضل من خديجة أيضا بهذا اللحاظ أما في غيرها من الصفات المتعلقة بالنساء ، فقد بلغت خديجة فيها كمال الكمال ، فلا تكون دون مرتبة مريم في تلك الصفات والأوصاف .

وإن كانت مريم قد ولدت نبيا ، فقد ولدت خديجة الطاهرة فاطمة المطهرة ، وبناء على القول بتفضيل الخمسة الطيبة على أولي العزم ، تكون فاطمة الزهراء بنت خديجة أفضل من كلمة الله عيسى ابن مريم .

أجل . . . هذا طريق مظلم ودقيق . أي پسر گوش دگر بهر سماعش بگشاى * كان سخن نيز مؤدى به زبان دگر است وولدت مريم عيسى وهي بكر ، وولدت خديجة بنتا كانت بكرا دائما - كما سيأتي في معنى العذراء - .

الخلاصة : تأتي خديجة بعد مريم ، ومن بعد خديجة سارة خاتون ، ثم آسية امرأة فرعون ، ثم النساء اللواتي ذكرهن الله في القرآن المجيد تلويحا وتصريحا ، مثل حواء وأم مريم وبلقيس وأمثالهن من أمهات النبي ( صلى الله عليه وآله ) الطاهرات المطهرات العفائف ، وأمهات الأئمة الطاهرين أيضا ، اللواتي كن من العقائل الكريمات والعفائف المطهرات والمخدرات المكرمات ونظائرهن ، وأفضل الجميع آمنة بنت وهب أم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) التي نقلت من الأبواء ودفنت إلى جوار خديجة الكبرى ( عليها السلام ) .

ثم البنات الطاهرات لبعض الأئمة الأطهار كن خيار النسوان ، مثل السيدة زينب ( عليها السلام ) وأم كلثوم والسيدة سكينة وفاطمة المعصومة والسيدة حكيمة ، وقد ذكرهن رجاليو الإمامية والعامة بالفضل والشرف والحسب والنسب .

ثم بعض أمهات المؤمنين وزوجات خاتم النبيين ( صلى الله عليه وآله ) ، مثل أم سلمة وغيرها من ذوات الفضل العظيم ، اللواتي نزل في حقهن الذكر الحكيم في آية سورة الأحزاب ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول . . . ) الخ .

ثم النساء الأخريات ممن اتصفن بالصفات العشرة التي أخبر عنها الله تبارك وتعالى ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا كبيرا ) .

وهكذا تتفاضل باقي النساء بمقدار توفرهن على هذه الصفات الحميدة ، وترسخهن في الملكات السديدة .

العودة إلى الصفحة الرئيسية