في معنى « الحانية »

الحانية : وهو لقب مبارك من ألقاب الشمس الساطعة الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) ، ذكره في بحار الأنوار .

الحانية : من حنى يحنو بمعنى العطف والشفقة ; يقال : حنت المرأة على ولدها أي عطفت وأشفقت فلم تتزوج بعد أبيهم .

روي في مدح نساء قريش : أحناه على ولد وأرعاه على زوج .

وفي الكافي في فضل نساء قريش في باب النكاح : روي عن الصادق ( عليه السلام ) : خير نساء ركبن الرحال نساء قريش ، أحناه على ولد وخيرهن لزوج .

وفيه أيضا : خطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أم هانئ بنت أبي طالب فقالت : يا رسول الله إني مصابة في حجري أيتام ، ولا يصلح لك إلا امرأة فارغة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما ركب الإبل مثل نساء قريش ; أحناه على ولد ، ولا أرعى على زوج في ذات يديه .

فالمراد من « أحناه » هو المراد من « الحانية » .

وحنوت عليه أي أشفقت ، وأحنا الناس ضلوعا عليك ، أي أشفقهم .

وحنى مقصور يائي ، وهو غير حناي المهموز الممدود فالمقصور بمعنى التحنن .

حنت الشاة إذا أرادت الفحل فهي حان .

والحنواء : المرأة محنية الظهر وهي التي في ظهرها احديداب .

على أي حال : إن تعطف النساء وتحننهن على أزواجهن وعلى أولادهن باعتزال الرجال بعد موت الزوج ترحما عليه واحتراما له وصونا لولده ممدوح مستحسن .

وسنتحدث في هذه الخصيصة حول مطلبين : أحدهما : عطف فاطمة الطاهرة ورأفتها بزوجها العظيم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو ما يعجز البنان والبيان عن وصفه ، ويقصر الإنسان عن شرحه ، وهو ما يحتاج إلى خصيصة مستقلة بذاتها ومقدمة خاصة بها .

والآخر : رأفتها ومحبتها لأبنائها الكرام علاوة على المحبة الفطرية والمودة الذاتية التي تكون بين كل أم وأبنائها .

وبديهي أن الرأفة والعطف تتفرع على المحبة والمودة ، وهي متفرعة عن معرفة المحبوب والمتحنن عليه ، فكلما كان المحبوب عظيما كان الحب عظيما ، وكان التحنن والعطف كذلك .

وبناء على ذلك فإن أعرف الخلق بحق سلطان الولاية وعظمة قدره وجلالة شأنه سيدة نساء العالمين ، ولهذا تجلت آثار المحبة بأجلى صورها وأعلى درجاتها وغاية كمالها فيهما ، وكأن طينتهم وفطرتهم عجنت من طين المحبة بماء الرأفة .

وكيف يمكن أن يتصور وجود زوجين متحابين أكثر منهما مع اتحاد معنوياتهما وروحانياتهما ونورانياتهما ؟ ! ومن محامد النساء ومحاسنهن مودتهن للزوج ومحبتهن للبعل ; وتلك المخدرة الحرة والحصان البتول والولود الودود والكريمة النجيبة كانت منزهة من جميع النقائص النسائية ، ومتصفة بكمال الخصائص الممدوحة ، ومن مكارم أخلاقها ما روي في حديث طويل أنها ( عليها السلام ) قالت لعلي ( عليه السلام ) : لو كنت وأولادي جياعا وحصلت على كفاف ، لقدمتك على نفسي وأولادي وآثرتك على من سواك .

ولو أردت استقصاء الأخبار والأحاديث الواردة في موادتهما ومحبتهما لضاق بنا المجال ولما وسعنا الحديث عن باقي الخصائص .

تتمة وهي مهمة في رأفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالحسنين ( عليهما السلام ) ذكرنا أن المرأة الحانية هي التي ترأف بزوجها وأولادها ، والغالب استعمالها في الأطفال الصغار كما ورد في أوصاف المؤمن : « هو الذي يحنو على الصغير ويوقر الكبير » .

وورد في معنى « الحانية » : حنت المرأة على ولدها ولم تتزوج بعد أبيهم شفقة وعطفا .

تبين أن الحانية وإن كانت تحنو على زوجها ، إلا أن الفائز الأول برأفتها أطفالها بعد موت أبيهم ، حيث تمتنع عن الأزواج حتى تكفل الأيتام وتحضنهم ولا تقصر في حقهم .

ونقرأ في الدعاء : « وتحنن على أيتام المؤمنين بالرأفة والرحمة » .

والحنين : صوت الناقة إذا اشتاقت إلى ولدها ، وحنان بالتخفيف الرحمة ، وبالتشديد : ذو الرحمة ، والحنان من أسماء الله ، وهو إقبال على من أعرض عنه ، وهي صفة ظهرت - من بين المخلوقين - في الأمهات ، فمهما أعرض عنها الولد أقبلت عليه وحنت إليه بدافع الحب والرأفة .

وقد نظرت في أفعال وأقوال السيدة الصديقة الطاهرة بعد استشهاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفهمت من مراثيها ونياحتها وتعازيها وحزنها ولوعتها واصطحابها الحسنين إلى المسجد وملازمتها وغيرها من المواقف ، أن تلك المخدرة الجليلة كانت ترى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أرأف وأحنى وأشفق على ولدها حتى من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكانت تتعامل معهما وكأن أبوهما رحل من الدنيا ، وقد قالت على قبره في رثائه وهي تخاطب الحسنين ( عليهما السلام ) : « أين أبوكما الذي يكرمكما ، وكان أشد الناس شفقة عليكما ؟ » .

أجل لقد دفن الجسد الطاهر وأصبحت الدنيا بفقده مظلمة ، والعقبى بنور قدومه مشرقة . وقالت في مورد آخر : من ذا يكون لولدي ؟ ومن ذا يجلسهم في حجره ويقبلهم .

ولا مانع من أن يحب الجد للأم أولاد ابنته كما يحبهم أبوهم بل أكثر ، بل كانت محبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووده بالإصالة والنيابة .

بل كان من الأدب أن لا يبدي سلطان الولاية أمير المؤمنين حبه لولديه ما دام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الخاتم يظهر حبه .

وهكذا كان الحسنان يبديان التعلق برسول الله ويقبلان عليه أكثر من إقبالهما على أبيهما .

وإذا دقق المتأمل في ألطاف النبي وأفضاله على الحسنين ، أذعن أن محبة فاطمة الزهراء للحسنين لا تعادل عشر ما كان يلقيانه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

لذا حق لفاطمة أن تذكر محبة أبيها وشفقته دائما ، وأن تبكي أبيها كل هذا البكاء ، فيبكي بعلها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - بل كل أهل المدينة - لبكائها .

وكأن هذه الرأفة الإستثنائية من خواص النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي لا تتعداه إلى غيره .

كيف لا وهو رحمة للعالمين ، وكانت له علاوة على ذلك رحمة خاصة بولد فاطمة ( عليها السلام ) .

قال جابر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاث : سلام عليك أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتي من الدنيا ، فعن قليل ينهد ركناك ، والله خليفتي عليك .

فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال علي ( عليه السلام ) : هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فلما ماتت فاطمة ( عليهما السلام ) قال علي ( عليه السلام ) : هذا الركن الثاني الذي قال رسول ( صلى الله عليه وآله )

وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الولد ريحانة وريحانتاي الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .

وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضمهما ويرشف ثناياهما .

وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني وهما سيدا شباب أهل الجنة .

وقال أيضا : إن ربي أمرني أن أحبهما وأحب من يحبهما .

وهذا النوع من المحبة وإظهار الود حير الخلق وأدهش الجميع ; والأفضل أن نعطف زمام الحديث ونقف عند هذا الحد .

أخذ النبي يد الحسين وصنوه * يوما وقال وصحبه في مجمع

من ودني يا قوم أو هذين أو * أبويهما فالخلد مسكنه معي

العودة إلى الصفحة الرئيسية