في معنى « الزكية »

هذا اللقب المبارك يدل على طهارة الذات المباركة لفاطمة الزهراء صلوات الله عليها وهي من صفات المعصومين ( عليهم السلام ) .

وفي بعض النسخ « زاكية » بدل « زكية » والجمع أولى .

قال تعالى في القرآن المجيد عن لسان الروح الأمين في قصة مريم ( عليها السلام ) ( لأهب لك غلاما زكيا ) أي تصدر منه أعمال البر وأفعال الخير دون تقصير في إتيانها وأدائها .

والتزكية في اللغة بمعنى التطهير ، وإنما سميت الزكاة زكاة لأنها تطهر الأموال .

 قال المفسرون في قوله تعالى : ( قد أفلح من زكاها ) : التزكية التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من الغضب والحسد والبخل وحب الجاه وحب الدنيا والكبر والعجب ; فمن عالج هذه الأمراض بالأعمال الصالحة صارت نفسه مطهرة مزكاة .

وقد ورد لفظ « زكية » في القرآن بالوصف المذكور في خطاب موسى ( عليه السلام ) للخضر ( عليه السلام ) قال تعالى : ( أقتلت نفسا زكية ) أي طاهرة لم ترتكب جناية توجب القتل .

 وقرأ البعض « زاكية » .

وفرقوا بين معنى « الزاكية » و « زكية » ، فالأول من لم يرتكب ذنبا من رأس ، والثاني من ارتكب ذنبا ثم غفر له .

والزكاة في اللغة النماء ، يقال : زكى الزرع أي نمى وحصل فيه نمو كثير وبركة ، ومنه تزكية القاضي الشاهد . وكذا الصلوات الزاكية ، وكذا قوله ( ذلك أزكى لكم وأطهر ) .

على أي حال من معاني الزكية : الطاهرة ، وقد مر معنى الطاهر . ولعل الفرق بين الطاهرة والزكية في أن الزكية تعني المزكاة ، والطاهرة ليست كذلك ، وإنما هي طاهرة مهما بقيت حتى لو لم تزك ، فهي منزهة من الأخلاق الرذيلة ، بينما الزكية تحتاج إلى تزكية لتكون كذلك .

وبعبارة أخرى : إن نتيجة التزكية الطهارة ، والطاهرة هي نفس الطهارة ، فتكون الطاهرة أوفى وأقوى .

فيكون معنى تسمية الزهراء الطاهرة بالزكية ، أنها فازت وأفلحت بالزكاة والطهارة الفطرية الذاتية ، وكانت بعيدة عن الأخلاق الدنية الردية ، وفازت بكل موجبات النجاة يوم القيامة .

قال تعالى : ( قد أفلح من زكاها ) أي تزكية النفس .

ولكن التزكية على قسمين : الأول : من جانب الحق تعالى .

والثاني : من جانب الخلق . أما الأول : فهو هبة وقذف وخلق وفطرة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وهو معنى الطاهر .

وأما الثاني : فهو سعي واجتهاد وكسب ، أي أن الملكة الإلهية والقوة العقلية تتغلب مع وجود الملكات المتضادة والقوى الأخرى المنازعة - فتقهر القوى بالأعمال الصالحة والأفعال القوية القاهرة ، فهو تصد لتنمية قوى الخير وتقويتها بالمثابرة والاجتهاد .

قال علماء الأخلاق : إن النفس تحتاج إلى التزكية من الأهواء الفاسدة والميولات الكاسدة كما تحتاج الأرض المزروعة إلى التطهير من الحشائش والأوغال لتصفو التربة للبذرة ، وكما تحتاج الحنطة إلى التصفية والغربلة لتنقى من القش .

والتزكية بمعنى إظهار الأفعال الصالحة ، والإقبال على الطاعات المفروضة لا تنافي الطهارة الأصلية ، بل هي ثمرة لذلك ، أي أن كل من جاء بالطهارة الذاتية لا بد أن يكون موصوفا بالتزكية ولا بد أن تظهر منه هذه الآثار .

والفرق الآخر بين الطاهرة والزكية : أن العصمة الكبرى ولدت طاهرة من الأرجاس الأخباث الظاهرية ، فقد ورد في حديث طويل : « فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة » ، وقالت سادات الجنان لخديجة : « خذيها طاهرة مطهرة زكية ميمونة » .

فهذا الوصف خاص بالأخباث الظاهرية بشهادة القرائن الحالية ، ولكنه إذا استعمل مطلقا بدون قرائن ، دل على العموم وشمل الطهارة المعنوية أيضا .

أما لفظ الزكية فيدل على الطهارة وتزكية الأخلاق بالنحور المذكور .

وبناء على ذلك يكون لقب « زكية » أقوى من « الطاهرة » ، وهذا البيان لا يحتاج إلى برهان ، فالأفضل الإمساك عن الكلام .

تلميح : ذكرنا سابقا أن الزكاة في اللغة بمعنى النماء ، ولربما سميت فاطمة ( عليها السلام ) بالزكية لنماء جسدها العنصري وجثتها الحسية ، على خلاف العادة المألوفة في بقية الأجساد ، فقد روى في حديث المفضل « فكانت فاطمة تنمى في اليوم كما ينمى الصبي في الشهر ، وتنمى في الشهر كما ينمى الصبي في السنة » .

 وفي مصباح الأنوار مثله .

وفي بحار الأنوار عن دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الإمامي عن ابن عباس : لم تزل فاطمة تشب في اليوم كالجمعة ، وفي الجمعة كالشهر ، وفي الشهر كالسنة . . .

إلى آخر الحديث .

وهذا جواب شاف لمن ينكر حمل فاطمة في سن الحادي عشر ، فكأنه لم يقرأ هذا الحديث ، أو أنه قاس فاطمة على غيرها من النساء .

والغرض من رواية هذه الأخبار وبيان هذه الآثار أن يعلم أن هيكل العصمة الفاطمية على خلاف الهياكل الأخرى ، فيكون ما ذكرناه حينئذ موافقا لاصطلاح اللغويين ومطابقا للأحاديث .

وإذا كان المراد من « زكية » كثيرة الخير كما ورد في معنى ( غلاما زكيا ) ، يكون ما ذكرناه صحيحا أيضا ، بل الجمع على العموم أوفى وأصفى .

وسيأتي - في خصيصة من الخصائص - بيان كيفية نمو المستورة الكبرى ، ونحل هناك الإشكال العويص الذي يبدو ظاهرا أنه غير منحل ، وأرجو من الله أن تنحل عقدة لساني ، وأن يشرح صدري وجناني .

العودة إلى الصفحة الرئيسية