في معنى « البتول »

« البتول » : من الألقاب الباهرة للصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) وهي من ألقاب مريم بنت عمران ( عليها السلام ) أيضا .

والبتل : القطع والإبانة ، يقال : طلقتها بتة بتلة .

والبتول جمعها بتائل .

وهي المرأة المنقطعة عن النساء .

والبتول : الفسيلة التي انفردت واستغنت عن أمها ، والبتيلة : التي لم يركب بعض لحمها بعضا .

والمبتلة بتشديد التاء المرأة الجميلة تامة الخلق وفي قوله تعالى : ( وتبتل إليه تبتيلا ) أي الانقطاع عن الدنيا إلى الله عز وجل .

وقال في الصراح : البتول هي العذراء المنقطعة من الأزواج .

ويقال : هي المنقطعة إلى الله من الدنيا ، وهي نعت فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وقال ابن الأثير في النهاية : امرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم ، وبها سميت مريم أم عيسى ( عليه السلام ) ، وسميت فاطمة ( عليها السلام ) البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا .

وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله .

وقال عبيد الهروي في الغريبين : سميت مريم بتولا لأنها بتلت عن الرجال ، وسميت فاطمة بتولا لأنها بتلت عن النظير  .

وفي كتاب معاني الأخبار وعلل الشرائع ومصباح الأنوار والبحار « عن علي ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله  ) سئل ما البتول ؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول : إن مريم بتول وفاطمة ( عليها السلام ) بتول ، فقال ( صلى الله عليه وآله  ) : البتول التي لم تر حمرة قط - أي لم تحض - فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء » . . .

قال المجلسي ( رحمه الله ) : « إنها منقطعة عن نساء زمانها بعدم رؤية الدم » .

وروى علماء السنة هذا المضمون من قبيل أحمد بن حنبل في الفضائل والحافظ أبو نعيم في كتاب منقبة المطهرين ، وأبو صالح المؤذن في الأربعين ، وابن حجر في الصواعق في الفصل الحادي عشر في فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) في ذيل قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) عن صحيح النسائي ، والسيد علي الشافعي في مودة القربى في الباب الحادي عشر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إنما سميت فاطمة البتول لأنها تبتلت من الحيض والنفاس ، لأن ذلك يحسب في بنات الأنبياء نقصانا .

وفي صحيح النسائي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إن بنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث » .

وكذا روى علماء السنة عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : يا حميرا ! إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ، لا تغتسل كما تغتسلين .

أما علة الكراهة والنقصان فواضحة ، ويمكن أن يقال أن الأخبار الواردة في هذا المعنى بلغت حد الإستفاضة ، بل قاربت التواتر عند الفريقين ولا مجال للإنكار ، ويشهد لذلك ما روي من « أن الله حرم النساء على علي ما دامت فاطمة حية لأنها لم تحض » .

بناء على ذلك يكون معنى « فاطمة البتول » أي : المنقطعة عن رؤية الدم .

أو منقطعة عن النساء فضلا ودينا وحسبا .

أو منقطعة عن الرجال شهوة . أو منقطعة عن الدنيا .

أو منقطعة عن النظير .

والقول السادس : لأنها بتلت كل ليلة ، أي إنها ترجع بكرا كل ليلة ، وسميت مريم بتولا لأنها ولدت عيسى بكرا وبهذا انقطعت عن النساء ، وسيأتي بيانه في الكلام عن معنى « العذراء » .

تفريع رفيع إن الوجوه التي ذكرها العامة والخاصة في انقطاع فاطمة الطاهرة وانفطامها كلها وجوه جائزة وفي غاية الصحة ، وكون هذا اللقب ومعانيه مختص بالسيدتين مريم وفاطمة ( عليها السلام ) دون غيرهما حقيقة واقعة لا شك فيها .

ويستفاد علاوة على مر طهارتهما من الأرجاس والأدناس المعنوية الروحانية - والظاهر عنوان الباطن - ولما كانت مريم وفاطمة الطاهرة ( عليها السلام ) منزهتين عن الأرجاس الظاهرة بمفاد قوله تعالى ( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) ومفاد حديث عائشة المذكور « ليست فاطمة كنساء الآدميين » فهذا دليل أيضا على طهارة تلك المخدرة الكبرى طهارة معنوية ودليل على عصمتها أيضا .

وبعد هذه المقدمة نقول : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نهج البلاغة : إن النساء نواقص العقول ونواقص الإيمان ونواقص الحظوظ ; أما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام » .

فهذه العلة الخاصة عقوبة في العبودية تؤدي إلى النقصان في الإيمان .

وروي أن حواء عوقبت بالعادة بعد أن أكلت من الحنطة ، فكانت أول من رأت الدم « وأول قطرة من الطمث ظهرت من حواء ، وإن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ( عليه السلام ) » .

وقال بعض المحدثين : إن الطمث أول ما بدأ كان في بنات قوم لوط لأنهن كن يحضرن مجالس الرجال سرا وبدون إذن ليستمعن إلى حديثهم .

وقال بعض آخر : أول ما بدأ في نساء بني إسرائيل لأنهن كن يخرجن إلى المساجد وفي أقدامهن نعال من خشب ، فظهرت هذه العادة عندهن وحرم عليهن دخول المجالس والمحافل والمساجد .

وكان أهل الجاهلية يهجرون نساءهم أيام الحيض فلا يضاجعوهن ولا يؤاكلوهن ، ويخرجوهن من بيوتهم صيفا وشتاء ، وكذلك المجوس - وإن كانوا أسوأ من اليهود والنصارى - إلا أنهم لا يضاجعون نساءهم أيام الحيض ، فلما نزل قوله تعالى : ( فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) .

قال اليهود : أخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنا وتعلم منا ، لأننا نعتزل النساء في المحيض ولا نضاجعهن ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إني ما أمرت بإخراجهن من البيوت ، وإنما نهيت عن مباشرتهن .

وقوله تعالى ( لا تقربوهن ) يدل على حرمة الوطء قبلا حتى يطهرهن بالغسل ، وكفارة الوطء أول العادة دينار ، ووسطها نصف دينار ، وآخرها ربع دينار ; والدينار مثقال شرعي من الذهب المسكوك بسكة المعاملة .

والنهي عن الوطء أيام العادة للمنع من اختلاط النطفة وعلوقها بدم الحيض ، وهو يسبب الحصاة في المثانة ، وفيه أذى ، قال تعالى : ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى ) وتفصيل الكلام في الآية ليس هذا محله .

وورد في الحديث : أعداءنا أبناء حيض أو أبناء زنا .

وعلى أية حال : أراد الله رب العالمين أن تأتي هاتان السيدتان إلى الدنيا مطهرتين من الأقذار والأكدار والخبائث وخساسة الأرجاس والأدناس ، وأن يخرجن منها مطهرتين منزهتين ، فلا دماء ولا فضلات طبيعية تنشأ منها الدماء ، ولا قذر يدفعه الرحم مما لو بقي كان أذى وسبب الأمراض ، بل قد يسبب الهلاك ، وقد نزههن الله من هذه الأقذار ولم يخلقها فيهن وجعل أرحامهن مطهرة ، وجعل طهارتهن آية لنساء العالمين وعلامة على عصمتهن .

أنصف أحد العلماء المخالفين للحق وكتب عن فاطمة ( عليها السلام ) قائلا : إن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مطهرة من الرجس والدنس والأقذار الدنيوية ولم تر حمرة كما تراها سائر النساء ، وذلك لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قال لأصحابه : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » ومعلوم أن الحور العين ونساء أهل الجنة لا يطمثن ولا يرين دما ، وهن مطهرات من القذر الدنيوي فكيف تكون نساء الجنة مطهرات من عادة نساء الدنيا وتبتلى بها سيدتهن ؟ ! ومعلوم أن دخول الجنة فرع صفاء الروح والجسد ، فمتى ما صفا الروح والجسد استحق مجاورة الواحد الأحد - جل سلطانه - ومجاورة الأنبياء العظام ، وفاطمة الزهراء دخلت بصفاء وعاشت فيها بصفاء وأقبلت على دار الصفاء وجنة الخلد بصفاء والتحقت بالطاهرين من عباد الله الصالحين .

أقول : بناء على ما سيأتي من الأخبار والأحاديث ، فإن فاطمة الزكية كانت كاملة مبرأة من كل عيب ونقص يعرض على نساء الدنيا ، وكانت طاهرة مطهرة من العادة ولم تر حمرة قط ، لأن رؤية الدم غاية في النقصان ومناف لكمال الإيمان الذي اتصفت به سيدة نساء العالمين أرواحنا وأرواح العالمين لها الفداء .

وما أهجن وأقبح ما أخرجه الترمذي في جامعه عن عائشة أنها قالت « [ كنت ] أرجل رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا حائض » فما أشنع إظهارها وإعلانها عن هذا الأمر ، وإن كان ما أخرجه الترمذي لا يخلو من فائدة لمعاشر الشيعة ، حيث أنهم يريدون تفضيل مثل هذه على المطهرين والمطهرات ! !

العودة إلى الصفحة الرئيسية